يقول الله عز وجل في سورة الأنفال :﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾
وجاء في صحيح مسلم من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ وهو على المنبر يقرأ الآية :
﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾ ثم يقول: أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ .
وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلّم (القوة) في هذه الآية ب(الرمي) لأن (الرمي) أَشَدّ نِكَايَة فِي الْعَدُوِّ وَأَسْرع في هزيمتهم .
ولذلك ورد في حديث عقبة بن عامر رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلّم :
إنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلاثَةً الْجَنَّة، صَانِعُهُ يَحْتَسِبُ فِي صَنْعَتِهِ الْخَيْرَ، وَالرَّامِي بِهِ وَمُنَبِّلَهُ فَارْمُوا وَارْكَبُوا وَأَنْ تَرْمُوا أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا .
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾
وهذا أمرٌ مِن الله تعالى، ووصية عامة باقية للمؤمنين بإعداد العدة اللازمة والممكنة حسب الاستطاعة؛ وذلك لتحقيق قوَّة الردع الكافية لتخويفِ العدو ومنعه من الاعتداء على المسلمين؛ فلقد كان المسلمون في مكةَ على حق، وعدوُّهم على باطل، لكنَّ الكلمة والسطوة كانت للمشركين؛ لأنهم كانوا أقوياء والمسلمون ضعفاء ليست لديهم قوة، ومن هنا فإن الحقَّ لا يعلو إلا بالقوة، وإحقاق الحق وإبطال الباطل لا يكون إلا بالقوة وأسبابها، وهي سُنة الله تعالى وحكمته، فلو شاء أن يُهلِك الباطلَ وأهله ويدفعه فإذا هو زاهق في لحظة بسبب وبغير سبب، لفَعَلَ، ولكنها سُنة الابتلاء، وحكمة الاختبار .
ولهذا نجد أن الإنسان بحاجة في هذه الدنيا إلى قوة تسند ظهره، وتشد أزره، وتأخذ بيده، وتذلل له العقبات، وتقهر أمامه الصعاب، وتنير له الطريق.
والقوّة تكمن في قوّة العقيدةِ والخلُق، القوّةُ في العبادةِ والسّلوكِ والجِسم والعِلم والصّناعة والتّجارة.
تلك القوّةُ التي تتَّجه بجهد الإنسانِ إلى الخير وتقودُه إلى الرَّحمة، وتجعَل منه أداةً يحِقّ الله بها الحقَّ ويبطِل الباطِل.
إن القوة التي تقيم بين الناس موازن القسط، وتبسط بينهم العدل هي ما أمر به الإسلام، وربى عليه أتباعه، بل حضّ على بذل النفس والنفيس من أجله، وفي الحديث الصحيح:
المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير .
وفي القرآن الكريم : ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مّن قُوَّةٍ وَمِن رّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وآخرين مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ﴾ [الأنفال: 60].
فالحق المسلوب لن يستطيع رده إلا رجال لهم جرأة في الحق لا يخافون في الله لومة لائم.
إن الأمة والعالم بحاجة إلى القوة التي تعرف العدل والنظام مثل حاجته إلى الطعام والشراب أو أشد، بل لا لذة لطعام ولا شراب إذا زاد الخوف وفشا الظلم.
والمؤمن القوي يأخذ تعاليم دينه بقوة، وينقلها إلى غيره بقوة، ويتحرك ويدعو في مجتمعه بقوة لا وهن معها ولا ضعف، يستشعر قول الباري جل وعلا:
﴿خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ﴾[البقرة: 63]
وقوله جل جلاله : ﴿يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾[مريم: 12]
وقول الله تعالى :
﴿فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا﴾[الأعراف: 145].
إنها قوة المؤمن التي لا رخاوة فيها ولا قبول لأنصاف الحلول مع الخصوم.
No comment