خطبة الجمعة القادمة بتاريخ 9 جمادي الأولي 1447هـ ، الموافق 31 أكتوبر 2025م تحت عنوان ( مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ) الشيخ ثروت سويف

الشيخ ثروت سويف

الشيخ ثروت سويف من علماء وزارة الأوقاف


خطبة الجمعة القادمة بتاريخ 9 جمادي الأولي 1447هـ ، الموافق 31 أكتوبر 2025م تحت عنوان ( مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ) الشيخ ثروت سويف
اقرأ في هذه الخطبة
أولاً : مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى
ثانياً : إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ


الخطبة الأولي
الحمد لله الكريم المنان الذي أكرمنا بالقرآن المعجزة المستمرة على تعاقب الأزمان وجعله ربيعا لقلوب أهل البصائر والعرفان لا يخلق على كثرة الرد وتغاير الأحيان ويسره للذكر حتى استظهره صغار الولدان وضمن حفظه فهو محفوظ بحفظ الله من الزيادة والتبديل والنقصان ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) الحجر
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة سبحانه أنار قلوب عباده المؤمنين بنور الإيمان واليقين والطاعات ، سبحانه ، لا نور إلا نور قدرته فهو الماحي للهفوات والمقيل للعثرات وكاشف الكربات ، ولا نور إلا نور قرآنه فسبحان ربي، هو نور القلوب ونور السماوات والأرض ونور العرش والفرش ، ونور كل شيء ونور الجنات ففي الحديث ((إن هذا القرآن سبب، طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبداً)) رواه الطبراني بإسناد جيد فعلينا بتحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه كلها
وأشهد أن سيدنا محمد عبد الله ورسوله ، السراج المنير والبشير النذير ، الذي أرسله مولاه علي فترة من الرسل فهدي به بعد ضلالة ، وعلم به بعد جهالة ، وجمع به بعد فرقة ، وأعز به بعد ذلة ، وجعل به عالة الأمم الحفاة العراة هم سادة العالم علما وحكمة ، وقوة وعزة ومنعة .. فصاروا حكماء ، فقهاء ، علماء ، كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء عن زيد بن أرقم أن النبي قال: ((ألا وإني تارك فيكم ثقلين: أحدهما كتاب الله عز وجل، هو حبل الله، ومن اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على ضلالة)) رواه مسلم.
اللهم صلي وسلم وبارك علي نور الأبصار وضيائها ، وروح القلوب وريحانها ، وطب الأجسام وعافيتها ، وصلاح المجتمعات ومفتاح إصلاحها ، وباب الجنة ومفتاح دخولها سيدنا وحبيبنا ونبينا وشفيعنا محمدا رسول وعلي اله وصحبه اجمعين
اما وبعد
فحديثنا اليوم عن كتاب الله الحكيم القرآن العظيم، كلام الله القديم وهو الكتاب المكنون القرآن الكريم هو النور المبين وتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلب محمد سيد المرسلين بلسان عربي مبين، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وهو سور محكمات وآيات بينات وحروف وكلمات
انه منبع الهداية ومعلم النور الذي به حياة القلوب ، وسكينة النفوس ، ورشد العقول ، واستقامة الجوارح ، وطيب الحياة الدنيا ، ونجاة الحياة الآخرة لاشك إنه (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ) (15) المائدة.


أولاً : مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى
يقول الله تعالى: {طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3) طه }
نطوف حول هذه الآية طواف نسيم الفجر لننهل من كلام ربنا وهو يخاطب الحبيب والخطاب للنبي خطاب لأمته لانه كبير هذه الأمة فخاطبه بقوله طه أي طَأِ الأرضَ روي عن عبد الله بن عباس، في قوله: {طه}، قال: يا محمد أو يا رجل أو يا إنسان
لما فسرت (طَهْ) يعني: طَأِ الأرضَ، {مَآ أنزَلْنا عَلَيْكَ القُرْآنَ لِتَشْقى} عن علي بن أبي طالب -من طريق محمد بن الحنفية- قال: لَمّا نزل على النبي صلى الله عليه وسلم: {يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا} [المزمل: 1 – 2]؛ قام الليلَ كُلَّه حتى تَوَرَّمَتْ قدماه، فجعل يرفع رِجلًا ويَضَع رِجلًا، فهبط عليه جبريلُ، فقال: {طه} يعني: طَأِ الأرضَ بقدميك، يا محمد، {ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى}. وأنزل: {فاقرؤوا ما تيسر من القرآن} [المزمل: 20]
أو أن طه نداء للحبيب محمد صلى الله عليه وسلم يا محمد أو يارجل أو يا إنسان لأنه لما أنزل الله القرآن على رسوله صلى الله عليه وسلم قام به هو وأصحابه، فقال المشركون من قريش: ما أنزل هذا القرآن على محمد إلا ليشقى، فأنزل الله هذه الايات
قال مقاتل بن سليمان: وذلك أنّ أبا جهل، والوليد بن المغيرة، والنضر بن الحارث، والمُطْعِم بن عَدِيٍّ؛ قالوا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: إنّك لَتَشْقى حين تركتَ دينَ آبائك، فائْتِنا ببراءةٍ أنّه ليس مع إلهك إله. فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: «بل بُعِثْتُ رحمةً للعالمين». قالوا: بل أنت شَقِيٌّ. فأنزل الله عز وجل في قولهم للنبي صلى الله عليه وسلم: ‌‌{طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى} [تفسير مقاتل بن سليمان]
فليس الأمر كما زعمه المبطلون؛ بل من آتاه الله العلم فقد أراد به خيرًا كثيرًا، كما ثبت في الصحيحين عن مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ يَخْطُبُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (‌مَنْ ‌يُرِدِ ‌اللَّهُ ‌بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَيُعْطِي اللَّهُ، وَلَنْ يَزَالَ أَمْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مُسْتَقِيمًا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، أَوْ: حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ) إنه القرآن، ربيع المؤمنين، وحداء القانتين، ما طابت الحياة إلا معه، ولا نجاة إلا بالاستمساك به
وقال قتادة: {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2)} لا والله ما جعله شقاء، ولكن جعله رحمة ونورًا ودليلًا إلى الجنة {إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3)} إن الله أنزل كتابه وبعث رسوله رحمة رحم بها عباده ليتذكر ذاكر، وينتفع رجل بما سمع من كتاب الله وهو ذكر أنزل الله فيه حلاله وحرامه
وما أحسن الحديث الذي رواه الحافظ أبو القاسم الطبراني في ذلك عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ” يَقُولُ اللهُ عز وجل ‌لِلْعُلَمَاءِ ‌يَوْمَ ‌الْقِيَامَةِ، إِذَا قَعَدَ عَلَى كُرْسِيِّهِ لِقَضَاءِ عِبَادِهِ: إِنِّي لَمْ أَجْعَلْ عِلْمِي، وحُكْمِي فِيكُمْ، إِلَّا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَغْفِرَ لَكُمْ، عَلَى مَا كَانَ فِيكُمْ، وَلَا أُبَالِي ” إسناده جيد
وهذا ابن الخطاب رضي الله عنه كان في الجاهلية خصمًا عنيدًا، وعدوًّا للإسلام لدودًا حتى قيل: لو سلم حمار الخطاب لما أسلم عمر، فما الذي غيَّره؟ ومن الذي حوله من النقيض إلى النقيض؟
إنه القرآن الذي سمع منه عمرُ قولَ الحق: ﴿ طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى ﴾ [طه: 1 – 4]، فاندهش عمر لهذه القوارع والتنزيه والتعظيم، فتأثَّر عمر ورقَّ قلبُه، ولان صَدْرُه حتى عُرِف تأثير القرآن في وجهه، ثم أعلن بعدها إسلامه.


ثانياً : إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ
ايها الاخوة : ان هذه الأمة رضي الله لها اليسر، وكره لها العسر وبين ذلك في القرآن الكريم يقول الله سبحانه: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} ( البقرة: 185) ويقول سبحانه {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} ( الحج: 78 ) ويقول سبحانه: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} ( النساء: 28 ) ويقول سبحانه {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} ( الأنبياء: 107)
لقد بين الحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم ان ديننا الحنيف هو دين يسر فلم يكلف انسان نفسه من العبادة فوق طاقته في الحديث الذي رواه الامام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ» البخارى والمشادة المغالبة. (إلا غلبه) رده إلى اليسر والاعتدال.


وروي الطبراني في المعجم الكبير عَنْ مِحْجَنِ بْنِ الْأَدْرَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنّه قال: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِي، فَانْطَلَقَ يَمْشِي حَتَّى صَعِدَ أُحُدًا فَأَشْرَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: «وَيْلُ أُمِّهَا مِنْ قَرْيَةٍ يَتْرُكُهَا أَهْلُهَا كَأَعْمَرِ مَا تَكُونُ، يَأْتِيهَا الدَّجَّالُ فَيَجِدُ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهَا مَلَكًا مُصْلِتًا، فَلَا يَدْخُلُهَا» ، قَالَ: ثُمَّ انْحَدَرَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِسُدَّةِ الْمَسْجِدِ، رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ، وَيَسْجُدُ وَيَرْكَعُ، وَيَسْجُدُ وَيَرْكَعُ، قَالَ: فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ هَذَا؟» ، قَالَ: فَأَخَذْتُ أُطْرِيهِ لَهُ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا فُلَانٌ، وَهَذَا وَهَذَا، قَالَ: «اسْكُتْ لَا تُسْمِعْهُ فَتُهْلِكَهُ» ، قَالَ: فَانْطَلَقَ يَمْشِي حَتَّى إِذَا كُنَّا عِنْدَ حُجَرِهِ، لَكِنَّهُ رَفَضَ يَدِي، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ، إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ، إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ» وقال في لفظ آخر: «اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ رَضِيَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ الْيُسْرَ وَكَرِهَ لَهَا الْعُسْرَ» قَالَهَا ثَلَاثًا
قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: «جمع الله عزّ وجلّ في هذه الشّريعة بين كونها حنيفيّة وكونها سمحة. فهي حنيفيّة في التّوحيد. سمحة في العمل»


ان الدين الإسلامي دين اليسر وتيسيره من سماته التي تميز بها عما سواه من الأديان، فإن الله سبحانه وتعالى جعل من إحدى الحكم التي بعث من أجلها عبده ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم. يقول تبارك وتعالى: { وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف:157].


قال ابن كثير- رحمه الله تعالى-: « إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم جاء بالتّيسير والسّماحة. وقد كانت الأمم الّتي قبلنا في شرائعهم ضيق عليهم فوسّع الله على هذه الأمّة أمورها وسهّلها لهم »
هذه هي القاعدة الكبرى في تكاليف هذه العقيدة كلها، فهي ميسرة لا عسر فيها، وهي توحي للقلب الذي يتذوقها، بالسهولة واليسر في أخذ الحياة كلها، وتطبع نفس المسلم بطابع خاص من السماحة التي لا تكلف فيها ولا تعقيد.


روي الامام الطبراني عَنْ أَبِي عِنَبَةَ الْخَوْلَانِيِّ، يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ لِلَّهِ آنِيَةً مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ وَآنِيَةُ رَبِّكُمْ قُلُوبُ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ , وَأَحَبُّهَا إِلَيْهِ أَلْيَنُهَا وَأَرَقُّهَا» مسند الشاميين للطبراني.


انها السماحة واليسر اللتين تؤدي معهما كل التكاليف وكل الفرائض وكل نشاط الحياة الجادة وكأنما هي سيل الحياة الجاري، ونمو الشجرة الصاعدة في طمأنينة وثقة ورضاء مع الشعور الدائم برحمة الله وإرادته اليسر لا العسر بعباده المؤمنين وهو تيسير لا تفريط
الاسلام يسر في العبادات
يتمثل تيسير الاسلام في رفع الحرج والتخفيف عن الجميع فيما روي الامام احمد عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبَّاسٍ، كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ، فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ فَبَكَى. قَالَ: أَيَّةُ آيَةٍ؟ قُلْتُ: {إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة: 284] . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ حِينَ أُنْزِلَتْ، غَمَّتْ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَمًّا شَدِيدًا، وَغَاظَتْهُمْ غَيْظًا شَدِيدًا، يَعْنِي، وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلَكْنَا، إِنْ كُنَّا نُؤَاخَذُ بِمَا تَكَلَّمْنَا، وَبِمَا نَعْمَلُ، فَأَمَّا قُلُوبُنَا فَلَيْسَتْ بِأَيْدِينَا. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ” قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، قَالَ: فَنَزلت هَذِهِ الْآيَةُ: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ} [البقرة: 285] إِلَى {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286] ، فَتُجُوِّزَ لَهُمْ عَنْ حَدِيثِ النَّفْسِ، وَأُخِذُوا بِالْأَعْمَالِ


كذلك تيسير النبي صلي الله عليه الصلاة والسلام لشؤون مناسك الحج، بل ولم يفرض إلا علي المستطيع ماديا وبدنيا فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ بِمِنًى لِلنَّاسِ يَسْأَلُونَهُ، فَجَاءهُ رَجُلٌ فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ؟ فَقَالَ: «اذْبَحْ وَلاَ حَرَجَ» فَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟ قَالَ: «ارْمِ وَلاَ حَرَجَ» فَمَا سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلاَ أُخِّرَ إِلَّا قَالَ: «افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ» متفق عليه
كذلك الزكاة لم تفرض إلا علي الأغنياء


واكبر من ذلك الرخص لأصحاب الاعذار والمرضي ومن كان ضعيفا
لقد أمر الحبيب النبي صلي الله عليه وسلم بالتخفيف على المسلمين ونهى عن التثقيل في الصلاة عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لاَ أَكَادُ أُدْرِكُ الصَّلاَةَ مِمَّا يُطَوِّلُ بِنَا فُلاَنٌ، فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْ يَوْمِئِذٍ، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ مُنَفِّرُونَ، فَمَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمُ المَرِيضَ، وَالضَّعِيفَ، وَذَا الحَاجَةِ» البخارى
والصلاة قياما ومن تعذر عليه القيام صلي قاعدا روي الدار قطني في سننه عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ , قَالَ: كَانَتْ لِي بَوَاسِيرُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «صَلِّ قَائِمًا , فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا , فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبِكَ».


ومن لم يستطع ان يتوضأ لمرض او فقد ماء فليتيمم روى الحاكم في المستدرك عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَجُلًا أَجْنَبَ فِي شِتَاءٍ، فَسَأَلَ وَأُمِرَ بِالْغُسْلِ فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَا لَهُمْ قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ» ثَلَاثًا «قَدْ جَعَلَ اللَّهُ الصَّعِيدَ – أَوِ التَّيَمُّمَ – طَهُورًا»


كذا الصيام فعدة من ايام اخر للمسافر والمريض او الفدو بالاطعام للمريض والكبير قال تعالي (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) البقرة


انظر ـ أخي المسلم ـ أنَّ هذا الدينَ من يُسرِه وسماحته أنَّ المسلمَ إذا نوى الخيرَ وعجزَ عنه فإنّ الله يثيبه على قدرِ نيّته، في الحديث: قَالَ أَبي بُرْدَةَ: سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى مِرَارًا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « إذَا مَرِضَ العَبْدُ، أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا» البخاري


الخطبة الثانية


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم..
.. أما بعد :-
إنه القرآن الكريم القرآن العظيم، هو كلام الله وهو كتاب الله المبين وحبله المتين وصراطه المستقيم وتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلب محمد سيد المرسلين بلسان عربي مبين، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وهو سور محكمات وآيات بينات وحروف وكلمات الذي يأمرنا بحسن الخلق والقول
ثالثاً: معاملة السياح بأخلاق الإسلام
عباد الله يجب فهم النصوص ، فإن نصوص الكتاب والسنة إنما تفهم بفهم السلف، عدم رجوعهم إلى العلماء الربانيين في النوازل والمستجدات كما أمر الله تبارك وتعالى فقال : وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ” النساء آية 83


هؤلاء الناس قد دخلوا بلادنا بعهد وأمان قَالَ تَعَالَى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا} [الإسراء: 34] . وَقَالَ عَزَّ قَائِلًا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] أَيْ الْعُهُودِ، وَمِنْ جُمْلَتِهَا الْعَهْدُ وَالْأَمَانُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ أَئِمَّةِ التَّفْسِيرِ. وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا اُؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ» .


وَرَوَى أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ اللَّهُ عز وجل: ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ الْعَمَلَ وَلَمْ يُوَفِّهِ أَجْرَهُ» . وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ: «إذَا جَمَعَ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءً يُعْرَفُ بِهِ يُقَالُ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ» . وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ: «ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا – أَيْ غَدَرَهُ وَنَقَضَ عَهْدَهُ – فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَدْلًا وَلَا صَرْفًا» . وَأَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: مَا خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَّا قَالَ: «لَا إيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ» . وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ لَكِنْ بِلَفْظِ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ: فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.


وروي عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَبْنَاءِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ آبَائِهِمْ لَكِنَّ الْأَبْنَاءَ مَجْهُولُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا

حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
وروي َابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ: «أَيُّمَا رَجُلٍ أَمَّنَ رَجُلًا عَلَى دَمِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ فَأَنَا مِنْ الْقَاتِلِ بَرِيءٌ وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ كَافِرًا» .
وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَاللَّفْظُ لَهُ وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: «فَإِنَّهُ يَحْمِلُ لِوَاءَ غَدْرٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .


وَروي أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ: «مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهِدَةً بِغَيْرِ حَقٍّ لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَ الْجَنَّةِ لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ مِائَةِ عَامٍ» .


وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهِدًا فِي عَهْدِهِ لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ» يُرِحْ بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنْ أَرَحْت الشَّيْءَ وَجَدْت رِيحَهُ وَبِفَتْحِهِ وَكَسْرِ الرَّاءِ مِنْ رِحْت الرِّيحَ وَجَدْته وَبِفَتْحِ أَوَّلَيْهِ وَمَعْنَى الْكُلِّ شَمُّ الرَّائِحَةِ.


وَروي التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَاللَّفْظُ لَهُ وَابْنُ مَاجَهْ: «أَلَا مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدَةً لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ فَقَدْ أَخْفَرَ بِذِمَّةِ اللَّهِ فَلَا يَرِيحُ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» .»
هذا وصلوا وسلموا تسليما كثيرا على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
جمع وترتيب ثروت سويف امام وخطيب

عدد المشاهدات : 305

No comment

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *