تحميل خطبة الجمعة القادمة pdf للشيخ ماهر خضير

لغة القرآن والحفاظ على الهوية موضوع خطبة الجمعة للشيخ ماهر خضير

الشيخ ماهر خضير من علماء وزارة الأوقاف والأزهر الشريف


خطبة الجمعة القادمة pdf تحت عنوان ذا أردت السلامة من غيرك فاطلبها في سلامة غيرك منك
أعدها الفقير لربه/ ماهر السيد خضير

أيها المسلمون:


نقف اليوم وقفة تأمل عند قضية جوهرية في حياتنا وعلاقاتنا، قضية تلامس أعمق مشاعرنا وتؤثر في سلامة مجتمعاتنا: كيف نعيش بسلام؟ وكيف نأمن شر الآخرين؟
كثير منا يتمنى أن يعيش في أمان، أن يكون بعيدًا عن أذى الناس وشرورهم.
نطلب السلامة من ألسنتهم وأيديهم وقلوبهم. ولكن هل فكرنا يومًا في أن مفتاح سلامتنا يكمن في سلامة غيرنا منا؟
إذا أردت أن يحترمك الناس، فاحترم الناس أولًا. إذا أردت أن يعاملك الناس بالرحمة، فارحمهم أولًا.


تأملوا معي قول الله تعالى: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الأعراف: ٥٦]. فالإصلاح يبدأ من الفرد، ومن سلامة يديه ولسانه ونفسه من إيذاء الآخرين.
الإسلامُ دِينٌ يُوازِنُ بين العِباداتِ والمُعاملاتِ والأخلاقِ، وكلُّ ذلك يَظهَرُ في سُلوكِ المُسلمِ، وتَعامُلاتِه مع النَّاسِ بالقَولِ والعملِ.
وهذا الحديثُ يُوضِّحُ بعضًا من هذه المعاني، حيثُ يقولُ أبو هُريرةَ رضِي اللهُ عنه: قال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “المُسلِمُ مَن سَلِمَ النَّاسُ من لِسانِه ويَدِه”، أي: المُسلِمُ الحقُّ هو مَن أمِنَ النَّاسُ مِن شَرِّ لِسانِه؛ بالقولِ الفاحشِ القبيحِ، ومِن شَرِّ يَدِه؛ بالبطْشِ والأذى والسَّرقةِ وغيرِ ذلك
إنها قاعدة ذهبية، ومبدأ قرآني عظيم: “هل جزاء الإحسان إلا الإحسان”. إذا أردت أن يسلمك الناس، فاجعل الناس يسلمون منك أولًا.
جاء في كتاب (ذيل طبقات الحنابلة) في ترجمة القاضي أبي بكر محمد بن عبد الباقي البزار يروي لنا حكاية عن نفسه قال: كنت مجاورا بمكة المكرمة – حرسها الله تعالى – فأصابني يوما من الأيام جوع شديد، ولم أجد شيئاً في داري ادفع به عني الجوع، فخرجت التمس الطعام، فسمعت الآذان يؤذن للصلاة، وبينما كنت متوجهاً للحرم الشريف إذ بي أرى في الطريق كيسا حريريا مشدوداً بخيط من ذهب، فأخذته وجئت به إلى بيتي فحللته فوجدت فيه عقداً من لؤلؤ لم أرى مثل جماله أبداً، وأخذت أقول في نفسي يا ليت هذا العقد لي.
فخرجت فإذا بشيخ ينادي عليه ومعه خرقة فيها خمسمائة دينار، وهو يقول: “أيها الناس، هذا لمن يرد لنا الكيس الذي فيه اللؤلؤ، هذا لمن لديه شهامة وأمانة” فقلت في نفسي: أنا محتاج، وأنا جائع، فلم لا آخذ هذا الذهب فانتفع به، فوالله لا أظن أحدا في مكة كلها مثلي معوز وجائع.


فناديته: تعال معي تعال، فأخذته وجئت به إلى بيتي، فأعطاني لون الكيس وعلامة اللؤلؤ وعدده والخيط الذهبي، فأخرجته ودفعته إليه، فسلم إلى الخمسمائة دينار فرفضت أن آخذها وقلت له: يجب على أن أعيده لك ولا آخذ له جزاء ولا شكورا، فقال: لابد أن تأخذ وألح علي، فلم أقبل ذلك منه، فتركني ومضى، وأما ما كان مني فإنني شددت رحلي وخرجت من مكة وركبت البحر، فلما استويت على ظهر السفينة أخذت أفكر في حالي وفقري ومن أين لي أن آتي بالمال، فرفعت يدي ودعوت ربي {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: ٢٤].

لتحميل خطبة الجمعة للشيخ ماهر خضير اضغط هنا pdf

تحميل خطبة الجمعة ملف word

وبينما كنت متكئا على السارية أحسست بالسفينة تعلو وتهبط ليس كعادتها، ثم إن البحر بدأ يثور وأخذت أمواجه تتلاطم بالسفينة من كل مكان، ودب الرعب والذعر وزاد صراخ الناس، فأخذت أنظر فإذا بموجة كالطود العظيم جاءت فضربت السفينة فانكسرت، وغرق الناس وهلكت أموالهم، وسلمت أنا على قطعة خشبية من المركب، فبقيت مدة بالبحر حتى لاحت لي يابسة.
فأخذت أسبح بما بقي لي من قوة حتى ألقيت بنفسي على شاطئ جزيرة فجاءوني صبيانها وحملوني إلى أهلهم فأطعموني وسقوني، ثم إني خرجت بعد ثلاثة أيام فقعدت في بعض المساجد، فسمعوني أترنم بالقرآن وأقرأ، فلم يبق في تلك الجزيرة أحد إلا جاء إلي وقال: “علمني القرآن”، فحصل لي من أولئك شيء كثير من المال، ثم إني رأيت في ذلك المسجد أوراقا من مصحف فأخذت أقرا فيها فقالوا: أتحسن الكتابة والخط؟ فقلت: نعم، فقالوا علمنا الخط، فجاءوا بأولادهم من الصبيان والشباب فكنت أعلمهم فحصل لي أيضا في ذلك شيء من المال الكثير، فقالوا لي بعد ذلك، عندنا صبية يتيمة, ولها شيء من متاع الدنيا والأموال، نريد أن تتزوج بها، فامتنعت فقالوا: لابد، والزموني، فأجبتهم إلى ذلك.
فلما زفوها إلى مددت عيني أنظر إليها، فوجدت ذلك العقد بعينه معلقاً على عنقها فما كان لي حينئذ شغل إلا النظر إليه والتفكر في أمره، فقالوا: يا شيخ كسرت قلب هذه اليتيمة من نظرك إلى هذا العقد ولم تنظر إليها، فقصصت عليهم قصة العقد.
فصاحوا وصرخوا بالتهليل والتكبير حتى بلغ إلى جميع أهل الجزيرة فقلت: ما الخبر أيها الناس؟ ماذا بكم؟ فقالوا: ذلك الشيخ الذي أخذ منك العقد هو والد هذه الصبية اليتيمة، وكان يقول قبل موته: ما وجدت في الدنيا مسلماً كهذا الذي رد إلى هذا العقد، وكان يدعو ويقول: “اللهم اجمع بيني وبينه حتى أزوجه بابنتي”، والآن قد حصلت وتحققت دعوته فلله الأمر جميعاً، وهو الذي يصرف الأمور كيف يشاء!
فبقيت معها مدة ورزقت منها بولدين جميلين، ثم إنها مرضت مرض الموت فماتت – رحمها الله – فورثت العقد عنها، ذلك العقد الذي أبيت أن آخذ ثمناً له لأمانتي عندما وجدته، فجعله الله من نصيبي ومعه غلامين جميلين من صاحبته.
كيف نحقق السلامة من خلال سلامة غيرنا منا؟
أولًا: بسلامة اللسان: كم من شرور وقعت بسبب كلمة! وكم من عداوات نشبت بسبب زلة لسان! إذا أردت ألا تُشتم فلا تشتم، وإذا أردت ألا يُغتاب عرضك فلا تغتب أعراض الناس. تذكروا قول النبي صلى الله عليه وسلم: “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده”. فابدأ بنفسك، اجعل لسانك طاهرًا لا يؤذي، طيبًا لا يجرح، صادقًا لا يغش.
ورحم الله من قال
لسانُكَ لا تذكرْ به عَورَة امرئٍ *** فَكُلُّكَ عَوراتٌ وللنَّاسِ أَلسُنُ
وَعَينُكَ إِنْ أَبْدَت إِليكَ مَعَايِبَا *** فَصُنْها وقُلْ يَا عَينُ للنّاسِ أَعْيُنُ
ثانيًا: بسلامة اليد: اليد ليست فقط للبطش أو الأخذ بغير حق. اليد تمتد للعطاء، للمساعدة، للبناء. إذا أردت ألا تمتد إليك أيدي الظلم والعدوان، فاحرص ألا تمتد يدك بظلم أو عدوان على أحد. لا تأكل مال اليتيم، لا تظلم ضعيفًا، لا تسرق حق أحد. تذكروا قوله تعالى: ﴿وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة: ١٩٠].
وقال الله تعالى في سورة غافر “مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلمًا للعباد” صدق الله العظيم.
ذكر النابغة الجعدي بعض أبيات شعر عن الظلم قائلًا:
وما البغي إلا على أهله * ** وما الناس إلا كهذي الشجر.
ترى الغصن في عنفوان الشباب *** يهتز في بهجات خضر.
زمانا من الدهر ثم التوى *** فعاد إلى صفرة فانكسر.
ثالثًا: بسلامة القلب:
القلب هو منبع النوايا، وهو موطن الحقد والحسد أو الحب والصفاء. إذا أردت أن تسلم قلوب الناس من نحوك، فاجعل قلبك سليمًا تجاههم. لا تحمل حقدًا، لا تضمر حسدًا، لا تبغض إلا في الله ولله. طهر قلبك من الشوائب، واملأه بالحب والخير للجميع. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب”.
ورحم الله سيدنا علي بن ابي طالب حينما قال
وَاحْرَصْ على حِفْظِ القُلُوْبِ مِنَ الأَذَى *** فَرُجُوعِهَا بَعْدَ التَنَافُرِ يَصْعُبُ
إِنَّ القُلوبَ إِذَا تَنَافَرَ ودُّهَا *** شِبْهُ الزُجَاجَةِ كَسْرُهَا لا يُشْعَبُ


الخطبة الثانية
أيها المسلمون،
إن هذا المبدأ لا يقتصر على العلاقات الفردية فحسب، بل يمتد ليشمل بناء المجتمعات والدول. فالدولة التي تحرص على سلامة مواطنيها، وعلى أمن جيرانها، وعلى احترام حقوق الآخرين، هي الدولة التي تنعم بالسلام والأمان.
لنتأمل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم. كيف كان يتعامل مع أصحابه ومع أعدائه؟ كان يسلم الناس من لسانه ويده وقلبه، فكانت النتيجة أن سلم الناس منه وأحبوه وأمنوه.
إن السلام ليس مجرد غياب الحرب، بل هو حالة من الطمأنينة والأمان يشعر بها الفرد والمجتمع. وهذا السلام لا يأتي بالمطالبة به فقط، بل بالعمل على تحقيقه من خلال أنفسنا أولًا.
إذا أردت أن تنام قرير العين مطمئنًا، فاحرص أن تنام كل الأعين حولك قريرة مطمئنة منك. إذا أردت أن تكون لك مكانة في قلوب الناس، فاجعل لهم مكانة في قلبك.


فلنجعل هذه القاعدة نصب أعيننا: “إذا أردت السلامة من غيرك فاطلبها في سلامة غيرك منك.” لنكن سببًا في سلام الناس، حتى يكونوا سببًا في سلامنا.

وصلى الله على نبينا محمد

عدد المشاهدات : 115

No comment

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *