الشيخ أحمد علي تركي يكتب: القول الحسن،عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أنَّ رسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ كانَ يُؤمِنُ باللهِ والْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُل خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ، ومَنْ كانَ يُؤمِنُ باللهِ والْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جارَهُ، ومَنْ كانَ يُؤمِنُ باللهِ والْيوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ .
رواه البخاري ومسلم
حديثٌ عظيم تتفرَّع منه آداب الخير، هذا الحديث بالغ الأهمية؛ لأنه يحقق وحدة الكلمة، ويؤلف بين القلوب، ويُذهب الضغائنَ والأحقاد، وذلك أن الناس جميعًا يجاور بعضهم بعضًا، وغالبهم ضيف أو مضيف، فإن أكرم كل جار جاره، وكل مضيف ضيفه، صلَح المجتمع، واستقام أمر الناس، وسادت الأُلفة والمحبة، ولا سيما إذا التزم الكل أدب الحديث، فقال حسنًا أو سكت.
والقول الحسن يدخل في ذلك كل كلمة طيبة في التعامل مع الخَلْقِ؛ من الوالدين والأزواج والأولاد والإخوان والمؤمنين، وعموم الناس، حتى مع الكفار .
كذلك من القول الحسن أيضًا الأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم الناس العلم، وبذل النصيحة، والسلام مع البشاشة، وطريقة التخاطب العادي بين الناس، وغير ذلك من كل كلام طيب .
يقول ابن كثير رحمه الله تعالى فى قوله تعالى: ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾
أي: كلموهم طيبًا، ولينوا لهم جانبًا .
وكما قال الحسن البصري في قوله:
﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾
فالحسن من القول يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويحلم، ويعفو، ويصفح، ويقول للناس حُسنًا كما قال الله، وهو كل خلق حسن رضيه الله .
[تفسير القرآن العظيم (145/1)]
ولهذا يقول الله تعالى:
﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
[الإسراء: 53]
ومعنى ذلك أن علينا أن نتخير في العبارات الحسنة، فننتقي أحسنها في جميع ما تقدم من أنواع مواقع الكلام .
[مجالس التذكير، (ص: 152)].
والقول الحسن، والكلم الطيب من أعظم أسباب كثرة الحسنات ورفعة الدرجات، وحط الخطيئات، وعلو المنزلة عند رب الأرض والسموات؛ ولذا كثر في القرآن والسنة ذكر فضائلها وحسن عواقبها والأمر بها، والثناء على أهلها، والنعي والذم لمن أعرض عنها وتكلم بضرهما تذكرة من الله تعالى للعباد وهداية منه إلى سبيل الرشاد، وإرشادًا إلى موجبات الفلاح والإسعاد قال الله تعالى :
﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾
وقال سبحانه :
﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
ويقول النبى صلى الله عليه وسلم :
أفش السلام، وأطب الكلام، وصل الأرحام، وصلي بالليل والناس نيام تدخل الجنة بسلام .
رواه أحمد
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ويعجبني الفأل، قيل وما الفأل؟ قال الكلمة الطيبة .
متفق عليه
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:
اتقوا النار ولو بشق تمرة فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة .
وقوله صلى الله عليه وسلم :
من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليسكت .
وقوله صلى الله عليه وسلم :
والكلمة الطيبة صدقة .
فالقول الحسن والكلمةُ الطيبةُ جوازُ سفر إلى القلوب، يهَشُّ لها السمع، وتُسر بها النفسُ، وينشرح لها القلب، فتُبقي فيه أثرَها الطيب، وتنشر فيه أريجها الفواح، وتوتي أكلها كل حين؛ توثيقَ أواصر، وتقويةَ روابط، وتعزيزَ وشائج، ونشرَ وئام ورضوانٌ من الله أكبر.
وهي شجرة وارفة الظلال، مثمرة يانعة، ضربت في باطن الأرض جذورَها، وتمددت في الآفاق أغصانها وفروعها .
قال الله تعالى:
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾
[إبراهيم: 24 – 25]
وبالقول الحسن والكلمة الطيبة تنال مطالب الآخرة فهي أسهل طريق لجني الحسنات، ورفع الدرجات، وحط السيئات، ودخول الجنات؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والكلمة الطيبة صدقة .
وفى الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه .
رواه البخاري
قال ابن حجر رحمه الله عن فقه هذا الحديث:
أن علامة المسلم التي يستدل بها على إسلامه هي سلامة المسلمين من لسانه ويده، كما ذكر مثله في علامة المنافق ويحتمل أن يكون المراد بذلك الإشارة إلى الحث على حسن معاملة العبد مع ربه؛ لأنه إذا أحسن معاملة إخوانه فأولى أن يحسن معاملة ربه من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى.
والحرص على طيب الكلام وحسن الخطاب يقي من النار، فهو حصن من حصون الوقاية من النار، قال عدي رضي الله عنه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد شق تمرة فبكلمة طيبة .
رواه البخاري
إن حسن القول وطيب الكلم من أسباب التذكر والخشية وصلاح الأعمال، ومغفرة الذنوب، وبها تقطع ذرائع للخصومة وتسد أبواب الفتنة وتتقي أسباب الشقوة في العاجلة والآجلة، وبهما تشيع المودة والمحبة، ويحصل بها التعاون على الخير والبر والمرحمة وبهما تسد منافذ الشيطان وتتقى شرور أهل الشر من الإنس والجن وبهما تتضاعف المثوبة، وتكفر الخطيئة وترفع الدرجة، وبها ينال رضى الرحمن وتحصل الغرفة العلية في الجنان فهما جماع الخير في الدنيا والآخرة وتقاة من الشر في العاجلة والآجلة.
فعودوا أنفسكم حسن القول وطيب الكلم تنالوا الفلاح والغنم وتتقوا الشقوة والغرم في الدارين .
No comment