موضوع خطبة الجمعة القادمة للدكتور مسعد الشايب


موضوع خطبة الجمعة القادمة للدكتور مسعد الشايب، البيئة هي الرحم الثاني والأم الكبرى )(تنشر لأول مرة)
(المحافظة على البيئة في الشريعة الإسلامية 2من جمادى الأولى 1447هـ الموافق 24من أكتوبر .

أولا: العناصر:
1. البيئة، والمراد بها، والمراد بحمايتها.
2. عشرة من حقوق البيئة في الشريعة الإسلامية.
3. (الخطبة الثانية): الحكم الشرعي للمحافظة على البيئة.
ثانيا: الموضوع:
الحمد لله رب العالمين، خلق فسوى، وقدّر فهدى، وأخرج المرعى فجعله غثاء أحوى. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، بيده الخير، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير. وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، سيد الأولين والأخرين، وحبيب ربّ العالمين لا رسول بعده ولا نبي حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين، صلاة وسلامًا عليه دائمين متلازمين إلى يوم الدين وعلى آله وصحبه وأتباعه وأحبابه إلى يوم الدين، وبعد:

=====
أيها الأحبة الكرام: من ميزات الشريعة الإسلامية، وأهم محاسنها سبقها لكافة الشرائع في الأمر بالمحافظة على البيئة والمنع مما يؤدي إلى إفسادها، والإضرار بها، وما تحركت الإنسانية للحفاظ على البيئة إلا في عام (1972م)، حينما قامت هيئة الأمم المتحدة بإنشاء برنامج للبيئة يسمى (اليونيب) على أثر انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة في ستوكهولم (عاصمة السويد) في العام ذاته، وذلك بهدف أن يكون البرنامج رائدًا ومشجعًا لقيام شراكات لرعاية البيئة على نحو يتيح للأمم والشعوب تحسين نوعية حياتها دون إضرار بنوعية حياة الأجيال المقبلة، فتعالوا بنا أحبتي في الله في لقاء الجمعة الطيب المبارك؛ لنرى كيف أهتمت الشريعة الإسلامية بالمحافظة على البيئة، ونرى أهم حقوقها علينا، فأعيروني يا عباد الله القلوب واصغوا إليّ بالآذان والأسماع فأقول وبالله التوفيق:

(1) البيئة، والمراد بها، والمراد بحمايتها 

البيئة: هي المكان الذي تتوافر فيه العوامل المناسبة لمعيشة كائن حي أو مجموعة من الكائنات الحية، كالبيئة الاجتماعية، والطبيعية، والجغرافية…الخ, أو هي كل ما يحيط بالإنسان، ويتعلق بمحيطه، ووسطه الذي يعيش فيه من مكونات طبيعية كالماء والهواء والأرض والحيوان والنبات، قال تعالى: {وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ}[الرحمن:10].
=====

ويقصد بحماية البيئة: المحافظة عليها، وحمايتها، ووقايتها، من كل ما يؤثر عليها تلوثًا وإفسادًا، ويعرضها للضرر أو الإتلاف، والحدّ من التدخل البشري المؤدي للإخلال بالتوازن الذي خلقها الحق تبارك وتعالى عليه.

فالله (عزّ وجلّ) خلق هذا الكون بتوازن عجيب دقيق، لا يؤثر جانبٌ على آخر، ولا يطغى شيء منها على غيره، قال تعالى: {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ}[الحجر:19]، والتدخل البشري بقصدٍ أو غير قصد هو المؤدي لإخلال هذا التوازن، قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[الروم:41]، وقد جاءت الشريعة الإسلامية بعدة حقوق وواجبات علينا تؤدي إلى الحفاظ على البيئة وحمايتها، وبيانها.


(2)  ((عشرة من حقوق البيئة في الشريعة الإسلامية))

1ـ النهي عن إفساد مكونات البيئة (كقطع الأشجار والغابات، وتخريب البنية التحتية…الخ)، ولو في سبيل الله (عزّ وجل)، فعن أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) أنه بعث جيوشا إلى الشام. فخرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان وكان أمير ربع من تلك الأرباع. فزعموا أن يزيد قال لأبي بكر: إما أن تركب، وإما أن أنزل. فقال أبو بكر (رضي الله عنه): (مَا أَنْتَ بِنَازِلٍ، وَمَا أَنَا بِرَاكِبٍ، إِنِّي أَحْتَسِبُ خُطَايَ هَذِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ). ثم قال له: (إِنَّكَ سَتَجِدُ قَوْمًا زَعَمُوا أَنَّهُمْ حَبَّسُوا أَنْفُسَهُمْ لِلَّهِ، فَذَرْهُمْ وَمَا زَعَمُوا أَنَّهُمْ حَبَّسُوا أَنْفُسَهُمْ لَهُ، وَسَتَجِدُ قَوْمًا فَحَصُوا عَنْ أَوْسَاطِ رُءُوسِهِمْ مِنَ الشَّعَرِ، فَاضْرِبْ مَا فَحَصُوا عَنْهُ بِالسَّيْفِ، وَإِنِّي مُوصِيكَ بِعَشْرٍ: (لَا تَقْتُلَنَّ امْرَأَةً، ولَا صَبِيًّا، وَلَا كَبِيرًا هَرِمًا، وَلَا تَقْطَعَنَّ شَجَرًا مُثْمِرًا، وَلَا تُخَرِّبَنَّ عَامِرًا، وَلَا تَعْقِرَنَّ شَاةً، وَلَا بَعِيرًا، إِلَّا لمَأْكَلَةٍ، وَلَا تَحْرِقَنَّ نَخْلًا، وَلَا تُغَرِّقَنَّهُ ،وَلَا تَغْلُلْ، وَلَا تَجْبُنْ)(موطأ مالك).


==
وقد عدّ المولى تبارك وتعالى تدمير
البنية التحتية والبيئية إفسادًا في الأرض، وعاب عليه في القرآن الكريم قائلًا: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ}[البقرة:205]، ومعلومٌ أن تدمير البيئة إهلاكٌ للحرث والنسل، وهو شامل لنسل كل دابة؛ ولكل حرث صالح للزراعة، لعموم اللفظ المستفاد من (ال) الجنسية الداخلة على الحرث والنسل، والحرث يطلق على ما يشمل التربة، وأدوات الحراثة ووسائلها، وإهلاكه إفساده بما لا مصلحة فيه، بخلاف ما فيه مصلحة اقتضت ذلك، وترجحت على المفسدة، وإهلاك النسل: إتلافه بأي الوسائل، كان نسل إنسان، أو حيوان بري، أو بحري، إلا نسل ضار من أفعى مؤذية، وطفيليات ضارة، أو ميكروبات، أو فيروسات…الخ، فإن قتلها بعلاج ونحوه جائز ولا شيء فيه؛ لأنه من باب دفع الضرر؛ ولأن الشرع أمر بالمداواة من المرض، وهو يقتضي دفع مسبباته من أحياء طفيلية أو ميكروبية…الخ.

==========
2ـ الدعوة إلى التشجير وزيادة المساحات الخضراء، لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ)(متفق عليه)، ومعلومٌ أن زيادة الغطاء النباتي يؤدي إلى التنوع البيولوجي الحيوي، كما أنه يمتص غاز ثاني أكسيد الكربون، ويعطي غاز الأكسجين، فهو لا شك من الأمور التي تؤدي إلى الحفاظ على البيئة وحمايتها.

==========
3ـ الإرشاد إلى مكافحة التصحر المهدد للبيئة ولكائناتها، وهذا أعمّ من الحق السابق، فمكافحة التصحر تتأتى بالتشجير والزراعة وغيرهما من الأمور النافعة، فالتصحر فيه دمارٌ للبيئة وطبقة أرضها الفوقية، وكائناتها التي تحيا فيها، ويجعلها غير قابلة للزراعة وللأنشطة الحيوية المختلفة، قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ)(رواه البخاري)، والموات (بفتح الميم): هو الأرض التي لم تزرع ولم تعمر، ولا جرى عليها ملك أحد، وإحياؤها مباشرة عمارتها وتأثير شيء فيها.


==========
4ـ الإرشاد إلى إقامة المحميات الطبيعية، والمحافظة على الكائنات النادرة والمهددة بالانقراض، وهذا يفهم من فحوى خطاب قوله تعالى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ}[البقرة:205]، وعن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) أنه استعمل مولى له يدعى هُنيًّا على الحمى (موضع يعينه الحاكم، ويخصصه لرعي مواشي الزكاة وغيرها، مما يرجع ملكه إلى بيت مال المسلمين ويمنع عامة الناس من الرعي فيه)، فقال له: (يَا هُنَيُّ اضْمُمْ جَنَاحَكَ عَنِ المُسْلِمِينَ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فَإِنَّ دَعْوَةَ المَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ، وَأَدْخِلْ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ (تصغير صرمة، وهي القطعة القليلة من الإبل)، وَرَبَّ الغُنَيْمَةِ (تصغير الغنم، وهي القطعة القليلة من الإبل)، وَإِيَّايَ وَنَعَمَ ابْنِ عَوْفٍ، وَنَعَمَ ابْنِ عَفَّانَ، فَإِنَّهُمَا إِنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُمَا يَرْجِعَا إِلَى نَخْلٍ وَزَرْعٍ، وَإِنَّ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ، وَرَبَّ الغُنَيْمَةِ: إِنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُمَا، يَأْتِنِي بِبَنِيهِ، فَيَقُولُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ؟. أَفَتَارِكُهُمْ أَنَا؟ لاَ أَبَا لَكَ، فَالْمَاءُ وَالكَلَأُ أَيْسَرُ عَلَيَّ مِنَ الذَّهَبِ وَالوَرِقِ، وَايْمُ اللَّهِ إِنَّهُمْ لَيَرَوْنَ أَنِّي قَدْ ظَلَمْتُهُمْ، إِنَّهَا لَبِلاَدُهُمْ فَقَاتَلُوا عَلَيْهَا فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَأَسْلَمُوا عَلَيْهَا فِي الإِسْلاَمِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلاَ المَالُ الَّذِي أَحْمِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مَا حَمَيْتُ عَلَيْهِمْ مِنْ بِلاَدِهِمْ شِبْرًا) (رواه البخاري).


==========
5ـ النهي عن إيذاء الحيوانات، والطيور، والعبث بها، وقتلها لغير غرض صحيح، فالله (عزّ وجلّ) يأمر بالإحسان عمومًا للإنسان والحيوان…الخ، قال تعالى: {وَأَحْسِنُوَا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[البقرة:195]، وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ}[النحل:90]، وقال صلى الله عليه وسلم: (دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا، فَلَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا، وَلَا هِيَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ، حَتَّى مَاتَتْ هَزْلًا)(اللفظ لمسلم)، وقال أيضًا: (غُفِرَ لِامْرَأَةٍ مُومِسَةٍ، مَرَّتْ بِكَلْبٍ عَلَى رَأْسِ رَكِيٍّ يَلْهَثُ، قَالَ: كَادَ يَقْتُلُهُ العَطَشُ، فَنَزَعَتْ خُفَّهَا، فَأَوْثَقَتْهُ بِخِمَارِهَا، فَنَزَعَتْ لَهُ مِنَ المَاءِ، فَغُفِرَ لَهَا بِذَلِكَ)(رواه البخاري)، وقال أيضًا: (مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا عَبَثًا عَجَّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ: يَا رَبِّ، إِنَّ فُلَانًا قَتَلَنِي عَبَثًا، وَلَمْ يَقْتُلْنِي لِمَنْفَعَةٍ)(رواه النسائي)، وقال أيضًا: (لَا تَتَّخِذُوا شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا)(رواه مسلم)، الغرض: ما يصوب إليه، ويرمى إليه بالبنادق والسهام ونحوها.

==========
6ـ الإرشاد إلى المحافظة على الهواء من التلوث، فعن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): (…أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ لَا أَرَاهُمَا إِلَّا خَبِيثَتَيْنِ، هَذَا الْبَصَلَ وَالثُّومَ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، إِذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنَ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ، أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى الْبَقِيعِ، فَمَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا) (رواه مسلم)، وعن المغيرة بن شعبة (رضي الله عنه): (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا ذَهَبَ الْمَذْهَبَ (موضع التغوط أو الذهاب المعهود للتغوط) أَبْعَدَ) (رواه أبو داود)، أي: أكثر المشي، وفي رواية: (انْطَلَقَ، حَتَّى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ)(رواها أبو داود).


==
فهذا إرشادٌ للمحافظة على الهواء، ويقاس عليه المنع من التلويث الشديد للهواء بعوادم المصانع والآلات والناقلات والوقود، فكما مُنع من هذا الإيذاء الهوائي المحدود، فالمنع من الإيذاء والتلويث الكبير من باب أولى، وإذا نهى عن حضور آكل الثوم والبصل لمجامع الناس، فأولى أن تمنع المصانع ونحوها أن تكون داخل المجتمعات السكنية بل لابد من نقلها، وإخراجها إلى أمكان لا تضر بالهواء الذي يستنشقه البشر والكائنات؛ وكل ذلك لعموم قاعدة لا ضرر ولا ضرار.

==========
7ـ فكرة الصرف الصحي، التي تعني إبعاد الأذى والقاذورات بعيدًا عن مجتمع الناس وسكنهم، فعن المغيرة بن شعبة (رضي الله عنه): (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا ذَهَبَ الْمَذْهَبَ (موضع التغوط أو الذهاب المعهود للتغوط) أَبْعَدَ)(رواه أبو داود)، أي: أكثر المشي، وفي رواية: (انْطَلَقَ، حَتَّى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ)(رواها أبو داود).


==========
8ـ النهي عن قضاء الحاجة والاغتسال في المياه الراكدة الدائمة، قال صلى الله عليه وسلم: (لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي المَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لاَ يَجْرِي، ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ)(متفق عليه)، وقال صلى الله عليه وسلم: (اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ: الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَالظِّلِّ)(رواه أبو داود)، وهذا أمر وقائي أيضًا، فقضاء الحاجة في المياه الراكدة والاغتسال فيه يتسبب في نقل كثير من الأمراض، كالبلهارسيا على سبيل المثال.



==========
9ـ النهي عن الإسراف في استخدام المياه، ولو كان في العبادات، فقد جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الوضوء، فأراه الوضوء ثلاثا ثلاثا، ثم قال: (هَكَذَا الْوُضُوءُ، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ)(رواه النسائي)، وهذا من أمور المحافظة على المياه؛ لأن مواردها محدودة، ومقدارها محدود، قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ}[المؤمنون:18].



==========
10ـ النهي عن قضاء الحاجة في الطرقات المسلوكة، وفي الأماكن العامة، أماكن تنزه الناس وجلوسهم، واستراحتهم، قال صلى الله عليه وسلم: (اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ). قالوا: وما اللعانان يا رسول الله؟. قال: (الَّذِي يَتَخَلَّى (يقضي حاجته) فِي طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ فِي ظِلِّهِمْ)(رواه مسلم)، وذلك للمحافظة على البيئة أولا، وثانيًا: لعموم قوله تعالي: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا}[الأحزاب:58].


عباد الله: البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والدّيّان لا يموت، اعمل ما شئت كما تدين تدان، فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
===========================================


(الخطبة الثانية)
((الحكم الشرعي للمحافظة على البيئة))

الحمد لله رب العالمين، أعدّ لمَنْ أطاعه جنات النعيم، وسعرّ لمَنْ عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
=====

أيها الأحبة الكرام: مازال الحديث بنا موصولًا مع اهتمام الشريعة الإسلامية بالبيئة، وإرشادها إلى المحافظة عليها، ولا يتبقى لنا في تلك الجمعة المباركة إلا أن نتعرف على الحكم الشرعي للمحافظة على البيئة، فأقول، وبالله التوفيق:
=====
من المسلمات في الشريعة الإسلامية الغراء النهي عن الفساد في الأرض والإفساد فيها، قال تعالى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ}[البقرة:205]، وقال تعالي: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[الأعراف:85]، أي: بعد أن هيئت لحياتكم ومعيشتكم.


=====
ومن المسلمات فيها أيضًا، وكما هو مسطور في القاعدة الفقهية، المأخوذة من قول نبينا صلى الله عليه وسلم: (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ)(رواه ابن ماجه)، فلا يحلُّ لأحدٍ أن يتسبب في الضرر لأحد حتى ولو كان جمادًا كمكونات البيئة (غابات، بحار، محيطات، جبال…الخ)، ولا يحل له أيضًا الإضرار بنفسه.

======
ومن المعلوم أن في المحافظة على البيئة نقية كما خلقها الله (عزّ وجل) مصلحةً لكل مكوناتها، ويأتي في أولها الكائنات الحية، وأهمها الإنسان الذي خلق الله له تلك البيئة وسخرها له، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}[البقرة:29]، وقال تعالي: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[الجاثية:13].
=====
ومن هنا أقول: إنه يجب على الإنسان المحافظة على البيئة نظيفة سليمة كما خلقها الله، وأن لا يصدر منه ما يؤدي إلى فسادها، والإخلال بها والإضرار بمكوناتها، كما أن المحافظة على البيئة يدفع كثيرا من المفاسد، والأضرار، والنوازل التي تؤدي إلى هلاك الأنفس والأموال، وهذا من أوجب الواجبات، وما أدى إلى الواجب فهو واجب.

===========================================
فاللهمّ أرنا الحق حقا، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا، وارزقنا اجتنابه، اللهمّ علمنا من لدنك علما نصير به عاملين، وشفّع فينا سيّد الأنبياء والمرسلين، واكتبنا من الذاكرين، ولا تجعلنا من الغافلين ولا من المحرومين، ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم في جنات النّعيم اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.
كتبها  الشيخ الدكتور/ مسعد أحمد سعد الشايب

عدد المشاهدات : 256

No comment

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *