موضوع خطبة الجمعة القادمة الطفول بناء وأملٌ للدكتور مسعد الشايب word, bdf

خطبة الجمعة القادمة مكتوبة للدكتور مسعد الشايب

الدكتور مسعد الشايب من علماء وزارة الأوقاف


موضوع خطبة الجمعة القادمة الطفول بناء وأملٌ للدكتور مسعد الشايب ، الجمعة الموافقة 18من جمادى الأخرة 1446هـ الموافقة 20/12/2024م

أولا: العناصر:

  1. الطفولة، ومكانتها، واهتمام الشريعة الإسلامية بها.
  2. خمسٌ من صور البناء والتعليم في مرحلة الطفولة.
  3. الخطبة الثانية: (الطفولة، ذخرٌ، وأملٌ).

  4. ثانيا: الموضوع:

    الحمد لله ربِّ العالمين، يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك، وعظيم سلطانك، لا نحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، جلّ وجهك، وعزّ جاهك، ولا يخلف وعدك، ولا يهزم جندك، وأَشهدُ أنْ لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأَشهدُ أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عَبدُه ورسولُهُ، صلاة وسلاما عليه دائمين متلازمين إلى يوم الدين وعلى آله وصحبه…الخ، إلى يوم الدين، وبعد:

    (1) ((الطفولة، ومكانتها، واهتمام الشريعة الإسلامية بها))
    أيها الأحبة الكرام: الطفولة: هي تلك المرحلة العمرية الأولية من مراحل عمر الإنسان، والتي تبدأ من لحظة الخروج من رحم الأم (الولادة)، وتمتد في الإسلام حتى سنّ البلوغ، ويكون في الذكر بإنبات الشعر حول العانة، وخشونة الصوت، وظهور الشارب، وإنزال المني، وفي الإناث يكون بنزول دمّ الحيض عليهن، قال تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[النور:59]، والطفولة أيها الأخوة الأحباب: تنقسم إلى ثلاثة مراحل رئيسة:


  5. المرحلة الأولى: ما قبل سن التمييز، وتبدأ من الولادة، وتمتد حتى سن السابعة، وفي هذه المرحلة لا يكلف الطفل، ولا يؤمر بشيء.

    المرحلة الثانية: سن التمييز، وتبدأ من سن السابعة، وتمتد حتى نهاية سن العاشرة، وفي هذه المرحلة يكلف الطفل بالصلاة، والصيام، ويعلم أمور، وشرائع، وتعاليم الإسلامي، فعن السائب بن يزيد (رضي الله عنه) قال: (حُجَّ بِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ)(رواه البخاري).




  6. المرحلة الثالثة: ما بعد سن التمييز، وتبدأ من بعد سن العاشرة، وتمتد حتى سن البلوغ، وفي هذا المرحلة يعاقب الطفل على تهاونه في أداء أمور، وشرائع، وتعاليم الدين الإسلامي، وتركه لها، فعن عبد الله بن عمرو (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ…)(رواه أحمد).
    اهتمام الشريعة الإسلامية بالطفولة، وسببه: وقد اهتمت الشريعة الإسلامية الغراء بمرحلة الطفولة اهتمامًا بالغًا؛ لكونها مرحلة التأسيس، والبناء، والتلقين، وكونها الأساس لما بعدها من المراحل العمرية، وخصوصًا مرحلة البلوغ، والشباب، تتفتق في مرحلة الطفولة الملكات، وتبرز المؤهلات، وتنمو المدارك، وتتحدد نزعات الطفل نحو الخير أو الشر، وفيها تأخذ شخصية الطفل في التكون والظهور، لتتميز عن غيرها من الشخصيات، فطفولة الإنسان صفحةٌ بيضاء مفتوحة يسجل فيها كل ما يرد عليه من حوادث، وانطباعات ترتسم في مخيلته وذاكرته.
    ومرحلة الطفولة أرض صالحة للاستنبات والاستزراع المعنوي، فكلُّ ما يغرس فيها من مكارم الأخلاق، ومحاسن الشيم والخصال، وكل ما يزرع فيها من بذور الشر والفساد، نجنيه، ونرى أثره بعد ذلك في بقية مراحل الإنسان العمرية.
    وفي مرحلة الطفولة يكتسب الطفل من محيطه العادات السارة والضارة، والأخلاق الكريمة أو الذميمة، والاتجاهات الصحيحة أو الفاسدة، والسبل القويمة أو المنحرفة، وصدق نبينا (صلى الله عليه وسلم)، إذ يقول: (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟). ثُمَّ يَقُولُ: سيدنا أَبُو هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) راوي الحديث: وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ}[الروم:30] الْآيَةَ)(متفق عليه).
    (2) ((خمسٌ من صور البناء والتعليم في مرحلة الطفولة))
    أيها الأحبة الكرام: إذا كانت مرحلة الطفولة بهذه المنزلة السامية، وتلك المكانة العالية، فلا عجب أن جاءت الشريعة الإسلامية وأعطت للأطفال حقوقًا، حتى قبل أن يولدوا، وقبل قبل أن يلتقي آباؤهم وأمهاتهم، وأمرت برعايتهم منذ ولادتهم، بل ووضعت لنا صورًا من البناء، والتعليم في تلك المرحلة العمرية الهامة، فمن صور البناء والتعليم في مرحلة الطفولة:
    1ـ البناء والتعليم العقدي، بتعليمهم العقيدة الصحيحة، وغرسها في نفوسهم، وأن النافع والضار، والحافظ، والمعطي والمانع…الخ هو الله (عزّ وجل)، فتعليم العقيدة هو سنام العلم أجمع، وهو منهج الأنبياء والمرسلين، ووصيتهم.
    انظروا إلى إبراهيم ويعقوب (عليهما السلام)، يقول القرآن الكريم عنهما: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[البقرة:132].



    وها هو لقمان (عليه السلام) يعلم ولده العقيدة الصحيحة فيقول كما يحكي القرآن على لسانه: {يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}[لقمان:13].
    وعن ابن عباس (رضي الله عنهما)، قال: كنت خلف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوما، فقال: (يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ)(رواه الترمذي)، ومن صور البناء والتعليم في مرحلة الطفولة:
    2ـ البناء والتعليم الشرعي، والروحي الأخلاقي، بتدريبهم وتعويدهم على أمور وشعائر الدين من العبادات والطاعات والفرائض، والأخلاق، وتعليمهم إياها، وحثهم على التمسك بها، فمن شبّ على شيء شاب عليه، وهذا أيضًا منهج الأنبياء والمرسلين.


    فها هو لقمان (عليه السلام) مرة ثانية يعلم ولده بعض الأمور الشرعية، والأخلاقية، فيقول كما يحكي القرآن على لسانه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِوَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍوَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}[لقمان:17ـ19].


    وقال تعالى عن سيدنا إسماعيل (عليه السلام): {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا*وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا}[مريم:55،54]، وقال تعالى مخاطبًا نبينا (صلى الله عليه وسلم): {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}[طه:132].
    وعن الربيع بنت معوذ (رضي الله عنها) قالت: أرسل النبي (صلى الله عليه وسلم) غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: (مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا، فَليَصُمْ). قالت: فكنا نصومه بعد، ونصوم صبياننا، ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار.(متفق عليه).
    وقد تقدم عن السائب بن يزيد (رضي الله عنه) قال: (حُجَّ بِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ)(رواه البخاري)، وعن عبد الله بن عمرو (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ…)(رواه أحمد).
    وعن عمر بن أبي سلمة (رضي الله عنهما) قال: كنت غلامًا في حجر رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (يَا غُلاَمُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ). يقول عمر: فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ.(متفق عليه).
    ولا يكفي في البناء والتعليم الشرعي، والروحي الأخلاقي أمرهم بالحلال وحسب، بل يجب أن نبين لهم الحرام أيضًا ونعلمهم اجتنابه، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: أخذ الحسن بن علي (رضي الله عنهما)، تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فيه (فمه)، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): (كِخْ كِخْ، أَمَا تَعْرِفُ أَنَّا لاَ نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ)(متفق عليه)، (كخ كخ) (بفتح الكاف وتسكين الخاء) ويجوز (كسرها مع التنوين) كلمة يزجر بها الصبيان عن المستقذرات فيقال له: كخ أي: اتركه وارم به.
    وفي حجة الوداع وقفت جَارِيَةٌ شَابَّةٌ من خَثْعَمٍ تستفتي النبي (صلى الله عليه وسلم) وكان الفضل بن العباس رديفه وكان شابًا، فجعل ينظر إلى الفتاة وتنظر إليه، فلَوَى النبي (صلى الله عليه وسلم عُنُقَ الْفَضْلِ فقال له الْعَبَّاسُ: يا رَسُولَ الله، لِمَ لَوَيْتَ عُنُقَ ابن عَمِّكَ؟. قال: (رأيت شَابًّا وَشَابَّةً فلم آمَنْ الشَّيْطَانَ عَلَيْهِمَا)(الترمذي وأحمد).
    ودخل ابن عمر (رضي الله عنهما) على يحيى بن سعيد، وغلام من بني يحيى رابط دجاجة يرميها، فمشى إليها ابن عمر حتى حلّها، ثم أقبل بها وبالغلام معه فقال: ازجروا غلامكم عن أن يصبر هذا الطير للقتل، فإني سمعت النبي (صلى الله عليه وسلم): (نَهَى أَنْ تُصْبَر (تحبس أو تربط)َ بَهِيمَةٌ أَوْ غَيْرُهَا لِلْقَتْلِ)(متفق عليه)، ومن صور البناء والتعليم في مرحلة الطفولة:
    3ـ البناء والتعليم العقلي، العلمي، الثقافي، برعايتهم علميًا، وفكريًا، وثقافيًا، وذلك بدفعهم إلى التفكير، واستخدام العقل، وتعلم العلوم والأشياء النافعة ومتابعتهم في ذلك، فعن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما)، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، قال: (إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَهِيَ مَثَلُ المُسْلِمِ، حَدِّثُونِي مَا هِيَ؟). فوقع الناس في شجر البادية، ووقع في نفسي أنها النخلة، قال عبد الله: فاستحييت، فقالوا: يا رسول الله، أخبرنا بها؟. فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (هِيَ النَّخْلَةُ). قال عبد الله: فحدثت أبي بما وقع في نفسي، فقال: (لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي كَذَا وَكَذَا)(متفق عليه، واللفظ للبخاري).
    وقال الإمام السجاد سيدنا على (زين العابدين) بن سيدنا الإمام الحسين (رضي الله عنه) ت(93هـ): (كُنَّا نُعَلَّمُ مَغَازِي النبيَّ (صلى الله عليه وسلم) كَمَا نُعَلَّمُ السّورَةَ مِنَ القُرْآنِ)(السيرة النبوية لابن كثير).
    ويقول إِسماعيل بن محمَّد بن سعد بن أبي وقاص ت(134هـ) كان أبي يعلمنا مغازي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وَيَعُدّها علينا، وسراياه، ويقول: (يَا بَنِيَّ هَذِهِ مَآثِرُ آبَائِكُمْ فَلَا تُضَيِّعُوا ذِكْرَهَا)(الجامع لأخلاق الراوي)، ومن صور البناء والتعليم في مرحلة الطفولة:
    4ـ البناء والتعليم الجسدي، الصحي، فينفق عليهم من الحلال، ويغذيهم تغذية سليمة، ويبعدهم عن الأمراض وأسبابها، ويعلمهم من الرياضة ما يقوي بنيانهم ويؤهلهم أن يكونوا في شرف الدفاع عن دينهم وأوطانهم.
    فعن عبد الله بن عمرو (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ)(رواه أبو داود)، وَعَن أبي رَافع (رضي الله عنه) قال: قلت: يا رسول الله, أللولد علينا حق, كحقنا عليهم؟. قال: (نَعَمْ حَقُّ الْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ أَنْ يُعَلِّمَهُ الْكِتَابَةَ، وَالسِّبَاحَةَ، وَالرَّمْيَ، وأنْ لَا يَرْزُقَهُ إلاَّ طَيبًا)(شعب الإيمان).
    وعن عبد الله بن عمر (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا…)(متفق عليه)، وكتب سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) إلى أهل الشام (أَنْ عَلِّمُوا أَوْلَادَكُمُ السِّبَاحَةَ وَالرَّمْيَ وَالْفُرُوسِيَّةَ)(فضائل الرمي)، ومن صور البناء والتعليم في مرحلة الطفولة:
    5ـ البناء والتعليم العاطفي، بالرحمة بهم، والمعاملة لهم بلطف، وإضفاء الحنان عليهم بالملاعبة، والمداعبة وغيرها، حتى لا يكونوا متشددين، ولأنفسهم، ولمَنْ حولهمـ ولمجتمعهم، ووطنهم كارهين، فاقدي الإحساس، والشعور بالآخرين، فعن السيدة عائشة (رضي الله عنها)، أنّ امرأة جاءت إليها، فأعطتها عائشة ثلاث تمرات، فأعطت كل صبي لها تمرة، وأمسكت لنفسها تمرة، فأكل الصبيان التمرتين ونظرا إلى أمهما فعمدت إلى التمرة فشقتها فأعطت كل صبي نصف تمرة فجاء النبي (صلى الله عليه وسلم) فأخبرته عائشة فقال: (وَمَا يُعْجِبُكَ مِنْ ذَلِكَ لَقَدْ رَحِمَهَا الله برحمتها صَبِيَّيْها)(الأدب المفرد).
    وعن يعلى بن مرة (رضي الله عنه) قال: خرجنا مع النبي (صلى الله عليه وسلم) ودعينا إلى طعام، فإذا حسين يلعب في الطريق، فأسرع النبي (صلى الله عليه وسلم) أمام القوم ثم بسط يديه فجعل الغلام يفر ههنا وههنا ويضاحكه النبي (صلى الله عليه وسلم) حتى أخذه فجعل إحدى يديه في ذقنه والأخرى في رأسه، ثم أعتنقه ثم قال النبي (صلى الله عليه وسلم): (حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، أَحَبَّ اللهُ مَنْ أَحَبَّهُ، الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سِبْطَانِ مِنَ الْأَسْبَاطِ)(المعجم الكبير).
    وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يدلع لسانه للحسين، فيرى الصبي حمرة لسانه، فيهش إليه، فقال له عيينة بن حصن بن بدر: ألا أرى تصنع هذا بهذا، والله ليكون لي الابن قد خرج وجهه وما قبلته قط، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ)(رواه ابن حبّان)، (يدلع لسانه) يخرجه حتى ترى حمرته. (فيهش إليه) يفرح به ويستبشر ويرتاح له ويخَفَّ، وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: أتى النبي (صلى الله عليه وسلم) رجل ومعه صبي، فجعل يضمه إليه، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): (أَتَرْحَمُهُ؟). قال: نعم. قال: (فَاللَّهُ أَرْحَمُ بِكَ مِنْكَ بِهِ، وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)(الأدب المفرد).
    وعن عائشة (رضي الله عنها) قالت: جاء أعرابي إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: تقبلون الصبيان؟ فما نقبلهم. فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): (أَوَ أَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ)(رواه البخاري)، وعن البراء بن عازب (رضي الله عنه) قال: رأيت النبي (صلى الله عليه وسلم)، والحسن بن علي على عاتقه، يقول: (اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ) (متفق عليه)، (عاتقه) ما بين منكبه وعنقه، و(المنكب) مجتمع العضد مع الكتف.
    فعن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم): يدخل علينا ولي أخ صغير يكنى أبا عمير وكان له نغر (طائر يشبه العصفور أحمر المنقار، وقيل: هو العصفور نفسه صغير المنقار أحمر الرأس، وقيل: هو ما يسميه أهل المدينة البلبل) يلعب به، فمات، فدخل عليه النبي (صلى الله عليه وسلم) ذات يوم فرآه حزينا، فقال: (مَا شَأْنُهُ؟). أي: ما حاله وما وجه كونه حزين. قالوا: مات نغره، فقال: (يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟)، أي: ماذا جرى له حيث لم أره معك؟ (رواه أبو داود).
    عباد الله: البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والدّيّان لا يموت، اعمل ما شئت كما تدين تدان، فادعوا الله وأنتم موقنون…………
    (الخطبة الثانية)

    ((الطفولـــة، ذخــرٌ، وأمــلٌ))

    الحمد لله رب العالمين، أعدّ لمَنْ أطاعه جنات النعيم، وسعرّ لمَنْ عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد، أيها الأحبة الكرام:
    مازال الحديث بنا موصولا مع الطفولة، وبنائها، وكما أن الطفولة بناء، وتعليم، وعمل، فهي أيضًا ذخرٌ، وأمل:
    فأطفال اليوم هم شبابُ، ورجالُ الغدِّ، ومنهم يكون القادة، والرؤساء، والمفكرون، والسياسون، والعسكريون، والاقتصاديون، والعلماء، والأدباء…الخ، وبقدر ما تنجح الأمم، والشعوب، والأوطان في رعاية أطفالها وإشباع حاجاتهم المادية، والنفسية، والاجتماعية، وتربيتهم على القيم، والمثل العليا، والأخلاق الفاضلة؛ بقدر ما تتكون أجيالٌ جديدةٌ، قويةُ البنيان، قادرةٌ على العملِ، والخلقِ، والإبداع.
    أطفال اليوم ينتظر منهم النهوض بالمجتمعات، والدول، والأوطان، والأمم غدًا، ينتظر منهم حلّ المشكلات، والقضاء على المعضلات، وهذا ما توسمه سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في ريحانته، في ابن بنته سيدنا الحسن بن علي بن أبي طالب (رضوان الله عليه)، وعلى أبيه، وجميع آل بيت سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ـ حينما قال، وهو يخطب على المنبر، وسيدنا والحسن بن علي على فخذه: (إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ ابْنِي هَذَا سَيِّدًا، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يُصْلِحَ اللهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنْ أُمَّتِي)(السنن الكبرى للنسائي).
    وتمضي الأيام، ويموت سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ومن بعده أسيادنا أبو بكر، وعمر، وعثمان (رضي الله عنهم)، ويتولى الخلافة سيدنا على (رضي الله عنه)، وتثور الفتنة الكبرى بينه، وبين سيدنا معاوية (رضي الله عنه)، وينقسم المسلمون لأربعة فرق، ويقتل سيدنا علي (رضي الله عنه) عام (41ه)، ويبايع بالخلافة سيدنا الحسن بن على (رضي الله عنهما)، وبعد ستة أشهر يتنازل عن الخلافة طائعًا لمعاوية (رضي الله عنه) حقنًا لدماء المسلمين، وجمعًا لكلمة الأمة، وتوحيدًا لصفها، ويسمي العام بعام الجماعة، وصدق سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حينما قال: (إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ ابْنِي هَذَا سَيِّدًا، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يُصْلِحَ اللهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنْ أُمَّتِي).

    إننا نتوسم في أطفالنا ـ إن شاء الله ـ وكلنا أمل أن يخرج منهم كالناصر صلاح الدين يحرر القدس، والأراضي، والثروات، والخيرات المغتصبة على أيدي أحفاد القردة والخنازير من بلادنا العربية والإسلامية.

  7. إننا نتوسم في أطفالنا ـ إن شاء الله ـ وكلنا أمل أن يخرج منهم كابن سينا ت(427هـ) صاحب كتاب: (القانون في الطب) الذي أصبح مرجعًا أساسيًا في الطب لفترات طويلة، وكابن النفيس ت(687هـ) مكتشف الدورة الدموية قبل ويليام هارفي، وكابن خلدون ت(808هـ) أول من تكلم عن علم العمران البشري، مؤسس علم الاجتماع الحديث وذلك في كتابه (المقدمة).

  8. وكابن الهيثم ت(430هـ) المؤسس الأول لعلم المناظر والبصريات، ومن رواد المنهج العلمي الحديث، وكالخوارزمي ت(235هـ) صاحب كتاب: (حساب الجبر والمقابلة) مؤسس علم الجبر، وكالإدريسي ت(559هـ) في الجغرافيا ورسم الخرائط، وكالبيروني ت(440هـ) أول من قال: بدوران الأرض حول محورها، وكان رحّالةً، وفيلسوفًا، وفلكيًا، وجغرافيًا، وجيولوجيًا، ورياضيًا، وفيزيائيًا، وصيدليًا، ومؤرخًا، ومترجمًا لثقافات الهند.
    وكأبناء موسى بن شاكر (وهم ثلاثة أخوة) رياضيين، وفلكيين، ومشتغلين بالحيل (الميكانيكا)، عاشوا في القرن التاسع الميلادي، وكجابر بن حيان ت(في القرن الثاني الهجري) أول من استخدم الكيمياء عمليًا في التاريخ، ويلقب بأبي الكيمياء.
    إننا نتوسم في أطفالنا ـ إن شاء الله ـ وكلنا أمل أن يقودوا العالم كما قاده جدودهم وأسلافهم من قبل في الشام، والأندلس، وبلاد البلقان، وبلاد ما وراء النهر، وشمال إفريقيا، فضلا عن الجزيرة العربية، ولكن إذا أردنا ذلك فعلينا أولا ببنائهم، وتوجيهم كما أمرنا قرأننا، وسنة نبينا (صلى الله عليه وسلم).
    فاللهمّ أرنا الحق حقًا، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا، وارزقنا اجتنابه، اللهمّ علمنا من لدنك علمًا نصير به خاشعين، وشفّع فينا سيّد الأنبياء والمرسلين، واكتبنا من الذاكرين، ولا تجعلنا من الغافلين ولا من المحرومين، ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم في جنات النّعيم اللهمّ آمين، اللهمّ آمين. اللهم ارفع عنا الوباء والبلاء والغلاء، وأمدنا بالدواء والغذاء والكساء، اللهم اصرف عنّا السوء بما شئت، وكيف شئت إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير، اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.

  9. كتبها الشيخ الدكتور/ مسعد أحمد سعد الشايب
عدد المشاهدات : 26

No comment

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *