خطبة الجمعة القادمة بتاريخ (٢٠ من ديسمبر ٢٠٢٤م – ١٨ من جمادى الآخرة ١٤٤٦هـ)، بعنوان: “الطفولة بناء وأمل”، تهدف هذه الخطبة إلى توعية الجمهور بأهمية بناء إنسان معتمد على العلم، قادر على مواجهة تحديات الزمن بالإنجاز، وهو ما يؤكد التوافق مع محوري بناء الإنسان وصناعة الحضارة.
اقرأ في هذه الخطبة
أولاً : حقوق الطفل قبل ولادته
ثانياً : حقوق الطفل في مرحلة الحمل
ثالثاً : حقوق الطفل بعد الولادة
رابعاً : المسؤولية التربوية للأبوين
الخطبة الاولي
الحمد لله الملك الجليل ، المنزه عن النظير والعديل ، المنعم بقبول القليل ، المتكرم بإعطاء الجزيل ، تقدس عما يقول أهل التعطيل ، وتعالى عما يعتقد أهل التمثيل ، نصب للعقل على وجوده أوضح دليل ، وهدى إلى وجوده أبين سبيل أحمده كلما نطق لسان بحمده وقيل.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في التقدير والتدبير، فالحمد لله الذي خلق الانسان بقدرته، وأنشأه في الأرحام بحكمته،ورعاه في ظلمات ثلاث بلطفه وعنايته فهو الخلاق ليس له نظير ( يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ، أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ)
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ الأَمِينُ، أَحْسَنُ الْمُرَبِّينَ، وَأَكْـمَلُ النَّاسِ رِعَايَةً لأَبْنَائِهِ أَجْمَعِينَ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ قَالَ:(ضَمَّنِي رَسُولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ وَقَالَ اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ) البخاري
وفي رواية : اللهم فقهه في الدين
وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم) أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُهُ وَالْحَسَنَ، وَيَقُولُ:(اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا). الترمذي
صلى الله عليه وسلم وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ، وَدَعَا بِدَعْوَتِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ
أما بعد:
ففي معرض حديثنا عن الطفل والطفولة يجب أن نستحضر في أذهاننا بأن صغار اليوم هم كبار الغد وأمل المستقبل، وعليهم يتوقف بناء المجتمع المنشود
وبما أن الإنسان يُنشأ حملا، ويولد طفلا؛ فما قد أقره له الإسلام من حقوق، فإنّ إهمالها لا يمكن أن يوصف إلا بالعقوق !
ولله در القائل
إنَّ الطفولة في دنيا الناسِ
كعمدةٍ الحياةِ والأساسِ
صحائف بيضاءَ كالقرطاس
والباقي يُسْتنتجُ بالقياسِ
أولاً : حقوق الطفل قبل ولادته
1 – من حق الطفل على أبيه أن يختار أمه.
أيها الأحبة في الله ، إذا أردنا أن تقرَّ أعينُنا بأولادنا ونأخذَ بأسباب نجابتهم وسعادتهم فعلينا باختيار الأرض الطيبة التي يخرج نباتُها بإذن ربها طيبًا مباركًا، ولا بدَّ أن يبحثَ مريدُ الزواج عن الزوجةِ التَّقِيَةِ النَّقِيَةِ ، ومعيار الاختيار في حديث النبي المختار الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النّبيّ قال: (( تُنْكَحُ النّسَاءُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَلِجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ)).) رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
وذات الدين هي التي تحفظ لك فراش الزوجية، هي التي تمنع أبناءك من أن يتطاولوا عليك
ولقد رأينا في واقعنا من يخبرنا أن زوجته وأبناءه اجتمعوا حتى استطاعوا أن يصدروا قراراً بالحجر عليه وأنه مجنون، ويحجر على ماله وتتمتع الزوجة والولد بماله وهو مغلول اليدين.
فإياك أن تبحث عن عز وشرف علي حساب امرأة وإنما تتفاضل النساء بالعقل والدين فليس كل النساء لهم العقل وليس كل النساء لهن الدين، يقول الرسول صلي الله عليه وسلم فيما روي الطبراني عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لِعِزِّهَا لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إِلَّا ذُلًّا، وَمَنْ تَزَوَّجَهَا لِمَالِهَا لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إِلَّا فَقْرًا، وَمَنْ تَزَوَّجَهَا لِحَسَبِهَا لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إِلَّا دَنَاءَةً، وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَمْ يَتَزَوَّجْهَا إِلَّا لِيَغُضَّ بَصَرَهُ أَوْ لِيُحْصِنَ فَرْجَهُ، أَوْ يَصِلَ رَحِمَهُ بَارَكَ اللَّهُ لَهُ فِيهَا، وَبَارَكَ لَهَا فِيهِ » الطبراني في الأوسط
وعَنْ عَائِشَةَ،رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ، وَانْكِحُوا الْأَكْفَاءَ، وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ » رواه ابن ماجة والحاكم في المستدرك
(تخيروا لنطفكم) أي اطلبوا لها ما هو خير المناكح وأزكاها وأبعدها من الخبث والفجور. (وأنكحوا إليهم) أي اخطبوا إليهم بناتهم]
وقيل [ تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس ]
ومما يزيد هذا الكلام نفاسة وقيمة بيان ربنا في القرآن الكريم أن الذرية لها تأثر كبير بآبائها، فيقول الحق سبحانه: ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْض وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [آل عمران:34]. فعندما تُسأل: من أين هذه الثمرة؟ تقول: من هذه الشجرة. فلا تظنن الإنسان مقطوع الصلة بوالديه وأجداده وتاريخه.
وهل يرجى لأطفال كمال…إذا رضعوا ثدي الناقصات
وقد اعتبر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه انتقاء الزوجة واختيارها حقًا من حقوق الولد على أبيه ، وكذلك اختيار اسمِهِ وتعليمهُ القرآنَ والدِّين.
اسمع ـ يا أخا الإسلام ـ إلى الرجل الذي يشكو عقوق ولده إلى سيدِنا عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه، فأحضرَ أميرُ المؤمنين الغلامَ وأنَّبه، فقال الغلام: يا أمير المؤمنين، أليس للولد حق على أبيه؟ قال: بلى، قال: فما حقه على أبيه؟ قال: أن يَنْتَقِيَ أُمَّهُ، ويُحْسِنَ اسمَهُ، ويُعَلِّمَهُ الكتابَ. قال الغلامُ : يا أميرَ المؤمنينَ، إنَّ أبي لم يفعلْ شيئًا من ذلك، استولدني من أَمَةٍ زنجية كانت لمجوسيّ، وقد سماني جُعلاً، ولم يعلّمْني من الكتاب حرفًا واحدًا، فالتفتَ أميرُ المؤمنينَ عُمرُ رضي الله عنه إلى الرجل وقال له: جئتَ إليَّ تشكوا عقوقَ ولدِكَ وقد عقَقْتَهُ قبلَ أن يَعقَّك، وأسأْتَ إليه قبْلَ أنْ يُسيء إليك! هذه القصة لم نقف عليها مسندة إلى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- على شهرتها وهى موجوده بكتاب تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين للسمرقندي
كما أن من حق الطفل على أمه وذويها اختيار الأب الفاضل المحترم المتدين أخرج الترمذي وابن ماجة والحاكم وصححه عن أبي هُرَيرَةَ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ((إذا خطبَ إليكُمْ من ترضونَ دينهُ وخلقهُ فزوِّجوهُ، إلاَّ تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ عريضٌ)). ( إذا أتاكم ) أي خطب إليكم بنتكم . ( من ترضون خلقه ) لأن الخلق مدار حسن المعاش . ( ودينه ) لأن الين مدار أداء الحقوق . ( إلا تفعلوا الخ ) أي إن لم تزوجوا من ترضون دينه وخلقه وترغبوا في ذوي الحسب والمال تكن فتنة وفساد لأن الحسب والمال يجلبان إلى الفتنة والفساد عادة ]
ولله در الإمام الشافعي رحمه الله حينما قال
ولست أرى السعادة جمع مال…ولكن التقي هو السعيد
وتقوى الله خير الزاد ذخرا…وعند الله للأتقى مزيد
وإدراك الذي يأتي قريب …ولكن الذي يمضي بعيد
ثانيا : حقوق الطفل في مرحلة الحمل
وأما أثناء الحمل فقد تحدث الحق سبحانه عن جملة من الحقوق المرتبطة بالطفل حال كون أمه حاملا به:
على رأس ذلك أن تكون حاملا في بيت زوجها، وأن ينفق عليها، وأن يعتني بها مهما كانت الظروف حتى تضع حملها قال تعالي ( وَأُوْلاتُ الأحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ [الطلاق:4].
فالطفل في بطن أمه شديد التأثر بحالها، فإذا كانت قلقة ومضطربة ومتعبة فإن نصيبا من ذلك يناله، لذلك كان الغالب على أبناء الأسر المضطربة الإضطراب وعدم الإستقرار والإنحراف والعكس بالعكس.
ومن أعظم ما ضمنه الله تعالى للطفل وهو في بطن أمه حق الحياة، فمنذ أن تبدأ نبتته في الأحشاء فهو إنسان لا يجوز للدنيا كلها أن تسقطه. فمما بايع عليه الرسول النساء عدم الاعتداء على حياة أجنتهن، قال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّبِيء إِذَا جَاءكَ الْمُؤمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لا يُشْرِكْن بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلَدَهُنَّ [الممتحنة:12].
ويتعزز هذا الحق ولو كان الجنين من الزنا، روى الإمام مالك في الموطأ عن عبد اللّه بن أبي مُلَيْكة أن امرأةً أتت النبي فأخبرته أنها زنت وهي حامِلٌ، فقال لها رسول اللّه : ((اذهبي حتى تَضَعِي)).
لماذا لم يطبق عليها الحد فورا؟ لأنها ليست وحدها، إن هناك إنسانا آخر في أحشائها. فلما وضعَتْ أتته، فقال لها : ((اذهبي حتى تُرضعي))، فلما أرضَعَتْ أتته فقال لها: ((اذهبي حتى تَسْتَودِعيْه)) فاستودَعَتْه، بمعنى جعلته عند من يحفظه ويرعاه، ثم جاءته فأمر بها فأُقيم عليها الحدّ.
ثالثا : حقوق الطفل بعد الولادة
وللطفل في الإسلام حقوق بعد ولادته، منها:
أ- حق الحياة: فمن أبرز حقوق الأطفال التي تحدث عنها القرآن الكريم بعد ولادتهم حق الحياة، يقول الحق سبحانه: وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ [التكوير:8، 9].
كما حفظ الإسلام هذا الحق للأطفال ولو كانوا أبناء الكافرين المحاربين، قال تعالى: وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِين [البقرة:189]، فلا يقاتَل ولا يُقْتَل الأطفال لأنهم لا يُقاتِلون.
وفي صحيح مسلم عن بريدة رضي اللّه عنه قال: كان رسول اللّه إذا أمّرَ أميرًا على جيشٍ أو سريةٍ أوصاه في خاصّتِه بتقوى اللّه تعالى ومَنْ معه من المسلمين خيرًا، ثم قال: ((اغزوا باسْمِ اللّه في سَبِيلِ اللَّهِ، قاتِلُوا مَنْ كَفَرَ باللّه، اغْزُوا وَلا تَغُلُّوا ولا تَغْدِرُوا وَلا تُمَثِّلوا وَلا تَقْتُلُوا وَلِيدًا)). إن الإسلام دين هداية لا دين إبادة، والأطفال رغم كونهم أبناءَ كفارٍ إلا أنهم مشروعُ هداية. {إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} أَيْ: ذَنْبًا عَظِيمًا وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ: “كَانَ خَطَأً كَبِيرًا” وَهُوَ بِمَعْنَاهُ.
ب- حق الاعتبار والكرامة: فيفرح به عند ولادته سواء كان ذكرا أو أنثى، ويذكر الله تعالى ويشكر، ويعبر عن ذلك بعقيقة في يوم سابعه، ويكرم بكرم الله تعالى. لأذان في أذن المولود: لحديث أبي رافع مولى رسول الله قال: ((رأيت رسول الله أذن في أذن الحسين بن علي – حين ولدته فاطمة – بالصلاة))( المستدرك على الصحيحين )
يعني بأذان الصلاة وللحديث: عَنْ حُسَيْنٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى لم تضره أم الصبيان)) مسند أبي يعلى
وأم الصبيان من الشياطين، فتكون أول كلمة تطرق قلبه “الله أكبر” وما فيها من التعظيم لله عز وجل وحده، ثم شهادة التوحيد “أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله” ثم الدعوة إلى الصلاة و الفلاح “حي على الصلاة، حي على الفلاح” .
وفي ذلك تأكيد وتذكير بالعهد الأول الذي أخذه الله على الأرواح في عالم الغيب. وإذا أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا [الأعراف:172].
ج- حق الاسم الحسن: فيسمى اسما حسنا، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ , أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ: ” مِنْ حَقِّ الْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: أَنْ يُحْسِنَ اسْمَهُ إِذَا وُلِدَ، وَيُعَلِّمَهُ الْكِتَابَ إِذَا عَقَلَ، وَيُزَوِّجَهُ إِذَا أَدْرَكَ ” مسند البزار المنشور باسم البحر الزخار
وذلك لأن الاسم جزء من شخصية الإنسان، وقد أمرنا النبي باختيار أسماء أولادنا، وأن تكون الأسماءُ متصلةً بمَنْ اختارهم الله من الصفوة المباركة من الأنبياء والصديقين والصالحين، وكان النبي يحب الأسماء الجميلة، ويكره القبيحة ويبدلها. ففي صحيح مسلم والترمذي وغيرهما عن ابن عمر رضي اللّه عنهما أن النبيّ غيَّرَ اسم عاصية بنت عمر، وقال: ((أنت جميلة)).
وفي صحيح مسلم كذلك عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ قَالَ: سَمّيْتُ ابْنَتِي بَرّةَ، فَقَالَتْ لِي زَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ: إِنّ رَسُولَ اللّهِ نَهَىَ عَنْ هَذَا الاِسْمِ، وَسُمّيتُ بَرّةَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ : ((لاَ تُزَكّوا أَنْفُسَكُمُ، اللّهُ أَعْلَمُ بِأَهْلِ الْبِرّ مِنْكُمْ))، فَقَالُوا: بِمَ نُسَمّيهَا؟ قَالَ: ((سَمّوهَا زَيْنَبَ)).
فيسمى المولود محمدا أو أحمد أو حميدة أو ما اشتق من ذلك، أو يسمى عبد مع إضافة اسم من أسماء الله تعالى، مثل عبد الله وعبد الرحمان وعبد الرحيم وعبد الرزاق، قال رسولُ الله : ((إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ فَأَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ)) رواه أبو داود بإسناد جيد عن أبي الدرداء.
ولم يكتفِ رسولُ الله بالإرشادِ القولي، بل أكَّدَ ذلك بالفعل عندما خرج على الناس صبيحةَ يومٍ وقال لهم: ((وُلِدَ لِيَ اللَّيْلَةَ غُلاَمٌ فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبي إِبْرَاهِيمَ)) رواه مسلم. فالنبي في هذا الحديث يلفتُ الأنظارَ إلى أن نسميَ أبناءنا بأسماء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقد أخرج أبو داود والنسائي أن رسولَ الله قال: ((تَسَمَّوْا بِأَسْمَاءِ الأَنْبِيَاءِ، وَأَحَبُّ الأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ، وَأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرَّةُ)).
وفي صحيح مسلم عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه : ((إنَّ أحَبَّ أسْمائكُمْ إلى اللّه عَزَّ وَجَلَّ عَبْدُ اللّه وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ)). أو يسمى اسما يرمز إلى خير، من مثل عمر ومصعب وصلاح الدين وخالد وسعد وفاطمة وزينب وعائشة وأسماء، مما يحمل معنى سليما ويرمز إلى شخصية عظيمة. كما ينبغي تجنب الأسماء القبيحة من مثل الخمار وحادة وعبد النبي.
وروي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ لِرَجُلٍ: «مَا اسْمُكَ» ؟ قَالَ: جَمْرَةُ، قَالَ: «ابْنُ مَنْ؟» قَالَ: ابْنُ شِهَابٍ، قَالَ: «مِمَّنْ؟» قَالَ: مِنَ الْحِرْقَةِ، قَالَ: «أَيْنَ مَسْكَنُكَ؟» ، قَالَ: بحِرَّةِ النَّارِ. قَالَ: «بِأَيِّهَا» ؟ قَالَ: بِذَاتِ لَظًى، قَالَ عُمَرُ: «أَدْرِكْ أَهْلَكَ فَقَدِ احْتَرَقُوا» ، فَرَجَعَ الرَّجُلُ، فَوَجَدَ أَهْلَهُ قَدِ احْتَرَقُوا. (تحفة المودود بأحكام المولود لابن القيم)
وفي البخاري عَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ:” أَنَّ أَبَاهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: حَزْنٌ قَالَ: أَنْتَ سَهْلٌ ، قَالَ: لَا أُغَيِّرُ اسْمًا سَمَّانِيهِ أَبِي، قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: فَمَا زَالَتْ الْحُزُونَةُ فِينَا بَعْدُ”
د _ الرضا بقسمة الله
من الذكور والإناث وعدم تسخط البنات: لقول الله تعالى:{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}( النحل: 58 59) وأكد الحبيب صلى الله عليه وسلم عنايته بالمرأة منذ الولادة فقد روى مسلم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ -وَضَمَّ أَصَابِعَهُ ” وفي ذلك من التربية والتوجيه لاقتلاع العادات الجاهلية ما لا يخفى
يحكى أنه في العصر الجاهلي أن رجلاً كان يدعى أبا حمزة وقد رزق بخمس بنات وكانت زوجته في شهر حملها الأخير وكان على سفر فقال لزوجته اذا أنجبتي بنتاً فلن أدخل البيت مرة أخرى … وسافر وعند عودته وقبل وصوله لبيته قابله رجل وأبلغه بأن زوجته رزقت بنتاً فرفض الدخول الى بيته ودخل عند جاره وظل عنده …
ومرت الأيام وبينما هو يمر بجوار داره إذ به يسمع زوجته وهى تغنى لبناتها وتقول :
مالي أبي حمزة لا يأتينا …… وهو في البيت الذي يلينـــا
غضبان أن لا نلد البنينا …… تا الله … ما هذا بأيدينــــــا
فنحن كالأرض لزراعينا …… ننبت ما قد زرعوه فينــا
فعندها دخل الرجل بيته وقبل رأس امرأته وبناته .
فالاطفال هبة من الله وصدق ربى إذ يقول ” لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50) ” الشورى
ورسول الله يقول فيما جاء فى شرح السنة عن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من عال ثلاث بنات أو مثلهن من الأخوات فأدبهن ورحمهن حتى يغنيهن الله أوجب الله له الجنة ) فقال رجل : يا رسول الله واثنتين ؟ ولو قال لرسول الله وواحدة لقال واحدة) اسناده حسن ..
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من أبْتُليَ من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار ) متفق عليه
هـ _ حقه في الرضاع: فالأفضل أن ترضعه والدته بما فيه الكفاية، قال تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ [البقرة:231]. فالرضاع الطبيعي هو أجود أنواع الرضاع للطفل وللأم، فلا حليب يناسب الطفل كحليب أمه، كما أن زهد الأمهات في ذلك خلاف الطبيعة مما يسبب أمراضا يعلمها المتخصصون، علاوة على ذلك لا يخفى أن رضاع الأم يكون ممزوجا بعطفها وحنانها ودفء أحضانها، وفي ذلك غذاء عاطفي رفيع، الحاجة إليه ليست أقل من الحاجة إلى الطعام والشراب.
عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَفْضَلُ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ دِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى عِيَالِهِ وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ عَلَى دَابَّتِهِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى أَصْحَابِهِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ». قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ وَبَدَأَ بِالْعِيَالِ ثُمَّ قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ وَأَىُّ رَجُلٍ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ رَجُلٍ يُنْفِقُ عَلَى عِيَالٍ صِغَارٍ يُعِفُّهُمْ أَوْ يَنْفَعُهُمُ اللَّهُ بِهِ وَيُغْنِيهِمْ.)
فبدأ بذكر العيال، فأيّ رجل أعظم من رجل ينفق على عيال صغار، يعفّهم الله، وينفعهم به ويغنيهم؟! وإذا فرّط الأبوان أو أحدهما في قوت أولادهما فقد باءا بالإثم والخطيئة، وكفى بالمرء إثمًا أن يضيّع من يقوت، كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يعول.
و – حقهم في الملاعبة والمداعبة: فقد كان محمد بالرغم من مسؤولياته وأثقاله يداعب ويلاعب أبناءه وأبناء المسلمين. روى البخاري ومسلم والترمذي وغيرهما رحمهم الله عن أَنَس بن مَالِكٍ قال: كَانَ رَسُولُ الله يُخَالِطُنَا حَتَّى كَانَ يقُولُ لأَخٍ لي صَغيرٍ: ((يَا أَبَا عُمَيرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيرُ؟))، وقد بوب البخاري لهذا الحديث بقوله: “باب الانبساط إلى الناس”. ورُوي عن جابر قال: دخلت على النبي وهو حامل الحسن والحسين على ظهره وهو يمشي بهما فقلت: نعم الجمل جملكما، فقال رسول الله : ((ونعم الراكبان هما)). فليس من الديانة ولا الرجولة دوام الانقباض والسكينة مع الأطفال، لما يخلفه ذلك من الانطواء على ذواتهم وعدم كشفهم لنواياهم وانشغالاتهم.
ز- حق المراقبة: نعم، إن مراقبة الطفل وحسن متابعته من حقه على أبويه؛ لأن في ذلك صلاحه ونجاته، فإنه لا يعقل أن يترك للطفل الحبل على الغارب بدعوى الحرية والتفتح. لا بد قبل ذلك من أن يكون مزودا بشيء من العلم والخبرة مما يمكنه من معرفة منفعته ومضرته، أما أن يُلقى منذ نعومة أظفاره في يم الفتن والشهوات والأمواج العاتية فيُنتظر منه السداد، فهذا من قبيل العبث والحماقة.
علينا أن نراقب أبناءنا في مدخلهم ومخرجهم، في جدهم وهزلهم، في واجباتهم المدرسية والتعبدية، ولا بد من معرفة أصدقائهم ومرافقيهم، فالنبي يخبر أن هذا مما سنسأل عنه يوم القيامة، ففي الحديث المتفق عليه عَنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ أنّ رَسُولَ الله قال: ((كُلّكُم رَاعٍ، وكُلّكُم مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيّتِهِ)).
لقد كان من دأب الصالحين أن ينشئوا أبناءهم على هذه المفاهيم، فهذا لقمان الحكيم يخلد الله ذكره في كتابه لما كان عليه من اجتهاد في الاستقامة والتأديب لابنه، يقول الله سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَن اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيد وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم [لقمان:11، 12]. فمن تجليات الحكمة التي أكرمه الله بها حرصه على تأديب ولده. فالواو في قوله تعالى: وَهُوَ يَعِظُهُ تسمى عند أهل العربية واو الحال، فقد كان من حال لقمان أن ينصح ابنه ويعلمه ويوجهه إلى الخير بشكل مستمر ومتواصل؛ وذلك لأن الأمور المهمة في الحياة لا مفر من تكرارها والصبر على ذلك.
ومن الحكمة أن يبدأ لقمان في تربية ابنه من تحسين علاقته بالله تعالى: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم. فمعرفة الله وعدم الإشراك به رأس الخير كله، وعليها تؤسس كل العلاقات، كما أن مراقبة الله وعلم الإنسان أنه لا يخفى على الله شيء أهم عاصم من تيارات الشيطان؛ لذلك نبه لقمان على ذلك في قوله لابنه: يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ [لقمان:15].
كما يدرّب على آداب الطعام، ففي الحديث المتفق عليه عن عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ، يَقُولُ: كُنْتُ غُلاَمًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا غُلاَمُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ» فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ
فهذا التأديب في الصغر هو التأديب؛ لليونة شخصية الأطفال وقابليتها الجيدة للتشكل خلافا للكبار.
قد يبلغُ الأدبُ الأطفالَ في صغرٍ…وليس ينفعهُم من بعدِه أدبُ
إن الغُصُونَ إِذا قَوَّمْتَها اعتدلْت…ولا يلينُ إِذا قَوَّمْتَهُ الخَشَبُ
فمن حق الأولاد أن يهتمّ وليّهم بتعليمهم، فإن ديننا الحنيف جاء حربًا على الأمّية والجهالة، والنبي جاء بالقرآن الكريم ليعلمنا الكتاب والحكمة، فهلاّ علّمنا أولادنا القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وهلاّ علّمناهم مكارم الأخلاق وما يصلح الدنيا ويوصل للآخرة بسلام. إن أول ما يجب تعليمه للطفل أمور دينه التي جاء بها القرآن الكريم، ووضحتها السنة النبوية الشريفة، ثم بعد ذلك يتعلم كل ما يقدر على تعلمه من معارف وعلوم نافعة، وقال عمر بن الخطاب : (علّموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل ).
نعم أن يعلمه والداه كتاب الله عز وجل
ثم ما يلزم من العلوم الضرورية الدينية والدنيوية ، فقد أخرج أبو داود عن سهل بن معاذ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ أُلْبِسَ وَالِدَاهُ تَاجًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ضَوْءُهُ أَحْسَنُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ فِي بُيُوتِ الدُّنْيَا لَوْ كَانَتْ فِيكُمْ ، فَمَا ظَنُّكُمْ بِالَّذِي عَمِلَ بِهَذَا؟!”، فضلاً عن تكريم الله لصاحب القرآن وأبويه يوم القيامة على رؤوس الخلائق؛ فعَنْ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَتَعَلَّمَهُ وَعَمِلَ بِهِ أُلْبِسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَاجًا مِنْ نُورٍ ضَوْءُهُ مِثْلُ ضَوْءِ الشَّمْسِ، وَيُكْسَى وَالِدَيْهِ حُلَّتَانِ لاَ يَقُومُ بِهِمَا الدُّنْيَا فَيَقُولانِ: بِمَا كُسِينَا؟ فَيُقَالُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ». (الحاكم وصححه )
وقد أدرك المسلمون السابقون أهمية التربية على القرآن فتسابقوا في هذا الميدان وتنافسوا، يقول الإمام الشافعي رحمه الله: “حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظت الموطأ وأنا ابن عشر” ويقول سهل التستري: “مضيت إلى الكتاب فتعلمت القرآن وحفظته وأنا ابن ست سنين أو سبع سنين
عَنْ أَبِي حَفْصٍ الْيَسْكَنْدِيِّ، وَكَانَ مِنْ عُلَمَاءِ سَمَرْقَنْدَ، أَنَّهُ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ ابْنِي ضَرَبَنِي وَأَوْجَعَنِي. قالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ الابْنُ يَضْرِبُ أَبَاهُ؟ ! قَالَ: نَعَمْ ضَرَبَنِي وَأَوْجَعَنِي.
فَقَالَ: هَلْ عَلَّمْتَهُ الْأَدَبَ وَالْعِلْمَ؟ قَالَ: لَا: فَهَلْ عَلَّمْتَهُ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: لَا.قَالَ فَأَيَّ عَمَلٍ يَعْمَلُ؟ قَالَ الزِّرَاعَةَ.قَالَ: هَلْ عَلِمْتَ لِأَيِّ شَيْءٍ ضَرَبَكَ؟ قَالَ: لَا.قَالَ: فَلَعَلَّهُ حِينَ أَصْبَحَ وَتَوَجَّهَ إِلَى الزَّرْعِ وَهُوَ رَاكِبٌ الْحِمَارَ، وَالثِّيرَانُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَالْكَلْبُ مِنْ خَلْفِهِ، وَهُوَ لَا يُحْسِنُ الْقُرْآنَ فَتَغَنَّى وَتَعَرَّضْتَ لَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَظَنَّ أَنَّكَ بَقَرَةٌ، فَاحْمَدِ اللَّهَ حَيْثُ لَمْ يَكْسِرْ رَأْسَكَ ) تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين للسمرقندي
صادقوا أبناءكم وبناتكم أيها الآباء والأمهات، لا تجعلوا بينكم وبينهم حواجز، إنما اجعلوهم لكم أصدقاء كما علمنا الصادق المعصوم صلى الله عليه وسلم أن تلاعب ابنك سبع سنين، وأن تؤدبه سبع سنين، وأن تصادقه منذ سن الدخول في الرابعة عشرة، ثم اترك له الحبل علي غاربه بعد ذلك، وقل له وكلتك للحي الذي لا يموت، يجب أن تعلم أصدقاء أبنائك.
سرق رجل مالاً كثيرًا، وقُدّم للحد فطلب أمه، ولما جاءت دعاها ليقبلها، فعضها عضة شديدة، فقيل له ما حملك على ذلك؟ قال: سرقت بيضة وأنا صغير، فشجعتني وأقرتني على الجريمة حتى أفضت بي إلى ما أنا عليه الآن
رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا، اللهم لا تَدَعْنا في غَمْرَة، ولا تَأْخُذْنا على غِرَّة، ولا تجعلْنا من الغافلين.
فاتقوا الله أيها المسلمون، وأدوا ما عليكم من واجبات الذرية، قال الله تعالى: رَبّ اجْعَلْنِى مُقِيمَ الصلاةِ وَمِن ذُرّيَتِى رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء رَبَّنَا اغْفِرْ لِى وَلِوَالِدَىَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ [إبراهيم:40، 41].
عباد الله : البر لا يبلي والذنب لا ينسي والديان لا يموت اعمل ما شئت كما تدين تدان وبالكيل الذي تكيل به يكتال لك والتائب من الذنب كمن لا ذنب له فتوبوا إلي الله
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.
اما بعد
إخوة الإيمان: فالمتتبع لسنة النبي صلى الله عليه وسلم يدرك أهمية الطفولة في الإسلام، من ذلك هذه الوصايا الغالية، قوله عليه الصلاة والسلام:[ لأن يؤدب الرجل ولده خير له من أن يتصدق بصاع ] رواه الترمذي وقوله صلى الله عليه وسلم:[ علموا أولادكم وأهاليكم الخير وأدبوهم ] رواه عبد الرزاق وسعيد بن منصور.
إضافة إلى هذه السنة القولية فقد جسد ذلك في سيرته العملية، ففي الحديث:[ بينما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس، إذ جاءه الحسين، فركب عنقه وهو ساجد، فأطال السجود بالناس، حتى ظنوا أنه قد حدث أمر، فلما قضى صلاته قالوا: قد أطلت السجود يارسول الله حتى ظننا أنه قد حدث أمر، فقال:[ إنَّ ابني قد ارتحلني- أي جعلني كالراحلة فركب على ظهري- فكرهتُ أن أعجله حتى يقضي حاجته] هذا هو نبي الرحمة، هذا هو معلِّم الأمة !” وإنك لعلى خلُق عظيم”(
رابعا : أما المسؤولية التربوية
اما المسئولية التربوية فتقع علي عاتق الأبوين فعلينا أن نراقب أبناءنا في مدخلهم ومخرجهم، في جدهم وهزلهم، في واجباتهم المدرسية والتعبدية، ولا بد من معرفة أصدقائهم ومرافقيهم، فالنبي يخبر أن هذا مما سنسأل عنه يوم القيامة، ففي الحديث المتفق عليه عَنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ أنّ رَسُولَ الله قال: ((كُلّكُم رَاعٍ، وكُلّكُم مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيّتِهِ)).
لقد كان من دأب الصالحين أن ينشئوا أبناءهم على هذه المفاهيم، فهذا لقمان الحكيم يخلد الله ذكره في كتابه لما كان عليه من اجتهاد في الاستقامة والتأديب لابنه، يقول الله سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَن اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيد وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم [لقمان:11، 12].
فمن تجليات الحكمة التي أكرمه الله بها حرصه على تأديب ولده. فالواو في قوله تعالى: وَهُوَ يَعِظُهُ تسمى عند أهل العربية واو الحال، فقد كان من حال لقمان أن ينصح ابنه ويعلمه ويوجهه إلى الخير بشكل مستمر ومتواصل؛ وذلك لأن الأمور المهمة في الحياة لا مفر من تكرارها والصبر على ذلك.
ومن الحكمة أن يبدأ لقمان في تربية ابنه من تحسين علاقته بالله تعالى: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم. فمعرفة الله وعدم الإشراك به رأس الخير كله، وعليها تؤسس كل العلاقات، كما أن مراقبة الله وعلم الإنسان أنه لا يخفى على الله شيء أهم عاصم من تيارات الشيطان؛ لذلك نبه لقمان على ذلك في قوله لابنه: يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ [لقمان:15].
كما يدرّب على آداب الطعام، ففي الحديث المتفق عليه عن عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ، يَقُولُ: كُنْتُ غُلاَمًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا غُلاَمُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ» فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ
فهذا التأديب في الصغر هو التأديب؛ لليونة شخصية الأطفال وقابليتها الجيدة للتشكل خلافا للكبار.
قد يبلغُ الأدبُ الأطفالَ في صغرٍ…وليس ينفعهُم من بعدِه أدبُ
إن الغُصُونَ إِذا قَوَّمْتَها اعتدلْت…ولا يلينُ إِذا قَوَّمْتَهُ الخَشَبُ
فمن حق الأولاد أن يهتمّ وليّهم بتعليمهم، فإن ديننا الحنيف جاء حربًا على الأمّية والجهالة، والنبي جاء بالقرآن الكريم ليعلمنا الكتاب والحكمة، فهلاّ علّمنا أولادنا القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وهلاّ علّمناهم مكارم الأخلاق وما يصلح الدنيا ويوصل للآخرة بسلام. إن أول ما يجب تعليمه للطفل أمور دينه التي جاء بها القرآن الكريم، ووضحتها السنة النبوية الشريفة، ثم بعد ذلك يتعلم كل ما يقدر على تعلمه من معارف وعلوم نافعة، وقال عمر بن الخطاب : (علّموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل ).
صادقوا أبناءكم وبناتكم أيها الآباء والأمهات، لا تجعلوا بينكم وبينهم حواجز، إنما اجعلوهم لكم أصدقاء كما علمنا الصادق المعصوم صلى الله عليه وسلم أن تلاعب ابنك سبع سنين، وأن تؤدبه سبع سنين، وأن تصادقه منذ سن الدخول في الرابعة عشرة، ثم اترك له الحبل علي غاربه بعد ذلك، وقل له وكلتك للحي الذي لا يموت، يجب أن تعلم أصدقاء أبنائك.
روي انه سرق رجل مالاً كثيرًا، وقُدّم للحد فطلب أمه، ولما جاءت دعاها ليقبلها، فعضها عضة شديدة، فقيل له ما حملك على ذلك؟ قال: سرقت بيضة وأنا صغير، فشجعتني وأقرتني على الجريمة حتى أفضت بي إلى ما أنا عليه الآن فالأبوان لهما مسؤولية كبيرة وخطيرة, فاحتكاكهما بأبنائهما كبير, وسلطانهما عليهم قوي، ولهذا اعتبر النبي صلي الله عليه وسلم فعل الوالدين أعظم عامل محدد لمسار الأطفال، روى البخاري ومسلم عن ابي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [ص:95]، كَانَ يُحَدِّثُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ»، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30] الآيَةَ
فكلُّ مولودٍ يولَدُ على الفطرة وعلى الإيمانِ والتوحيدِ والحقِ والخيرِ والفضيلة
ولله در من قال:
مَشَى الطاووسُ يومًا باعْوجاجٍ…فقلّدَ شكلَ مشيتهِ بنوهُ
فقالَ: علامَ تختالونَ؟ فقالوا:…بدأْتَ به ونحنُ مقلِدوهُ
فخالِفْ سيركَ المعوجَّ واعدلْ…فإنا إن عدلْتَ مُعَدِّلُوه
أمَا تدري أبانا كلُّ فرعٍ…يجاري بالخُطى من أدّبوه؟
وينشأ ناشئُ الفتيانِ فينا…على ما كان عوَّده أبوه
وما دان الفتى بحِجًى ولكنْ…يعوِّدهُ التدَيُّنَ أقربوه
يقول ربنا جل وعلا ( رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا )
قال تعالي ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰۤئِكَتَهُۥ یُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِیِّۚ یَٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ صَلُّوا۟ عَلَیۡهِ وَسَلِّمُوا۟ تَسۡلِیمًا 56﴾ الأحزاب
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله عدد حروف القرآن حرفاً حرفاً، وعدد كل حرف ألفاً ألفاً، وعدد صفوف الملائكة صفاً صفاً، وعدد كل صف ألفاً ألفاً، وعدد الرمال ذرة ذرة، وعدد ما أحاط به علمك، وجرى به قلمك، ونفذ به حكمك في برك وبحرك، وسائر خلقك
ادعوا الله وانتم موقنون بالاجابة.
اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل بيننا شقياً ولا محروماً. اللهم اجعل أول يومنا هذا صلاحاً، وأوسطه نجاحاً، وآخره فلاحاً.
اللهم لا تدع لنا فيه ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا صدراً ضيقاً إلا شرحته ولا مريضا الا شفيته ولا ميتا الا رحمته ولا غائبا الا رددته وانصر الاسلام واعز المسلمين وانصر أهل فلسطين وغزة ولبنان واجعل مصر واحة أمن وأمان واستقرار يارب العالمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين عباد ان الله يأمر بثلاث وينهى عن ثلاث يأمر بالعدل والإحسان وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون اذكروا يذكركم واستغفروه يغفر لكم واقم الصلاه ان الصلاة كانت علي المؤمنين كتابا موقوتا
جمع وترتيب \ ثروت علي سويف \ امام وخطيب بالأوقاف المصرية
No comment