الحمد لله رب العالمين،أنزل الكتابَ المبين،بلسانٍ عربيٍّ مبينٍ،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي القوي المتين،اختار لكتابه لسانا قويما،لسانا عربيا عظيما،وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمدًا صلى الله عليه وسلم النبي العربي الكريم.
النور الذي به تنير الأنوارُ في الظلمات،والعبيرالذي ازال الهمَّ والكربات،الذي طهّر الارواح َمن الأرجاس والنجاسات،الذي يشفع للمؤمنين يوم الدين ،فعليه من ربنا غامرُ الصلوات،نظمت هذه الكلمات إهداءً وحبًّا لكم فاقبلها من مُحبِّكم يا سيد السادات ،،،،،
نُورٌ غَدَا للنورِ نُورًا مُرشِدًا وبه يُنيرُ النورُ في الظُّلمات
عِطْرٌ بَدَا لِلْكَونِ ثَارَ عَبِيرُهُ وبه زَوَالُ الْهَمِّ والْكُرُبَاتِ
مَنْ لِلْقُلُوبِ يُزِيحُ همَّ عَنَائِهَا وبه تُنالُ غَنائمُ الْحَيوَاتِ
من طَهَّرَالأَرْوَاحَ مِنْ أَرْجَاسِهَا وبه اهْتدَتْ لِرَافِع الدَّرَجَاتِ
يَا أَيُّها الرَّاجُونَ منه شَفَاعةً صَلُّواعليه فأَكْثِرُوا الصَّلَوَاتِ
تمهيد إن القرآن الكريم كتابُ الله الخالد إلى يوم الدين ،هذا الكتاب العظيم الذي أعجز البلغاءَ والفصحاءَ وأعيا اللُّغويين والشعراء،ما اقترب منه شئ إلا زانه وعظَّمه،ومما عظمه القرآن ،لغة البيان ،زانها القرآن ورفعها فى كل زمان ومكان.
القرآنُ ربُّ البلاغة والبيان
لقد شرَّف اللهُ اللغة العربية على جميع لغات الأرض ،فنزل بها القرآن ،فرفع به ذكرها وأعلى به مكانها ،واللغة العربية هي وعاء الكتاب الخالد بها أنزل وحفظ.. وكل متعلم ومعلم في حاجة إليها؛ لأنها أساس كل علم ومناطه؛ فاللغة العربية خير اللغات والإقبال على تفهمها من العبادات؛ إذ هي أداة العلم ومفتاح التفقه في الدين؛ كما أنها أمتن اللغات وأوضحها بيانا وأذلقها لسانا وأمدها رواقا وأعذبها مذاقا، ومن ثم فقد اختارها الله تعالى لأشرف رسالة ولخاتم أنبيائه، وجعلها لأهل سمائه وسكان جنته، وأنزل بها كتابه المبين، وهي لغة الإيجاز والبيان والإعراب والبلاغة والفصاحة.
لغة القرآن والحفاظ على الهوية موضوع خطبة الجمعة
وذلك لأن لغة العرب أفصح اللغات، وأبينها وأوسعها، وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس، فلهذا أنزل أشرف الكتب، بأشرف اللغات، على أشرف الرسل، بسفارة أشرف الملائكة، وكان ذلك في أشرف بقاع الأرض، وفي أشرف شهور السنة، فكمل له الشرف من كل الوجوه. تفسير التحرير والتنوير
قال تعالى﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ يوسف : 2
إنا أنزلنا هذا القرآن بلغة العرب، لعلكم -أيها العرب- تعقلون معانيه وتفهمونها، وتعملون بهديه.” التفسير الميسر
وذلك لأن لغة العرب أفصح اللغات، وأبينها وأوسعها وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس، فلهذا أنزل أشرف الكتب بأشرف اللغات على أشرف الرسل بسفارة أشرف الملائكة، وكان ذلك في أشرف بقاع الأرض، وابتدئ إنزاله في أشرف شهور السنة وهو رمضان، فكَمُل من كلّ الوجوه”تفسير ابن كثير
ونلمح اشجارَ البلاغة والبيان في واحة القرآن ببداية الآية بالتاكيد المضاف للذات العلية ليؤكد مكانة ورفعة القرآن الكريم وإضافة نزوله إليه تعالى لمزيد من التكريم والتشريف وجاء لفظ قرآنا حال من الإنزال أي أنزلناه ليُقرأ ويُفهم ويُعمل به ويصبح حالا وطريقة حياةٍ للقارئ له ليسعد في الدنيا والآخرة.،وجاءت الآية الكريمة بحذف المفعول في قوله ﴿لعلكم تعقلون﴾ ليفيد العمومَ والشمول فلم يقل تعقلون لغته أو فقهه أو أحكامه أو تدبر معانيه أو حدوده او بيانه وبلاغته ،فحذف المفعول ليشمل كل ذلك.
قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ ﴾الرعد : 37
وما زال الله جل وعلا يبين مكانة الكتاب العربي العظيم فأشار إليه بالبعيد للدلالة على الكتب السابقة وأنها من عند الله تعالى ثم جاء التشريف بإضافة إنزاله إليه تعالى بضمير العظمة ليدل على عظمة المُنزِل وعظمة المنزَل ،ثم جاء بحال المنزَل وهو القرآن الكريم إنه قرآنا أي يقرأ ويُتدبر وجاء بحالٍ آخر له وهو كلمة عربيا فشرف العرب واللغة العربية بنزول القرآن بها ،وهو أول كتاب إلهي ينزل باللغة العربية.
مكانة اللغة العربية في السنة النبوية
للغة العربية تلك المنزلة الرفيعة في القرآن الكريم، فإن منزلتها في السنة النبوية، لا تقل عن ذلك بحال، وليس أصدق على ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم وفعله وسمته وهديه في العناية بهذه اللغة.
فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: ﴿خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً كالمودِّع فقال: أنا محمد النبي الأمي -قاله ثلاث مرات- ولا نبي بعدي، أوتيت فواتح الكلم وخواتمه وجوامعه﴾ اخرجه احمد في مسنده
عن أبي موسى الأشعري عبد الله بن قيس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ﴿أُعطِيتُ فَواتِحَ الكَلِمِ وخَواتِمَه. قُلْنا: يا رسولَ اللهِ عَلِّمْنا مما عَلَّمَك اللهُ عز وجل، فعَلَّمَنا التشَهُّدَ﴾البيهقي في شعب الإيمان
وقد أُعطي صلى الله عليه وسلم «فواتح الكلم» «أي البلاغة والفصاحة والتوصل إلى غوامض المعاني وبدائع الحكم ومحاسن العبارات التي أغلقت على غيره… (وجوامعه) التي جمعها الله فيه فكان كلامه جامعاً كالقرآن في كونه جامعاً فإنه خلقه، (وخواتمه) أي خواتم الكلام يعني حسن الوقف ورعاية الفواصل فكان يبدأ كلامه بأعذب لفظ وأجزله وأفصحه وأوضحه ويختمه بما يشوق السامع إلى الإقبال على الاستماع مثله والحرص عليه ،ولفظ «أعطيت» توحي بأن الله عز وجل منحه وميزه صلى الله عليه وسلم بهذه المزية، ولن يختار الله سبحانه وتعالى لنبيه إلا الكمال والعلو الذي تمثل في إحاطته التامة باللغة العربية وحسن فصاحته وبيانه
ومن جمال بلاغته صلى الله عليه أنه بني الفعل أُعطيت لما لم يسم فاعله لأنه معلوم في القلوب والنفوس وهو الله تعالى فلا معطي سواه.
مكانة اللغة العربية في حياة السلف الصالح لقد حرص سلفنا الصالح بتعلم اللغة العربية والعناية بها حتى قال الإمام مالك من تكلم في مسجدنا بغير العربية أخرج منه.
وقد قال سيدنا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قال: «تَعَلَّمُوا الْعَرَبِيَّةَ فَإِنَّهَا تُثَبِّتُ الْعَقْلَ، وَتَزِيدُ فِي الْمُرُوءَةِ»
وكتب إلَى أَبِي مُوسَى الأشعري: «أَمَّا بَعْدُ فَتَفَقَّهُوا فِي السُّنَّةِ، وَتَفَقَّهُوا فِـي الْعَرَبِيَّةِ، وَأَعْرِبُــوا الْقُـــرْآنَ فَإِنَّهُ عَرَبِيٌ»
محبَّة اللغة العربية
محبة اللغة العربية من الدين لانها لغة القرآن الكريم فمن احبها احب القرآن الكريم ومن احب القرآن الكريم أحبه الله تعالى ومن أحبه الله أكرمه قال الإمام أبو منصور الثعالبي رحمه الله: “من أحبّ الله تعالى أحبّ رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومن أحبّ النبي العربي أحبّ العرب، ومن أحبّ العرب أحبّ اللغة العربية التي بها نزل أفضل الكتب على أفضل العجم والعرب، ومن أحبّ اللغة العربية عُني بها، وثابر عليها وصرف همته إليها، إذ هي أداة العلم، ومفتاح التفقه في الدين، وسبب إصلاح المعاش والمعاد”.
اثر اللغة العربية في بناء الهوية الإسلامية
تشكل اللغة العربية عنصرا أساسيا في بناء هوية كل فرد من هذه الأمة. ومما يزيد من أهمية هذه اللغة عند العرب والمسلمين؛ أن معجزة الرسول -صلى الله عليه وسلم- الكبرى هي القرآن الكريم، جاءت بهذا اللسان العربي المبين، ومن هنا جاء استهدافها، خلال القرن الماضي بعدد من الاتهامات غير الصحيحة، من مثل أنها صعبة القواعد والإملاء، وبأنها لغة غير علمية، لذلك ارتفعت الأصوات في عدد من البلاد العربية مطالبة باستبدال العامية بالفصحى، وقد رفع عدد من المفكرين في مطلع القرن العشرين بهذه الدعوة حناجرَهم، وما زالت الهجمة عليها مستمرة.
لقد أدرك الصحابة رضوان الله عليهم بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعمق فهمهم، ونفاذ بصيرتهم، أهمية العناصر الثلاثة التي تقوم عليها وحدة الأمة الثقافية وهي: القرآن الكريم، وسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، واللغة العربية.
وأدركوا أن الاختلاف والتفرق عند الأمم السابقة قد جاء نتيجة عدم الحفاظ على رسالة أنبيائهم، لذلك حرص الصحابة رضي الله عنهم على المحافظة على القرآن الكريم،
وبدأ ذلك بعد أن استحرّ القتل في القراء الحافظين للقرآن في معركة اليمامة، فقد روى البخاري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لأبي بكر الصديق رضي الله عنه حاثّا إياه على جمع القرآن: “إِنَّ الْقَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ بِالْمَوَاطِنِ”. وشرح الله صدرأبي بكر لجمع القرآن الكريم.
الحاجة إلى تعلم اللغة العربية
عندما نتفحص الشهادتين اللتين تعتبران المدخل إلى الدين الإسلامي بالنسبة لأي مسلم، فالشهادة الأولى وهي “أشهد أن لا إله إلا الله” جاءت بصيغة المضارع “أشهد”، والشهادة تعني إعمال الحواس، ثم الوعي والعلم بأن الله واحد أحد، من خلال عقل الكون المحيط بالمسلم من شمس وقمر وبحر ونهر وطير وبستان وزهرة إلخ…..، فإن التدقيق في هذه الكائنات ونشأتها وحركتها وتطوراتها تجعل المسلم يعرف بأن الله واحد أحد لا رب غيره، ولا معبود سواه.
العلم بوحدانية الله يكون من خلال النظر إلى الكون، وأما العلم بنبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- فيكون من خلال العلم بالعربية، والاجتهاد في الترقي بفهمها، وتذوق بيانها، ثم تلاوة القرآن الكريم، ليدرك إعجاز هذا القرآن.
أما الشهادة الثانية وهي “أشهد أن محمدا رسول الله” فتعني أني أشهد بحواسي وعقلي أن محمدا رسول الله، فكيف يكون ذلك وقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
يكون ذلك بأني أعلم وأتبين وأشهد شهادة قاطعة بأن محمدا رسول الله من خلال رسالته الباقية وهي “القرآن الكريم”
ولن يتأتى ذلك إلا بمعرفة اللغة العربية التي يؤكد العلم بها بإعجاز القرآن الكريم، ثم العلم بأن محمدا رسول الله، وكأني معاصر له.
وفي الختام فإن اللغة العربية هي الوعاء الذي حمل القرآن الكريم للعالمين فانتشر بها هداه وما يزال إلى يوم يبعثون وما أجمل قول الرافعي «إن هذه العربية بنيت على أصل سحري يجعل شبابها خالداً عليها فلا تهرم ولا تموت، لأنها أعدت من الأزل فَلكاً دائِراً للنيِّرين الأرضيين العظيمين ﴿كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴾، ومِن ثَمَّ كانت فيها قوة عجيبة من الاستهواء كأنها أخذة السحر»
وكفى اللغة العربية جمالا وجلالا وبهاءً وصفاءً ونقاءً قول من أنزل الكتاب الخالد بها
﴿وَإِنَّهُ لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِين. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ. عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ. بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾
والحمد لله رب العالمين
خادم الدعوة،عثمان عبد الحميد الباز
No comment