موضوع خطبة الجمعة القادمة “المال العام وحرمة التعدي عليه”، وقالت وزارة الأوقاف إن الهدف من هذه الخطبة هو توعية جمهور المسجد إلى أن المال العام هو منفعة عامة للجميع.
وأكدت وزارة الأوقاف على بيان خطورة التعدي عليه بأي صورة من الصور ، وأضافت الوزارة أن هذا الموضوع يحقق المحورين الاستراتيجيين الثالث والرابع من محاور وزارة الأوقاف وهما بناء الإنسان وصناعة الحضارة، جدير بالذكر أن هذه الجمعة بتاريخ الخامس عشر من شهر نوفمبر لعام 2024م ، الموافق الثالث عشر من جمادى الأولى لعام 1446 هـ.
موضوع خطبة الجمعة القادمة “المال العام وحرمة التعدي عليه” مكتوبة
الخطبة الأولى:
الحمد لله وحدَه، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد: فيا أيها المسلمون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -جل وعلا-، ففيها السعادة العظمى، والفوز الأكبر، وفيها لذة الدنيا والآخرة.
عبادَ اللهِ: من الأصول القطعية في ديننا تحريم المكاسب الخبيثة، وإن من أقبح المكاسب المحرَّمة استغلال الفرص من وظيفة أو غيرها لسرقة المال العامّ، أو الاعتداء عليه بأي وسيلة كانت، وبأي طريقة عرَضَت، يقول جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ)[النِّسَاءِ: 29]، فمالُ الدولةِ الأصلُ فيه الحرمةُ؛ لأنه مِلْك للأمة جميعا، ومَصْرِفُه للنفع العامّ، والمصالح المشتركة، فمَنْ تولَّى وظيفة أيا كانت، فهو مسئول أمام الله -جل وعلا- عن كل ما خُوِّلَ فيه، لا يجوز له أن يتصرف في صغير ولا كبير ولا جليل ولا حقير إلا وَفْقَ شرع الله -جل وعلا-، وما اقتضته الأنظمةُ التي نُظِّمَتْ لتحقيق المصالح العامة للأمة، والمنافع المتنوعة للكافة؛ فالتفريط في أي مال يتبع الجهةَ التي تولاها أيُّ مسئول، التفريطُ في ذلك جريمة في نظر الشرع المطهَّر، ويلحق بذلك المحاباة لأحد من أجل قرابة أو صداقة أو منفعة شخصية، فذلكم في حكم السرقة من المال العام، ومن الفساد في البلاد، والخيانة لولي أمر المسلمين، بل للمجتمع ككل؛ لما يترتب على هذه الخيانة من المخاطر التي تهدد أمن المجتمع واقتصاده، وتطوره وازدهاره ورخاءه، يقول جل وعلا: (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 161]، يقال: “غل الرجل فهو يغل” إذا خان، فالإغلال هو الخيانة للأمانة في المسئولية بشتى صورها، وتُطلَق خاصة على السرقة من المال العامّ، بجميع الأشكال، قال سبحانه: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا)[الْأَعْرَافِ: 56].
ولا صلاح للمجتمع في أمور معاشه إلا حين يقوم الجميع بالأمانة خير قيام، ويتعاون الكل على حفظ المال العامّ بكل وسيلة متاحة، قال جل وعلا عن نبيِّه يوسف: (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ)[يُوسُفَ: 55]، وقال عن إحدى ابنتَيْ شعيب: (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)[الْقَصَصِ: 26].
وإن استغلال الوظيفة أو غيرها؛ للأخذ من المال العام بغير حِلِّه من كبائر الذنوب، وقبائح الأمور، قال صلى الله عليه وسلم: “إن رجالًا يتخوَّضُون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة“(رواه البخاري).
موضوع خطبة الجمعة القادمة “المال العام وحرمة التعدي عليه” مكتوبة
قال ابن حجر -رحمه الله-: “أي: يتصرفون في مال المسلمين بالباطل”، وقد نصَّت كلمة فقهاء المسلمين على جعل المال العام بمنزلة مال اليتيم، في وجوب المحافظة عليه، وشدة تحريم الأخذ منه، والحرص الشديد على صرفه في مصارفه الحقيقية التي تقتضيها المصالحُ، وعلى عدم التهاون في صرفه، بأي وجه من وجوه التفريط.
إخوةَ الإسلامِ: ومن الظواهر التي تقع من بعض أن يحابي موظَّفًا على آخَر في التقديم للمراتب الوظيفية باستغلال ما سُنَّ له من نظام صادر من ولي الأمر لتحقيق المصالح العامة، فيتخذه هذا المسئول غنيمةً يظنها كَمَالِه الخاصِّ، فيقدِّم غيرَ المستحِقِّ على المستحِقِّ، ومن ذلك التهاون في ترسية المناقَصات لمحاباة أو منفعة شخصية، أو بالمبالَغة في الأسعار التي ترسو بها المشاريعُ التي لو كانت لحق نفسه لَمَا رَضِيَ بهذا السعر، ومن ذلك التساهل في حفظ المال العامّ؛ كالحدائق والمستشفيات والمتنزهات والطرق ونحوها.
ومن ذلك استخدام الممتلَكات العامة في الاستخدامات الشخصية، بدون إذن نظامي من ولي الأمر، كالتساهل فيما تصرفه الدولةُ من أدوية ونحوها، ومن ذلك التربُّح بالوظيفة، وإضاعة وقت العمل، أو تأخير ما أُنِيطَ به الموظفُ من مسئوليات بغير وجه حق، فهذه وغيرها من أنواع الفساد والخيانة لولي أمر المسلمين، ولمجتمع المسلمين كافة؛ لِمَا في ذلك من الفساد العريض والشر المستطير الذي يعود بالضرر البالغ، مما يقف في عملية التنمية والازدهار للبلاد والعباد، قال صلى الله عليه وسلم: “وَرُبَّ متخوِّضٍ فيما شاءت به نفسُه من مال الله ورسوله، ليس له يوم القيامة إلا النار“(حديث صحَّ، رواه ابن حبان في صحيحه، ورواه الترمذي، وقال: حسن صحيح).
عبادَ اللهِ: إن الواجب على مَنْ سوَّلَتْ له نفسُه، فأخَذ مالًا من المال العام بأي طريقة من الطرائق أن يرجع إلى ربه، وأن يتوب إلى خالِقه قبل الممات، وأن يتخلَّص من هذا المال الحرام؛ بإعادته إلى خزينة الدولة، قال صلى الله عليه وسلم: “على اليدِ ما أخَذَتْ حتى تؤديه“(رواه أحمد، وأبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح).
وأجمعت كلمة فقهاء المسلمين على أن من أتلف شيئًا من المال العامّ، أو أفسد شيئًا منه أنه يضمنه، ومن أخذ منه شيئًا بغير حقِّه أنه يرده إلى خزينة الدولة التي هي بيتُ مالِ المسلمينَ، ومن التوجيهات النبوية التي يجب أن تُخَطَّ في قلوبنا: “كلُّ لحمٍ نبَت من سُحْتٍ فالنارُ أَوْلَى به“، فيا أيها المسلم: لا تقدِّم دنيا فانية على آخِرة باقية، ولا تُدْخِلْ على نفسِكَ، وعلى أسرتِكَ إلا حلالًا طَيِّبًا، ومالًا زاكِيًا.
في غزوة خيبر، في قصة غلامٍ أصابه سهمٌ عائرٌ فقَتَلَه، فقال المسلمون: هنيئا له الجنة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “كلَّا، والذي نفسي بيده إن الشَّمْلَةَ التي أخذها يوم خيبر لم تُصِبْها المقاسمُ لتشتَعِلُ عليه نارًا“(متفق عليه)، وروي عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- أنه قال: “مَنِ اكتسب المال من الحرام فقَد البركةَ، فلا ترى أثرا صالحا لماله، وأن أنفق ماله في غذاء نفسه فهي ستلقى عقابَها في الآخرة، وإن غذَّى به عياله فقد غشَّهم، وما نصَح لهم، فلا عجبَ أن عقَّه ولدُه، وفسَدَت أخلاقُ مَنْ يعينهم نحوه، ونال عقابَ ما فعل في حياته، ولعذاب الآخرة أشد“.
معاشرَ المسلمينَ: وقد أصَّل النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- لمن تولَّى من المسلمين عملًا قاعدةَ الأمانةِ، وهي عدم جواز استغلال العمل العام من وظيفة ونحوها، في مصالحه الشخصية، وهذا ما يسمَّى في أنظمة الإدارة: “أُسُس وضمانات حماية المال العام”، فقال عليه الصلاة والسلام لمن تولَّى جمعَ الصدقة، ثم قال: “هذا لكم، وهذا أُهْدِيَ إليَّ“، قال له صلى الله عليه وسلم: “هلَّا جلَس في بيت أبيه وأمه حتى ينظر أَيُهْدَى إليه أم لا؟ والذي نفسي بيده لا يأخذ أحدٌ منه شيئًا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته...” الحديثَ (متفق عليه).
فاتقوا الله -عباد الله-، ولْيَتَعَاوَنِ الجميعُ على حفظ المال العام بكل وسيلة ممكنة، وليحذروا من التهاون في ذلك، قال الله -جل وعلا-: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)[الْمَائِدَةِ: 2]، وليعلم مَنْ تُسَوِّل له نفسُه بأي نوع من أنواع الفساد أنه -وإن غاب عن أعين البشر- فليعلم أن الله مُطَّلِع على سِرِّه وعلانِيَتِه، فتذكَّروا قولَه -جل وعلا-: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ)[الْبَقَرَةِ: 235]، وقوله -سبحانه-: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)[غَافِرٍ: 19]، اللهم اهد قلوبنا، اللهم ارزقنا الحلال الطيب، وجنِّبْنا المكاسبَ المحرمةَ، اللهم صلِّ وسلم على نبينا ورسولنا محمد.
•
No comment