لغة القرآن الكريم والحفاظ علي الهوية، موضوع خطبة الجمعة القادمة، الحمدلله وحده والصلاة والسلام علي من لانبي بعده وعلي آله وصحبه وسلم
وبعد
عبادالله
ومهمة القرآن العظيم لا تقف عند حد الاعتقاد الصحيح وتوحيد الخالق، بل تزيد عليه تهذيب السلوك، وتربية القلب والعقل، وتصحيح المعاملات، وتطبيق قواعد العدل على النفس والغير
جعل الله سبحانه وتعالي القرآن لسانًا عربيًّا وتبيانًا وجعل اللغة العربية لفهم القرآن والسنة مفتاحًا وبيانًاوأنعم باللسان على الإنسان منه توضيحًا وإعطاء
قال الله تبارك وتعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ وذلك لأن لغة العرب أفصح اللغات وأبينها وأوسعها، وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس؛ فلهذا أنزل أشرف الكُتُب بأشرف اللغات على أشرف الرُّسُل، بسفارة أشرف الملائكة وكان ذلك في أشرف بقاع الأرض، وابْتُدئ إنزاله في أشرف شهور السنة؛ وهو رمضان، فكمل من كل الوجوه
وقال جل ثناؤه: ﴿ وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا ﴾وهذا وصفٌ يفيد المدح؛ لأنَّ اللغة العربية أبلغ اللُّغات، وأحسنها فصاحة وانسجامً
وقوله عز وجل: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا ﴾
، والقرآن مصدر: قرأن مثل: غُفْران وسُبْحان، وأطلق هنا على المقروء مبالغة في الاتِّصاف بالمقروئية؛ لكثرة ما يقرؤه القارئون؛ وذلك لحُسْنه وفائدته، فقد تضمَّن هذا الاسم معنى الكمال بين المقروءات، و﴿ عَرَبِيًّا ﴾ نسبة إلى العربية؛ أي: لغة العرب؛ لأنَّ كونه قرآنًا يدلُّ على أنه كلام، فوصفه بكونه ﴿ عَرَبِيًّا ﴾ يفيد أنه كلام عربي.
عبادالله********
لإن كون القرآن عربيًّا يليق بحال المنذَرين به، وهم أهل مكَّة ومَنْ حولها، فأولئك هم المخاطبون بالدِّين ابتداءً لما اقتضته الحكمة الإلهية من اختيار الأُمَّة العربية لتكون أوَّل مَنْ يتلقَّى الإسلام وينشره بين الأُمَم، ولو روعي فيه جميع الأُمَم المخاطبين بدعوة الإسلام لاقتضى أن ينزل بلغات لا تُحْصَى، فلا جرم اختار الله له أفضل اللُّغات واختار إنزاله على أفضل البشر
وقوله جل وعلا: ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾و﴿ بِلِسَانٍ ﴾ حال من الضمير المجرور في ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ﴾ والباء للملابسة، واللسان: اللغة؛ أي: نزل بالقرآن ملابسًا للغة عربية مبينة؛ أي: كائنًا القرآن بلغة عربية، والمبين: الموضِّح الدلالة على المعاني التي يعنيها المتكلم، فإن لغة العرب أفصح اللغات وأوسعها لاحتمال المعاني الدقيقة الشريفة مع الاختصار، فإن ما في أساليب نظم كلام العرب من علامات الإعراب، والتقديم والتأخير، وغير ذلك، والحقيقة والمجاز والكناية، وما في سعة اللغة من الترادُف، وأسماء المعاني المقيَّدة، وما فيها من المُحسِّنات، ما يلج بالمعاني إلى العقول سهلةً متمكنةً؛ فقدَّر الله تعالى هذه اللغة أن تكون هي لغة كتابه الذي خاطب به كافة الناس، فأنزل بادئ ذي بدء بين العرب أهل ذلك اللسان ومقاويل البيان، ثم جعل منهم حمَلتَه إلى الأُمَم تترجم معانيَه فصاحتُهم وبيانُهم، ويتلقَّى أساليبَه الشادون منهم وولدانُهم، حين أصبحوا أمةً واحدةً يقوم باتحاد الدين واللغة كيانهم
وهنا لابد وأن نعلم
كيف حافظ القرآن الكريم على اللغة العربية
إن السر الكامن وراء الخلود اللغة العربية والحفاظ عليها من الاندثار هو القرآن الكريم بما كان له من أثر بالغ في حياة الأمة العربية وتحويلها من أمة تائهة إلى أمة عزيزية قوية بتمسكها الكتاب الذي صقل نفوسهم، وهذب طباعهم وطهر عقولهم من رجس الوثنية وعطن الجاهلية، وألف بين قلوبهم وجمعهم على كلمة واحدة، توحدت فيها غاياتهم ..
لغة خاتم الأنبياء والمرسلين محمد ﷺ فهي أغنى اللغات بالمفردات والمترادفات؛ لها عذوبة في اللفظ ونغم في النطق وجمال في الحديث؛ يقول الشافعي -رحمه الله-: “أوسعُ الألسِنة مذهبًا، وأكثرُها ألفاظًا، ولها مكانتُها العُظمى في هذا الدين”.
علينا أن نعلم نعلم اليقين أن القرآن
هذا ونسأل الله القبول والله أعلم
——–
الحمد لله وكفي وصلاة وسلاما علي عباده اللذين أصطفي وبعد
عباد الله
——
فإنّ لغةً يتنزَّلُ بها كلام الله سبحانه وتعالى، لهي لغة مصطفاة منتقاة تهيأت لاستيعاب أكرم المعاني وأسناها؛ وهذا وحده دليلُ شرِفها وبرهان فخرِها؛ إذ من المعلوم ضرورةً عند علماء الأمة سلفِها وخلفِها أن البيان الذي قَهر القُوى، وأعْجزَ القُدَر، وألجم أساطنة الخطاب إلجامًا، وأفحم شقاشق الشُّعراء إفحامًا، ما كانت معانيه لتتزَّل من عليائِها إلا في أشرق دِيباجة وأنصعها وأحلاها وأوفاها، وذلك لأن معاني القرآن الكريم هي كلام الله سبحانه وتعالى، وفضلُ كلام الله على كلام النّاس كفضلِ الله على النّاس.
فإن القرآن حافظ علي اللغة من اللحن
اكتساب اللّغة العربيّة مهارات جديدة:
أفاد القرآن الكريم اللّغة العربيّة مهاراتٍ جديدة لم تكن معروفة قبل نزوله، فعلم التجويد والوقف والابتداء من العلوم التي نشأت خدمة لسلامة نطقِ ألفاظ القرآن، وتصحيح مخارج الحروف، والتدقيق في الابتداء بالمعاني والوقف عليها، وانعكس ذلك على اللّغة تجويدًا وإتقانًا لمخارج حروفها، وسلامة منطقها، بل امتدت هذه المهارات إلى الشّعر، فعرف أهل العِلم بالمعاني الوقف والابتداء في الشّعر فهذا وعد الله سبحانه الذي لا يتبدّل ولا يتحوّل: «إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ»[سورة الحجر: ، فكان حفظُ القرآن لازمًا لحفظ اللّغة
اللهم أرزق مصر الأمن والأمان والله أعلي وأعلم
No comment