الشيخ أحمد علي تركي يكتب: الماء هو سر الوجود ومصدر إمداد البشرية بالبقاء

الشيخ أحمد علي تركي من علماء الأزهر الشريف


▪️الماء هو سر الوجود ومصدر إمداد البشرية بالبقاء

▪️بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى

▪️مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف

الماء هو سر الوجود ، وأرخص موجود، وأغلى مفقود، وأساس الحياة كما أخبر ربنا المعبود:

﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنبياء: 30]

وإنزال الماء أمر بيد الله تعالى، لا بيد غيره، فهو القائل:

﴿ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ ﴾

[الحجر: 22]

وهو من صور رحمة الله بعباده، وقد يمسك رحـمته لحكمة يعـلمها سبحانه :

﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [فاطر: 2]

ولولا نعمة الماء لما كان في هذه الحياة إنسان، وما عاش حيوانٌ، وما نبت زَرْعٌ أو اخضر شَجَر، فمنه تشرب ومنه يخرج المرعى، وبه تكسى الأرض بساطاً أخضرَ، وتكون للناظر أحلى وأجمل، قال تعالى:

﴿ هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

[النحل: 10 ، 11]

ولقد امتنَّ الله تعالى على عباده بنعمة الماء الذي هو نواة وجود الكائنات، ومصدر إمداد البشرية بالبقاء:

﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ ﴾

[المؤمنون: 18]

وهذه النعم قد لا يبالي الناس بها لإلفهم لها واعتيادهم عليها، إن وُجدت وُجدت الحياة، وإن فُقدت، فلا تغني عنه كنوز الكون، لو حضرت بين يدي فاقده:

﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ ﴾

[الملك: 30]

فالماء الغور الذي يذهب في الأرض ويغيب فيها، فلا ينتفع منه، ﴿ أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا ﴾ [الكهف: 41]

﴿ فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ ﴾ [الملك: 30

والماء هبة الخالق تفضل بها على عباده، فهذا الماء المبارك لا تستغني عنه جميع الكائنات، فلا غذاء إلا بالماء، ولا نظافة إلا بالماء، ولا دواء ولا زراعة ولا صناعة إلا بالماء، هو الثروة الثمينة، فالبلاد التي بلا ماء تهجر، ولا تسكن!.

ونعمة الماء من النعيم الذي يسأل عنه العبد يوم القيامة، قال تعالى:

﴿ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴾ [التكاثر: 8]

ولقد كان صلى الله عليه وسلم حفياً بنعم الله يعظمها ويشكرها، فكان إذا أكل أو شرب قال:

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَ وَسَقَى، وَسَوَّغَهُ، وَجَعَلَ لَهُ مَخْرَجًا.

رواه أبو داود

والماء أصل جميع الكائنات التي أوجدها رب الأرض والسماوات يقول الله تعالى :

﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾

[سورة الأنبياء الآية: 30]

وروى السديُّ بأسانيد متعددة عن جماعة من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

إنَّ الله لم يخلق شيئًا مما خلقَ قبل الماء .

فيتبين بذلك أن الماءَ هو أصل جميع المخلوقات وهو أول الخلق، فمن الماء خلق اللهُ العالمَ قال تعالى :

﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنبياء: 30]

وفي تفسير القرطبي قوله تعالى :

﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾ [الأنبياء: 30] ثلاثة تأويلات:

أحدها: أنه خلق كل شيء من الماء؛ قاله قتادة.

الثاني: حفظ حياة كل شيء بالماء.

الثالث: وجعلنا من ماء الصلب كل شيء حي؛ قاله قطرب .

إن ذكر الماء في كتاب الله بمفرداته ومكوناته من البحار والأنهار والسحاب يدل على عظم أثره في حياة البشرية.

ولعظم أمر الماء حرَّمت الشريعة بيع ما يفضل من الماء، فقد جاء عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوله:

الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْكَلَإِ وَالْمَاءِ وَالنَّارِ .

رواه أبو داود

وجاء في صحيح مسلم :

أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع فضل الماء .

رواه مسلم

قال الخطَّابي رحمه الله:

معناه ما فضل عن حاجته وحاجة عياله وماشيته وزرعه .

والماء خلقٌ من خلق الله تعالى، فيه إعجاز وبركة وشفاء، وضعَ الله تعالى فيه من الأسرار الكثيرة ما يُثير العجب، ولعل من أهم تلك الأسرار أنَّ الله تعالى جعله الأساس في خلق كل المخلوقات الحية؛ قال تعالى:

﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنبياء: 30]

وقال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ ﴾ [النور: 45].

وأما بركته فقد جاءت في قوله تعالى: ﴿ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ ﴾ [ق: 9].

الله سبحانه وتعالى جعل من الماء كل شيء حي، فلا يستطيع الإنسان أن يعيش بدونه سوى أيام قليلة، فالماء سبب للحياة، قال تعالى:

﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا * لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا ﴾ [النبأ: 14، 15]

الماء طهارة ونقاء، به يكون الاغتسال والوضوء والاستنجاء .

قال تعالى:

﴿ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ﴾ [الأنفال: 11].

والماء شفاء بإذن الله، فعن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم:

الحُمَّى من فيح جهنم، فأبردوها بالماء .

متفق عليه

وسقْيُ الماءِ عبادةٌ من أفضل العبادات والأعمال، قال ابن عباس رضي الله عنه حين سُئل عن أفضل الصَّدَقة، قال: الماء؛ ألم تروا إلى أهل النار حين استغاثوا بأهل الجنة:

﴿ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ﴾ [الأعراف: 50]

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال سعد: يا رسول الله، إنَّ أُمَّ سعد كانت تحبُّ الصدقة، أفينفعها أن أتصدَّق عنها؟

قال: نعم، وعليك بالماء .

وفي رواية :

أنه صلى الله عليه وسلم أمره أن يسقي عنها الماء .

قال القرطبي رحمه الله في تفسير الآية:

وفي هذه الآية دليل على أن سقي الماء من أفضل الأعمال، ثم قال مُعلِّقًا على أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد بن عبادة:

أن يتصدَّق عن أُمِّه بالماء دلَّ ذلك على أن سقي الماء من أعظم القُرُبات عند الله .

قال بعض التابعين:

من كثرت ذنوبُه فعليه بسقي الماء، وتلك البغِيُّ التي سقت الكلب ماءً فدخلت الجنة.

إن الماء جند من جند الله، ورحمة من رحماته، فلقد رحم الله بالماء نوحًا ونجَّاه من قومه على ظهر سفينة، وحمل موسى الرضيع وهو في التابوت على مائه، ورحم الله به موسى وقومه لما استسقوه، ورحم به رسولنا صلى الله عليه وسلم وصحبه الكِرام يوم بَدْر، وثبتهم وربط على قلوبِهم، وحمل جند الإسلام في ذات الصواري زمن ذي النورين عثمان والغيث في عامته خير ورحمة.

قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [الشورى: 28].

والماء جند من جند الله عذَّب الله به أقوامًا، فأغرق بالماء قوم نوح لما كفروا بالله وخالفوا أمره، وأغرق به الطاغية فرعون بعد تفاخره بالماء؛ فأعلمه الله قدره ونجَّاه ببدنه؛ ليكون لناس عبرةً، وأغرق سبأ بالسيل العَرِم.

قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ﴾ [سبأ: 15، 16].

وأخيراً :

إن ذكر الماء في كتاب الله بمفرداته ومكوناته من البحار والأنهار والسحاب يدل على عظم أثره في حياة البشرية.

علينا أن نحافظ على تلك النعمة ونشكرها ولا نكفرها، لأن النعمة بالشكر موصولة وبالكفر مقطوعة .

قال الله تعالى ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7].

عدد المشاهدات : 200

No comment

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *