موضوع خطبة الجمعة القادمة من الأوقاف..السماحة في البيع والشراء وسائر المعاملات

موضوع خطبة الجمعة القادمة


موضوع خطبة الجمعة القادمة من الأوقاف حددت وزارة الأوقاف المصرية موضوع خطبة الجمعة القادمة 11 أكتوبر 2024م بعنوان : رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا .. السماحة في البيع والشراء وسائر المعاملات.

وقالت وزارة الأوقاف إن الهدف المراد توصيله إلى جمهور المسجد هو توجيه وعي جمهور المسجد إلى سهولة التعامل، وتحويل البيع والشراء إلى مدخل للود والصلة، وليس للتسلط والمنازعة، وذلك من خلال بيان أن السماحة باب محبة الله، وسبيل رحمته، وطريق الجنة، وأن نظرة الإسلام للبيع والشراء أنه مدخل للود والصلة، وليس للتسلط والمنازعة، وأن السماحة من أرقى معالي الأخلاق ومكارمها.

موضوع خطبة الجمعة القادمة من الأوقاف

وفيما يلي نص خطبة الجمعة :

رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، جَعَلَ السَّمَاحَةَ سَبِيلَ الرَّحْمَة، وَأَرْشَدَ إِلَيْهَا جَمِيعَ الأُمَّة، وأَشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَريكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَخِتَامًا لِلأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، فَشَرَحَ صَدْرَهُ، وَرَفَعَ قَدْرَهُ، وَشَرَّفَنَا بِهِ، وَجَعَلَنَا أُمَّتَهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيهِ، وعلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَومِ الدِّينِ، وَبَعْدُ:
فَيَا مَنْ تُرِيدُ أَنْ يُحِبَّكَ اللهُ، يَا مَنْ تُحِبُّ أَنْ يَرْحَمَكَ اللهُ، يَا مَنْ تَرْجُو أَنْ يُظِلَّكَ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، يَا مَنْ تَتُوقُ نَفْسُكَ إِلَى أَنْ يُدْخِلَكَ اللَّهُ الجَنَّةَ؛ كُنْ سَمْحًا فِي بَيْعِكَ، سَمْحًا فِي شِرَائِكَ، سَمْحًا حِينَ اقْتضَائِكَ، كُنْ لَيِّنًا، هَيِّنًا، رَفِيقًا، رَقِيقًا، لَا تُنَازِعْ، لَا تُشَاقِقْ، لَا تَغُشَّ، وَلَا تُخَادِعْ.
وَهِنيئًا لَكَ أَيُّهَا السَّمْحُ النَّبِيلُ بِهَذِهِ الوُعُودِ النَّبَوِيَّةِ، والبُشْرَيَاتِ المُصْطَفَوِيَّةِ، يَقُولُ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَحِمَ اللهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى»، وَيَقُولُ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ سَمْحَ البَيْعِ، سَمْحَ الشِّرَاءِ، سَمْحَ القَضَاءِ»، وَيَقُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أَدْخَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رَجُلًا كَانَ سَهْلًا مُشْتَرِيًا، وَبَائِعًا، وَقَاضِيًا، وَمُقتَضِيًا الجَنَّةَ»، وَيَقُولُ سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ: «مَنْ أَنْظَر مُعْسِرًا أوْ وَضَعَ لَهُ، أظلَّهُ اللهُ يَوْمَ القِيامَةِ تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ».

موضوع خطبة الجمعة القادمة من الأوقاف


أَيُّهَا البَائِعُ، أَيُّهَا المُشْتَرِي، كُنْ سَمْحًا؛ فَإِنَّ المُتَأَمِّلَ فِي مَقَاصِدِ البَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي دِيننَا الـمُنِيرِ يَجِدُ أَنَّهُ دَعْوَةٌ لِلوُدِّ وَالصِّلَةِ والتَّرَاحُمِ، مَدْخَلٌ لِلمَحَبَّةِ وَالأُلْفَةِ وَالتَّعَارُفِ الجَمِيلِ بَيْنَ النَّاسِ، حِينَ يَتَسَامَحُونَ، وَيَتَبَاذَلُونَ، وتَطِيبُ أَنْفُسُهُمْ وَتَرْضَى قُلُوبُهُمْ بَائِعِينَ وَمُشْتَرِينَ، لَا يَتَعَنَّتُونَ، وَلَا يَتَشَاحَحُونَ؛ فَتَتَأَصَّلُ بِذَلِكَ الأُخُوَّةُ الصَّادِقَةُ، وَتَتَكَوَّنُ الأُمَّةُ المُتَمَاسِكَةُ المتَرَابِطَةُ الَّتِي يَحْنُو فِيهَا الكَبِيرُ عَلَى الصَّغِيرِ، وَالقَوِيُّ عَلَى الضَّعِيفِ، وَالغَنِيُّ عَلَى الفَقِيرِ.
كُنْ سَمْحًا؛ فَإِنَّ اللِّينَ وَالرِّفْقَ وَالسَّمَاحَةَ ضَربٌ مِنَ الإِحْسَانِ إِلى النُّفُوسِ الَّتِي جُبِلَتْ عَلَى حُبِّ مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهَا، وَبَابٌ عَظيمٌ لِتَأْلِيفِ القُلُوب، فَتَشِيعُ المَحَبَّةُ والموَدَّةُ، وَيَعُمُّ التَّآلُفُ وَالبَذْلُ فِي المُجْتَمَع.


كُنْ سَمْحًا؛ فَإِنَّ التَّسَامُحَ مِنْ أَرْقَى مَعَالِي الأَخْلَاقِ وَمَكارِمِهَا، وَهُوَ عِمَادُ الحَيَاةِ الكَرِيمَةِ الطَّيِّبَةِ الزَّكِيَّةِ، بَعِيدًا عَنِ العُنْفِ وَالتَّنَازُعِ وَالتَّشَاقُقِ الَّذِي هُوَ سَبِيلُ الْوَهنِ وَالضَّعفِ، وَاعْلَمْ أَنَّ رَبَّ العَالَمِينَ أَمَرَ بِالأُلْفَةِ، وَنَهَى عَنِ الفُرْقَةِ؛ قَالَ تَعَالَى: {وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}.


أَيُّهَا الكَرِيمُ! أَتَظُنُّ أَنَّ إِنْسَانًا سَمْحًا فِي بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ يُضَيَّقُ عَلَيْهِ فِي الرِّزْقِ أَوْ تُنْزَعُ مِنْ حَيَاتِهِ البَرَكَةُ؟! إِنَّ الإِنْسَانَ السَّمْحَ الهَيِّنَ اللَّيِّنَ يُبَارِكُ اللهُ لَهُ فِي رِزْقِهِ حِينَ تَطِيبُ نَفْسُهُ بِمَا رَزَقَهُ اللهُ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ مُشَاحَحَةٍ وَلَا مُنَازَعَةٍ، أَمَّا ذَلِكَ الَّذِي يَشحُّ وَيْبخَلُ وَيُشَاقِقُ وَيَتَنَازَعُ فَإِنْ كَانَ رِزْقُهُ كَثِيرًا، فَإِنَّكَ تَجِدُهُ قَلِقًا مُضْطَربًا شَدِيدَ الخَوْفِ عَلَى مَالِهِ، شَدِيدَ الخَوْفِ مِنَ الفَقْرِ، لَا يَعْرِفُ قَلْبُهُ رَاحَةً وَلَا سَكِينَةً، وَلَا يَجِدُ لِلْحَيَاةِ لَذَّةً وَلَا طُمَأْنِينَةً!
*


الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَاتَمِ الأَنبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَبَعْدُ:
فَكُنْ سَمْحًا رَقِيقًا لَيِّنًا، فَرَحِمَ اللهُ عَبْدًا سَمْحًا إِذَا اشْتَرَى لَا يَبْخَسُ السِّلْعَةَ قَدْرَهَا، سَمْحًا إِذَا بَاعَ لَا يُغَالِي فِي ثَمَنِ السِّلْعَةِ وَلَا يَحْتَكرُ وَلَا يَسْتَغِلُّ أَزَمَاتِ النَّاسِ، سَمْحًا إِذَا اقْتَضَى حَقَّهُ وَطَالَبَ بِمَا لَهُ فِي جُودٍ وَلِينٍ وَحُسْنِ عِشْرَةٍ، فَإِنْ كَانَ أَخُوهُ ذَا عُسْرَةٍ أَنْظَرَهُ إِلَى مَيْسَرَة.
وَعَلَى قَدْر مَا يَكُونُ الإِنْسَانُ كَذَلِكَ فِي مُعَامَلَتِهِ مَعَ أَخِيهِ الإِنْسَانِ عَلَى قَدْرِ مَا تَكُونُ مُعَامَلَةُ الكَرِيمِ سُبْحَانَهُ لَهُ وَتَجَلِّيهِ عَلَيْهِ، يَقُولُ نَبِيُّنَا صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْه: «أُتَى اللهُ تَعَالَى بِعبْدٍ مِنْ عِبادِهِ آتَاهُ اللهُ مَالًا، فَقَالَ لَهُ: مَاذَا عَمِلْتَ فِي الدُّنْيَا؟ قَالَ: وَلَا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثًا» قَالَ: يَا رَبِّ، آتَيْتَنِي مَالَكَ، فُكُنْتُ أُبَايعُ النَّاسَ، وَكَاَن مِنْ خُلُقِي الجَوَازُ، فَكُنْتُ أَتَيَسَّرُ عَلَى المُوسِرِ، وُأُنْظِرُ المُعْسِرَ، فَقَالَ اللهُ تَعَالَى : «أنا أحَقُّ بِذَا مِنْكَ، تَجَاوزُوا عَنْ عَبْدِي».
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ أَهْلِ السَّمَاحَةِ وَالرِّضَا وَجمِّلْ أَخْلَاقَنَا، وَوَسِّعْ أَرْزَاقَنَا، وَاحْفَظْ مِصرَ بِحِفظِكَ الجَمِيلِ.

خطبة الشيخ أمجد عبدالعاطي الدرس الرابع عشر لسنة 1446


رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا
المقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم . أما بعد،
العناصر:- 1) الإسلامُ دينُ السماحةِ. 2) مظاهرُ وصورُ اليسرِ والسماحةِ
3) اليسرُ والسماحةُ تطبيقاً عملياً 4) ثمراتُ وفوائدُ السماحةِ.


الأدلة من القرآن والسنة :- 1) إنَّ دينَنَا الحنيفَ دينُ اليُسرِ والسماحةِ، فهو قائمٌ على اليسرِ وعدمِ المشقةِ، فالتيسيرُ على العبادِ مرادُ اللهِ، والمشقةُ لا يريدُهَا اللهُ لعبادِهِ: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}.[البقرة: 185]، ومِن يُسرِ الإسلامِ أنَّ اللهَ لم يكلفْ هذه الأمةَ إلّا بمَا تستطيع، قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}.(البقرة: 286).


ولأهميةِ اليسرِ في الشريعةِ الإسلاميةِ عنونَ لهُ الإمامُ البخاريُّ بابًا خاصًا في صحيحهِ وسمَّاهُ: ” بابُ قولِ النبيِّ ﷺ: يسرُوا ولا تعسرُوا وكان يحبُّ التخفيفَ واليسرَ على الناسِ .” وساقَ عدةَ وصايَا وشواهدَ وأدلةً ليسرِ النبيِّ ﷺ ورحمتِهِ بأمتهِ منها: عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:” مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَيْسَرُ مِنْ الْآخَرِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا؛ فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ.” (البخاري ومسلم واللفظ له).
قال صاحبُ عونِ المعبودِ(شرف الحق آبادي شرح سنن أبي داود) :” فيه استحبابُ الأخذِ بالأيسرِ والأرفقِ ما لم يكنْ حرامًا أو مكروهًا .”
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى إِلَى الْيَمَنِ فقَالَ لَهما:” يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا وَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا”.(متفق عليه). وأنت ترى أنَّ النبيَّ ﷺ جمعَ بينَ الشيءِ وضدّهِ تأكيدًا؛ فإنَّه كان يكفِي قولهُ: ”يسِّرا ”؛ وإنَّمَا ذكرَ الضدَّ: ”ولا تعسّرَا” تأكيدًا للأمرِ.


يقولُ الإمامُ النوويُّ:” إنَّما جمعَ في هذه الألفاظِ بين الشيءِ وضدهِ ؛ لأنَّه قد يفعلهمَا في وقتينِ، فلو اقتصرَ على (يسرَا) لصدقَ ذلك على مَن يسّرَ مرةً أو مرات، وعسّرَ في معظمِ الحالاتِ، فإذا قالَ: (ولا تعسرَا)، انتفَى التعسيرُ في جميعِ الأحوالِ مِن جميعِ وجوههِ، وهذا هو المطلوبُ.
وفي مقابلِ التيسيرِ في الدينِ نهَى الشارعُ الحكيمُ عن التشددِ والغلوِّ فيه، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ : ” إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَىْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ “. ( البخاري ومسلم). يقولُ الحافظُ بنُ رجبٍ: ” معنى الحديث: النهيُ عن التشديدِ في الدينِ، بأنْ يحمِّلَ الإنسانُ نفسَهُ مِن العبادةِ ما لا يحتملهُ إلّا بكلفةٍ شديدةٍ، وهذا هو المرادُ بقولهِ ﷺ: ” لن يُشادَّ الدينَ أحدٌ إلّا غلبَهُ ” يعني: أنَّ الدينَ لا يُؤخذُ بالمغالبةِ، فمَن شادَّ الدينَ غلبَهُ وقطعَهُ.”أ.هـ
بل إنَّ الدينَ الإسلاميَّ انفردَ بمحبةِ اللهِ لسماحتهِ! فعن ابنِ عبّاسٍ- رضي اللّهُ عنهما- قال: قيلِ لرسولِ اللّهِ ﷺ: أيُّ الأديانِ أحبُّ إلى اللّهِ؟ قال: «الحنفيّةَ السّمحةَ». ( رواه أحمد ) .


لذلك أمرَ الإسلامُ أفرادَهُ بالسماحةِ، فعن ابنِ عباسٍ قال: قال رسولُ اللّهِ ﷺ: «اسمحْ يُسمحْ لك».(أحمد).
بل إنَّ السماحةَ هي مِن أفضلِ الإيمانِ، قال ﷺ: “أفضلُ الإيمانِ الصبرُ والسماحةُ”. (الطبراني).
على أنَّ السماحةَ لا تعنِي الضعفَ والهوانَ والذلَّ والصغارَ، وإنّما تعنِي العزةَ والكرامةَ.
2) إنَّ يسرَ الإسلامِ وسماحتهِ تتجلَّى في كلِّ أمرٍ مِن أمورِهِ، دقيقِهَا وجليلِهَا، ومِن مظاهرِ اليسرِ والسماحةِ في الإسلامِ ما جاءَ فيهِ مِن رُخَصٍ كثيرةٍ، في مجالاتٍ شتَّى، يقولُ عنهَا ﷺ :” إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ ” ، وفي رواية: ” « كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ».( أحمد) .


ومِن مظاهرِ يسرِ الإسلامِ: أنَّ العباداتِ – مع أنَّها أركانُ الإسلامِ – تسقطُ في حالاتِ الأعذارِ وعدمِ القدرةِ.
فالزكاةُ لا تجبُ إلّا على مَن ملكَ نصابًا وحالَ عليهِ الحولُ، ثم هي نسبةٌ قليلةٌ تنفعُ الفقيرَ ولا تضرُّ الغنيَّ، والصومُ لا يجبُ إلَّا على المسلمِ البالغِ العاقلِ القادرِ على الصومِ، والحجُّ لا يجبُ إلَّا على المستطيعِ مرةً واحدةً في العمرِ، والصلواتُ الخمسُ شُرعتْ في أوقاتٍ مناسبةٍ لا تمنعُ مِن عملٍ ولا تفوتُ بها مصلحةٌ، ورخّصَ قصرَ الصلاةِ الرباعيةِ في السفرِ والجمعَ بينَ الصلاتين، والفطرَ في رمضانَ للمريضِ والمسافرِ، وللمريضِ يُصلِّي قائمًا فإنْ لم يستطعْ فقاعدًا فإنْ لم يستطعْ فعلَى جنبهِ، وفي الطهارةِ أباحَ المسحَ على الخفينِ والجواربِ بدلَ غسلِ الرجلينِ في الوضوءِ بشرطهِ، وأباحَ التيممَ بدلَ الوضوءِ والغسلِ للمريضِ الذي يضرُّهُ الماء…… وهكذا.


ومِن مظاهرِ السماحةِ في الإسلامِ: السماحةُ في المعاملاتِ والبيعِ والشراءِ، وذلك بأنْ يتحلَّى كلٌّ مِن البائعِ والمشترِي بالسماحةِ، فعَن جابرٍ أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: “رحِم اللهُ رجلًا سمحًا إذا باعَ وإذا اشتَرى وإذا اقتَضَى”.( البخاري). يقولُ الإمامّ ابنُ حجرٍ: ” فيه الحضُّ على السماحةِ في المعاملةِ، واستعمالُ معالِي الأخلاقِ ، وتركُ المشاحةِ، والحضُّ على تركِ التضييقِ على الناسِ في المطالبةِ وأخذِ العفوِ منهُم.”
ومِن أهمِّ مظاهرِ السماحةِ في الإسلامِ: السماحةُ مع غيرِ المسلمين، في السلمِ والحربِ، ففي الحربِ التي تأكلُ الأخضرَ واليابسَ وتُزهَقُ فيها الأرواحُ، وتُدمّرُ المدنُ والقُرَى، ويموتُ الصغيرُ والكبيرُ، أمرَ الإسلامُ بالسماحةِ.


فقد روى مسلمٌ في صحيحهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ” كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ، أَوْ سَرِيَّةٍ، أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تَمْثُلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا” .


فلا يجوزُ أنْ يُقصدَ بالقتالِ مَن ليسُوا بأهلٍ لهُ، كالنِّساءِ والأطفالِ والشُّيوخِ، والزَّمنى والعُمي والعَجَزةِ، والذين لا يُباشرونَهُ عادةً كالرُّهبانِ والفلاَّحين، إلاَّ إذا اشتركَ هؤلاء في القِتالِ وبدأّوا هُم بالاعتداءِ، فعندهَا يجوزُ قتالُهُم.


إنَّ سماحةَ الإسلامِ لم تقتصرْ على النهي عن الاعتداءِ على بنيِ البَشرِ فقط، وإنَّما تجاوزَ ذلك ليشملَ النهيَ عن الإتلافِ، وقطعِ الشَّجرِ، وقتْلِ الحيواناتِ، وتخريبِ الممتلكاتِ والمنشآتِ العامةِ، وهذا سُموٌّ أخلاقيٌّ لم تعرفْ له البشريةُ مثيلًا في تاريخِهَا قديمًا وحديثًا!! وهكذا فإنَّ يُسرَ الإسلامِ وسماحتَهُ تشملُ جميعَ مجالاتِ حياةِ الإنسانِ مِن عباداتٍ، ومعاملاتٍ بينَ المسلمينَ وغيرِ المسلمين.
3) ينبغِي علينَا أنْ نطبقَ ونترجمَ يسرَ الإسلامِ وسماحتَهُ على أرضِ الواقعِ.


ففي مجالِ العباداتِ عامةً والصلاةِ خاصةً لتكررِهَا في كلِّ يومٍ، نتمثلُ أمرَ الرسولِ ﷺ في التخفيفِ والتيسيرِ، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ صَلَّى الْعِشَاءَ فَطَوَّلَ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذٍ: ” أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ، خَفِّفْ عَلَى النَّاسِ، وَاقْرَأْ بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، وَسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَا تَشُقَّ عَلَى النَّاسِ “. (السنن الكبرى للبيهقي).
وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لاَ أَكَادُ أُدْرِكُ الصَّلاَةَ مِمَّا يُطَوِّلُ بِنَا فُلاَنٌ، فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْ يَوْمِئِذٍ، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ مُنَفِّرُونَ، فَمَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمُ المَرِيضَ، وَالضَّعِيفَ، وَذَا الحَاجَةِ». ( متفق عليه).
وفي مجالِ المعاملاتِ والبيعِ والشراءِ والقرضِ والمداينةِ، نظهرُ سماحةَ الإسلامِ ونطبقُهَا عمليًّا على أرضِ الواقعِ، كما كان يفعلُ سلفُنَا الصالحُ رضي اللهُ عنهم، فقد روي أنَّ قيسَ بنَ عبادةٍ كان مِن الأجوادِ المعروفين فمرضَ يومًا فاستبطأَ إخوانَهُ في عيادتهِ، فسألَ عنهم فقِيلَ لهُ: إنَّهم يستحيونَ مِمَّا لك عليهم مِن الدَّيْنِ، فقالَ أخزَى اللهُ مالًا يمنعُ الإخوانَ مِن الزيارةِ، ثُمّ أمرَ مناديًا ينادِي: مَن كان عليهِ لقيسٍ مالًا فهو منه في حلِّ، فما أمسَى حتى كُسِرَت عتبةُ بابهِ لكثرةِ مَن عادَهُ وزارَهُ . (مدارج السالكين لابن القيم) .


هذه السماحةُ في البيعِ والشراءِ، والتجاوزِ عن المعسرِ طريقٌ إلى الجنةِ، فعَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ قَالَ: اجْتَمَعَ حُذَيْفَةُ وَأَبُو مَسْعُودٍ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: رَجُلٌ لَقِيَ رَبَّهُ فَقَالَ مَا عَمِلْتَ؟ قَالَ: مَا عَمِلْتُ مِنْ الْخَيْرِ إِلَّا أَنِّي كُنْتُ رَجُلًا ذَا مَالٍ فَكُنْتُ أُطَالِبُ بِهِ النَّاسَ فَكُنْتُ أَقْبَلُ الْمَيْسُورَ وَأَتَجَاوَزُ عَنْ الْمَعْسُورِ، فَقَالَ: تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِي”. (مسلم).

عدد المشاهدات : 5

No comment

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *