إدمان السوشيال ميديا موضوع خطبة الجمعة القادمة للدكتور محمد حرز بتاريخ 16 جُمَادَى الأَوَّلِ 1447هـ – 7 نَوْفَمْبِرَ 2025م.. تحميل خطبة الجمعة word, Pdf اضغط هنا
الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي تَفَرَّدَ بِالْعِزِّ وَالْجَلَالِ، وَتَوَحَّدَ بِالْكِبْرِيَاءِ وَالْكَمَالِ، وَجَلَّ عَنِ الأَشْبَاهِ وَالأَشْكَالِ، وَدَلَّ عَلَى مَعْرِفَتِهِ فَزَالَ الإِشْكَالُ، وَأَذَلَّ مَنِ اعْتَزَّ بِغَيْرِهِ غَايَةَ الإِذْلَالِ، وَتَفَضَّلَ عَلَى الْمُطِيعِينَ بِلَذَّةِ الْعِبَادَةِ وَالإِقْبَالِ، بِيَدِهِ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَفَاتِيحُ الأَقْفَالِ، لَا رَادَّ لأَمْرِهِ وَلَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ الْخَالِقُ الْفَعَّالُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلِيُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَحَبِيبَنَا وَعَظِيمَنَا وَقَائِدَنَا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ مِنْ خَلْقِهِ وَخَلِيلُهُ، فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَزِدْ وَبَارِكْ عَلَى النَّبِيِّ الْـمُخْتَارِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الأَطْهَارِ الأَخْيَارِ، وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ … فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي أَيُّهَا الأَخْيَارُ بِتَقْوَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]. عِبَادَ اللَّهِ: (إدْمَانُ السُّوشِيَالِ مِيدْيَا» عُنْوَانُ وِزَارَتِنَا وَعُنْوَانُ خُطْبَتِنَا.
إدمان السوشيال ميديا موضوع خطبة الجمعة القادمة للدكتور محمد حرز بتاريخ 16 جُمَادَى الأَوَّلِ 1447هـ – 7 نَوْفَمْبِرَ 2025م
عَنَاصِرُ اللِّقَاءِ:
أَوَّلًا: السُّوشِيَال مِيدِيَا صَلَاحٌ ذُو حَدَّيْن.
ثَانِيًا: الحَذَرُ الحَذَرُ مِنَ السُّوشِيَال مِيدِيَا أَيُّهَا الْأَخْيَارُ.
ثَالِثًا وَأَخِيرًا: اضْبِطْ حَالَكَ وَوَقْتَكَ مَعَ السُّوشِيَال مِيدِيَا قَبْلَ فَوَاتِ الْأَوَانِ.
أَيُّهَا السَّادَةُ: مَا أَحْوَجَنَا فِي هَذِهِ الدَّقَائِقِ الْمَعْدُودَةِ إِلَى أَنْ يَكُونَ حَدِيثُنَا عَنْ إِدْمَانِ السُّوشِيَال مِيدِيَا خُصُوصًا عِندَ الأَطْفَالِ فَلَقَدْ أَدْمَنَ الأَطْفَالُ السُّوشِيَال مِيدِيَا بِصُورَةٍ مَخْفِيَّةٍ مُفْزِعَةً وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ،وَخَاصَّةً وَهَذَا إِدْمَانٌ مِنْ نَوْعٍ خَاصٍّ بلْ وَمِنْ أَخْطَرِ أَنْوَاعِ الْإِدْمَانِ وَكَيْفَ لَا؟ وَهُوَ يُضَيِّعُ الْوَقْتَ فِيمَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ بَلْ إِنَّ شَتَّ فقلْ يُضَيِّعُ الْوَقْتَ وَيَسْرِقُ الْعُمْرَ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ، وَخَاصَّةً وَحَالُنَا مَعَ السُّوشِيَال مِيدِيَا كَحَالِ الصَّحَابَةِ الْأَخْيَارِ مَعَ كَلاَمِ رَبِّ الْعَالَمِينَ جَلَّ جَلاَلُهُ فَالْصَّحَابَةُ عَاشُوا أَعْمَارَهُمْ مَعَ الْقُرْآنِ وَمَعَ كَلاَمِ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا نَحْنُ ضَيَّعْنَا أَعْمَارنَا مَعَ مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ الْاجْتِمَاعِيِّ وَخَاصَّةً وإنَّ لهذا التَّواصِلِ وهذا النَّوْعِ مِنَ التَّقَدُّمِ حَسناتٍ جليلةً، يَنْبَغي أَنْ تُسْتَغَلَّ وَيُنْتَفَعُ بِها, كَما أَنَّ لَهُ سَيِّئاتٍ كَثيرَةً وَخَطيرَةً يَنْبَغِي أَنْ يُنَبَّهَ وَيُتَنَبَهَ لهَا وَأَنْ تُتَّقَىَ وَتُحْذَرَ فَإِنَّ ذلِكَ يُجْنىَ بِهِ الثَّمَرُ وَيُتَوَقَّىَ بِهِ الضَّرَرُ، يُجْنَىَ بِهِ الخَيْرُ وَيُتَوَقَّىَ بِهِ الخَطَرُ في الدِّيانَةَ وَفي الدِّينِ وَالدُّنَيَا وَفي الفَرْدِ وَالمُجْتَمَعِ وَالأُمَّةِ. وَخَاصَّةً وَتِلْكُمُ الْمَوَاقِعُ مَوَاقِعُ الْانْفِصَالِ الْاجْتِمَاعِيِّ حَيْثُ قَرَّبَتِ الْبَعِيدَ وَبَاعَدَتِ الْقَرِيبَ وَلَيْسَتْ مَوَاقِعُ الِاتِّصَالِ الْاجْتِمَاعِيِّ فَلَقَدْ صَارَتْ وَسَائِلُ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ سَبَبًَا لانْشِغَالِ الزَّوْجِ عَنْ زَوْجَتِهِ، وَالزَّوْجَةِ عَنْ زَوْجِهَا، وَالأَبْنَاءِ عَنْ آبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ، وَالإِخْوَةِ عَنْ أَخَوَاتِهِمْ، بَلْ صَارَ كِبَارُ السِّنِّ يَشْعُرُونَ بِالعُزْلَةِ عَنْ فُرُوعِهِمْ وَأَقَارِبِهِمْ، وَخَاصَّةً وَتِلْكُمُ الْمَوَاقِعُ جَاءَتْ إِلَيْنَا بِالْمَجَّانِ لِتُضَيِّعَ الْعُقُولَ لِتُخْرِبَ الْأَفْهَامَ لِتُفْسِدَ الْأَخْلَاقَ لِتَهْدِمَ الْقِيمَ وَالْمَبَادِئَ فَكَثُرَ الْانْحِرَافُ وَكَثُرَتْ مَوَاقِعُ الْفِتَنِ وَالرَّزِيلَةِ وَانْتَشَرَ سُوءُ الْأَخْلَاقِ وَانْتَشَرَتِ الْجَرَائِمُ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَانْتَشَرَتِ الْإِبَاحِيَّةُ وَانْتَشَرَتِ الدِّيَاثَةُ بِصُورَةٍ مُخْزِيَةٍ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ، وَيَالَيْتَنَا حَوْلَ تَلْكُمُ الْمَوَاقِعِ إِلَى دَعْوَةٍ إِلَى الْإِسْلَامِ وَإِلَى عِبَادَةِ الْوَاحِدِ الدِّيَانِ وَإِلَى نَفْعِ شَبَابِ الْإِسْلَامِ وَتَعْلِيمِ الْبَنَاتِ أُمُورَ الدِّينِ الْعَظِيمِ لَكِنْ خَرَجَ رَاعِي الْأُسْرَةِ التَّافِهِ لِيُعْرِضَ مَفَاتِنَ زَوْجَتِهِ وَأَوْلَادِهِ مِنْ أَجْلِ جَمْعِ اللَّايْكاتِ وَجَمْعِ الْأَمْوَالِ وَانْتَشَرَتِ التَّرِينْدَاتُ التَّافِهَ لِلْتَّافِهِينَ وَالتَّافِهَاتِ وخاصةً وَإِنَّ وَسَائِلَ التَّوَاصُلِ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَصْبَحَتْ مَعاوِلَ هَدْمٍ لِلْقِيَمِ وَالأَخْلَاقِ، وَأَصْبَحَ التَّافِهُونَ وَالفَاسِقُونَ قُدْوَاتٍ، كَمَا قِيلَ: نَحْنُ نَشْغَلُ أَوقَاتَنَا بِمُتَابَعَةِ فَرَاغِ الآخَرِينَ وَتَفَاهَتِهِمْ. وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ:
مَتَى يَبْلُغُ الْبِنَيَّانُ يَوْمًا تَمَامَهُ إِذَا كُنتَ تَبْنِيهِ وَغَيْرُكَ يَهْدِمُ أَوَّلًا: السُّوشِيَال مِيدِيَا صَلَاحٌ ذُو حَدَّيْن. أَيُّهَا السَّادَةُ: شَرُّ الْخَلْقِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ هُمْ الَّذِينَ يَسْتَغِلُّونَ نِعْمَةَ اللهِ تَعَالَى، وَيَخُونُونَهَا، وَيَسْتَخْدِمُونَهَا فِي مَعْصِيَةِ اللهِ تَعَالَى، هَؤُلاءِ يُعَذَّبُونَ أَنْفُسَهُمْ بِعُقُوبَةِ اللهِ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ قَالَ جَلَّ وَعَلَا ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ﴾ [طه: 124- 126]. وَكَيْفَ لَا؟ وَنِعَمُ اللهِ جَلَّ وَعَلَا تَسْتَوْجِبُ الشُّكْرَ، فَمَن شَكَرَ اللهَ تَعَالَى عَلَى نِعَمِهِ رَأَيْتَهُ عَبْدًا مُطْمَئِنَّ الْقَلْبِ، قَرِيرَ الْعَيْنِ، رَاضِيًا عَنْ رَبِّهُ أَتَمَّ الرِّضَا، مَلَأَ قَلْبَهُ حُبًّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَرَجَاءً فِيهِ، وَيَقِينًا فِي رَحْمَتِهِ، وَاسْتَبْشَرَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم: 7]؛ لِأَنَّ الشُّكْرَ لِلَّهِ تَعَالَى يُعَقِّلُ النِّعْمَةَ الْمَوْجُودَةَ، وَيَسْتَجْلِبُ النِّعْمَةَ الْمَفْقُودَةَ. وَكَيْفَ لَا؟ وَمِنْ جُمْلَةِ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا نِعْمَةٌ مَا يُسَمَّى بِوَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الْاجْتِمَاعِيِّ، فَبَعدَ أَنْ كَانَ النَّاسُ يَعَانُونَ مِنْ قِلَّةِ التَّوَاصُلِ فِيما بَيْنَهُمْ، وَصُعُوبَةِ الَوُصُولِ إِلَى الْمَوَاقِعِ الْمُهِمَّةِ، وَتَحْصِيلِ الْمَعْلُومَاتِ الضَّرُورِيَّةِ لِحَيَاتِهِمْ، أَصْبَحَتِ الْأُمُورُ أَكْثَرَ تَيْسِيرًا وَعَوْنًا عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ ظُهُورِ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الْحَدِيثَةِ، فَالحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى تَتابُعِ نِعَمِهِ وَآلَائِهِ عَلَى عِبَادِهِ فلَقَدْ أَصْبَحَ الْعَالِمُ بِمَا فِيهِ مِنْ قَارَّاتٍ، وَدُوَلٍ، وَمُدُنٍ، كَالْقَرْيَةِ الصَّغِيرَةِ بِسَبَبِ وُجُودِ شَبَكَاتِ الْإِنْتَرْنَتِ، وَانْتِشَارِ مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ الْاجْتِمَاعِيِّ بَيْنَ النَّاسِ، وَكُلُّ نِعْمَةٍ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا اخْتِبَارٌ وَابْتِلاءٌ سِلَاحٌ ذُو حَدَّيْنِ ﴿ لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ﴾ [النمل: 40]، وَأَجْهِزَةُ التَّوَاصُلِ الْاجْتِمَاعِيِّ بِحَدِّ ذَاتِهَا نِعْمَةٌ، وَلَكِنَّهَا وَبِكُلِّ أَسَفٍ انْقَلَبَتْ إِلَى نِقْمَةٍ عِندَ أَكْثَرِ النَّاسِ، حَيْثُ سَهَّلَتْ عَلَيْهِمْ مَعْصِيَةَ اللَّهِ تَعَالَى، بِسَبَبِ الْغَفْلَةِ عَنْهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، حَتَّى صَارَتْ سَبَبًَا في انْهِيَارِ البُيُوتِ، وَمِنْ خِلَالِهَا فَاحَتْ رَوَائِحُ الفَضَائِحِ، وَهُتِكَتِ الأَعْرَاضُ، وَاخْتُرِقَتِ الحُرُمَاتُ، وَتَحَوَّلَتْ أَجْهِزَةُ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ إلى نِقْمَةٍ وَأَيِّ نِقْمَةٍ. وَكَيْفَ لَا؟ وبِنِعْمَةِ أَجْهِزَةِ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ التي اسْتُخْدِمَتْ في مَعْصِيَةِ اللهِ تعالى، بَكَتْ عُيُونَ الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ، وَفُرِّقَ بَيْنَ الأَزْوَاجِ، وَجُرَّ العَارُ عَلَى الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ، وَقُهِرَتِ الزَّوْجَاتِ وَالأَزْوَاجَ، وَنُـشِرَتِ الخَبَائِثَ، وَطُلِّقَتِ الكَثِيرُ مِنَ الزَّوْجَاتِ، وَطَلَبَتِ الكَثِيرُ مِنَ النِّسَاءِ الطَّلَاقَ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ. وَكَيْفَ لَا؟ والسُّوشِيَال مِيدِيَا صَلَاحٌ ذُو حَدَّيْن بِحَسَبِ مُسْتَخْدِمِهَا، فَكَمْ مِنْ إِنْسَانٍ اسْتَخْدَمَهَا فَأَحْسَنَ اسْتِخْدَامَهَا فِي نَشْرِ الْخَيْرِ وَالدَّعْوَةِ إِلَى الْحَقِّ، وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ بِإِخْلَاصٍ وَصِدْقٍ، وَإِيصَالِ الْأَخْبَارِ الصَّادِقَةِ وَتَبَادُلِ الْمَعْلُومَاتِ النَّافِعَةِ، وَصِلَةِ الْأَرْحَامِ وَالتَّوَاصُلِ مَعَ الْأَصْدِقَاءِ حَتَّى أَصْبَحَ هَذَا النَّوْعُ مِنَ النَّاسِ دَاعِيًا إِلَى اللهِ تَعَالَى، بِالْمَقَاطِعِ وَالرَّسَائِلِ وَالْكِتَابَاتِ وَالْمَجْمُوعَاتِ الَّتِي أُنْشِئَتْ لِهَذَا الْغَرَضِ النَّبِيلِ، فَكَانَ دَاخِلًا فِي قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: )وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ( [فصلت:33].وَفِي الْمُقَابِلِ فَقَدِ اسْتَخْدَمَهَا آخَرُونَ فَأَسَاءُوا اسْتِخْدَامَهَا؛ إِذْ جَعَلُوهَا مَطِيَّةً لِنَشْرِ الرَّذَائِلِ، وَحِرَابًا فِي وَجْهِ الْفَضَائِلِ، وَوَسِيلَةً لِبَثِّ الْأَخْبَارِ الْكَاذِبَةِ، وَنَقْلِ الْمَعْلُومَاتِ الْخَاطِئَةِ، وَتَبَادُلِ الْمَقَاطِعِ وَالْمَوَاقِعِ الْمُجَرَّمَةِ، وَتَنَاقُلِ الصُّوَرِ الْفَاضِحَةِ وَالْمُسَابَقَاتِ الْمُحَرَّمَةِ، كَمَا اسْتَخْدَمُوهَا لِلتَّرْوِيجِ لِلْبَاطِلِ وَالشَّرِّ وَالْفَسَادِ، وَالْوَقِيعَةِ بَيْنَ النَّاسِ وَإِشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ وَالْمُنْكَرِ بَيْنَ الْعِبَادِ، وَمَعَ أَنَّ تِلْكَ الْوَسَائِلَ وَالْبَرَامِجَ فِيهَا مِنَ الْخَيْرِ الْكَثِيرِ وَالْعِلْمِ الْوَفِيرِ إِلَّا أَنَّ اسْتِخْدَامَهَا دُونَ انْضِبَاطٍ بِضَوَابِطِ الدِّينِ وَالْأَخْلَاقِ قَدْ يَجْلِبُ لِصَاحِبِهَا الشَّرَّ الْمُسْتَطِيرَ؛ فَكُلُّ مَا تَخُطُّهُ يَدُ الْإِنْسَانِ، أَوْ تَرَاهُ عَيْنُهُ أَوْ يَتَلَفَّظُ بِهِ اللِّسَانُ، مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ وَمُجَازًى بِهِ؛ قَالَ جل وعلا: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ( [يس:12]. وَمَا مِنْ كَاتِبٍ إِلَّا سَيَفْنَـــىوَيَبْقَى الدَّهْرَ مَا كَتَبَتْ يَــدَاهُ
فَلَا تَكْتُبْ بِكَفِّكَ غَيْرَ شَيْءٍ*يَسُرُّكَ فِـــي الْقِيَامَةِ أَنْ تَرَاهُ
فَكَمْ مِنْ زَلَّةٍ وَقَعَ بِهَا بَعْضُ مُسْتَخْدِمِي تِلْكَ الْبَرَامِجِ أَوْرَثَتْ أَصْحَابَهَا نَدَمًا وَحَسْرَةً! وَكَمْ مِنْ كَلِمَةٍ لَمْ يَتَدَبَّرْهَا قَائِلُهَا أَوْرَدَتْهُ مَوَارِدَ الْهَلَكَةِ وَالْخُسْرَانِ! فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ، مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا، يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]، لِذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي النَّارِ -أَوْ قَالَ- عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ]..
وَكَيْفَ لَا؟ وثَمَّةَ فِتْنَةٌ تُفْسِدُ الْقُلُوبَ فِي الْخَلَوَاتِ، حِينَمَا يَخْلُو الْمَرْءُ بِالْهَاتِفِ فِي الزَّوَايَا الْخَالِيَاتِ، فَيَنْتَهِكُ الْحُرُمَاتِ، وَيُشَاهِدُ الْمُحَرَّمَاتِ، مُسْتَخِفًّا بِأَوَامِرِ اللَّهِ، غَيْرَ آبِهٍ بِنَوَاهِيهِ، نَاسِيًا مَا تَجْرُهُ تِلْكَ الْمَنَاظِرُ مِنْ أَوْبِئَةٍ وَأَمْرَاضٍ، وَانْتِهَاكٍ لِلْأَعْرَاضِ، وَضِيَاعٍ لِلْأَعْمَالِ وَالْأَوْقَاتِ، وَذَهَابٍ لِلْحَسَنَاتِ، فَعَنْ ثَوْبَانَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ -عز وجل- هَبَاءً مَنْثُورًا»، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، فَقَالَ النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا» (رواه ابن ماجه). فَلا إِلَهَ إلا اللهُ، أَيُّ جَريمةٍ أَن يَظهَرَ الإنسانُ أَمامَ النَّاسِ بِمَظهَرِ الصَّلاحِ، ولا يَرونَهُ إلا في طَاعةٍ وخَيرٍ وبِرٍّ وفَلاحٍ، وإذا خَلا لَم يُبالِ بِنَظرِ الجَبَّارِ، ووَقَعَ في الحَرامِ وانتَهَكَ الأستارَ، فَأَينَ المَفَرُّ عِندَمَا تُنشَرُ الأَسرارُ؟! (وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)[يونس: 61]. إنَنا في زَمانٍ قَد سَهُلَ فِيه الوُصولُ إلى المَعَاصي، وَقَرُبَ فِيهِ الدَّانيُّ مِن القَاصيِّ، وَأصبَحَ الإنسانُ بِواسطةِ شَاشَتِهِ، يَدورُ العَالمَ وَهو في غُرفَتِهِ، وَهَذَا -واللهِ- الامتِحانُ الكَبيرُ، في مُراقبَةِ نَظرِ العَليمِ الخَبيرِ، فَأَخبرني مَا هُو نَصيبُكَ -أَيَّها الحَبيبُ- مِن قَولِهِ: (لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ)[المائدة: 94]؟.
إذَا مَا خَلَوتَ الدَّهْرَ يَومًا فَلا َتَقُلْ *** خَلَوتُ وَلَكنْ قُلْ عَليَّ رَقيبُ
وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ يَغْفُلُ سَاعةً *** وَلا أَنَّ مَا يَخْفَى عَلَيْهِ يَغيبُ
فلا يَغرَّنَّكَ صَمتَ جَوَارِحِكَ اليَومَ وَأَنتَ في خَلَواتِكَ مَع المَعاصي والسَّيئاتِ، فَوَ اللهِ لَتَسمعُ كَلامَها وَهي تَشهَدُ عَليكَ بِتَفَاصيلِ الجَرائمِ والخَطيئاتِ، فِي يَومٍ تُبلى فيهِ السَّرائرُ ويُنطِقُها عَالمُ الجَهرِ والخَفيَّاتِ؛ (حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)[فصلت: 20 – 21]. “أَجمَعَ العَارِفونَ باللهِ بِأنَّ ذُنوبَ الخَلواتِ هِيَ أَصلُ الانتِكَاسَاتِ، وَأَنَّ عِباداتِ الخَفَاءِ هِيَ أَعظمُ أَسبابِ الثَّباتِ”، فَإيَّاكَ أَن تَكونَ مِن الذينَ قَالَ اللهُ -تَعَالى- فيهم: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا)[النساء: 108]. يَا أَصْحَابَ هَذِهِ النِّعْمَةِ، لَا تَجْعَلُوا اللهَ أَهْوَنَ النَّاظِرِينَ إِلَيْكُمْ، وَتَذَكَّرُوا قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾. وَاسْمَعُوا حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَحْيُوا مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ». قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ للهِ. قَالَ: «لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الاسْتِحْيَاءَ مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ: أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُرِ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. فَلْنَحْفَظِ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، لِنَحْفَظِ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَاللِّسَانَ، فَكُلُّ أُولَئِكَ سَنُسْأَلُ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
ثَانِيًا: الحَذَرُ الحَذَرُ مِنَ السُّوشِيَال مِيدِيَا أَيُّهَا الْأَخْيَارُ.
أَيُّهَا السَّادَةُ : إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْأَخْطَارِ وَالشُّرُورِ الَّتِي صَاحَبَتِ التَّوَسُّعَ فِي وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الْحَدِيثَةِ، نَشْرَ الْأَحَادِيثِ الْمَنْسُوبَةِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَنَاقُلَهَا بَيْنَ النَّاسِ دُونَ تَأَكُّدٍ مِنْ ثُبُوتِهَا أَوْ تَحَقُّقٍ مِنْ صِحَّتِهَا؛ قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ((فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)) [الأنعام:144]، وَقَالَ جل وعلا ((قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [الأعراف:33]، قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: (وَأَمَّا الْقَوْلُ عَلَى اللَّهِ بِلَا عِلْمٍ، فَهُوَ أَشَدُّ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ تَحْرِيمًا، وَأَعْظَمُهَا إِثْمًا ؛ وَلِهَذَا ذُكِرَ فِي الْمَرْتَبَةِ الرَّابِعَةِ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي اتَّفَقَتْ عَلَيْهَا الشَّرَائِعُ وَالْأَدْيَانُ؛ فَقَالَ( وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [ فَهَذَا أَعْظَمُ الْمُحَرَّمَاتِ عِنْدَ اللَّهِ وَأَشَدُّهَا إِثْمًا).فَلَا يَجُوزُ نَشْرُ الْأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَةِ وَالرِّوَايَاتِ الَّتِي لَمْ تَثْبُتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا لِلتَّحْذِيرِ مِنْهَا وَبَيَانِ بُطْلَانِهَا، وَمَنْ قَامَ بِتَرْوِيجِهَا دُونَ تَثَبُّتٍ فَقَدْ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِغَضَبِ اللَّهِ وَعِقَابِهِ؛ فعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
وإِنَّ مِنْ أَخْطَارِ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الْحَدِيثَةِ: ٱنتِشَارُ ٱلْإلْحَادِ وَمَوَاقِعُ ٱلْإلْحَادِ فِتَنُ ٱلشُّبُهَاتِ فَكَثيِرٌ ممَّنِ ابْتُلِيَ بالإِلحادِ، وَكَثيِرٌ ممَّن ابْتُلِيَ بالغُلُوِّ وَالإِرْهابِ ابْتُلوُا مِنْ طريقِ هذهِ التَّطبيقاتِ إِمَّا بِدَعْوَةٍ صَريحَةٍ أَوْ بِدَعْوَةٍ مُبَطَّنَةٍ فَلْيَكُنِ الإِنْسانُ عَلَىَ حَذَرٍ، وَأَغْلَىَ ما تُحافِظُ عَلَيْهِ وَتَحْرِصُ عَلَيْهِ هُوَ دينُكَ فَتَوَقَّ الشَّرَّ، وَقَدْ قالَ مُحَمَّدُ بْنُ سيرينَ رَحِمَهُ اللهُ: « إِنَّ هَذَا الأَمْرَ دِينٌ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ عَمَّنْ يَأْخُذُ دِينَهُ». فاتَّقوُا اللهَ عِبادَ اللهِ وَاتَّقوُا شُرورَ هَذِهِ الشَّبَكاتِ وَهَذِهِ التَّطبيقاتِ فَإِنَّها قَدْ تُوُقِعُكَ في شَرَكِ إِلحادٍ أَوْ إِهْلاكٍ أَوِ انْحرافٍ أَوْ بِدْعَةٍ أَوْ نِفاقٍ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ.
وإِنَّ مِنْ أَخْطَارِ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الْحَدِيثَةِ: مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ نَشْرِ مَقَاطِعِ الْفِسْقِ وَالْفُجُورِ وَتَنَاقُلِهَا عَبْرَ الْمَوَاقِعِ وَالرَّسَائِلِ، بَلْ وَصَلَ الْحَالُ فِي بَعْضِهِمْ إِلَى الْمُجَاهَرَةِ بِفِعْلِ الْفَوَاحِشِ وَتَصْوِيرِ أَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ نَشْرِ تِلْكَ الْمَقَاطِعِ وَالتَّفَاخُرِ بِهَا بَيْنَ زُمَلَائِهِمْ وَأَقْرَانِهِمْ، مُعَرِّضِينَ أَنْفُسَهُمْ لِجُرْمٍ فِي الْأَخْلَاقِ عَظِيمٍ وَخَطَرٍ فِي الدِّينِ جَسِيمٍ؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ، عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]. وَنَشْرُ الفَوَاحِشِ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ خِزْيٌ وَعَارٌ وَهَلَاكٌ وَدَمَارٌ قَالَ جَلَّ وَعَلَا ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾ [النور: 19]؛وَصَدَقَ الْمَعْصُومُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ يَقُولُ ((لَمْ تَظْهَر الفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلا فَشَا فِيهِم الطَّاعُونُ، وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِم الَّذِينَ مَضَوْا.(( وَانْتَشَرَتِ الدِّيَاثَةُ بِصُورَةٍ مُخْزِيَةٍ يَصُورُ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ وَبَنَاتِهِ عَائِلَاتٍ بِأَكْمَلِهَا وَقَعَتْ فِي هَذَا الدَّاءِ الْعُضَالِ وَهَذَا الذَّنبِ الْخَطِيرِ مِنْ أَجْلِ الْحُصُولِ عَلَى الْأَمْوَالِ وَنَسِيَ الْمِسْكِينُ غَضَبَ الْجَبَّارِ وَنَسِيَ الْمِسْكِينُ الْحِسَابَ وَالْصِّرَاطَ وَالْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَنَسِيَ الْمِسْكِينُ قَوْلَ النَّبِيِّ الْأَمِينِ(( ثَلَاثَةٌ لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلةُ، وَالدَّيُّوثُ)) وَالدَّيُّوثُ الَّذِي لَا يَغَارُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ. وَمَاتَتِ الغَيْرَةُ فِي قُلُوبِ الكَثِيرِ مِنَ النَّاسِ إِلَّا مَا رَحِمَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا ((قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: “لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مَصْفَحٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: “تَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ، وَاللَّهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي، وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ” [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
وَمِنَ الْأَخْطَارِ وَالشُّرُورِ الَّتِي صَاحَبَتِ التَّوَسُّعَ فِي تِلْكَ الْبَرَامِجِ: اسْتِسْهَالُ التَّوَاصُلِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مِنْ غَيْرِ الْمَحَارِمِ دُونَ ضَرُورَةٍ أَوْ حَاجَةٍ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مَدْخَلًا مِنْ مَدَاخِلِ الشَّيْطَانِ وَذَرِيعَةً تَجُرُّ صَاحِبَهَا لِلْوُقُوعِ فِي وَحَلِ الْمُحَرَّمَاتِ؛ إِنَّ هذِهِ الْوَسَائِلَ قَرَّبَتِ الرِّجَالَ مِنَ النِّسَاءِ، وَالشَّبَابَ مِنَ الْفَتَيَّاتِ، فَأَوْقَعَتْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْبُيُوتِ الرِّيَبَ وَالشُّكُوكَ، وَأَوْصَلَتْ بَعْضَ الْأَزْوَاجِ وَالزَّوْجَاتِ عَتَبَةَ الطَّلَاقِ بَعْدَ الْخِصَامِ وَالشِّقَاقِ. وَأَوْصَلَتْ كَثِيرًا مِنَ الشَّبَابِ وَالْفَتَيَاتِ إِلَى الانْحِرَافِ بِدَرَجَاتِهِ وَأَنْوَاعِهِ الْمُخْتَلِفَةِ. وَكَمْ مِنْ فَتَاةٍ غُرِّرَ بِهَا عَنْ طَرِيقِهَا وَهِيَ لَا تَعْرِفُ لِلشَّرِّ طَرِيقًا، وَلَيْسَ فِي قَلْبِهَا أَيُّ رِيبَةٍ؛ وَلَكِنْ صَدَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ» [سُنَنُ التِّرْمِذِيِّ]. وَانتَشَرَتِ الذِّئَابُ البَشَرِيَّةُ الَّتِي خَرَبَتِ النِّسَاءَ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا باللَّهِ وَصَدَقَ المَعصُومُ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ يَقُولُ لَيْسَ مِنَّا مَن خَبَّبَ امرأة عَلَى زَوْجِهَا )) وَقَدْ هَيَّأَتْ بَرَامِجُ التَّوَاصُلِ خَلْوَةً –بِطَرِيقَةٍ جَدِيدَةٍ– بَيْنَ الْجِنْسَيْنِ لِلْحَدِيثِ وَالْمُؤَانَسَةِ، وَالْمُضِيِّ سَاعَاتٍ طِوَالٍ فِي أَحْلَامٍ، وَسَهَرِ لَيَالٍ عَلَى أَوْهَامٍ؛ مَعَ مَكْرٍ كُبَّارٍ بِجَمِيلِ الْكَلَامِ وَوُعُودِ الْخِدَاعِ. فَيَجِبُ عَدَمُ الاسْتِهَانَةِ بِهَذِهِ الْوَسَائِلِ؛ فَإِنَّهَا مَوْرِدُ بَحْرٍ مِنَ الْأَوْزَارِ وَالآثَامِ إِنِ اسْتُخْدِمَتْ فِي الشَّرِّ. كَمَا أَنَّهَا مَجَالٌ رَحْبٌ وَعَظِيمٌ لِكَسْبِ الْحَسَنَاتِ إِنِ اسْتُخْدِمَتْ فِي الْخَيْرِ، وَلَمْ تُضَيَّعْ بِسَبَبِهَا الْوَاجِبَاتُ: ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا ۚ أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [الْمُجَادَلَةِ: ٦]، يَا أَصْحَابَ الْجَوَّالَاتِ، وَيَا أَصْحَابَ الصَّفَحَاتِ الْوَهْمِيَّةِ عَلَى مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ، رَاقِبُوا اللهَ جَلَّ وَعَلَا، الْقَائِلُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النِّسَاءِ: ١]، الْقَائِلُ: ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى﴾ [الْعَلَقِ: ١٤]، الْقَائِلُ: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ﴾ [الْحَدِيدِ: ٤]، الْقَائِلُ: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طَهَ: ٤٦]. لِذَا يَجِبُ أَنْ نُرَبِّيَ أَنْفُسَنَا وَأَوْلَادَنَا عَلَى مُرَاقَبَةِ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا فِي جَمِيعِ تَصَرُّفَاتِ حَيَاتِنَا، وَأَنَّ اللَّهَ مُطَّلِعٌ عَلَيْنَا وَيَرَانَا. وَقُلْ لَهُ يَا وَلَدِي:
وَإِذَا خَلَوْتَ بِرِيبَةٍ فِي ظُلْمَةٍ وَالنَّفْسُ دَاعِيَةٌ إِلَى الطُّغْيَانِ
فَاسْتَحْيِ مِنْ نَظَرِ الإِلَهِ وَقُلْ لَهَا إِنَّ الَّذِي خَلَقَ الظَّلَامَ يَرَانِي
بَلْ إِنَّ مِنْ أَكْثَرِ شُرُورِ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الْحَدِيثَةِ انْتِشَارًا وَأَوْسَعِهَا ذُيُوعًا وَانْتِثَارًا: اسْتِسْهَالَ نَشْرِ الشَّائِعَاتِ، وَتَنَاقُلَ الْأَخْبَارِ الْكَاذِبَةِ وَالزَّائِفِ مِنَ الْمَعْلُومَاتِ، حَتَّى أَضْحَى ذَلِكَ الْأَمْرُ خَطَرًا يُهَدِّدُ أَمْنَ الدُّوَلِ وَاسْتِقْرَارَ الْمُجْتَمَعَاتِ؛ فَانْتِشَارُ الشَّائِعَاتِ وَذُيُوعُ الْأَخْبَارِ الْمَكْذُوبَةِ وَتَنَاقُلُهَا بَيْنَ النَّاسِ دُونَ تَحَقُّقٍ أَوْ تَثَبُّتٍ مِنْ صِحَّتِهَا، مِنْ أَخْطَرِ الْآفَاتِ الَّتِي قَدْ تُصِيبُ وَحْدَةَ الْمُسْلِمِينَ وَتَرَابُطَهُمْ، وَتُؤَثِّرُ فِي تَلَاحُمِ صُفُوفِهِمْ وَتَمَاسُكِهِمْ؛ فَمَا انْتَشَرَ هَذَا الدَّاءُ فِي أُمَّةٍ إِلَّا أَوْهَنَهَا، وَمَا ابْتُلِيَتْ بِهِ جَمَاعَةٌ إِلَّا فَكَّكَهَا؛ قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) [الحجرات:6]، وَقَالَ تَعَالَى: ]لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا ( [الأحزاب:60-61]. قَالَ قَتَادَةُ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: (الْمُرْجِفُونَ هُمُ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ مِنَ الْأَخْبَارِ مَا تَضْعُفُ بِهِ قُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ وَتَقْوَى بِهِ قُلُوبُ الْمُشْرِكِينَ).وَقَدْ حَذَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤْمِنَ: مِنْ نَقْلِ كُلِّ مَا يَسْمَعُهُ أَوْ يَصِلُهُ مِنْ أَخْبَارٍ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]. وَقَالَ تَعَالَى: ]وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ( [الإسراء:36]. فَعَلَى الْمُؤْمِنِ: أَنْ يَكُفَّ يَدَهُ وَلِسَانَهُ وَسَائِرَ جَوَارِحِهِ عَنْ نَشْرِ الشَّائِعَاتِ وَتَنَاقُلِ الْأَخْبَارِ وَالْمَعْلُومَاتِ قَبْلَ أَنْ يَتَحَقَّقَ مِنْ مَصَادِرِهَا وَيَتَأَكَّدَ مِنْ صِحَّتِهَا؛ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مُسْتَنْطِقُ كُلِّ جَارِحَةٍ عَمَّا عَمِلَتْ أَوْ قَالَتْ أَوْ كَتَبَتْ؛ ]يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ( [النور:24- 25]. وأَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ، وَيَتَحَرَّى الصِّحَّةَ وَالدِّقَّةَ وَالْأَمَانَةَ وَالْعِفَّةَ فِيمَا يَقُولُ أَوْ يَكْتُبُ؛ قَالَ جل علا ((فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ )) [الحجر:92-93]. وَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ:
دَقَّاتُ قَلْبِ الْمَرْءِ قَائِلَةٌ لَهُ إِنَّ الْحَيَاةَ دَقَائِقٌ وَثَوَانِ فَارْفَعْ لِنَفْسِكَ بَعْدَ مَوْتِكَ ذِكْرَهَا فَالذِّكْرُ لِلْإِنْسَانِ عُمْرٌ ثَانِ
فَالحَذَرُ الحَذَرُ عَلَى أَطْفَالِنَا مِنَ السُّوشِيَالِ مِيدْيَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَعَنْ مَعْقِلٍ قَالَ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ” وَفِي الحَدِيثِ (( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ))
لَيْسَ الْيَتِيمُ مَنْ انْتَهَى أَبَوَاهُ *** مِنَ الْحَيَاةِ وَخَلَّفَاهُ ذَلِيلًا
إِنَّ الْيَتِيمَ هُوَ الَّذِي تُلِقَّى لَهُ *** أُمًّا تَخَلَّتْ أَوْ أَبًّا مَشْغُولًا
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وَأَتُوبُ إِلَيْه؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. …..الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا…….أَمَّا بَعْدُ:
ثَالِثًا وَأَخِيرًا: اضْبِطْ حَالَكَ وَوَقْتَكَ مَعَ السُّوشِيَال مِيدِيَا قَبْلَ فَوَاتِ الْأَوَانِ.
أَيُّهَا السَّادَةُ: الوَقْتُ هُوَ الحَيَاةُ، والوَقْتُ هُوَ رَأْسُ مَالِ المُسْلِمِ، فَالعَاقِلُ هُوَ الَّذِي يَعْرِفُ قَدْرَ وَقْتِهِ، وَشَرَفَ زَمَانِهِ، فَلَا يُضَيِّعُ سَاعَةً وَاحِدَةً مِنْ عُمْرِهِ إِلَّا فِي خَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. فَالوَقْتُ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾ (الفُرْقَان: 62) بَلْ لِعِظَمِ الوَقْتِ أَقْسَمَ اللهُ بِهِ فِي القُرْآنِ مِرَارًا وَتِكْرَارًا، فَقَالَ رَبُّنَا: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ﴾ (اللَّيْل: 1-2) وَقَالَ رَبُّنَا: ﴿وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ فَالوَقْتُ مِنْ أَجَلِّ النِّعَمِ الَّتِي أَنْعَمَ اللهُ بِهَا عَلَى الإِنسَانِ، وَالَّتِي سَيُسْأَلُ عَنْهَا بَيْنَ يَدَيِ الكَبِيرِ المُتَعَالِ، كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ المُخْتَارُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ؟” (رَوَاهُ التِّرْمِذِي) فَوَظِّفْ أَنْفَاسَكَ فِي طَاعَةِ مَوْلَاكَ، وَجَاهِدْ نَفْسَكَ وَهَوَاكَ، وَابْتَعِدْ عَنْ وَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ، وَاسْمَعْ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – وَهُوَ يَقُولُ: “مَا نَدِمْتُ عَلَى شَيْءٍ نَدَمِي عَلَى يَوْمٍ غَرَبَتْ شَمْسُهُ، اقْتَرَبَ فِيهِ أَجَلِي، وَلَمْ يَزْدَدْ فِيهِ عَمَلِي))وَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ:
إِذَا مَرَّ بِي يَوْمٌ وَلَمْ أَسْتَفِدْ هُدًى*** وَلَمْ أَكْتَسِبْ عِلْمًا فَمَا ذَاكَ مِنْ عُمْرِي
عِبَادَ اللَّهِ- السُّوشِيَال مِيدِيَا سَارِقَةٌ لِلْأَعْمَارِ وَالْأَوْقَاتِ فَانتَبِهْ قَبْلَ فَوَاتِ الْأَعْمَارِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يُعِظُهُ: (اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرْمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سُقْمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ) وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا: هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مَنْسِيًّا، أَوْ غِنًى مُطْغِيًا، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا، أَوْ هَرَمًا مُفَنَّدًا، أَوْ مَوْتًا مُجَهَّزًا، أَوْ تَنْتَظِرُونَ الدَّجَّالَ فَشَرٌّ غَائِبٌ يُنْتَظَرُ، أَوْ تَنْتَظِرُونَ السَّاعَةَ فَالْسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُ)(رَوَاهُ التُّرْمِذِيُّ)
فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصَّحَّةُ وَالْفَرَاغُ» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)، وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: إِضَاعَةُ الْوَقْتِ أَشَدُّ مِنَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ يَقْطَعُكَ عَنْ الدُّنْيَا، وَإِضَاعَةُ الْوَقْتِ تَقْطَعُكَ عَنْ اللَّهِ وَالْدَّارِ الْآخِرَةِ. وَالنَّفْسُ إِنْ لَمْ تُشْغَلْ بِالطَّاعَةِ اشْتَغَلَتْ بِالْمَعْصِيَةِ، لَاسِيَّمَا فِي زَمَنِ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الرَّقْمِيَّةِ، وَالتَّهَافُتِ عَلَى الصُّوَرِ وَالْعَنْوَانَاتِ الْيَوْمِيَّةِ، وَتَزْيِينِ الصَّفَحَاتِ الشَّخْصِيَّةِ، فَتَرَى الْمَرْءَ أَسِيرًا لِأَوْهَامٍ لَا تَنْقَضِي، وَرَهِينًَا لِأَمَانِيَّ لَا تَنْتَهِي. وَأَسْوَأُ مِنْ ذَلِكَ مَنْ يَعِيشُ فِي لَحَظَاتِ الآخِرِينَ، وَيُضِيعُ أَيَّامَهُ، وَيُرَاقِبُ حَيَاةَ النَّاسِ وَيَنْسَى حَيَاتَهُ. وَقَدْ جَاءَ التَّحْذِيرُ فِي الشَّرِيعَةِ مِنْ ذَلِكَ الانْشِغَالِ الْمَذْمُومِ، وَالسُّلُوكِ الْمَسْمُومِ الَّذِي يُفْسِدُ عَلَى الْمَرْءِ دِينَهُ، وَيُضِيعُ عَلَيْهِ عُمْرَهُ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ حَسَنَ إِسْلَامُ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» (رَوَاهُ التُّرْمِذِيُّ)، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: إِنَّ أَقْوَامًا جَعَلُوا آجَالَهُمْ لِغَيْرِهِمْ، وَنَسُوا أَنْفُسَهُمْ، فَأَنْهَاكُمْ أَنْ تَكُونُوا أَمْثَالَهُمْ.
بَلْ أَنَّ وَسَائِلَ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ غَدَتْ فِي الْغَالِبِ مَسْرَحًا لِلْحَيَاةِ الزَّائِفَةِ، وَمَوْطِنًا لِلْمُقَارَنَاتِ الجَائِرَةِ، فَدَبَّ إِلَى الْبَعْضِ دَاءُ الْحَسَدِ وَالْبَغْضَاءِ، وَسَرَى إِلَى قُلُوبِهِمُ السُّخْطُ وَالشَّحْنَاءُ، وَقُلْ الْحَمْدُ وَالشُّكْرُ عَلَى النِّعَمِ وَالْآلَاءِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ.
فَيَا أَصْحَابَ الْجَوَّالَاتِ، وَيَا أَصْحَابَ الصَّفَحَاتِ الْوَهْمِيَّةِ عَلَى مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ، اعْلَمُوا يَقِينًا: قَوْلَ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ . كِرَامًا كَاتِبِينَ . يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الانْفِطَارِ: ٩-١١].
يَا أَصْحَابَ الْجَوَّالَاتِ وَيَا أَصْحَابَ الصَّفَحَاتِ الْوَهْمِيَّةِ عَلَى مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ، اعْلَمُوا يَقِينًا: أَنَّهُ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ، فَلَا يَقُلْ قَائِلٌ: لَعَلِّي أَشْتَرِكُ بِحِسَابٍ وَهْمِيٍّ فِي تِلْكَ الصَّفْحَةِ، وَبِالتَّالِي أَغُوصُ فِيهِ بِمَا لَذَّ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمُنْكَرَاتِ وَالْعَلَاقَاتِ الْمَشْبُوهَةِ وَالصُّوَرِ الْمُنْكَرَةِ وَالْمَقَاطِعِ الْمَاجِنَةِ! بِلَا رَقِيبٍ وَلَا حَسِيبٍ، أَوْ قَدْ أَفْتَحُ صَفْحَتِي مِنْ جِهَازِي الْمَحْمُولِ، فَلَا يَرَانِي أَحَدٌ، كَلَّا وَحَاشَا… فَمَنْ خَلَقَكَ وَخَلَقَ الْكَوْنَ بِأَسْرِهِ مُطَّلِعٌ عَلَى كُلِّ حَرَكَةٍ وَسَكَنَةٍ، ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ٥]، ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ [الْكَهْفِ: ٤٩].
يَا أَصْحَابَ الْجَوَّالَاتِ وَيَا أَصْحَابَ الصَّفَحَاتِ الْوَهْمِيَّةِ عَلَى مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ، اعْلَمُوا يَقِينًا: أَنَّ الْمَسْتُورَ سَيَنْكَشِفُ، وَيُصْبِحُ السِّرُّ عَلَانِيَةً، وَالْمَكْنُونُ مَشْهُورًا: ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾. فَاللَّهَ اللَّهَ فِي اسْتِثْمَارِ مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ بِأَحْسَنِ الْأَوْجُهِ وَأَنْفَعِهَا، وَإِيَّاكَ وَمُغَرِّيَاتِهَا؛ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ نِعْمَةً تَحْصُدُ ثِمَارَهَا فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ، أَوْ تُصْبِحَ نِقْمَةً تَجْنِي وَيْلَاتِهَا فِي أَسْفَلِ سَافِلِينَ – عِيَاذًا بِاللَّهِ – فَهِيَ بَيْنَ النِّعْمَةِ وَالنِّقْمَةِ، وَالنَّتِيجَةُ إِمَّا: ﴿فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ . فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾ [الْقَمَرِ: ٥٤–٥٥]، وَإِمَّا: ﴿فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ . يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ﴾ [الْقَمَرِ: ٤٧–٤٨]. نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ. فلابد من المراقبة وعدم نشر الشائعات الباطلة وعدم نشر الفواحش وعدم الاشتراك في المواقع الإباحية والبعد عن الصفحات الوهمية لتنجوا في الدنيا والاخرة .وتذكر قَوْلَ النبي سَيِّدِ الْأَنَامِ ﷺ ((كَفَى بالمرءِ كذِبًا أن يحدِّثَ بِكُلِّ ما سمِعَ)) وتذكر قَوْلَ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا(( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )) .
فَيَا هَذَا: نَفَسُكَ مَعْدُودٌ، وَعُمْرُكَ مَحْسُوبٌ، فَكَمْ أَمَّلْتَ أَمَلًا وَانْقَضَى الزَّمَانُ وَفَاتَكَ، وَلَا أَرَاكَ تُفِيقُ حَتَّى تَلْقَى وَفَاتَكَ. فَاحْذَرْ زَلَلَ قَدَمِكَ، وَخَفْ طُولَ نَدَمِكَ، وَاغْتَنِمْ حَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ، فَتُبْ إِلَى رَبِّكَ، وَاسْتَعِدَّ لِيَوْمِ الْفَقْرِ الْأَعْظَمِ. كَمَا قَالَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: “أَتَدْرُونَ مَا يَوْمُ فَقْرِي؟” قَالُوا: بَلَى. قَالَ: “يَوْمَ أَدْخُلُ قَبْرِي”.
تَاللَّهِ لَوْ عَاشَ الفَتَى مِنْ دَهْرِهِ أَلْفًا مِنَ الأَعْوَامِ مَالِكَ أَمْرِهِ
مُتَلَذِّذًا فِيهَا بِكُلِّ نَفِيسَةٍ مُتَنَعِّمًا فِيهَا بِنُعْمَى عَصْرِهِ
لَا يَعْتَرِيهِ السُّقْمُ فِيهَا مَرَّةً كَلَّا وَلَا تَرِدِ الهُمُومُ بِبَالِهِ
مَا كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي أَن يَفِي بِمَبِيتِ أُولَى لَيْلَةٍ فِي قَبْرِهِ
حَفِظَ اللهُ مِصْرَ مِنْ كَيْدِ الكَائِدِينَ، وَشَرِّ الفَاسِدِينَ، وَحِقْدِ الحَاقِدِينَ، وَمَكْرِ المَاكِرِينَ، وَاعْتِدَاءِ المُعْتَدِينَ، وَإِرْجَافِ المُرْجِفِينَ، وَخِيَانَةِ الخَائِنِينَ.
كَتَبَهُ العَبْدُ الفَقِيرُ إِلَى عَفْوِ رَبِّهِ
د/ مُحَمَّدٌ حِرْزٌ
إِمَامٌ بِوِزَارَةِ الأَوْقَافِ


No comment