خطبة الجمعة القادمة مكتوبة للدكتور أحمد صابر بعنوان “وقولوا للناس حسناً”

خطبة الجمعة القادمة مكتوبة للدكتور أحمد صابر بعنوان “وقولوا للناس حسناً”

عناصر الخطبة:
العنصر الأول: أهمية الكلمة وخطرها
العنصر الثاني: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد
العنصر الثالث: ثمرات القول الحسن
العنصر الأول: أهمية الكلمة وخطرها
فإنَّ للكلمة أهمية كبيرة  في دين الإسلام، فالكلمة  قد ترفع صاحبها أعلى الدرجات، وقد تهوي به في أسفل  النار ، والكلمة الحسنة تفتح الأبواب المغلقة كما قال الله تعالى (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) سورة البقرة أية 83. والكلمة الطيبة  الحسنة تفتح لها القلوب وتنشرح بها الصدور وتستجيب لها النفوس  وقد أمرنا المولي عز وجل  في كثير من آيات القرآن بأن نتكلم بالحسنى ونتعامل بالفضل بيننا.

خطبة الجمعة القادمة مكتوبة للدكتور أحمد صابر بعنوان “وقولوا للناس حسناً”

وقد قال الله تعالى: { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } [إبراهيم: 24-25].
وهذه الشجرة أيضاً مثلها كالمؤمن، فهو ثابت في إيمانه، سامٍ في تطلعاته وتوجهاته، نافع في كل عمل يقوم به، مقدام مهما اعترضه من صعاب، لا يعرف الخوف إلى قلبه سبيلاً، معطاء على كل حال، لا يهتدي البخل إلى نفسه طريقاً، فهو خير كله، وبركة كله، ونفع كله، والكلمة الطيبة صدقة وهي عند الله تؤتي أكلها وثمرها لصاحبها لينعم بها.

وقد أكد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على هذا المعني  فقَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ».

وبلكلمة رفع الله أقوامًا، وحط بها آخرين،
ومن صور القول الحسن والكلم الطيب في المواقف الصعبة المواساة والتعزية  عند فقد الأحبة ، لأن ذلك سببٌا للحزن والانكسار، يحتاج مَنْ أُصِيبَ بذلك إلى من يواسيه ويسري عنه حزنه ، ويطيِّب نفسَه
💔 لذلك جاء في الحديث الشريف أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم توفي ولده فانعزل عن الناس، فلمَّا فَقَدَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم قال : “ما لي لا أرى فلانا ؟ قالوا : يا رسول الله، بُنَيُّه الذي رأيتَه هَلَكَ، فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن بنيه، فأخبره أنه هلك، فعزَّاه عليه، ثم قال : “يا فلان، أيُّما كان أحبَّ إليكَ، أن تمتَّع به عمرك، أو لا تأتي غدا إلى باب من أبواب الجنة إلا تجده قد سبقكَ إليه، يفتحه لكَ” قال : يا نبيَّ الله، بل يسبقني إلى باب الجنة فيفتحها لي، لَهُوَ أحبُّ إليَّ، قال : فذاكَ لكَ”.(  رواه النسائي ).

🌹ويذكر  جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ -رضيَ اللهُ عنهما كيفَ جبرَ بقلبِه النَّبيُّ -صلى اللهُ عليه وسلمَ لمَّا لاحظَ عليه الحُزنَ والانكسارَ،عند موت والده يقول : 🌹لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ لِي : “يَا جَابِرُ مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا ؟”، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتُشْهِدَ أَبِي، وَتَرَكَ عِيَالًا وَدَيْنًا، قَالَ : “أَفَلَا أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ ؟”،قَلت  : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ : “مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَأَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحًا، فَقَالَ : يَا عَبْدِي تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ، قَالَ : يَا رَبِّ تُحْيِينِي فَأُقْتَلَ فِيكَ ثَانِيَةً، قَالَ الرَّبُّ عزَّ وجلَّ- : إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يُرْجَعُونَ”.
🌹فكونوا  نافعين للناس وأحسنوا لهم القول ولا تجرحوا مشاعرهم بألفاظ غليظة أو بذيئة فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( ليس المؤمن باللعان ولا الطعان ولا الفاحش البذئ.)
🌳 فهو خلق عظيم يدل على سمو النفس  وسلامة الصدر ورجاحة العقل وهو مروءة وشهامة ونبل وكرامة.

خطبة الجمعة القادمة مكتوبة للدكتور أحمد صابر بعنوان “وقولوا للناس حسناً”

💜 ولما سأله معاذ بن جبل رضي الله عنه وقال أإنا لمؤاخدون بما نتكلم به ؟ قال صلى الله عليه وسلم : ثكلتك أمك يا معاذ ؛ وهل يكب الناس على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم؟!! أخرجه (الترمذي والطبراني واللفظ له)
العنصر الثاني: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد
💜فقد اخبرنا الله سبحانه وتعالى اننا محاسبون على كل لفظ نتلفظ به فقال تعالى :{ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ؛ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} ( ق: 17 ؛ 18 ).

أي احذر تلقي المتلقيين، وهما الملكان المسلطان على أعمالك وأقوالك؛ إذ يتلقيان منك أعمالك وأقوالك، ويحفظان عليك، ويكتبان؛ يذكر هذا ويخبرهم أن عليهم حافظًا ورقيبًا، وإن كان هو – تعالى – حافظًا لجميع أفعالهم وأقوالهم، عالمًا بها فحفظ الملائكة وكتابتهم، وعدم ذلك بمنزلة واحدة في حق اللَّه – تعالى – لكن يخرج الأمر للملائكة بحفظ أعمالهم وكتابة ذلك على وجوه من الحكمة:أحدها: ليكونوا على حذر أبدًا مما يقولون ويفعلون؛ على ما يكون في الشاهد من علم أن عليه حافظًا ورقيبًا في أمر يكون أبدًا على حذر وخوف من ذلك الأمر، وذلك أذكر له وأدعى إلى الانتهاء عن ذلك، فعلى ذلك إذا علم العبد أن عليه حفيظًا ويكتب ذلك عليه، وأنه يكلف تلاوة ذلك المكتوب بين يدي اللَّه – تعالى – فيستحي من ذلك أشد الاستحياء – يكون ذلك أزجر له، وأبلغ في المنع، وإلا كان إحصاء ذلك على اللَّه – تعالى – مع الكتاب وغير الكتاب سواء؛ إذ هو عالم بذاته، لا بالأسباب، وهو تأويل (لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى)، واللَّه أعلم.

والثاني: من الحكمة امتحان الملائكة بحفظ أعمال بني آدم وأقوالهم، وكتابة ذلك، فيمتحنهم بذلك وأمرهم به، ولله أن يمتحن الملائكة من شاء منهم بالتسبيح والتعظيم، ومن شاء منهم بالركوع، ومن شاء بالسجود، ومن شاء بحمل العرش والكرسي، ومن شاء بحفظ بني آدم، ومن شاء منهم بسوق السحاب وإنزال المطر، مما في ذلك منافع بني آدم، ويكون ذلك كله بحق العبادة؛ ليعلم أن من امتحن منهم بالركوع، والسجود، ( ينظر: كتاب: تفسير الزمخشري).
ويظن كثيرٌ من الناس أن الكلام الذي يخرج منه لا يحاسب عليه إلا إذا كان يحتمل الصدق أو الكذب أو شهادة أو يمين أو غير ذلك مما يترتب عليه ضررٌ أو أثرٌ أو حُكْمٌ!!
وهذا فهم خاطئ واعتقاد باطل  لأن كل كلمة تتكلم بها؛ أو لفظٍ تتلفظ به إلا ويكتب عليك خيراً كان أو شراً .

خطبة الجمعة القادمة مكتوبة للدكتور أحمد صابر بعنوان “وقولوا للناس حسناً”

وذكر عن الإمام أحمد أنه كان يئن في مرضه، فبلغه عن طاووس أنه قال: يكتب الملك كل شيء حتى الأنين. فلم يئن أحمد حتى مات رحمه الله. (رواه صالح بن الإمام أحمد في سيرة أبيه)
وأن الله وكَّل عليك ملكين أحدهما عن يمينك موكل بكتابة الحسنات والآخر عن يسارك موكل بكتابة السيئات يرصدان أقوالك وأفعالك وحركاتك وسكناتك ؛ ” وقال مجاهد: وكَّل الله بالإنسان مع علمه بأحواله ملكين بالليل وملكين بالنهار يحفظان عمله، ويكتبان أثره إلزاما للحجة: أحدهما عن يمينه يكتب الحسنات، والآخر عن شماله يكتب السيئات، فذلك قوله تعالى: (عن اليمين وعن الشمال قعيد).”( تفسير القرطبي)
ومن رحمة الله بنا أن العبد إذا فعل حسنة كتبها ملك الحسنات في الحال عشر حسنات؛ وإذا فعل سيئة كتبت بمثلها.
{ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} ( الأنعام: 160)
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا؛ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ:” إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ؛ فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً؛ فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ؛ وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً؛ فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً” ( متفق عليه )
بل من فضل الله  على عباده أن العبد إذا فعل سيئة لم يكتبها ملك السيئات؛ بل يصبر عليه ست ساعات لعله يستغفر الله عز وجل فلا تُكتب!!
وقال الأحنف بن قيس: ” صاحب اليمين يكتب الخير، وهو أمير على صاحب الشمال، فإن أصاب العبد خطيئة قال له: أمسك، فإن استغفر الله تعالى نهاه أن يكتبها، وإن أبى كتبها.” (رواه ابن أبي حاتم)
ومن  الطبيعي أن الإنسان كثير الكلام؛ وكلما كثر كلامه كثر لغطه؛ فينبغي عليه أن يكثر من الاستغفار والتوبة في كل وقت وحين؛ فقد يقع في لغو الكلام وباطله وخبيثه دون أن يشعر أو يلقي له بالا؛  ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يستغفر ربه في اليوم أكثر من سبعين مرة؛ وقد غفر له ذنبه المتقدم منه والمتأخر!! ونحن أكلتنا الذنوب ولم نستغفر الله بالمرة!!!
العنصر الثالث: ثمرات القول الحسن

القول الطيب الحسن له ثمرات كثيرة منها ما هو في الدنيا والآخرة ومن هذه الثمرات :
– إن القول الحسن الطيب دليل على الإيمان :
وقد عد النبي صلى الله عليه وسلم الصمت – إذا كان الكلام يجلب شرا – شعبة من شعب الإيمان ؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ»(متفق عليه)
قال الإمام النووي – رحمه الله – في رياض الصالحين:” اعلم أنه ينبغي لكل مكلفٍ أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلاماً ظهرت فيه المصلحة، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسنة الإمساك عنه، لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرامٍ أو مكروهٍ؛ وذلك كثيرٌ في العادة، والسلامة لا يعدلها شيءٌ.”
وفي ( حلية الأولياء ) :” أن الإنسان ينبغي له أن لا يخرج من كلامه إلا ما يحتاج إليه ، كما أنه لا ينفق من كسبه إلا ما يحتاج إليه وقال : لو كنتم تشترون الكاغد ( الورق الذي يُكتَبُ فيه)  للحفظة لسكتم عن كثير من الكلام .”
– القول الحسن الطيب سبب في دخول الجنة:
وكلنا نرجوا من الله أن نكون من أهل الجنة ، وقد ضمن الرسول صلى الله عليه وسلم الجنة لمن حفظ لسانه من خبيث الكلام؛ فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ؛ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ؛ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ؛ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ” (البخاري)
وقد أكد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على هذا المعني  فقَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ) أي في الدنيا والأخرة.
– الكلمة الطيبة الحسنة  حجاب ووقاية من النار يوم القيامة:
فعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ؛ فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ؛ وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ؛ وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ؛ فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ؛ فَمَن لَم يَجِد فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ”(متفق عليه)
لذلك دعانا النبي صلى الله عليه وسلم إلى عفة اللسان، وطيِّب الكلام والبعد عن السَّبِّ واللعن. ففي سنن الترمذي، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ، وَلَا اللَّعَّانِ، وَلَا الْفَاحِشِ، وَلَا الْبَذِيءِ».
والطعان: الوقَّاع في أعراض الناس، واللعان: كثير اللعن. والفاحش: الذي يتكلم بما يثير الشهوة. والبذيء: الكلام الذي يحمل عليه عدم الحياء.
وفي هذا الحديث فائدة: أن الطعن والجرح كما يحدث بالسيف والسنان يحدث باللسان، فالأول جرح حسي، والآخر جرح معنوي، ولربما كان الجرح المعنوي أشد مرارة وأكثر ألماً من الحسي.
وأبدلوا مجالسكم واجتماعاتكم بالكلم الطيب فهو سريع الصعود إلى الله؛ فالكلمة الطيبة تنساب انسياب الهواء، فتعطر الأرجاء، وتطيب الأنحاء، وتلطف الأجواء، وتصعد إلى السماء، تجاوز السحب، وتشق الحجب، مشتاقة لربها، وإليه مستقرها ومستودعها؛ قال الله تعالى: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} [فاطر: 10].

قال ابن كثير رحمه الله: “وقوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} يعني: الذكر والتلاوة والدعاء، قاله غير واحد من السلف؛ وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إن العبد المسلم إذا قال: سبحان الله وبحمده، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، تبارك الله، أخذهن ملك فجعلهن تحت جناحه، ثم صَعد بهن إلى السماء، فلا يمُرّ بهن على جمْعٍ من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن، حتى يجيء بهن وجه الرحمن عز وجل، ثم قرأ عبد الله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}” [تفسير ابن كثير ]
وفي الأثر عن عمرَ وأبي الدرداء – رضي الله عنهما -: قال: “والله لولا أن أجالسَ إخوة لي ينتَقُون أطايبَ القول كما يلتقط أطايب الثمر، لأحبَبْتُ أن ألحق بالله الآن”.
– القول الحسن سلامة للأعضاء من الوقوع في الأذى والهلاك:
إن صلاح اللسان صلاح لأعضاء الجسد كلها؛ وفساده فساد لأعضاء الجسد كلها؛ فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَرفُوعاً قَالَ:”إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الْأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ فَتَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ؛ فَإِنْ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا؛ وَإِنْ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا”[صحيح الترغيب والترهيب- الألباني]
لذلك عد الرسول صلى الله عليه وسلم طيب الكلام من الصدقات حيث قال: «وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ» ( متفق عليه)
والصدقة لا تختص بالمال، بل كل ما يقرب إلى الله فهو صدقة بالمعنى العام؛ لأن فعله يدل على صدق صاحبه في طلب رضوان الله عز وجل”
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
كتبه/ الدكتور أحمد صابر عبد الحميد.
موجه عام بالوعظ والإرشاد بالأزهر الشريف