الشيخ أحمد تركى يكتب: السخرية والاستهزاء خلق دنئ
ما أقبح هذا الخلق الدنيء، وما أبشع هذه الخصلة الذميمة، التي لا يصاب بها إلا ذوُو العقول المريضة، والقلوب الميتة، والفطر المنكوسة.
ويكفي هذ الخلق (السخرية والاستهزاء) قبحا وسوءا أنه من صفات المنافقين؛ فالمنافقون هم أكثر الناس سخرية بالرسل وأتباعهم، وبما جاءت به الرسل عليهم السلام من الحق والهدى، قال تعالى في وصفهم:
﴿ وَإذا لقوا الذِينَ آمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ﴾
سورة البقرة
وفي آية أخرى يقول ربنا سبحانه:
﴿ يَحْذرُ المُنَافِقونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ مَا تحْذرُونَ ﴾
سورة التوبة
وهى أيضا من الصفات الذميمة التي ذمها الله ورسوله السخرية بالناس والاستهزاء بهم واحتقارهم، قال تعالى:
﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ﴾
سورة الهمزة
ومعنى الويل: كلمة تهديد ووعيد لمن كانت هذه صفاته ؛ كما أن الهمز هو السخرية من الناس بالإشارة سواء كان باليد أو الرأس أو الإشارة بالعين رمزاً للاستخفاف أو نحو ذلك.
واللمز: هو السخرية من الناس بالقول، كتسمية الشخص باسم يدل على عاهة فيه أو مرض، أو اتهامه بخليقة سيئة، أو التعريض بذلك .
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ﴾
سورة الحجرات
يقول النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
من حق المؤمن على أخيه: أن يسميه بأحب أسمائه إليه .
وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:
ثلاث يصفين لك ود أخيك: أن تسلم عليه إذا لقيته، وأن توسع له في المجلس، وأن تدعوه بأحب أسمائه إليه .
ولهذا أخبرنا الله عز وجل أن الِاسْتِهْزَاءَ وَالسُّخْرِيَةَ عقاب المعاندين المكذبين المستهزئين بالرسل والمؤمنين في الدنيا جزاء وفاقا .
قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾
وعلينا أن نعلم جميعًا أن السُّخْرِية والاستهزاء بالغير مفتاحٌ للشر، وصاحبها متوعَّد بالويل؛ فقد جاء الحديث الذي أخرجه ابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
إنَّ من الناس مفاتيحَ للخير، مغاليقَ للشرِّ، وإنَّ من الناس مفاتيحَ للشرِّ، مغاليق للخير، فطوبَى لمَن جعل اللهُ مفاتيحَ الخير على يديه، وويلٌ لمَن جعل الله مفاتيحَ الشرِّ على يديه .
إن السخرية والاستهزاء باب عظيم أبواب من الشر ، يفتح أبواب الهمز واللمز والغيبة والنميمة، ويملأ القلوب ضغائن وأحقادا وعداوات، ويسبب في الخصومات والنزاعات.
فحري بكل مسلم أن يحفظ لسانه، ويتوقى في أقواله وأفعاله، ويحذر سبيل الهمازين اللمازين الذين يسخرون من عباد الله المؤمنين، ويستهزئون بدين رب العالمين؛ لينجو مع الناجين، ولا يهلك مع الهالكين.
واحذر أن تسخر من أحد أو تستهزأ منه ، وإياك أن تحتقر أحدا، واعلم أن العبرة ليست بالأشكال والمظاهر والألقاب؛ فقد يكون الذي تسخر منه وتحتقره أحب إلى الله منك، وأعظم قدرا عند الله منك، وأقرب من الله منزلة منك ؛ فقد قال الله تعالى في سورة الحجرات:
﴿ يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾
سورة الحجرات
ولهذا يقول النبى صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح قال:
رُبّ أشعث مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبرّه .
ومعنى هذا الحديث أن هذا الفقير الذي يراه الناس حقيراً لا قيمة له، كلّ يسخر به، كل ينكت عليه، ربما يكون عند الله عز وجل أفضل من غيره ؛ لكنها السخرية والاستهزاء بعباد الله التي أعمت القلوب والعيون عن رؤية هذه الحقيقة.
والمؤمن لا يليق به أن يسخر من إخوانه أو يستهزئ بهم ، ولا أن يحتقرهم ويعظم نفسه، بل يتواضع لهم، ويحبهم ويعينهم على الخير.
ورحم الله بكر بن عبد الله حين قال :
إذا رأيت من هو أكبرُ مني سناً قلت سبقني بالإسلام والعمل الصالح فهو أفضل مني ؛ وإذا رأيت من هو أصغرُ مني سناً قلت سبقته بالذنوب وارتكاب المعاصي فهو أفضل مني؛ وإذا رأيت إخواني يكرمونني قلت: نعمة تفضلوا بها عليّ ؛ وإذا رأيتهم يقصّرون في حقي قلت: مِن ذنب أصبته.
وعلينا أن نتذكر قول النبى صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذى رواه مسلم عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا. المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره. التقوى ها هنا .
ويشير إلى صدره ثلاث مرات ؛ بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه .
أي يكفي المسلمَ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، وهذا تعظيم لاحتقار المسلم، وأنه شر عظيم، لو لم يأت الإنسان من الشر إلا هذا لكان كافيا في الإثم والذم والعقاب.
فرحم الله كل مسلم حفظ لسانه عن الهمز واللمز والاستهزاء بالناس والسخرية منهم، واشتغل بعيوب نفسه عن عيوب غيره، فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، ومن سلم منه الخلق رضي عنه الرب سبحانه.
فاللهم طهر قلوبنا وطهر مجتمعاتنا من مرض السخرية والاستهزاء، واملأ قلوبنا بمحبتك وتعظيمك وإجلالك، وارزقنا المحبة والمودة لعبادك يا رب العالمين.
▪️مدرس القرآن الكريم وسفير الأزهر الشريف بدولة غينيا كوناكرى
No comment