خطبة الجمعة القادمة للشيخ أحمد عزت حسن بعنوان إعلاء قيمة السعي والعمل
الموضوع، الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا رسول الله ﷺ، “يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا”، وبعد
إن العمل في الإسلام عبادة لله والقيام به على أكمل وجه علامةٌ من علامات الإيمان وأداء حقوقه والالتزام بآدابه براءة من المسئولية يوم القيامة بين يدي الواحد الديان.
فلقد جعل الله الأرض مستقر حياة الإنسان ومعاشه في هذه الدنيا وأوجد فيها الكثير من النعم وسخر جميع المخلوقات لخدمته ونوع له أبواب الرزق وطرقه وذلل له سبل الوصول إليه قال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ . وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ . وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ) [يس: ٧١ـ٧٣].
والمطلوب أن ينزل المسلم في ميادين الحياة مكافحًا، وإلى أبواب الرزق ساعيًا، ولكن يكون قلبه معلقًا بالله، وفكره لا يغيب عن مراقبة الله وخشيته، والالتزام بحدوده والتقيد بأوامره قال تعالى: (رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ الله وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) [النور: ٣٧].
والعاقل لا يرضى لنفسه أن يكون كَلا على غيره، وهو يعلم أن الرزق منوط بالسعي، وأن مصالح الحياة لا تتم إلا باشتراك الأفراد حتى يقوم كل واحد بعمل خاص له، وهناك تتبادل المنافع، وتدور رحى الأعمال، ويتم النظام على الوجه الأكمل قال تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ الله وَاذْكُرُوا الله كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الجمعة: ١٠]،الحض على الأكل من عمل اليد
وقال رسول الله ﷺ: «ما أكل أحد طعاما قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده» رواه البخاري.
وقال ابن عباس رضي الله عنه: كان آدم عليه السلام حراثًا، ونوح نجارًا، وإدريس خياطًا، وإبراهيم ولوط كانا يعملان في الزراعة، وصالح تاجرًا، وداود حدادًا، وموسى وشعيب ومحمد صلوات الله تعالى عليهم رعاة للأغنام، وعمل ﷺ أيضًا في التجارة.
وقال لقمان الحكيم لابنه يومًا: يا بني استعن بالكسب الحلال فإنه ما افتقر أحد قــط إلا أصابه ثلاث خصــال: رقة في دينه، وضعف في عقله، وذهاب مروءته وأعظم من هذه الخصــال استخفاف الناس به.
ولقد عظم الإسلام من شأن العمل مهما كان هذا العمل… حتى عمل المرأة في بيتها لزوجها وأولادها فإنها تؤجر عليه.. فعلى قدر عمل الإنسان يكون جزاؤه، قال الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [النحل: ٩٧] ..
بل لقد جعل الإسلام العمل نوعًا من أنواع الجهاد في الإسـلام وما ذلك إلا لأهميته وفضله وثمرته، فعن أنس رضي الله عنه قال: “مرّ بالنبي ﷺ رجل، فرأى أصحاب النبي من جَلَده ونشاطه فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا ـ يعنون النشاط والقوة ـ في سبيل الله؟ فقال رسول الله ﷺ: «إن كان يسعى على ولده صغارًا فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفّها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان» [رواه الطبراني والبيهقي وصححه الألباني في صحيح الترغيب ١٦٩٢].
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “والله ما أحب أن يأتيني الموت إلا على أحد شكلين؛ إما مجاهدًا في سبيل الله أو ساعيًا لطلب الرزق”.
آداب العمل
إن من الآداب والواجبات التي ينبغي لكل مسلم أن يلتزم بها وهو يقوم بأي عمل من الأعمال أن يتقن في عمله، وتلك صفة عظيمة في حياة المؤمن لذلك كانت مطالبة الرسول ﷺ إلى الإتقان في الأعمال فقد قال: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه» .
إن الإتقان سمة أساسية في الشخصية المسلمة يربيها الإسلام فيه منذ أن يدخل فيه، وهي التي تحدث التغيير في سلوكه ونشاطه، فالمسلم مطالب بالإتقان في كل عمل تعبدي أو سلوكي أو معاشي؛ لأن كل عمل يقوم به المسلم بنيّة العبادة هو عمل مقبول عند الله يُجازى عليه سواء كان عمل دنيا أم آخرة. قال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام: ١٦٢-١٦٣].
وإتقان عمل واحد والتميز به والنجاح فيه أفضل من القيام بمجموعة من الأعمال، والفشل في أدائها
* وإتقان العمل في الإسلام يعتبر من شعائره وعلاماته المميزة، ويكفي أن الله جلا وعلا جعله من صفاته فقال: “صُنع الله الذي أتقن كل شىءٍ” النمل ٨٨
* وهو من المحبوب إلى الله تعالى، يقول النبي ﷺ: “إن الله يحب إذا عمِل أحدُكم عملًا أن يتقنه”
* وقد حثت الشريعة على الإتقان؛ لأن إتقان العمل من الأمانة التي أمر اللَّهَْ أَنْ تُؤَدّى إلى أهلها.
#والإتقان_ليس_مجرد_أداءٌ للعمل بل تجويده وتحسينه، وهذا التجويد والتحسين يُضفي الجمال على العمل، ويشيعه -الجمال- في الكون كله، تحدث المولى عز وجل عن خلق السموات والأرض والنجوم فقال عن السماء: “وزيّناها للناظرين”، “ولقد زيّنا السماء الدنيا بمصابيح” الملك
وقال عن الأرض: “وأنبتنا فيها من كل زوجٍ بهيجٍ” ق
وبعد أن تحدث سبحانه وتعالى عن خلق السموات والأرض والأنعام في أول سورة النحل قال: “ولكم فيها جمالٌ”
إنه لا يَكفِي الفَردَ أَن يُؤَدِّيَ العَمَلَ صَحِيحًا، بَل لا بُدَّ أَن يَكُونَ مَعَ صِحَّتِهِ مُتقَنًا،
#فإتقان_العمل_يكون: بإحكام الشيء وضبطه على أحسن وجه، وإكماله وعدم تركه ناقصًا. قال -عليه الصلاة والسلام-: “مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي، كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بُنْيَانًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ، إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهُ.فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ ، وَيَقُولُونَ: مَا رَأَيْنَا بُنْيَانًا أَحْسَنَ مِنْ هَذَا إِلَّا هَذِهِ اللَّبِنَةَ ، هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ، فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّين” متفق عليه
#نهى_الإسلام أن يجلس الرجل بدون عمل، ثم يمد يده للناس يسألهم المال، فالذي يطلب المال من الناس مع قدرته على العمل ظالم لنفسه؛ لأنه يُعرِّضها لذل السؤال، وقد حذَّر النبي ﷺ من المسألة، وبالغ في النهي عنها والتنفير منها، فقال ﷺ: «اليد العُلْيَا خير من اليد السُّفْلَى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غنى، ومن يستعفف يعِفَّه الله، ومن يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ الله» [متفق عليه].
وقال ﷺ: «لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلا فيسأله أعطاه أو منعه» [رواه البخاري].
ويقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: “لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق، ويقول: اللهم ارزقني، وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة”، ويقول أيضًا: رضي الله عنه: “إني لأرى الرجل فيعجبني فأقول أله حرفة؟ فإن قالوا: لا، سقط من عيني”.. فعلى المسلم أن يعمل ويجتهد حتى تتحقق قيمته في الحياة.
ومن آداب العمل في الإسلام أن يكون العامل قويًّا أمينًا والقوة تتحقق بأن يكون عالمًا بالعمل الذي يسند إليه، وقادرًا على القيام به، وأن يكون أمينًا على ما تحت يده، قال الله تعالى (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) [القصص: ٢٦]،
وأن يكون العامل بعيدًا عن الغش والتحايل فالغش ليس من صفات المؤمنين، يقول النبي ﷺ: «من غش فليس مني» [مسلم وأبو داود والترمذي]، وقد مر رسول الله ﷺ برجل يبيع طعامًا “حبوبا ” فأعجبه، فأدخل يده فيه فرأى بللاً، فقال: ما هذا يا صاحب الطعام، قال: أصابته السماء أي المطر فقال عليه الصلاة والسلام: فهلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس، «من غشنا ليس منا» (رواه مسلم).
ومن الآداب والواجبات على العامل المسلم الالتزام بالمواعيد والنصح لصاحب العمل وتحري الحلال والبعد عن الأعمال المحرمة ويجب على العامل أن يحفظ أسرار عمله، فلا يتحدث إلى أحد -خارج عمله- عن أمورٍ تعتبر من أسرار العمل وعلبه أن يلتزم بقوانين العمل ويجب على العامل
أيضًا أن يحافظ على أداء الصلوات وإيتاء الزكاة، والقيام بسائر العبادات على أكمل وأحسن وجه، بل إن ذلك من أسباب الحصول على الرزق والتوسعة فيه، قال تعالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) [طـه: ١٣٢]
وقال ﷺ: «ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة، وذلك الدهر كله» رواه مسلم.
ومن هذه الآداب عدم استغلال العمل والمنصب لأجل تحقيق مصلحة شخصية (لنفسه أو قرابته) دون وجه حق شرعي أو قانوني.قال رسول الله ﷺ: «من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول» (رواه أبو داود)..
ومن هذه الآداب الالتزام بمواعيد العمل والتبكير إليه؛ حيث يكون النشاط موفورًا، وتتحقق البركة، قال ﷺ: «اللهم بارك لأمتي في بكورها» [الترمذي وابن ماجه] هذه آداب العمل وواجبات العامل في الإسلام وغيرها كثير… فيها الراحة والسعادة والأمن والأمان للفرد والمجتمع وفيها رضا الله وسعة رزقه وتتابع بره وحلول بركته.
بهذه القيم والآداب وبهذه الأخلاق كان العامل المسلم في أي مجال من مجالات العمل يستشعر هده المسئولية وهذه الأمانة ويقوم بواجبه على أكمل وجه لا تغره المناصب ولا تستهويه وتفسده الأموال… دعا عمر بن الخطاب رضي الله عنه سعيد بن عامر الجمحي إلى مؤازرته، وقال: يا سعيد إنا مولوك على أهل (حمص) فقال سعيد: يا عمر ناشدتك الله ألا تفتني.. فغضب عمر وقال: ويحكم وضعتم هذا الأمر في عنقي ثم تخليتم عني!! والله لا أدعك.. ثم ولاه على (حمص).
ثم مضى إلى حمص وما هو إلا قليل الزمن حتى وفد على أمير المؤمنين بعض من يثق بهم من أهل حمص فقال لهم: اكتبوا لي أسماء فقرائكم حتى أسد حاجتهم، فرفعوا كتابًا فإذا فيه: فلان وفلان وسعيد بن عامر،
فقال: ومن سعيد بن عامر؟!
فقالوا: أميرنا..!!
قال: أميركم فقير؟!
قالوا: نعم ووالله إنه ليمر عليه الأيام الطوال ولا يوقد في بيته نار،
فبكى عمر حتى بللت دموعه لحيته. ولم يمض على ذلك طويل وقت حتى أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ديار الشام يتفقد أحوالها فلما نزل بحمص لقيه أهلها للسلام عليه.
فقال: كيف وجدتم أميركم؟ قالوا نعم الأمير يا عمر إلا أنهم شكوا إليه ثلاثًا من أفعاله، كل واحد منها أعظم من الأخرى.. قال عمر: اللهم لا تخيب ظني فيه. وجمعهم به ثم قال: ما تشكون من أميركم؟
قالوا: لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار..
فقال عمر: وما تقول في ذلك يا سعيد؟ فسكت قليلا، ثم قال: والله إني كنت أكره أن أقول ذلك، أما وإنه لا بد منه، فإنه ليس لأهلي خادم، فأقوم في كل صباح فأعجن لهم عجينهم، ثم أتريث قليلا حتى يختمر، ثم أخبزه لهم، ثم أتوضأ وأخرج للناس.
قال عمر: وما تشكون منه أيضًا؟
قالوا: إنه لا يجيب أحدا بليل..
قال عمر: وما تقول في ذلك يا سعيد؟ قال: إني والله كنت أكره أن أعلن هذا أيضًا.. فإني قد جعلت النهار لهم ولربي لله الليل..
ثم قال عمر: وما تشكون منه أيضا؟ قالوا: تصيبه من حين إلى آخر غشية فيغيب عمن في مجلسه.
قال عمر: وما هذا يا سعيد؟!
فقال: شهدت مصرع خبيب بن عدي وأنا مشرك، ورأيت قريش تقطع جسده وهي تقول: أتحب أن يكون محمد مكانك؟ فيقول: والله ما أحب أن أكون آمنا في أهلي وولدي، وأن محمدًا تشوكه شوكة… وإني والله ما ذكرت ذلك اليوم وكيف أني تركت نصرته إلا ظننت أن الله لا يغفر لي… وأصابتني تلك الغشية عند ذلك قال عمر: الحمد لله الذي لم يخيب ظني فيك.
هذا هو العمل وهكذا يكون تحمل المسئولية وهكذا تؤدى الأمانات.. علوٌ في الحياة وفي الممات وفي الآخرة عند خالق الأرض والسموات.
أيها الإخوة المؤمنين: إن الدنيا عرَضٌ حاضر، يأكل منه البر والفاجر، وإن الآخرة لوعد صادقٌ يحكم فيها ملك عادل، فطوبى لعبدٍ عمِل لآخرته وحبله ممدود على غاربه، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فتوبوا إلى الله واستغفروه وادعوه وأنتم موقونون بالإجابة.
الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله. قاد سفينة العالم الحائرة في خضم المحيط، ومعترك الأمواج حتى وصل بها إلى شاطئ السلامة، ومرفأ الأمان، فاللهم صل وسلم وزد بارك عليك سيدي يا رسول الله وآلك وصحبك قادة الحق، وسادة الخلق إلى يوم يقوم الناس لرب العالمين.
وبعد
فقد نظم الإسلام العلاقة بين العامل وصاحب العمل، وجعل لكلِّ منهما حقوقًا وواجبات فقد ضمن الإسلام حقوقًا للعامل يجب على صاحب العمل أن يؤديها له، ومنها الحقوق المالية: وهي دفع الأجر المناسب له، قال الله تعالى: ( وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [هود: ٨٥].
ويقول الرسول ﷺ: «أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه» [ابن ماجه]،
وروي البخاري أن النبي ﷺ قال: قال الله تعالى: «ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، ومن كنت خصمه خصمته، رجل أعطى بي ثم غدر, ورجل باع حرا فأكل ثمنه, ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره».
والحديث عام يشمل رب العمل الطبيعي، والاعتباري
ومن ذلك الحقوق البدنية: وهي الحق في الراحة، قال تعالى: ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ) [البقرة: ٢٨٦].
ولا يجوز إرهاق العامل إرهاقًا يضر بصحته ويجعله عاجزًا عن العمل، ولقد قال شعيب لموسى عليه السلام حين أراد أن يعمل له في ماله: (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ) [القصص: ٢٧]، ويقول ﷺ: «إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فلْيطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم» [متفق عليه].
وكذلك يجب على صاحب العمل أن يوفر للعامل ما يلزمه من رعاية صحية… وأن يمكن العامل من أداء ما افترضه الله عليه من طاعة كالصلاة والصيام، فالعامل المتدين أقرب الناس إلى الخير ويؤدى عمله في إخلاص ومراقبة وأداء للأمانة، وصيانة لما عهد إليه به وليحذر صاحب العمل أن يكون في موقفه هذا ممن يصد عن سبيل الله ويعطل شعائر الدين قال تعالى: (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ الله وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ) [إبراهيم: ٣].
هكذا أعز الإسلام العامل ورعاه وكرمه، واعترف بحقوقه لأول مرة في تاريخ العمل، بعد أن كان العمل في بعض الشرائع القديمة معناه الرق والتبعية، وفي البعض الآخر معناه المذلة والهوان..
#أحمد_عزت
No comment