موضوع خطبة الجمعة القادمة عن المال العام وحرمة التعدي عليه بالذكاء الاصطناعي، الحمد لله، الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما، وجعل المال عصب الحياة وأداة لتحقيق مصالح العباد. نحمده سبحانه ونشكره، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها المسلمون، أوصيكم ونفسي المقصرَة بتقوى الله، فهي زاد المؤمن ونجاة له في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا” [الأحزاب: 70-71].
أيها المؤمنون، حديثنا اليوم عن المال العام، وما له من حرمة عظيمة في شريعتنا، وعن خطورة التعدي عليه. المال العام هو ما يكون ملكًا للمجتمع كله، ويشمل المرافق والمؤسسات والأموال التي أنفقت لتوفير الخدمات العامة لكل فرد من أفراد المجتمع. هذه الأموال أمانة عظيمة في أعناقنا، ويجب أن نحافظ عليها، فهي حقوق للأجيال الحاضرة والمستقبلية.
لقد حذر الإسلام أشد التحذير من التعدي على المال العام، وجعل حرمة الاعتداء عليه كحرمة المال الخاص، بل قد يكون أشد. يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: “إِنَّ رِجَالاً يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، لَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ” [رواه البخاري]. وفي هذا الحديث إشارة واضحة إلى أن من يتصرفون في المال العام بغير حق ويهدرونه، فإنهم يعرضون أنفسهم لعذاب النار.
عباد الله، من صور التعدي على المال العام التي قد نراها في حياتنا اليومية: إهدار الموارد العامة كالكهرباء والمياه دون مبرر، أو الاستفادة من ممتلكات الدولة والمجتمع بطرق غير شرعية، كاستغلال السيارات والمباني والمرافق لأغراض خاصة. هذه التصرفات ليست فقط مخالفة للقوانين، بل هي مخالفة لشرع الله، إذ فيها تعدٍّ على حقوق الناس وتبديد لما فيه مصلحة الأمة جمعاء.
وينبغي لنا، معشر المسلمين، أن نكون قدوة في الحفاظ على المال العام، وأن نغرس في نفوس أبنائنا ضرورة المحافظة على هذه الممتلكات، ونربيهم على أن هذا المال مال الجميع، وأن الحفاظ عليه واجب شرعي ومسؤولية جماعية. يقول الله تعالى: “وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالعُدْوَانِ” [المائدة: 2].
أيها المسلمون، إن مسؤولية المال العام تقع على عاتق الجميع: الحاكم والمحكوم، الموظف والمواطن، كلهم أمام الله مسؤولون عن هذه الأمانة. فعلينا أن نراقب الله في تصرفاتنا وأعمالنا، وأن نحرص على أن يكون لنا دور إيجابي في حماية المال العام من الضياع والإسراف.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لما فيه الخير، وأن يجعلنا من المحافظين على الأمانات، وأن يهدينا إلى طريق الحق، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: عباد الله، إن من أخطر الآفات التي تهدد المال العام اليوم الفساد بجميع صوره، وإن هذا الفساد له آثار مدمرة على المجتمعات، حيث يهدر الحقوق ويبدد الثروات ويزيد الفقراء فقرًا والأغنياء غنى. وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بأن نكون حراسًا على المال العام، وأن نمنع أي تعدٍّ عليه. قال تعالى: “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا” [النساء: 58].
فاتقوا الله عباد الله، وكونوا عونًا للحق، وحراسًا على الأمانات، واحفظوا أموال مجتمعكم وحقوقه. واعلموا أن الدنيا فانية وأن الآخرة دار الجزاء، فأعدّوا للقاء الله ما يليق من العمل الصالح، واتقوا الله في أموال الناس وحقوقهم، فكلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيته.
اللهم اجعلنا من الصادقين المخلصين، ووفقنا لما تحب وترضى، واحفظ علينا أموالنا وأموال المسلمين، وبارك فيها، وصرف عنا شر الفاسدين والمفسدين. اللهم آمين، وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
No comment