خطبة الجمعة القادمة مكتوبة للدكتور مسعد الشايب التنمر والسخرية وأثرهما المدمر على الفرد والمجتمع.
خطبة الجمعة القادمة مكتوبة للدكتور مسعد الشايب
أولا: العناصر:
1. طريقة الدعوة لمكارم الأخلاق في الشريعة الإسلامية.
2. معنى التنمر، والسخرية لغة واصطلاحًا، والعلاقة بينهما.
3. من الأدلة الشرعية على تحريم التنمر، والسخرية بالآخرين.
4. الخطبة الثانية: (سبعةٌ من أثر التنمر، والسخرية بالآخرين، المدمرة للفرد والمجتمع).
ثانيا: الموضوع:
الحمد لله رب العالمين، هدانا إلى الحق، وإلى طريق مستقيم، أمرنا بالطيبات وأبان لنا طرقها، ونهانا عن الخبائث وحذرنا سوء عاقبتها، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله صادق الوعد الأمين، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
(1) ((طريقة الدعوة لمكارم الأخلاق في الشريعة الإسلامية))
أيها الأحبة الكرام: الدين الإسلامي هو دين المثل والقيم والأخلاق، وما أرسل نبينا (صلى الله عليه وسلم) إلا ليتمم صالح الأخلاق، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) أنّ النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ)(شعب الإيمان)، وقال علماء الشريعة وفقهاؤها: الدين خلق، فمن زاد عليك في الخلق فقد زاد عليك في الدين.
خطبة الجمعة القادمة مكتوبة للدكتور مسعد الشايب
ولو تأملنا في شريعتنا الإسلامية الغراء لوجدنا أنها تارةً تأمرنا بالتحلي، والتخلق، والتجمل بمكارم الأخلاق ومحاسنها، وتارةً تنهانا عن التلبس والوقوع في مساوئ الأخلاق ورذائلها.
فالدعوة لمكارم الأخلاق في الشريعة الإسلامية تدور بين الترغيب والترهيب، ترغيبٌ في خلق، وترهيبٌ من أخر، تدور بين التخلية والتحلية، والتخلية هي الترك والابتعاد عن الأخلاق الذميمة، والتحلية هي التمسك والالتزام بالأخلاق الكريمة، وفي هذا اللقاء الطيب المبارك نحذر من خلق ذميم، وسلوك خاطئ تفشى وانتشر في المجتمعات الإسلامية اليوم ألا وهو التنمر والسخرية من الأخرين:
فتعالوا بنا أحبتي في الله بإذن من الحق تبارك في لقاء الجمعة الطيب المبارك لنرى معنى التنمر، ومعنى السخرية من الآخرين، ونستمع إلى الأدلة القرآنية، والأحاديث النبوية التي تدل على حرمتهما، ـ وعدم جواز التخلق بهما ـ ثم نرى أثرهما السيئ على الفرد والمجتمع، فأعيروني يا عباد الله القلوب، وأصغوا إليّ بالآذان والأسماع، فأقول وبالله التوفيق:
(2) ((معنى التنمر، والسخرية لغة واصطلاحًا، والعلاقة بينهما))
التنمر في اللغة العربية: يعني التشبه بحيوان النمر في شراسة الأخلاق، فالنمر من أشرس الحيوانات، وأخبثها، ولذا يقال: للرجل سيئ الخلق نَمِر، وتقول العرب: تنمر فلان لفلان أي: تنكر له، وتغير، وأوعده وهدده، لأن النمر لا تلقاه أبدا إلا متنكرًا غضبانًا، وكانت ملوك العرب إذا جلست لقتل إنسان لبست جلد النمر، ثم أمرت بقتل من تريد قتله.
خطبة الجمعة القادمة مكتوبة للدكتور مسعد الشايب
والتنمر اصطلاحًا: سلوكٌ غيرُ سوي (اضطهاد، أو عدوان، أو إساءة)، يقوم به فردٌ، أو مجموعةٌ بشكلٍ متعمدٍ، ومتكررٍ لإيقاع الأذى بفردٍ أخر، أو بمجموعة أخرين، بأشكال مختلفة (نفسية، أو جسدية، أو لفظية، أو اجتماعية، أو جنسية، أو الكترونية)، معتمدين على اختلاف ميزان القوى لصالحهم، وبين المتنمر عليه. فخلاصة التنمر: هي إيقاع الأذى بالآخرين بطريقة ما، معتمدًا على اختلاف ميزان القوى لصالحك.
أما السخرية في اللغة العربية: فهي اسمٌ من مادة (س خ ر)، التي تعني القهر، والاحتقار، والاستذلال للشيء. والسخرية اصطلاحًا: هي الاستهانة، والتحقير، والتنبيه على العيوب والنقائص، على وجهٍ يُضحك منه، وقد يكون ذلك بالمحاكاة (التقليد) في الفعل، أو القول، أو بهما معًا، وقد يكون بالإشارة والإيماء. فخلاصة السخرية: هي إظهار عيوب الآخرين، ونقائصهم، بالتقليد والمحاكاة، أو بالإيماء والإشارة.
والعلاقة بين التنمر والسخرية: علاقة عمومٌ وخصوصٌ وجهي، فكلُّ سخريةٍ تنمر، وليس كلُّ تنمرٍ سخرية، فالتنمر أعم من السخرية، والسخرية هي إحدى صور التنمر.
وكلاهما التنمر والسخرية بالآخرين تشبهٌ بأهل الجاهلية، وخروج عن قيم الإسلام: فالحق تبارك وتعالى يقول: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ*وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ*وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ*وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ*وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ}[المطففين:29ـ33]، نزلت هذه الآيات نعيٌ على المشركين من أهل مكة، كأبي جهل، والوليد بن المغيرة ومن على شاكلتهم، فقد كانوا يضحكون ويستهزئون من سيدنا عمار بن ياسر، وصهيب الرومي، وبلال بن رباح وغيرهم من فقراء المؤمنين.
وقيل: نزلت في جماعة من المنافقين سخروا من سيدنا الإمام على بن أبي طالب (رضي الله عنه)، حينما رأوه في نفرٍ من المسلمين فسخر منهم، وضحكوا وتغامزوا، ثم رجعوا إلى أصحابهم فقالوا: رأينا اليوم الأصلع، فضحكوا منه، فنزلت هذه الآيات قبل أن يصل سيدنا علي (رضي الله عنه) إلى النبي (صلى الله عليه وسلم). (تفسير القرطبي، وغرائب القرآن).
وعن المعرور بن سويد (تابعي كبير)، قال: لقيت أبا ذر بالربذة (مكان بالقرب من المدينة)، وعليه حلة، وعلى غلامه (خادمه) حلة، فسألته عن ذلك، فقال: إني ساببت رجلا ـ هو سيدنا بلال بن رباح الحبشي (رضي الله عنه) ـ فعيرته بأمه (قال له: يا ابن السوداء)، فقال لي النبي (صلى الله عليه وسلم): (يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ)(رواه البخاري).
(3) ((من الأدلة الشرعية على تحريم التنمر، والسخرية بالآخرين))
ولو تأملنا أحبتي في الله في القرآن الكريم، وسنة سيد الأنبياء، والمرسلين؛ لوجدنا نصوصًا عديدة تحرم علينا التلبس بالتنمر والسخرية بالآخرين، من هذه النصوص:
1ـ قول الحق تبارك وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[الحجرات:11]، عن أبي جبيرة بن الضحاك (رضي الله عنه) قال: فينا نزلت في بني سلمة {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ}، قال: قدم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) المدينة، وليس منا رجلٌ إلا وله اسمان، أو ثلاثة، فكان إذا دعا أحدًا منهم باسم من تلك الأسماء، قالوا: يا رسول الله إنه يغضب من هذا: قال: فنزلت: {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ}. (رواه أحمد).
2ـ وقوله تبارك وتعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ}[الهمزة:1]، في تفسير (الهمزة) و (اللمزة) سبعة أقوال: أحدها: أن الهُمَزَة: المُغْتَاب، واللُّمَزَة: العيَّاب. والثاني: أن الهُمَزَة: هو الذي يعيب الناس في وجوههم. واللُّمَزَة: هو الذي يعيب الناس من وراء ظهورهم. والثالث: أن الهُمَزَة: الطعَّان في الناس، واللُّمَزَة: الطعَّان في أنساب الناس. والرابع: أن الهُمَزَة: هي الغمز بالعين، واللُّمَزَة: هي الغمز باللسان. وقيل: العكس. والخامس: أن الهُمَزَة: الذي يهمز الناس بيده ويضربهم، واللُّمَزَة: الذي يَلْمِزهم بلسانه. والسادس: أن الهُمَزَة: المغتاب، واللُّمَزَة: الطاعن على الإنسان في وجهه.
3ـ وقوله (صلى الله عليه وسلم): (بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ)(رواه مسلم)، أي: يكفيك للابتعاد عن السخرية، والاحتقار للآخرين أنها من أكبر الكبائر.
4ـ وقوله (صلى الله عليه وسلم): (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ). قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة، قال: (إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ)(رواه مسلم)، (غمط الناس) أي: احتقارهم وازدرائهم.
5ـ وعن السيدة عائشة (رضي الله عنها)، أنها حكيت (قلدت) للنبي (صلى الله عليه وسلم) إنسانًا، فقال (صلى الله عليه وسلم): (مَا أُحِبُّ أَنِّي حَكَيْتُ إِنْسَانًا وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا)(رواه أبو داود)، (وحكيت له إنسانًا) أي: فعلت مثل فعله تحقيرا له. (ما أحب أني حكيت إنسانا) أي: ما يسرني أن أتحدث بعيبه، أو ما يسرني أن أحاكيه، بأن أفعل مثل فعله، أو أقول مثل قوله على وجه التنقيص. (وإن لي كذا وكذا) أي: ولو أعطيت كذا وكذا من الدنيا أي: شيئا كثيرا على ذلك.
6ـ وعن أنس بن مالك (رضي الله عنه)، قال: بلغ صفية أن حفصة، قالت: بنت يهودي، فبكت، فدخل عليها النبي (صلى الله عليه وسلم) وهي تبكي، فقال: (مَا يُبْكِيكِ؟). فقالت: قالت لي حفصة: إني بنت يهودي. فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): (وَإِنَّكِ لَابْنَةُ نَبِيٍّ، وَإِنَّ عَمَّكِ لَنَبِيٌّ، وَإِنَّكِ لَتَحْتَ نَبِيٍّ، فَفِيمَ تَفْخَرُ عَلَيْكِ؟). ثم قال: (اتَّقِي اللَّهَ يَا حَفْصَةُ)(رواه الترمذي)، أي: بترك هذا التنمر، وهذا الكلام الذي يقصد به تنقيص الغير.
فالتنمر، والسخرية بالآخرين محرمان بنص القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، والمتلبس بهما؛ تلبس بما يغضب الله ورسوله، فليتق الله، وليقلع عن هذا الأمر.
عباد الله: أقول قولي هذا، واستغفر الله العليّ العظيم لي ولكم، فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له.
(الخطبة الثانية)
((سبعةٌ من أثر التنمر، والسخرية بالآخرين، المدمرة للفرد والمجتمع))
الحمد لله رب العالمين، أعدّ لمَنْ أطاعه جنات النعيم، وسعرّ لمَنْ عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
أيها الأحبة الكرام: مازال الحديث بنا موصولا مع التنمر، والسخرية بالآخرين، فعلمنا تعريفهما، ورأينا الأدلة القرآنية، والنبوية التي تحرم علينا ذلك، وبقي لنا في تلك الجمعة المباركة أن نعيش مع بعض الآثار المدمرة للفرد والمجتمع؛ بسبب التنمر، والسخرية بالآخرين، فأقول: من تلك الآثار:
1ـ غضب المولى تبارك وتعالى على المتلبس، والمتدنس بهما، ولا عجب، فالتنمر، والسخرية بالآخرين فيه نوع اعتراض على قدر الحق تبارك وتعالى وقضائه، فالإنسان منا لا يختار أبويه، ولا يختار لونه، ولا يختار طوله وقصره، ولا يختار غناه ولا فقره، ولا يستطيع التدخل في أمور القضاء والقدر، فالمتنمر، والساخر من والدي المرء، أو لونه، أو طوله وقصره، أو غناه وفقر، أو أي شيء فكأنه ساخرٌ، ومعترضٌ على قضاء وقدره، وربما كان المستهزئ به والمستسخر منه؛ أفضل وأحب عند الله من المستهزئ والساخر.
ولذا عدت السخرية بالآخرين، والتنمر عليهم من كبائر الذنوب والمعاصي، فعن طيسلة بن مياس قال: كنت مع النجدات (قوم من الخوارج)، فأصبت ذنوبًا لا أراها إلا من الكبائر، فذكرت ذلك لابن عمر (رضي الله عنه) قال: (مَا هِيَ؟). قلت: كذا وكذا، قال: (لَيْسَتْ هَذِهِ مِنَ الْكَبَائِرِ، هُنَّ تِسْعٌ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ نَسَمَةٍ، وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَإِلْحَادٌ فِي الْمَسْجِدِ، وَالَّذِي يَسْتَسْخِرُ، وَبُكَاءُ الْوَالِدَيْنِ مِنَ الْعُقُوقِ)(الأدب المفرد).
2ـ السخرية، والاستهزاء بالآخرين، والتنمر عليهم كما أنها من شيم أهل الجاهلية؛ فهي من صفات المنافقين، ولا يجوز للمسلم أن يتشبّه بهم، فمن تشبه بقوم حشر معهم، فالحق تبارك وتعالى يقول: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ*وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ*لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ}[التوبة:64ـ66].
3ـ السخرية والاستهزاء بالآخرين، والتنمر عليهم يفسد الأعمال الصالحة، ويضيع ثوابها وأجرها، فعن السيدة عائشة (رضي الله عنها) قالت: قلت للنبي (صلى الله عليه وسلم): حسبك من صفية كذا وكذا (تعني: إنها قصيرة). فقال: (لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ)(رواه أبو داود)، ومعنى ذلك: أن هذه الغيبة لو كانت مما يمزج بالبحر لغيرته، وأفسدته، وغيرته عن حاله مع كثرته وغزارته، فكيف بأعمالنا البسيطة إذا خالطت ذلك؟.
4ـ التنمر، والسخرية، والاستهزاء بالآخرين يصيب الإنسان بما سخر منه واستهزأ به، فقد قال نبينا (صلى الله عليه وسلم): (لَا تُظْهِرِ الشَّمَاتَةَ لِأَخِيكَ فَيَرْحَمَهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيكَ)(رواه الترمذي)، وعن عائشة (رضي الله عنها) قالت: (مَرَّ رَجُلٌ مُصَابٌ عَلَى نِسْوَةٍ، فَتَضَاحَكْنَ بِهِ يَسْخَرْنَ، فَأُصِيبَ بَعْضُهُنَّ)(الأدب المفرد).
5ـ السخرية والاستهزاء بالآخرين، والتنمر عليهم نوعٌ من أنواع الكبر، والكبر: هو احتقار الناس وازدراءهم، وكتمان الحق وعدم نشره وإذاعته ترفعًا وتجبرًا، والمتكبر ذليلٌ يوم القيامة، قال (صلى الله عليه وسلم): (يُحْشَرُ المُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ…)(رواه الترمذي)، أي: أنهم يكونون في غاية من المذلة والنقيصة، يطؤهم أهلُ المحشر بأرجلهم من هوانهم على الله، كما أن الكبر يمنع صاحبه دخول الجنة، كما تقدم.
6ـ السخرية والاستهزاء بالآخرين، والتنمر عليهم يولد الكراهية، والبغضاء، والحقد، والتقاطع، والتدابر، بين أفراد المجتمع وجماعاته، وتلك ردة فعل طبيعية للتنمر للسخرية والاستهزاء بالآخرين، ونحن منهيون عن كل ما يسبب الكراهية، والبغضاء، والحقد، والتقاطع، والتدابر بين أفراد المجتمع وجماعاته، فقد قال نبينا (صلى الله عليه وسلم): (لَا تَقَاطَعُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَكُونُوا إِخْوَانًا كَمَا أَمَرَكُمُ اللهُ)(رواه مسلم).
7ـ التنمر، والسخرية بالآخرين، سببٌ في كثير من المشكلات المجتمعية، بآثارها السيئة، التي تهدد أمن الفرد، وسلامة المجتمعات، ففي أحايين عديدة يولد التقاتل، والتشاحن، والمشاجرات والتعارك، بين الأفراد، والعائلات، والمجتمعات، والواقع، وأخبار الحوادث ليست منا ببعيد، وقد يسبب ذلك الانتحار، وما حادثة طالبة جامعة العريش منا ببعيد.
فاتقوا الله يا عباد الله، وابتعدوا عن هذه الأخلاق الخبيثة، والتي لا تترك بيننا إلا آثارًا خبيثة، تهدد أمن الفرد، وسلامة المجتمع.
فاللهم اهدنا لأحسن الأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها فإنه لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، اللهمّ أرنا الحق حقًا، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا، وارزقنا اجتنابه، اللهمّ علمنا من لدنك علمًا نصير به خاشعين، وشفّع فينا سيّد الأنبياء والمرسلين، واكتبنا من الذاكرين، ولا تجعلنا من الغافلين ولا من المحرومين، ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم في جنات النّعيم اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.
كتبها الشيخ الدكتور/ مسعد أحمد سعد الشايب
No comment