خطبة الجمعة القادمة للدكتور مسعد الشايب بعنوان مجتمع بلا إدمان…المخدرات طريق الهلاك الجمعة الموافقة 25 من جمادى الأخرة 1446هـ الموافقة 27/12/2024م
===========================================
أولا: العناصر:
1. من أدلة تحريم المسكرات، والمخدرات، والمفترات.
2. من أضرار تعاطي المخدرات والمسكرات والمفترات.
3. الخطبة الثانية: (من أسباب الإدمان، وتعاطي المخدرات).
ثانيا: الموضوع:
الحمد لله ربِّ العالمين، هدانا إلى الحق وإلى طريق مستقيم، أمرنا بالطيبات وأبان لنا طرقها، ونهانا عن الخبائث وحذرنا سوء عاقبتها، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله صادق الوعد الأمين، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين،وبعد أيها الأحبة الكرام:
===========================================
(1) ((من أدلة تحريم المسكرات، والمخدرات، والمفترات في الشريعة الإسلامية))
===========================================
فمن محاسن الشريعة الإسلامية أنها دعت إلى كلِّ خير، ونهت عن كلِّ شر، وجاءت بحلِّ الطيبات، وحرمت الخبائث والمستقذرات، ووضع الآصار والأغلال (الأمور التي لا تطاق)، فقال الحق تبارك وتعالي: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ*الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ}[الأعراف:157،156].
===
ومن الخبائث التي حرمها الحق (تبارك وتعالى) الخمر والمسكرات والمخدرات بأنواعها المختلفة، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[المائدة:90]، وعن السيدة أم سلمة (رضي الله عنها) قالت: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ)(رواه أبو داود)، أي: ما يحدث به التراخي والانكسار في الأعضاء، وعن ابن عمر (رضي الله عنهما) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (كُلُّ مُسْكِرٍ، حَرَامٌ، وَمَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ، فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ)(رواه ابن ماجه).
===
فتعالوا بنا أحبتي في الله لنرى في تلك الجمعة المباركة الحكمة والهدف الرباني من تحريم المسكرات…..، هل كان تحريمها تضييق علي البشرية، أم أن تحريمها راجعٌ إلي مصلحتنا، فأعيروني يا عباد الله القلوب، وأصغوا إليّ بالآذان والأسماع، فأقول وبالله التوفيق: لقد حرم الحق تبارك وتعالى علينا تعاطي الخمر، والمسكرات….لخبثها الحسي، والمعنوي، ولما تسببه من أضرار، ومنها:
===========================================
(2) ((من أضرار تعاطي المخدرات والمسكرات والمفترات))
===========================================
1ـ أن تناول الخمور والمسكرات والمخدرات بأنواعها نوعٌ من أنواع الإلقاء بالنفس إلى التهلكة، فالله (عزّ وجلّ) يقول: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[البقرة:195]، فهذه الآية وإن كانت في ترك الجهاد في سبيل الله، إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالخمور والمسكرات والمخدرات تؤثر بالسلب على جميع أعضاء الجسد، مما يؤدي إلى التهلكة في نهاية الأمر، وقد أفاض الأطباء في بيان الأضرار التي تلحق أعضاء الجسد جراء شربها، والنبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ)(رواه ابن ماجه)، أيضًا من أضرار تعاطي المخدرات والمسكرات والمفترات:
==========
2ـ أنّ تناول الخمور…جناية واعتداء على أهم نعمة أنعم الله بها على الإنسان وميزه بها عن سائر المخلوقات والكائنات، ألا وهي نعمة العقل التي هي مناط التكليف، وطريق الهداية، وبها يميز الإنسان بين الحق والباطل، والخير والشر، والحلال والحرام، والضار والنافع، والصالح والفاسد، فشرب الخمور….يضيع العقل ويذهب تمييزه بين الحق والباطل على المدى البعيد، ويؤدي بالإنسان إلى الرذائل والفواحش والأعمال الحيوانية، فيصبح الإنسان كالحيوانات لا فرق بينه وبينها في عدم التمييز والادراك، فالخمر ما سميت خمرًا إلا لكونها تخمر العقل تغطيه وتستره، ولذا سمي خمار المرأة بالخمار لأنه يغطي مفاتنها ومحاسنها.
===
وممّن ترك شرب الخمر في الجاهليّة لجنايتها على العقل عبد الله بن جدعان، وكان جوادًا من سادات قريش، وذلك أنّه شرب مع أميّة بن أبي الصّلت الثّقفيّ فضربه على عينه فأصبحت عين أميّة مخضرّة يخاف عليها الذّهاب. فقال له عبد الله: ما بال عينك؟. فسكت فألحّ عليه فقال: ألست ضاربها بالأمس. فقال: أو بلغ منّي الشّراب ما أبلغ معه إلى هذا؟، لا أشربها بعد اليوم، ثمّ دفع له عشرة آلاف درهم، وقال: الخمر عليّ حرام، لا أذوقها بعد اليوم أبدا.
===
وممّن حرّمها في الجاهليّة على نفسه لجنايتها على العقل أيضا قيس بن عاصم المنقري، وذلك أنّه سكر ذات ليلة فقام لابنته أو لأخته (يريد الاعتداء، والوقوع عليها)، فهربت منه، فلمّا أصبح سأل عنها. فقيل له: أو ما علمت ما صنعت البارحة؟. فأخبر القصّة فحرّم الخمر على نفسه.
وحدث له مرّة أخرى أن سكر؛ فجعل يتناول القمر، ويقول: والله لا أبرح حتّى أنزله ثمّ يثب الوثبة بعد الوثبة ويقع على وجهه، فلمّا أصبح وأفاق قال: ما لي هكذا، فأخبروه بالقصّة فقال: والله لا أشربها أبدا.
===
وتقول السيدة عائشة (رضي الله عنها): (حَرَّمَ أَبُو بَكْرٍ (رَضِيَ اللهً عَنْهُ) الخَمْرَ عَلَى نَفْسِهِ فَلَمْ يَشْرَبْهَا فِي الجَاهِلِيّةِ وَلَا الإِسْلَامِ. وَذِلَك أَنَّهُ مَرَّ بِرَجُلٍ سَكْرَانَ يَضَعُ يَدَّهُ فِي الْعُذُرَة (الغائط)، وَيُدْنِيهَا مِنْ فِيِهِ فَإِذَا وَجَدَ رِيحَهِا صَرَفَ عَنْهَا. فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَا يَدْرِي مَا يَصْنَعُ وَهُوَ يَجِدُّ رِيحَهَا فَحَرَّمَهَا).
===
وسيدنا عروة بن الزّبير، لمّا أراد الأطباء قطع رجله، لمّا دخلتها الأكلة وقالوا له: لا بدّ أن تشرب شيئًا يغيّب عقلك حتّى لا تحسّ بالألم، ونتمكّن من قطعها. فقال: (مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَحْدًا يُؤمِنُ بِاللهِ، وَيَشْرَبُ شَيْئًا يُغَيّْبُ عَقَّلَهُ حَتَّى لَا يَعْرِفُ رَبَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ)(البداية والنهاية).
===
وقال الحسن البصري (رحمه الله تعالى): (لَوْ كَانَ العَقْلُ يُشْتَرَى لَتَغَالَى النَّاسُ فِي ثَمَنِهِ، فَالعَجَبُ مِمَنْ يَشْتَرِي بِمَالِهِ مَا يُفْسِدُهُ).
ومرّ الإمام ابن أبي الدنيا، برجل سكران وهو يبول في يده ويغسل به يده كهيئة المتوضئ، ويقول: الحمد لله الّذي جعل الإسلام نورًا، والماء طهورًا).
===
إن تناول الخمور…يعدّ اعتداء بوجه عام على نعمة الصحة والعافية، واعتداء على العمر الذي وهبنا الله تعالى إياه، وإضاعة له بدون فائدة، هذا العمر الذي سنسأل عنه يوم القيامة، كما قال النبي (صلى الله عليه وسلم): (لَا تَزُولُ قَدِمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ: عَنْ عُمُرُهِ فِيمَا أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ؟ وَعَنْ عَلِمهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ؟)(المعجم الكبير للطبراني)، فبالله عليك يا شارب الخمر…ماذا ستقول لربك يوم القيامة؟، أيضًا من أضرار تعاطي المخدرات والمسكرات والمفترات، ومن حكمة تحريمها:
==========
3ـ أن تناولها فيه إضاعة للمال بدون فائدة، بل نشتري به أمراضنا، وهلاكنا، ودمار صحتنا، وعافيتنا، ونضيع أولادنا، وأهلنا، ومن نقوت ونعول، والحق تبارك وتعالى يقول: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا*إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا}[الإسراء:27،26]، ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ المَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ)(متفق عليه)، والمال سنسأل عنه يوم القيامة سؤالان كما تقدم، من أين اكتسبته؟ وفيم أنفقته؟، وسنسأل عن أولادنا وأهل بيتنا، فماذا نحن قائلون لربنا؟، أيضًا من أضرار تعاطي المخدرات والمسكرات والمفترات:
===
4ـ أنها أم الخبائث، وهي مفتاح لكل شر، فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم): (اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ)(شعب الإيمان)، وعن معاذ بن جبل (رضي الله عنه)، قال: أوصاني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بعشر كلمات، قال: (لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا وَإِنْ قُتِلْتَ وَحُرِّقْتَ، وَلَا تَعُقَّنَّ وَالِدَيْكَ، وَإِنْ أَمَرَاكَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ، وَلَا تَتْرُكَنَّ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا؛ فَإِنَّ مَنْ تَرَكَ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ، وَلَا تَشْرَبَنَّ خَمْرًا؛ فَإِنَّهُ رَأْسُ كُلِّ فَاحِشَةٍ، وَإِيَّاكَ وَالْمَعْصِيَةَ؛ فَإِنَّ بِالْمَعْصِيَةِ حَلَّ سَخَطُ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ)، وَإِيَّاكَ وَالْفِرَارَ مِنَ الزَّحْفِ وَإِنْ هَلَكَ النَّاسُ، وَإِذَا أَصَابَ النَّاسَ مُوتَانٌ وَأَنْتَ فِيهِمْ فَاثْبُتْ، وَأَنْفِقْ عَلَى عِيَالِكَ مِنْ طَوْلِكَ، وَلَا تَرْفَعْ عَنْهُمْ عَصَاكَ أَدَبًا وَأَخِفْهُمْ فِي اللَّهِ)(مسند أحمد).
===
شرب الخمور….يؤدي بالإنسان إلى الوقوع في الفواحش والرذائل، وهذا واقعٌ ومشاهدٌ فقد رأينا ممن يتعاطونها سارقًا، أو قاتلا، أو زانيًا، أو مغتصبًا….الخ، بل وصل الأمر ببعضهم أنه تعدى على أهله ومحرماته؛ لأن تناول الخمور…كما قلت تغيب العقل، وتذهب به، وتضيع إدراكه وتمييزه بين الخير والشر…الخ.
===
وهذا ما أكده سيدنا عثمان (رضي الله عنه)، فقال: (اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا أُمُّ الْخَبَائِثِ، إِنَّ رَجُلَا مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانَ يَتَعَبَّدُ، وَيَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَعَلِقَتْهُ امْرَأَةٌ غَاوِيَةٌ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ أَنِّي أُرِيدُ أَنْ أُشْهِدَكَ بِشَهَادَةٍ، فَانْطَلَقَ مَعَ جَارِيَتِهَا فَجَعَلَ كُلَّمَا دَخَلَ بَابًا أَغْلَقَتُهُ دُونَهُ حَتَّى أَفْضَى إِلَى امْرَأَةٍ وَضِيئَةٍ، وَعِنْدَهَا بَاطِيَةٌ فِيهَا خَمْرٌ، فَقَالَتْ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا دَعَوْتُكَ لِشَهَادَةٍ وَلَكِنْ دَعَوْتُكَ لِتَقَعَ عَلَيَّ، أَوْ لِتَشْرَبَ مِنْ هَذَا الْخَمْرَ كَأْسًا، أَوْ لِتَقْتُلَ هَذَا الْغُلَامَ، وَإِلَّا صِحْتُ بِكَ، وَفَضَحْتُكَ فَلَمَّا أَنْ رَأَى أَنْ لَيْسَ بُدٌّ مِنْ بَعْضِ مَا قَالَتْ قَالَ: (اسْقِينِي مَنْ هَذَا الْخَمْرَ كَأْسًا فَسَقَتْهُ). فَقَالَ: (زِيدِينِي كَأْسًا فَشَرِبَ فَسَكِرَ، فَقَتَلَ الْغُلَامَ وَوَقَعَ عَلَى الْمَرْأَةِ…)(رواه النسائي، واللفظ لمصنف عبد الرزاق)، أيضًا من أضرار تعاطي المخدرات والمسكرات والمفترات، ومن حكمة تحريمها:
==========
5ـ أن تناولها يؤدي إلى نقص الإيمان حتى يسلب بالكلية من قلب العبد، ولا عجب في ذلك فكما قلت: إن العقل هو مناط التكليف، وطريق الهداية، وبه يميز الإنسان بين الحق والباطل… وشرب الخمور يذهب بالعقل وتمييزه، وإدراكه، ويؤدي به إلى الوقوع في الفواحش والمنكرات، وكلما زاد وقوعه فيها نقص إيمانه شيئًا فشيئًا حتى يسلب والعياذ بالله، ألم يقل القرآن الكريم: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}[المائدة:91].
===
ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَنْتَهِبُ نُهْبَةً، يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ، وَهُوَ مُؤْمِنٌ) (متفق عليه)، ويقول سيدنا عثمان (رضي الله عنه): (…فَاجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَوَ اللَّهِ لَا يَجْتَمِعُ الْإِيمَانُ، وَإِدْمَانُ الْخَمْرِ فِي قَلْبِ رَجُلٍ إِلَّا أَوْشَكَ أَحَدُهُمَا أَنْ يُخْرِجَ صَاحِبَهُ)(رواه النسائي، واللفظ لمصنف عبد الرزاق)، أيضًا من أضرار تعاطي المخدرات والمسكرات والمفترات، ومن حكمة تحريمها:
==========
6ـ أن تناولها يؤدي إلى العداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع، كما تقدم، في آية سورة المائدة: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}[المائدة:91]، فقد نزلت تلك الآية في سيدنا سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه)، فقد مرّ ذات يوم على جماعة من المهاجرين، والأنصار، فقالوا: تعال نطعمك ونسقك خمرًا ـ وذلك قبل أن تحرم الخمر. فذهب إليهم في حَشٍّ (البستان)، فإذا رأس جزور مشوي عندهم، وزق (إناء) من خمر، فأكل وشرب معهم، ثم ذكر الأنصار والمهاجرين عندهم. فقال: (الْمُهَاجِرُونَ خَيْرٌ مِنَ الْأَنْصَارِ). فأخذ رجل أحد لحيي الرأس (عظام الفك والصدغ) فضربه به؛ فجرح أنفه. فأتى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فأخبره؛ فنزلت فيه تلك الآية.
===
إن انتشار العداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع؛ راجعٌ إلى كثرة الجرائم المجتمعية التي يسببها هؤلاء المدمنون، كالسرقة لأجل التعاطي، ولأجل المعيشة فالمدمن قاعدٌ عن العمل لا كسب له، وكالزنا، وكثرة أولاد الشوارع، والمتسولين، المشاجرات والمشاحنات، وجرائم القتل…الخ.
فماذا تنتظر من إنسان مغيب العقل يعتدي على الحرمات والأعراض…الخ بسبب سكره؟، وماذا تنظر من إنسان اعتدى سكرانٌ مغيبٌ على ماله، أو عرضه، وحرماته؟ فلابد أن تكثر العدوات، والمشاحنات، والمشاجرات بسبب تعاطي تلك المخدرات، والواقع المرّ الذي نحياه يصدق ذلك، أيضًا من أضرار تعاطي المخدرات والمسكرات والمفترات، ومن حكمة تحريمها:
==========
7ـ أن تناولها يؤدي إلى تعطيل عجلة الإنتاج والبناء، وتأخر الأوطان، فماذا تنتظر من إنسان مغيب العقل يعتدي على الحرمات والأعراض…الخ بسبب سكره؟ هل هذا سيعمل، أو يبني، وينتج.
ثم سل كم من الملايين تنفق لأجل علاج هؤلاء المدمنين؟ من مصحات ودكاترة، وطقم تمريض، وفرش وأثاث….الخ؟ وكم تتكبد الدول في مكافحة هذه المخدرات والمسكرات، ومكافحة الجرائم المترتبة عليها؟ بالله عليكم كيف يصبح حالنا إذا وجهت تلك الملايين للصناعة والتعليم….الخ؟، أيضًا من أضرار تعاطي المخدرات والمسكرات والمفترات، ومن حكمة تحريمها:
==========
8ـ تشويه المظهر الجمالي للإنسان، الذي خلقه الله عليه، وتشويه المظهر الحضاري للوطن، فالله جميلٌ يحب الجمال، وكم من مدمن لا يسرك النظر لوجهه لما يسيل منه من سوائل، ولملابسه…الخ، فهذه هي بعض الحكم التي من أجلها حرم الحق تبارك وتعالى شرب الخمور…
عباد الله: البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والدّيّان لا يموت، اعمل ما شئت كما تدين تدان، فادعوا الله وأنتم موقنون…………
===========================================
(الخطبة الثانية)
((من أسباب الإدمان، وتعاطي المخدرات))
===========================================
الحمد لله رب العالمين، أعدّ لمَنْ أطاعه جنات النعيم، وسعرّ لمَنْ عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
===
أيها الأحبة الكرام: ما زال الحديث بنا موصولا مع الخمر، والمخدرات، والمسكرات، وأدلة تحريمها، وبيان شيء من أضرارها، وأخطارها، ومن سديد القول، والنصح أن أذكر ببعض الأسباب الحاملة على تعاطي المخدرات وإدمانها فأقول: أول هذه الأسباب:
==========
1ـ الوالدان، ولا يتعجب القارئ الكريم من كلامي هذا، فالولدان كما هما سببٌ في الصلاح؛ فهما في كثير من الأحيان السبب الأول في تعاطي المخدراتـ وإدمانها، وذلك بتفريطهما، أو على الأقل تقصيرهما في تربية أبنائهما.
===
ولذا نادى القرآن الكريم، وسيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على الوالدين في كثير من أحاديثهما، مبينين لهما دورهما في تربية أبنائهما، ومحذرين إياهما من إضاعتهم، فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[التحريم:6]، وذلك بتربيتهما على مائدة الكتاب، والسنة، ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ)(رواه أبو داود)، ومن إضاعة الأبناء التفريط، أو التقصير في تربيتهم، وعدم بيان الحلال لهم من الحرام، إلى أخر شعائر وتعاليم الدين الإسلامي.
===
وقد يكون الوالدان قدوة ونموذجًا سيئًا لأولادهما، وذلك بتعاطيهما للخمور والمسكرات والمخدرات…الخ، أمام أولادهما، وقد أشار نبينا (صلى الله عليه وسلم) إلى تلك القضية، فقال (صلى الله عليه وسلم): (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ)(متفق عليه)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ…)(رواه أحمد).
وعن الربيع بنت معوذ (رضي الله عنها) قالت: أرسل النبي (صلى الله عليه وسلم) غداة (صبيحة) عاشوراء إلى قرى الأنصار: (مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا، فَليَصُمْ). قالت: فكنا نصومه بعد، ونصوم صبياننا، ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار. (متفق عليه)، فكما نعلم أبنائنا أصناف العبادة والطاعة، من الممكن أن نكون سببًا في تعليمهم تعاطي وتناول الخمور، والمخدرات، والمسكرات.
===
وقد يغيب الدور الرقابي للوالدين على أولادهما فيقعوا في هذا المحظور، فدور الأسرة ليس تعليميًا وتربويًا فقط، بل لابد أن يجمع إلى جوار ذلك دورًا رقابيًا، متابعًا لكل فرد في الأسرة، يتابع طاعاته، وعبادته لله، يتابع دروسه وتعليمه، يتابع ماذا يفعل في وقت فراغه، وفي خلوته، يتابع مَنْ يصاحب ومع من يخرج، ومَنْ يحدث في هاتفه، وماذا يخزن ويحمل على هاتفه… وهكذا، وقد أشار نبينا (صلى الله عليه وسلم) إلى ذلك، فقال: (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)(متفق عليه واللفظ للبخاري)،، فغياب الدور الرقابي للوالدين يترتب عليه مفاسد عديدة، يندى لها الجبين، ويشيب منها الولدان، أيضًا من الأسباب الحاملة على تعاطي المخدرات وإدمانها:
==========
2ـ أصدقاء السوء، وهذا أثرٌ من آثار غياب الدور الرقابي للأسرة، فقد يكون المرء من بيت طيب طاهر صالح، ولكن يبتلي في صغره، أو كبره بأصدقاء السوء، فيصاحبهم؛ فيعلمونه تعاطي، وإدمان الخمور والمسكرات، والمخدرات، فالصاحب كما يقولون: ساحب، وقد حذرتنا السنة النبوية المطهرة، من مصاحبة، ومجالسة أصدقاء السوء؛ لم يترتب على تلك المصاحبة والمجالسة من فظائع، وشنائع، فيقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ، وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً)(متفق عليه)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): (الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِطُ)(مسند أحمد)، أيضًا من الأسباب الحاملة على تعاطي المخدرات وإدمانها:
==========
3ـ البيئة والمجتمع، فبيئةٌ ومجتمعٌ ينتشر فيهما شرب الخمور، والمخدرات، والمسكرات، بل وبيعها والتجارة بها ماذا تنظر من ساكنيها، وماذا تنتظر أن ينشأ أبناؤها وأطفالها، فالبيئة والمجتمع يؤثران في من يحيا فيهما.
===
ولذا أرشدتنا السنة النبوية المطهرة إلى مفارقة أماكن المعصية؛ حتى لا نقع فيها، ففي قصة قاتل المائة نفس حينما قتل النفس المئة ذهب إلى رجل عالم، فقال له: إني قتلت مائة نفس فهل لي من توبة؟. فقال له، وهذا هو الشاهد: (نَعَمْ وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدِ اللَّهَ مَعَهُمْ وَلاَ تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ)(رواه مسلم). أيضًا من الأسباب الحاملة على تعاطي المخدرات وإدمانها:
==========
4ـ ما تصدره لنا وسائل الإعلام، من النماذج السيئة، وخصوصًا الفضائيات، التي ما أفلحت إلا في أفلام الدعارة، والبلطجة، وشرب المسكرات والمخدرات، ومن الممكن أن نعد هذا العنصر من أثر البيئة والمجتمع، ومن الممكن اعتباره أيضًا من صحبة السوء، فالصحبة: تعني طول الملازمة والمصاحبة، وقد تكون معنوية كما أنها مادية، فوسائل الاتصال الاجتماعي، والفضائيات، والانترنت وما يبث عليه، وقراءة الكتب…إلخ كل ذلك من أنواع الصحبة، وكل ذلك يؤثر في عقلية الطفل الصغير، والرجل الكبير، وفي تربية أفكارهم، أيضًا من الأسباب الحاملة على تعاطي المخدرات وإدمانها:
==========
5ـ إرادة الهروب من المشكلات، والأزمات، فبعض الناس يظن أن تعاطي الخمور، والمخدرات، والمسكرات فيه هروبٌ من مشاكله، وهمومه، وأزماته، وتلك سفاهة ما بعدها سفاهة، وهو بذلك لا يضر إلا نفسه، فالمشكلات والأزمات، والهموم والأحزان لاتحل إلا بالقرب من الله، وصدق الله إذ يقول: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[الأعراف:96]، وقال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى*قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا*قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى}[طه:124ـ126]، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
===
فالمشكلات والأزمات، والهموم والأحزان لاتحل إلا بالتضرع واللجوء إلى الله، وبالإكثار من الصلاة على سيدنا رسول الله (صل الله عليه وسلم)، فبها تنحل العقد، وتنفك الكرب، وتزاح الهموم والغموم، والشدائد.
===========================================
فاللهمّ أرنا الحق حقًا، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا، وارزقنا اجتنابه، اللهمّ علمنا من لدنك علمًا نصير به خاشعين، وشفّع فينا سيّد الأنبياء والمرسلين، واكتبنا من الذاكرين، ولا تجعلنا من الغافلين ولا من المحرومين، ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم في جنات النّعيم اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.
اللهم ارفع عنا الوباء والبلاء والغلاء، وأمدنا بالدواء والغذاء والكساء، اللهم اصرف عنّا السوء بما شئت، وكيف شئت إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير، اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.
كتبها الشيخ الدكتور/ مسعد أحمد سعد الشايب
No comment