موضوع خطبة الجمعة القادمة بعنوان الطفولة بناء وأمل للشيخ محمود البرام، الحمد لله رب العلمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.
- موضوع خطبة الجمعة القادمة بعنوان الطفولة بناء وأمل
أما بعد:
عباد الله: من أعظم نعم الله علينا في هذه الحياة الدنيا: “نعمة الأولاد”، فهم منحة إلهية، وهبة ربانية، يختص الله بها من يشاء من عباده، ولو كان فقيراً، ويحرم من يشاء من عباده ولو كان غنياً: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ)
والأولاد -عباد الله- ذكورا كانوا أم إناثاً – هم بسمة الأمل، وأريج الحياة، وريحانة القلب
وَإنما أوْلاَدُنَا بَيْنَنا *** أكْبَادُنَا تَمْشِي عَلى الأرْضِ
لَوْ هَبَّتِ الرِّيحُ عَلى بَعْضِهِمْ *** لاَمْتَنَعَتْ عَيْني مِنَ الْغَمضِ
فهم عبق الحياة، وأريجها الفواح
ابتسامة أحدهم تخفف عن والديه هموم الدنيا ومتاعبها وأحزانها وغمومها، فهم زينة الحياة وبهجتها، وأنسها وسرورها، والأمر كما قال الله -جل وعلا-: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)
وحديثنا -عباد الله- سيكون عن مرحلة عمرية من مراحل حياة هؤلاء الأولاد، وهي: مرحلة الطفولة.
وتعرف الطفولة من وجهة نظر علماء الاجتماع على أنها:
هي تلك الفترة المبكرة من الحياة الإنسانية التي يعتمد فيها الفرد على والديه اعتماداً كلياً فيما يحفظ حياته؛ ففيها يتعلم ويتمرن للفترة التي تليها وهي ليست مهمة في حد ذاتها بل هي قنطرة يعبر عليها الطفل حتى النضج الفسيولوجي والعقلي والنفسي والاجتماعي والخلقي والروحي والتي تتشكل خلالها حياة الإنسان ككائن اجتماعي.
موضوع خطبة الجمعة القادمة بعنوان الطفولة بناء وأمل
والطفل في الإسلام هو من لم يبلغ حد البلوغ
والطفولة أيضاً هي الفترة التي يكون خلالها الوالدان هما الأساس في وجود الطفل وفي تكوينه عقلياً وجسمياً وصحياً.
لقد سبق النبي -صلى الله عليه وسلم-، وسبقت شريعة الإسلام منظمات حقوق الطفل بأربعة عشر قرنا من الزمان؛ حيث قرر الإسلام للطفل من الحقوق والمميزات ما لا ينكر فضله إلا جاحد أو مكابر.
انظر إلى سيرة المعصوم -صلى الله عليه وسلم-، وكيف كان يتعامل مع هؤلاء الأطفال.
لقد كان منطلق تعامله صلوات الله وسلامه عليه مع الأطفال مبنياً على الشفقة والرحمة، إنه يدرك مستوى تفكيرهم ومنطلقاتهم البريئة.
لقد كان عليه الصلاة والسلام رحيما، شفيقا بهم، يقول أنس بن مالك كما في صحيح مسلم: “ما رأيت أحدا كان أرحم بالعيال من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
وإنك لتعجب من شديد عناية الإسلام بالطفل، حيث لم تبدأ العناية بالطفل، حين يأتي إلى الدنيا، كلا، بل تبدأ قبل ذلك، إنها تبدأ منذ اختيار المرأة الصالحة، والزوج الصالح، وهذا مما حث عليه الإسلام، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “تنكح المرأة لأربع: لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك”[
ثانيًا: الاهتمام بحق الحياة وهذا عام خاص للصغار والكبار، وفيما يخص الصغار جاء اهتمام الإسلام بالجنين وهو في بطن أمه، ثم الرضاعة وتحريم الاعتداء عليه.. وما يتلوها من إحسان قال الله تعالى: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ۚ.. ﴾ وفي تحريم الاعتداء عليه]: ﴿ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾
ثالثًا: حق النسب: يضمن الإسلام للطفل حق النسب والانتساب لأبيه حتى لا يكون عرضه للجهالة ومن ثم ضياع حقوق أخرى مثل الإنفاق والإرث.. قال الله تعالى: ﴿ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ.
رابعًا: حق النفقة أجمع أهل العلم على أن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم. وقد دل على ذلك الكتاب والسنة.. فمن الكتاب قوله تعالى ﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم لهند: “خذي ما يكفيك و ولدك بالمعروف” والنفقة على الأولاد، تشمل المسكن والمأكل والمشرب والملبس والتعليم وكل ما يحتاجون إليه، وتقدر بالمعروف، ويراعى فيها حال الزوج ؛ لقوله تعالى: ﴿ لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ۚ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۚ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾ وهذا يختلف من بلد لآخر، ومن شخص لآخر. وإذا لم يستطع الوالد الإنفاق على ولده فلهم حق الإعاشة من بيت مال المسلمين
رابعًا: حق النفقة أجمع أهل العلم على أن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم.وقد دل على ذلك الكتاب والسنة.. فمن الكتاب قوله تعالى ﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾[ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم لهند: “خذي ما يكفيك و ولدك بالمعروف والنفقة على الأولاد، تشمل المسكن والمأكل والمشرب والملبس والتعليم وكل ما يحتاجون إليه، وتقدر بالمعروف، ويراعى فيها حال الزوج ؛ لقوله تعالى: ﴿ لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ۚ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۚ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾ وهذا يختلف من بلد لآخر، ومن شخص لآخر. وإذا لم يستطع الوالد الإنفاق على ولده فلهم حق الإعاشة من بيت مال المسلمين
وبالمناسبة يجب الحذر من الإسراف في النفقات على الأهل والأبناء في المطاعم والمآكل والمشارب.. قال الإمام ابن كثير في قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا ﴾ أي: ليسوا بمبذرين في إنفاقهم فيصرفون فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهليهم فيقصرون في حقهم فلا يكفونهم، بل عدلا خيارا، وخير الأمور أوسطها، لا هذا ولا هذا، ﴿ كَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا ﴾، كما قال: ﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ﴾
وروي في الأثر: “ما أحسن القصد في الغنى، وأحسن القصد في الفقر، وأحسن القصد في العبادة”.
فكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يغرس في قلب الطفل المعاني الإيمانية، ويظهر ذلك في قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعبد الله بن عباس : ( يا غلام، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف )
ومن صور اهتمام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالطفل أمره للوالدين بتعويد طفلهما على طاعة الله، حتى ينشأ حسن الصلة بالله عز وجل، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ 🙁 مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع
ومع اهتمامه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالناحية النفسية للأطفال ومداعبته لهم، فإنه كان لا يترك فرصة أو موقفا، يحتاج الطفل فيه إلى تعليم أو تأديب، إلا أرشده ووجهه برفق وحب.. فعن عمر بن أبي سلمة قال: ( كنت غلاماً في حجر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : يا غلام، سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك، فما زالت طعمتي بعد وعلي الأباء والأمهات تَأْدِيبِ وَتَعْلِيمِ أطفتالهم لأنهم أمانة لذلك قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ, وَحَذَّرَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْآبَاءَ مِنْ تَضْيِيعِ هَذِهِ الْأَمَانَةِ، فَقَالَ: “مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ؛ إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عليه الجنه.
هذا والله أعلي وأعلم
الحمدلله وكفي وصلاة وسلاما علي عباده اللذين أصطفي وبعد
عباد الله: فالأطفال هم حياة البيوت، فالبيت الذي لا أطفال فيه هو بيت فيه نقص وملل، فكما أنهم يملأون البيت إزعاجا، فكذلك يملأونه سرورا وابتهاجا.
سئل غيلان بن سلمة الثقفي: من أحب ولدك إليك؟ فقال: “صغيرهم حتى يكبر، ومريضهم حتى يشفى، وغائبهم حتى يحضر”.
ألا فاعلموا عباد الله، أن ثمة أمورا جعلها الله من أفعال الآباء ينتفع بها الأبناء من بعدهم، ومن أهمها صلاح الوالد في نفسه، فإنه سبب لحفظ الله عزوجل لأبنائه من بعده، يقول سبحانه وتعالى:((وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَاوَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ))[]، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: “حفظهما الله بصلاح والدهما ولم يذكر الله للولدين صلاحا” وصلاح الآباء ينفع الأبناء.
وإن الله بفضله وكرمه إذا أدخل المؤمنين الجنة يُلحِق بالآباء أبناءهم وإن كانوا دونهم عملا، يقول الله سبحانه: ((وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ
ولقد كان دأب الأنبياء عليهم السلام الدعوة لأبنائهم، يقول سيدنا إبراهيم عليه السلام: ((وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ))[إ ((رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ * وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء)) وقال هو وولده اسماعيل: ((رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ))[البقر. وقال سيدنا زكريا: ((رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ)
هذا والله أعلي وأعلم
اللهم ارزق مصر أمنا وآمانا وسلما وسلاما يارب العالمين
الشيخ/محمودالبرام
No comment