يمثل التنمّر أحد أبرز أشكال العنف النفسي والسلوكي التي تُمارس في المؤسسات التعليمية، والأسر، وأماكن العمل، ووسائل التواصل الاجتماعي. وهو سلوك يُعبّر عن خلل في التربية، وضعف في الوازع الأخلاقي والديني، ويؤدي إلى أضرار بالغة في الصحة النفسية والاجتماعية للضحية، كما يشيع مناخًا من الخوف والإقصاء في المجتمع.
ومن هذا المنطلق، تدرج حملة “صحح مفاهيمك” ظاهرة التنمّر ضمن أولوياتها التوعوية والدعوية، باعتبارها سلوكًا مرفوضًا دينيًا وقيميًا، يتطلب تصحيح المفاهيم المغلوطة التي تبرّره أو تبرّد الإحساس بخطورته، وتعزيز ثقافة الاحترام والتسامح والرحمة.
تفاصيل المحتوى
ماهية التنمّر وصوره
التنمّر هو سلوك عدوانيّ متكرر، يقوم فيه شخص أو مجموعة بإيذاء فرد آخر بدنيًّا أو نفسيًّا أو لفظيًّا أو اجتماعيًّا، بقصد الإهانة أو الإقصاء أو السيطرة.
وتتنوع صوره إلى:
– التنمّر اللفظيّ: الإهانات، الألقاب المحرجة، السخرية من الشكل أو اللهجة أو الأصل.
– التنمّر الجسديّ: الضرب، الدفع، التهديد.
– التنمّر الاجتماعيّ: الإقصاء المتعمد، نشر الشائعات، التحقير أمام الآخرين.
– التنمّر الإلكترونيّ: استخدام الإنترنت أو الهاتف للإساءة، أو التنمّر عبر الرسائل أو التعليقات.
أبعاد الظاهرة وخطورتها
أ. البُعد النفسيّ
يتسبب التنمّر في القلق، والاكتئاب، وتدني احترام الذات، وقد يدفع الضحايا إلى الانطواء أو حتى الانتحار.
ب. البُعد التربويّ
يتسبب في ضعف الأداء الدراسي، وتراجع الحافز للتعلم، وزيادة نسب الغياب أو التسرب المدرسي.
ج. البُعد الاجتماعيّ
يُضعف العلاقات الاجتماعية، ويعزز ثقافة الإقصاء والكراهية والعنصرية، ويُنتج أفرادًا عدوانيين أو منغلقين.
د. البُعد القيميّ والدينيّ
يُعبّر التنمّر عن خلل في الفهم الديني، وسقوط في أخلاقيات الجوار، والرحمة، والعدل، والإحسان، ويخالف بوضوح هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الرحمة والتعامل مع الضعفاء.
الرؤية الدينية
تُؤكد حملة “صحح مفاهيمك” أن الإسلام ينهى نهيًا قاطعًا عن السخرية والاستهزاء والإيذاء، وقد ورد في القرآن الكريم: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا يَسۡخَرۡ قَوۡمٞ مِّن قَوۡمٍ … وَلَا تَلۡمِزُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَلَا تَنَابَزُواْ بِٱلۡأَلۡقَٰبِۖ} [الحجرات: ١١].
كما قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: «المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ». «رواه البخاري»
وقال: «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْتَقِرَ أَخَاهُ المُسْلِمَ». «رواه مسلم»
ويؤكّد الخطاب الشرعي أن التنمّر صورة من صور الظلم، والظلم ظلمات يوم القيامة.
المفاهيم المغلوطة التي تصححها الحملة
– التنمّر “مزاح بريء” أو “دعابة ثقيلة”.
– الضحيّة “يستحق” لأنه مختلف.
– السخرية وسيلة للاندماج أو التسلية.
– المتنمّر شخص قوي، والسكوت عنه علامة ضعف.
– التنمّر لا يترك أثرًا لأن الجروح نفسية “وليست حقيقية”.
كيفية تناول الحملة للموضوع
تعتمد حملة “صحح مفاهيمك” في تناول موضوع التنمّر على مسارات متنوعة تشمل:
١. المسار الدعويّ
– تقديم دروس دينية تبيّن حرمة السخرية والإيذاء، وتحث على الرحمة وحسن الخلق.
– تناول قصص من السيرة تُظهر تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع المختلفين والضعفاء وذوي الاحتياجات الخاصة بحب وتقدير.
٢. المسار التربويّ والنفسيّ
– التعاون مع أخصائيين نفسيين لتوضيح أثر التنمّر على الطفل والمراهق.
– تعليم مهارات التعاطف، وضبط الانفعالات، واحترام التنوع.
٣. المسار المدرسيّ والشبابيّ
– تنفيذ فعاليات داخل المدارس ومراكز الشباب (ورش عمل، عروض مسرحية، مسابقات فنية) تهدف لتعزيز ثقافة الاحترام والتضامن.
– تدريب المعلمين على اكتشاف ضحايا التنمّر وحمايتهم.
٤. المسار الإعلاميّ
– إنتاج فيديوهات قصيرة ومؤثرة (ريلز، مشاهد تمثيلية) توضح أثر التنمّر على الضحية وعلى المجتمع.
– نشر قصص واقعية لأشخاص تعرضوا للتنمّر وتجاوزوا الأزمة.
٥. المسار الأسريّ
– إصدار نشرات ومحتوى رقمي موجه لأولياء الأمور حول كيفية الوقاية من التنمّر، ومراقبة سلوك الأبناء، وخلق بيئة آمنة للحوار في المنزل.
٦. المسار القانونيّ
– نشر الوعي بالعقوبات القانونية للتنمّر (خاصة الإلكتروني)، ومساعدة الضحايا في معرفة حقوقهم وآليات الشكوى والحماية.
الرسائل المحوريّة للحملة
– من يُهين غيره ليس قويًا، بل ضعيف الأخلاق والإيمان.
– السخرية ليست شجاعة، بل علامة على الجهل وقسوة القلب.
– التنمّر جريمة أخلاقية واجتماعية ونفسية.
– الإسلام دين الرحمة، لا التحقير.
– كن داعمًا، لا كاسرًا، فربما كلمة تُحيي قلبًا، وربما نظرة تُطفئ عمرًا.
الهدف من تناول الموضوع
– خلق وعي مجتمعيّ رافض للتنمّر بجميع أشكاله.
– غرس قيمة الاحترام والتسامح والرحمة في المؤسّسات التعليميّة والأسر.
– تمكين الضحايا من استعادة الثقة بأنفسهم وبمجتمعهم.
– تحويل البيئة التعليمية إلى فضاء آمن نفسيًّا وتربويًّا.
– ربط السلوك القيمي بالخطاب الدينيّ الأصيل.
الخاتمة
يُعدّ التنمّر جريمة صامتة، تتسللُ إلى النفوس فتُحطمها دون ضجيج. وتأتي حملة “صحح مفاهيمك” لتُسلّط الضوء على هذا السلوك المدمّر، وتُقدّم خطابًا متكاملًا يجمع بين الدعوة، والتربية، والدعم النفسيّ، والتقنين، من أجل بناء جيلٍ يُحسن احترام الاختلاف، ويزرع الرحمةَ في القول والفعل، ويُدرك أنّ الكلمةَ الطيبة لا تكلّف شيئًا، لكنها تخلق إنسانًا سليمًا.
No comment