موضوع خطبة الجمعة القادمة بتاريخ 20 جمادي الأولي 1446هـ ، الموافق 22 نوفمبر 2024م. اعداد/ مكرم عبداللطيف @minbar-alduaat2 موضوع خطبة الجمعة، خطبة الجمعة القادمة مكتوبة، خطبة وزارة الأوقاف خطبة وزارة الأوقاف، خطب اون لاين، خطبة جاهزة أوقاف أون لاين، خطبة الجمعة القادمة أوقاف أون لاين، خطبة وزارة الأوقاف pdf ، خطبة الجمعة القادمة مكتوبة، خطبة الاسبوع القادم ، خطبة الأسبوع القادم ، خطبة الإسبوع ، خطبة الجمعة اليوم، خطبة الجمعة لهذا اليوم.
💚👈-1-قيمة العبد عند ربه ليست بهيئته ولا بشكله
💚👈-2-معيار الاحترام والمفاضلة بين الناس التقوي
💚👈-3-هذا خير من ملء الأرض مثل هذا”
💚👈-4-رب أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره”
البيان والتوضيح:
العنصر الأول 🌹✅ قيمة العبد عند ربه ليست بهيئته ولا بشكله
=======٪=========
في سبب هذه المقولة👇
🌹💚أنت عند الله غالٍ 💚🌹
الصادرة من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
قصة عجيبة حيث يخبرنا الصحابي الجليل أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ يُقَالُ لَهُ زَاهِرُ بْنُ حَرَامٍ كَانَ يُهْدِي إلى النَّبِيِّ صَلى الله عَلَيه وسَلم الْهَدِيَّةَ فَيُجَهِّزُهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم: “إِنَّ زَاهِرًا بَادِيَتُنَا وَنَحْنُ حَاضِرُوهُ”، قَالَ: فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلى الله عَلَيه وسَلم وَهُوَ يَبِيعُ مَتَاعَهُ، فَاحْتَضَنَهُ مِنْ خَلْفِهِ وَالرَّجُلُ لَا يُبْصِرُهُ، فَقَالَ: أَرْسِلْنِي، مَنْ هَذَا؟ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُ النَّبِيُّ صَلى الله عَلَيه وسَلم جَعَلَ يُلْزِقُ ظَهْرَهُ بِصَدْرِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم: “مَنْ يَشْتَرِي هَذَا الْعَبْدَ؟”، فَقَالَ زَاهِرٌ: تَجِدُنِي يَا رَسُولَ اللهِ كَاسِدًا! فَقَالَ: “لَكِنَّكَ عِنْدَ اللهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ”، أَوْ قَالَ صَلى الله عَلَيه وسَلم: “بَلْ أَنْتَ عِنْدَ اللهِ غَالٍ”؛ رواه ابن حبان، والترمذي في الشمائل، وأحمد، وصححه الألباني.
موضوع خطبة الجمعة القادمة للشيخ مكرم عبد اللطيف
لقد كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وَدودًا لَطيفًا، يُداعِبُ أصحابَهُ، ويُلاطِفُهم، ويُمازِحُهم، ويَضْحَكُ معَهم، ولا يَقولُ إلَّا صِدْقًا.
وفي هذا الحديثِ يَحكي أنسُ بنُ مالكٍ رضِيَ اللهُ عنه: “أنَّ رَجُلًا من أهْلِ البادِيَةِ اسْمُهُ زاهِرٌ” وهُوَ زاهِرُ بنُ حَرامٍ الأَشْجَعيُّ شَهِدَ بَدْرًا “كان يُهْدِي لِلنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّم” والمَعْنى: أنَّه كان يَأْتي بالهَديَّةِ إليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ممَّا يُوجَدُ فيها منَ الأَزْهارِ، والأَثْمارِ، والنَّباتِ، وغَيرِها، وقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّم: “زاهِرُ بادِيَتُنا”، أي: هو سَاكِنُ بَادِيَتِنَا، والبادِيَةُ: الصَّحْراءُ، والمَعْنى: أنَّ هذا الرَّجُلَ يَأْتينا مِنْ أمْتِعَةِ البادِيَةِ بما نُريدُ، وقيل مَعْناهُ: صَديقُنا مِنَ البادِيَةِ، “ونحنُ حاضِرَتُهُ”، أي: أَهْلُ بَيتِ النُّبوَّةِ أو الجَمْعُ لِلتَّعْظيمِ، حَاضِرو المَدينَةِ له، وفيه كَمالُ الاعتِناءِ به، والاهتِمامِ بِشأْنِه، والمَعْنى: ونحنُ نُعِدُّ له ما يَحْتاجُ إليه في بادِيَتِهِ من البَلَدِ، وإنَّما ذَكَرَهُ مع ما فيه من إيهامِ ذِكْرِ المُنعِمِ بإنْعامِهِ لِكَوْنِه مُقْتَضَى المُقابَلَةِ الدَّالَّةِ على حُسْنِ المُعامَلةِ تَعليمًا لأُمَّتِه في مُتابَعَةِ هذه المُجامَلَةِ. وقيل مَعْناهُ: نحنُ نُهديهِ ما يُريدُ من أمْتِعَةِ البَلَدِ، فكأنَّا بَلَدٌ له، وقيل مَعْناهُ: ونحنُ أصْدِقاؤُهُ مِنَ الحَضَرِ، “وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّم يُجهِّزُهُ إذا أرادَ الخُروجَ إلى البادِيَةِ”، أي: يُعِدُّ وَيُهيِّئُ له ما يَحْتاجُ إليه في البادِيَةِ من أمْتِعَةِ البُلْدانِ من المدينةِ، وغَيْرِها، “وكان زَاهِرٌ دَميمَ الخِلْقَةِ”، أي: قَبيحَ الوَجهِ، “فأتاهُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّم، وهو يَبيعُ شيئًا له في السوقِ، فاحْتَضَنَهُ من خَلْفِهِ”، أي: أحاطَ به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأَمْسَكَ زاهِرًا من ظَهْرِهِ مُداعِبًا ومازِحًا معه، فقال له زاهِرٌ: “مَنْ هذا؟ أَرْسِلْنِي،”، أي: اُتْرُكْني، قال أنسٌ رضِيَ اللهُ عنه: “والْتَفَتَ”، أي: بِبَعْضِ بَصَرِهِ، “فعَرَفَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّم، فجَعَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّم يقولُ: مَنْ يَشْتَري مِني هذا العَبْدَ؟”، أي: مَنْ يَشْتَري مِثْلَ هذا العَبْدِ مِنِّي، ولا يَلْزَمُ من هذا القَوْلِ -لاسِيَّما وَالْمَقامُ مَقامُ المُزَاحِ- إِرادَةُ تَحَقُّقِ بَيْعِهِ، “وجَعَلَ هو يُلْصِقُ ظَهْرَهُ بصَدْرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّم”، أي: فبَدَأَ زاهِرٌ لا يُقصِّرُ فِي أنْ يُلْزِقَ ظَهْرَهُ بِصَدْرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تَبَرُّكًا، وَتَدَلُّلًا على مَحْبُوبِهِ، “ويقولُ: إذًا تَجِدُني كاسِدًا”، أي: إِنْ عَرَضْتَنِي على البَيْعِ، إِذًا تَجِدُني مَتاعًا رَخيصًا أَوْ غَيْرَ مَرْغُوبٍ فِيهِ ” فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّم: ولكِنَّك عندَ اللهِ لسْتَ بكاسِدٍ”، أي: أنَّك بإيمانِكَ تكونُ غاليًا عندَ اللهِ.
❤️💚وفي هذه القصة ((دروس وعبر وعظات)) منها:
🌹✅أولًا: عناية هذا الصحابي رضي الله عنه بالنبي صلى الله عليه وسلم وإهداؤه له، صورة من صور حب النبي صلى الله عليه وسلم، إنه زَاهِرُ بْنُ حَرَامٍ من أهل البادية يأتي إلى المدينة محملًا بهدايا البادية مما لا يوجد في المدينة فيهديه لحبيبه صلى الله عليه وسلم، وهو بذلك يعمق حبه في قلب النبي، كيف لا؟! وقد قال صلى الله عليه وسلم: “تَهَادُوا تَحَابُّوا”؛ رواه البخاري في الأدب، وصحَّحه الألباني.
وفي أحداث القصة لقطة مؤثرة مثيرة تكشف عن مكنونات الصدور وما تحويه من فيض الحب والوداد للنبي صلى الله عليه وسلم، فما هي هذه اللقطة؟ تأمل قول أنس رضي الله عنه: “فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُ النَّبِيُّ صَلى الله عَلَيه وسَلم جَعَلَ يُلْزِقُ ظَهْرَهُ بِصَدْرِهِ” مشهدٌ فريدٌ للحب، ها هو المحب يلصق ظهره بصدر حبيبه ليزداد قربًا وتمازجًا للتعبير عن عظيم سعادته وغاية أنسه باحتضان رسول الله له، يلصق ظهره بصدر رسول الله ليعمق الحب والوداد ولينهل من بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نعم إنه مشهد من مشاهد الحب يتمنَّى الكثير لو كان في موضع زاهر رضي الله عنه، إنها قصة من أروع قصص الحب، فصلى الله وسلم عليك يا رسول الله ورضي الله عنك يا زاهر!
🌹✅ثانيًا: عناية النبي صلى الله عليه وسلم بأتباعه ومقابلة إحسانهم بإحسان مثله، فها هو صلى الله عليه وسلم يجهز زاهرًا رضي الله عنه ويجمع له ما يحتاج إليه من المدينة مما ليس في البادية، ليكشف لنا أن العلاقة بينهما قوة متينة، إنها علاقة وطيدة من الحب والوداد لخَّصَها صلى الله عليه وسلم بقوله: “إِنَّ زَاهِرًا بَادِيَتُنَا وَنَحْنُ حَاضِرُوهُ” بل العلاقة أعلى من ذلك تصل إلى المزاح بالقول والفعل في مشهد كله أُنْسٌ وحبٌّ وودادٌ، تأملوا المشهد: زاهرٌ في السوق يبتاع ويشتري والسوق قد غصَّ بروَّاده، فأتي صاحب القلب الودود الرحيم عليه الصلاة والسلام إلى السوق فاتجه إلى زاهر ممازحًا ومداعبًا “فَاحْتَضَنَهُ مِنْ خَلْفِهِ وَالرَّجُلُ لَا يُبْصِرُهُ، فَقَالَ: أَرْسِلْنِي، مَنْ هَذَا؟ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُ النَّبِيُّ صَلى الله عَلَيه وسَلم جَعَلَ يُلْزِقُ ظَهْرَهُ بِصَدْرِهِ”، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم: “مَنْ يَشْتَرِي هَذَا الْعَبْدَ؟”.
لله أنت يا رسول الله! ما أعظم شمائلك! ما أعظم تواضعك! ما أطيب قلبك! ما أسعد القلوب التي عاشرتك وشاهدت هذا المشهد! مشهدٌ غايةٌ في التواضع، غايةٌ في الطيبة، غايةٌ في الحب، غايةٌ في اليسر والسماحة، إنه مشهدٌ من مشاهد التواضع، صاحبه أعظم من مشى على الأرض، وخير من طلعت عليه الشمس، ما أسعدك وأهنأك يا زاهر رضي الله عنك وأرضاك! إذ فزت بحِضْن النبي صلى الله عليه وسلم، وفزت بمزاحه ومداعبته.
إن هداية هذا المشهد درسٌ بليغ للمربين وحُمَّال الدين ودُعاة الخير، درسٌ للآباء والأمهات؛ أن اقتربوا ممن تقومون على تربيتهم وتعليمهم، لا تجعلوا بينكم وبينهم حواجز، مازحوهم ولاعبوهم، أدخلوا عليهم الفرح والأنس والسرور، تعهدوهم بالهدية والإحسان، تعهدوهم بالمدح والثناء على ما يقومون به من خير وصلاح ونجاح، إنكم بذلك تدخلون السعد على نفوسهم وتبنون فيها صروحًا من الخير، وتدفعونهم إلى مزيد من العطاء والنجاح.
يخطئ كل الخطأ من يزعم أن المزاح مع الأهل والأبناء والمتربين والتلطف بهم والإهداء إليهم والتبسُّم في وجوههم والثناء عليهم يسقط هيبة المتربي، أقول لأولئك: دونكم هدي محمد صلى الله عليه وسلم، دونكم هدي خير من زكَّى النفوس وقام على تربيتها وكفى.
🌹✅ثالثًا: القصة درس عظيم في التواضع؛ فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يفيض الحب على رجل من البادية وصف -في رواية لابن حبان- بأنه كَانَ رَجُلًا دَمِيمًا، فيقبل عليه، ويقبل هديته، ويهدي إليه ويمازحه، وهذا زاهر رضي الله عنه يستصغر نفسه عندما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَنْ يَشْتَرِي هَذَا الْعَبْدَ؟” فَقَالَ زَاهِرٌ: تَجِدُنِي يَا رَسُولَ اللهِ كَاسِدًا! أي: لا قيمة لي ولا ثمن، وكان ثمرة هذا التواضع واستصغار النفس أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحبه الكبير لرسول الله صلى الله عليه وسلم البشارة العظيمة والوسام الذي ظفر به رضي الله عنه وأرضاه، لقد فاز بوسام: “لَكِنَّكَ عِنْدَ اللهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ”، ووسام: “بَلْ أَنْتَ عِنْدَ اللهِ غَالٍ”، فما أعظمها من بشارة! وما أعظمه من وسام! هكذا يرفع الله المتواضعين ويعلي شأنهم: قال صلى الله عليه وسلم: “وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ”؛ رواه مسلم
تواضَعْ تَكُنْ كالنجمِ لاحَ لِنَاظرٍ
على صَفحَاتِ الماءِ وهو رَفِيعُ
ولا تكُ كالدُّخَانِ يعْلُو بنَفْسِه
إلى طبَقَاتِ الجوِّ وهْو وَضِيعُ
🌹✅رابعًا: أن قيمة العبد عند الله ليست بشكله ولا بهيئته؛ بل بما وقر في القلب من الإيمان والتقوى ومحبة الله ورسوله، فهذا رجل من البادية دميم الخلقة، ومع ذلك بَشَّره رسولُه صلى الله عليه وسلم بقوله: “بَلْ أَنْتَ عِنْدَ اللهِ غَالٍ”، وما أعظم أن يكون العبد غاليًا عند الله عز وجل! ولعلَّ الذي أوصله لهذه المنزلة عظيم محبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقه في تلك المحبة، وما كان عليه من التقوى والصلاح، فيا فوز من كان مُتقيًا لله وعَمرَ قلبه بحب الله عز وجل وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، فيكون غالي الثمن عند ربِّه عَزَّ وجَلَّ.
عباد الله؛ من يرد أن يكون غاليًا عند الله عز وجل فعليه بطاعة الله وتقواه، والمداومة على ذكر الله عز وجل ومحبته ورسوله صلى الله عليه وسلم، لنتذكر قول الله عز وجل: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: آية 13
ضرب صلى الله عليه و سلم أسمى الأمثلة لحسن المعشر والتواضع و خفض الجناح لصحابته، يمازحهم و يجلس معهم كواحد منهم، عن أبي هريرة قال :” « كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يجلس بين ظهري أصحابه فيجيء الغريب و لا يدري أيهم هو حتى يسأل» ” رواه الشيخ الألباني رحمه الله٠
كان ودودا لطيفا شديد الإحساس بهمومهم ، كثير الاهتمام بدقائق أحوالهم٠
وفي قصة💚👇🌹
((جليبيب أعظم عبرة))
و هذا جليبيب رضي الله عنه رجل من صحابته الكرام، كان في وجهه دمامة، و كان فقيرا و يكثر الجلوس عند النبي صلى الله عليه و سلم، فقال له النبي ذات يوم فيما يرويه أنس رضي الله عنه : «” يا جليبيب ألا تتزوج يا جليبيب ؟ فقال : يا رسول الله و من يزوجني يا رسول الله؟ فقال : أنا أزوجك يا جليبيب فالتفت جليبيب إلى الرسول فقال : إذا تجدني كاسدا يا رسول الله٠ فقال له الرسول صلى الله عليه و سلم:” غير أنك عند الله غير كاسد٠” فزوجه رسول الله فتاة من الأنصار٠ و لم تمض أيام على زواجه حتى خرج مع رسول الله في غزوة استشهد فيها رضي الله عنه٠ فلما انتهى القتال، اجتمع الناس و بدأوا يتفقدون بعضهم بعضا، فسألهم النبي و قال : ” هل تفقدون من أحد؟ قالوا نعم يا رسول الله نفقد فلانا و فلان، فقال صلى الله عليه و سلم:” و لكنني أفقد جليبيبا٠ فقوموا نلتمس خبره “، ثم قاموا و بحثوا عنه في ساحة القتال٠٠٠ فوجدوه شهيدا بجانبه سبعة من قتلى المشركين، فقال النبي صلى الله عليه و سلم:” قتلتهم ثم قتلوك أنت مني و أنا منك، أنت مني و أنا منك٠” فتربع جالسا بجانب الجسد، ثم حمله على ساعديه حتى حفروا قبره، قال أنس رضي الله عنه:” فمكثنا و الله نحفر القبر و جليبيب ماله فراش غير ساعد النبي صلى الله عليه و سلم» ٠”
هاتان لقطتان مؤثرتان لرسول الله صلى الله عليه و سلم مع صحابيين جليلين زاهر و جليبيب رضي الله عنهما٠
كلاهما فقير، لا مال لهما٠٠٠
لا يملكان شيئا من متاع الدنيا٠٠٠
و لا جمال يزينهما٠٠٠
لكن كليهما في نظر الرسول صلى الله عليه و سلم ” عند الله غال”٠
🌹💚عند الله أنت غال 🌹💚
تبرز أن قيمة الإنسان ليس بما يملك من حطام زائل، أو يكنز من متاع فانٍ، بل قيمته فيما يحمل من قِيَم و مبادئ، و ما انطوت عليه سريرته من صدق و حب لهذا الدين
” عند الله أنت غال” تصرف انتباهنا إلى أن أهم ما يجب الحرص عليه في هذه الدنيا هو مقامنا عند الله لا عند الناس٠ فرضا الله يسير بلوغه أما رضا الناس فغاية لا تدرك٠
” عند الله أنت غال” تصحح معاييرنا التي نزِنُ بها الناس، هذه الأخيرة قد يصيبها التطفيف، بل قد تصيبها عدوى مما يروج في المجتمع من مقاييس زائفة، فنحتاج أن نقوِّمَ الناس بميزان الشرع لا ميزان الهوى٠
” عند الله أنت غال ” توضح أن أساس نجاح أية دعوة إصلاحية هو الاهتمام بالإنسان قبل العمران٠
ما كانت دعوات الأنبياء – و هم من هم المؤيدون من الله – لتنتصر و تنتشر دون تثمين للرأسمال الأهم في هذا الكون : الإنسان٠
ما كانت جهودهم لتثمر ، و لا لمسيرتهم أن تستمر لولا إشراكهم للشباب في همومهم الدعوية ٠
هذا ما كشفت عنه سيرة رسول الله مع الشباب، و ما جلَّته بوضوح قصتا الصحابيين زاهر و جليبيب رضي الله عنهما
إذا كان سيد المربين صلى الله عليه و سلم يمزح مع زاهر رضي الله عنه ، يضُمُّه و يُعَبِّر له عن حبه و حب الله له، فما الذي نتوقع من زاهر عندما يستشعر هذا الكم من الحب والتقدير؟
أكيد سيبادل رسول الله حبا بحب، و سيزيد تعلقه بهذا الدين الذي يعلي من شأنه و يحفظ كرامته٠
و كيف سيحس جليبيب رضي الله عنه الفقير الذي لا أسرة له و لا مسكن، و رسول الله صلى الله عليه و سلم يعرض عليه الزواج؟
و يعده أنه سيزوجه إحدى فتيات الأنصار٠
و يفي بوعده صلى الله عليه و سلم، و يجعل له بيتا يؤويه، و زوجا يسكن إليها، بل و يدعو رسول الله لزوجته الصالحة التي استجابت لطلب رسول الله و استيقنت أنه لن يضيعها، قال لها داعيا:” اللهم صُبَّ عليها الخير صبّا صبّا، و لا تجعل عيشها كدّا كدّا”، و قد كان فعلا٠
لقد بادل جليبيب رسول الله صلى الله عليه و سلم عطفا بعطف، لقد استجاب لدعوى النفير و هو عريس لا زال في أيام عرسه الأولى، و استشهد في غزوته تلك ٠
” عند الله أنت غال” ترسم لنا المنهج الأمثل في التعامل مع الشباب
إنه منهج الاحتضان العاطفي و النأي عن محاكمتهم انطلاقا من المظهر
إنه تربية بالحب ، و تزكية بالاحتضان
إنه منهج فريد لتجسير العلاقة بيننا و بينهم، عسى أن تردم الهوة و تبعث الثقة بيننا من جديد٠
العنصر الثاني 🌹✅ معيار الاحترام والمفاضلة بين الناس التقوي
أحبَّتي، عجيب أمرنا نحن المسلمين! ننتسب إلى أعظمِ دِين، ونتبع أعظمَ نبي أُرسل للعالَمين، ولكننا – أقولها آسِفًا – زهِدنا في هذا الدين، وفي هذا النبي الكريم، ربنا عز وجل يقول لنا: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13]، ونبيُّنا صلى الله عليه وآله وسلم يوصِينا: ((أُوصِيكم ونفسي بتقوى اللهِ عز وجل))؛ [رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وصححه الألباني].
ونحن لا نكترث لأمر التقوى، لا نرى في التقوى أو في لوازمها معيارًا حقيقيًّا نَقِيس به الناس، وميزانًا لاحترامِهم وتقديرهم، إنها إشكالية: معايير (مقاييس) الاحترام عند الناس اليوم، نجد أناسًا في هذا الزمان إنما يحترمون ويقدرون ويتزلَّفون ويتوددون ويسوِّدون ويقرِّبون صاحبَ الجاه والسلطان، وغاب عنهم أنه ما مِن جاهٍ إلا سيبلى، إلا جاهَ ربِّ العالمين، وما من سلطان إلا سيفنى، إلا سلطان الرب العظيم.
إن أناسًا اليوم يبالغون في توقير أرباب المال الفاني، ويبالغون في تعظيم أصحاب المباني وإن غابت فيهم المعاني، وأقصِد بالمعاني هنا: قِيَم الأخلاق والأدب والدِّين، ربما تناسَوا أن أصحاب المظاهر والمفاخر لا ينفَعُهم ما هم عليه من جميل المظهر والفخر، إن ساءت منهم السرائر والضمائر.
إن أناسًا اليوم يتملَّقون ويتزلَّفون ويتوددون لأصحاب النَّسَب العالي، وأصحاب الحسَب الغالي، وكأن مَن سواهم لا يستأهلون – على الأقل – أقلَّ الاحترام وأدناه.
أحبتي، إن المعيار الحقيقي الذي يتعيَّن علينا لزامًا أن نقيس به الناس، ونزِنَ به الناس، ونضع به الناس، ونرفع به الناس، ونحكم به على الناس هو: معيارٌ وميزانٌ ومقياسٌ واحدٌ: التقوى وما يتَّصل بها مِن حُسنِ سمتٍ ودِينٍ.
هذا هو المقياسُ الشرعي الوحيد في التصنيف الحقيقي للناس، هذا هو المعيار الشرعي الوحيد في التمييز بينهم، وهنا يكفينا شاهدًا أن الله تعالى دلَّل على هذا المقياس أو المعيار في نحو قوله: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13]؛ فكان أكرمَ الناس عند الله جل وعلا وأقرَبَهم إليه منزلاً: الأتقياءُ، الأنقياءُ والأصفياء.
وقال الله عز وجل أيضًا: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾ [البقرة: 197]؛ فجعَل الله – سبحانه – التقوى خيرَ ما يتزوَّد به العبد ليوم الرحيل، يوم اللقاء بالجليل، ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]؛ فالله تعالى جعَل الخير كل الخير في التزامِ التقوى، وبمفهوم المخالفة: فإن الزُّهد في التقوى شرٌّ عظيمٌ ليس بعده شر.
أحبتي، لقد اهتم الإسلامُ بالتقوى كمعيار لتصنيف الناس، ومقياس للحُكم عليهم، وهيأ لها – أي التقوى – أمينًا وأميرًا، إن أخَذ بها صلَح أمرُه كلُّه، وإن فرَّط فيها فسَد أمرُه كلُّه، ألا وهو القلب؛ فإن القلب أميرُ البدن وأمينُه؛ فإن عمّر الإنسانُ قلبَه بتقوى الله تعالى صلح قلبه، ومَن صلح قلبه صلحت سائر جوارح بدنه، ومَن فسد قلبه فسدت سائر جوارح بدنه، وعلامة فساده: تركُ التقوى، وهي رقابة الله جل وعلا، واستشعار معيَّته جل في العلا، فلا يراك – تبارك وتعالى – حيث نهاك، ولا يفقِدُك حيث أمرك، وهو العليمُ العلام الذي يعلم جهرك وسرَّك ونجواك.
أخرج البخاريُّ ومسلم عن النُّعمانِ بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((ألا وإن في الجسد مضغةً إذا صلَحَت صلَح الجسدُ كلُّه، وإذا فسَدت فسَد الجسدُ كلُّه، ألا وهي القلبُ)).
وأخرج مسلمٌ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((التقوى ها هنا)) ويشير إلى صدره ثلاث مراتٍ، وإنما أشار النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى صدرِه وأراد القلبَ؛ لأنه محلُّ تقوى الله تعالى، ولأن هذا القلب إن كان عامرًا بتقوى الله عز وجل، ظهر أثر ذلك جليًّا على ما يعتري العبدَ من أحوال، ويصدُرُ عنه من أقوال وأفعال، فتكون التقوى عنوانًا لخيرِ الأقوال والأعمال والأحوال.
في هذا السياق، يتأكَّد أن من لوازم التقوى المتصلة بها، ومن آثارها المترتبة عليها: صلاحَ عمل الجوارح، وما يظهر عليها مِن حُسن سَمتٍ وصلاحٍ في الدنيا؛ فإن ذلك مما يدل على أن القلبَ عامرٌ بالتقوى؛ فهي مئنَّتُها وعلامتها.
لهذا نجد أن النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم يفاضل مثلاً في شرائط (شروط) الزواج وأوصافه، موضحًا شروط الزواج الناجح؛ حيث ربطه عليه الصلاة والسلام بحُسنِ الدِّين والخُلق، وهما من دلائل التقوى وعلاماتها؛ إذ لا يعلَم حقيقةَ التقوى الخفيَّة التي محلُّها القلبُ إلا اللهُ تعالى ربُّ البرية، وأما الخَلْق فيستدلون على وجود التقوى في القلب بما يظهر على الجوارح من صلاحٍ واستقامةٍ.
نحن نستدلُّ على تقوى القلب بظاهر عمل الجوارح، والله تعالى يتولَّى السرائر الخفية، والضمائر السرية؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((تُنكَح النساءُ لأربعٍ: لمالها ولحسَبِها ولجمالها ولدِينها، فاظفَرْ بذاتِ الدِّين ترِبَتْ يداكَ))، وفي لفظ: ((فخُذْ بذات الدِّين والخُلُق ترِبَتْ يداك))؛ [متفق عليه].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضًا، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إذا جاءكم – وفي لفظ: إذا أتاكم – وفي لفظ – إذا خطَب إليكم – مَن ترضَون دِينَه وخُلقه – وفي لفظ: خُلقه ودِينه – فأنكِحوه – وفي لفظ: زوِّجوه – إلا تفعلوا تكُنْ فتنةٌ وفسادٌ كبيرٌ – وفي لفظ: وفسادٌ عريضٌ))؛ [رواه ابن ماجه والطبراني وغيرهما بسند حسن].
فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم جعَل من الاحترام كل الاحترام لصاحب (صاحبة) الدِّين والخُلق، وفاضَلَ بينهما وبين غيرهما من أصحاب الجاهِ والمال، والحسَبِ والسُّلطان.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه كذلك، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((ومَن بطَّأ به عمَلُه لم يُسرِعْ به نسَبُه))؛ [رواه مسلم]؛ أي: مَن لم يرفَعْه حُسنُ عمله إلى منزلةِ أهل الطاعة والبِرِّ ممَّن رضي الله عز وجل عنهم، وغشِيَتْهم رحمتُه، ونزلت عليهم سكينته، وجعَلهم عنده مِن أهل الرضا والقبول – لم يشفَعْ له شرَفُ نسَبِه، ولا حسَبُ آبائه، ولم يُسرِعْ به إلى الجنة فيكون مِن أهلها.
إن الله – عز وجل – أعزَّ بلالاً بحُسْنِ إسلامه، وقد كان عبدًا أسودَ حبشيًّا، وأذَلَّ أبا جهلٍ وصناديدَ قريش بكفرهم وشِركهم وغَيِّهم، وقد كانوا سادةَ مكةَ وكُبَراءَها ووجهاءَها وأسيادَها.
فيا مَن يفاضِلون بين الناس، فيرفَعون منهم أقوامًا ويضَعون منهم آخرينَ، ويبذلون الاحترامَ لبعضِهم ويتنكَّرون في بذله لآخرين.. نعم ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾ [البقرة: 83] كما أمرنا الله تعالى – لكن اعلَموا أن أساسَ الاحترام والتبجيل والتعظيم والتقديم والتفصيل عند ربِّ العالَمين هو: التقوى وما يتصل بها مِن حُسنِ السَّمت، واستقامة على الدِّين.
العنصر الثالث 🌹✅هذا خير من ملء الأرض مثل هذا”
عن أبي العباس سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: مرَّ رجل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لرجل عنده جالس: ((ما رأيك في هذا؟))، فقال: رجل من أشراف الناس، هذا واللهِ حَرِيٌّ إنْ خطَبَ أن يُنكَحَ، وإن شفَعَ أن يُشفَّع، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم مر رجل آخر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما رأيك في هذا؟))، فقال: يا رسول الله، هذا رجل من فقراء المسلمين، هذا حريٌّ إنْ خطَب ألا يُنكَح، وإن شفَع ألا يُشفَّع، وإن قال ألا يُسمَعَ لقوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هذا خيرٌ من ملءِ الأرض مِثلَ هذا))؛ متفق عليه.
قوله ((حَرِيٌّ)): هو بفتح الحاء، وكسر الراء، وتشديد الياء؛ أي: حقيق. وقوله: ((شفَع)) بفتح الفاء.
قال سَماحة العلَّامةِ الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -:
ذكر المؤلِّف رحمه الله تعالى فيما نقله عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، قال: مرَّ رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لرجل: ((ما تقول في هذا؟))، قال: رجل من أشراف الناس، حريٌّ إنْ خطَب أن يُنكَح، وإنْ شفَع أن يُشفَّع، ثم مرَّ رجل آخرُ، فسأل عنه، فقال: هذا رجل من ضعفاء المسلمين، حريٌّ إن خطب ألا يُنكَح، وإن شفَع ألا يُشفَّع، وإن قال ألا يُسمَع لقوله.
فهذان رجُلانِ، أحدُهما من أشراف القوم، وممن له كلمة فيهم، وممن يجاب إذا خطَب، ويُسمَع إذا قال، والثاني بالعكس، رجل من ضعفاء الناس ليس له قيمة، إن خطب فلا يجاب، وإن شفَع فلا يُشفَّع، وإن قال فلا يُسمَع.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((هذا خيرٌ مِن مِلءِ الأرض مِثلَ هذا))؛ أي: خير عند الله عز وجل من ملء الأرض من مثل هذا الرجل الذي له شرفٌ وجاه في قومه؛ لأن الله سبحانه وتعالى ليس ينظر إلى الشرف، والجاه، والنسب، والمال، والصورة، واللباس، والمركوب، والمسكون؛ وإنما ينظر إلى القلب والعمل، فإذا صلَحَ القلب فيما بينه وبين الله عز وجل، وأناب إلى الله، وصار ذاكرًا لله تعالى خائفًا منه، مخبتًا إليه، عاملًا بما يُرضي الله عز وجل، فهذا هو الكريم عند الله، وهذا هو الوجيه عنده، وهذا هو الذي لو أقسَمَ على الله لَأَبَرَّه.
فيؤخذ من هذا فائدة عظيمة، وهي أن الرجل قد يكون ذا منزلة عالية في الدنيا، ولكنه ليس له قدرٌ عند الله، وقد يكون في الدنيا ذا مرتبة منحطة، وليس له قيمة عند الناس، وهو عند الله خيرٌ من كثير ممن سواه، نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من الوجهاء عنده، وأن يجعل لنا ولكم عنده منزلةً عالية، مع النبيِّين والصدِّيقين والشهداء والصالحين
العنصر الرابع 🌹✅رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره”
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رُبَّ أشعثَ أغبَرَ مدفوعٍ بالأبواب، لو أقسَمَ على الله لَأَبَرَّهُ))؛ رواه مسلم.
في هذا الحديث النبوي الشريف :يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((رُبَّ أشعث أغبر مدفوعٍ بالأبواب، لو أقسَمَ على الله لَأَبَرَّه))، وأشعث من صفات الشَّعر، وشعره أشعث يعني ليس له ما يدهن به الشعر، ولا ما يُرجِّلُه، وليس يهتم بمظهره، وأغبر يعني أغبر اللون، أغبر الثياب؛ وذلك لشدة فقره.
مدفوع بالأبواب: يعني ليس له جاه، إذا جاء إلى الناس يستأذن لا يأذَنون له، بل يدفعونه بالباب؛ لأنه ليس له قيمة عند الناس، لكن له قيمة عند رب العالمين.
لو أقسم على الله لأَبَرَّه: لو قال: والله لا يكون كذا، لم يكن، والله ليكونن كذا، لكان. لو أقسم على الله لأبره؛ لكرمه عند الله عز وجل ومنزلته.
فبأي شيء يحصل هذا؟ فربما يكون رجل أشعث أغبر مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله ما أَبَرَّه، ورب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسَمَ على الله لأَبَرَّه، فما هو الميزان؟
فكما قلنا من قبل أن الميزان تقوى الله عز وجل، كما قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13]، فمن كان أتقى لله، فهو أكرم عند الله، يُيسِّر الله له الأمر، يجيب دعاءه، ويكشف ضره، ويَبَرُّ قَسَمَه.
وهذا الذي أقسم على الله، لن يقسم بظُلمٍ لأحد، ولن يجترئ على الله في ملكه، ولكنه يقسم على الله فيما يُرضي الله؛ ثقةً بالله عز وجل، أو في أمور مباحة؛ ثقةً بالله عز وجل.
وقد مر علينا في قصة الرُّبَيِّعِ بنت النضر وأخيها أنس بن النضر؛ فإن الرُّبيِّع كسَرتْ ثنيةَ جارية من الأنصار، فاحتكموا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تُكسَر ثنيةُ الرُّبيِّع؛ لأنها كسَرتْ ثنية الجارية الأنثى، فقال أخوها أنس: يا رسول الله، تكسر ثنية الرُّبيِّع؟ قال: ((نعم، كتاب الله القصاص، السِّنُّ بالسن))، قال: والله لا تُكسَر ثنية الرُّبيِّع. قال ذلك ثقةً بالله عز وجل، ورجاءً لتيسيره وتسهيله.
فأقسَمَ هذا القَسَمَ، ليس ردًّا لحكم الرسول، ولكن ثقةً بالله عز وجل، فهدى الله أهل الجارية ورضُوا بالدية أو عفَوْا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن من عباد الله من لو أقسَمَ على الله لأَبَرَّه))؛ لأنه يقسم على الله في شيء يرضاه الله عز وجل؛ إحسانًا في ظنه بالله عز وجل.
أما من أقسم على الله تأليًا على الله، واستكبارًا على عباد الله، وإعجابًا بنفسه، فهذا لا يَبَرُّ اللهُ قسَمَه؛ لأنه ظالم، ومن ذلك قصة الرجل العابد الذي كان يمر برجل مسرفٍ على نفسه، فقال: والله لا يغفر الله لفلان، أقسَمَ أن الله لا يغفر له، لماذا يقسم؟ هل المغفرة بيده؟ هل الرحمة بيده؟ فقال الله جل وعلا: ((من ذا الذي يَتألَّى عليَّ أن لا أغفر لفلان؟))، استفهام وإنكار، ((فإني قد غفرتُ له وأحبَطتُ عملك))؛ نتيجة سيئة والعياذ بالله، لم يبر الله بقسمه، بل أحبط عمله؛ لأنه قال ذلك إعجابًا بعمله، وإعجابًا بنفسه، واستكبارًا على عباد الله عز وجل.
.
No comment