موضوع خطبة الجمعة مكتوبة بعنوان صناعة العقول وأثرها في بناء الإنسان – لخادم الدعوة الدكتور عثمان الباز

خطبة الجمعة القادمة للدكتور عثمان الباز

خطبة الجمعة القادمة للدكتور عثمان الباز


موضوع خطبة الجمعة مكتوبة بعنوان صناعة العقول وأثرها في بناء الإنسان – لخادم الدعوة الدكتور عثمان الباز، الحمد لله رب العالمين،خلق الإنسان وكرمه بالعقل والبيان،وميزه بالعقل عن جميع مخلوقاته من نبات وجماد وحيوان،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كرَّمَ العقلَ بمعرفته،والقلبَ بالإيمان به،وأشهد أن سيدَنا وحبيبنا محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم أكملُ الناس عقلا،وأشدهم إيمانا وأعلاهم يقينا،أنار الصباحُ بنوره،من هزّ حبّه النفس طربا،الذي حرر الدنيا من أثقال العبودية ،الذي فاق جمالُه كل جمال ،نظمت هذه الكلمات إهداءً وحبًّا لكم فاقبلها من مُحبِّكم ياحبيبي،يا سيد السادات …
يَا صَاحِ قدْلَاحَ الصَّبَاحُ  بِنُورِهِ        عمََّ  الْكَواكِبَ  نُورُهُ   تَعْمِيمًا
واهْتَزّتِ  الأَرْوَاحُ  طَرَبًا بالذي         فَاقَ السَّماءَ مُعَظَّمًا  تَعْظِيمًا
مَنْ  حَرَّرَ  الدنيا وَحَلَّ   وَثَاقَها        والكونُ كَان  مُكَبَّلًا  وَسَقِيمًا
قَدْفَاقَ كلَّ خَيَالٍ حبُّ المصطفى         دَخَلَ القُلُوبَ مُسَلِّمًا  ومُقِيمًا
يَا  أَيُّهَا  الرَّاجُونَ  حُبَّ  مُحَمَّدٍ         صلوا عليه وسَلِّمُوا تَسْلِيمًا


تمهيد العقل من عقل أي حبس ومنع وهو الذي يمنع عن سئ الأقوال والأفعال وهذا ما قاله ابن فارس في مقاييس اللغة، وهو الحابس عن ذميم القول والفعل،وهو ضد الجهل قال تعالى﴿ أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ أي أجهلتم فلم تعقلوا ولم تفهموا.
أول اللبنات لنيل الغايات لم يخلق اللهُ تعالى الإنسانَ عبثاً ولم يتركه سدى ولكن خلقه لمهمة محددة وواضحة وهي  أن يكون خليفة في الأرض لعمل كل صالح فقال تعالى   ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾البقرة30 وقال تعالى﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ﴾


ولم تأت كلمة خليفة في القرآن إلا في هاتين الآيتين ومرتبطة بالخلافة في الأرض ولن يتأتى ذلك كما أراد الخالق إلا بعقل ناضج يقوم بأمر الله في أرضه فلا فائدة من وجود الإنسان بنيةًً وجسدًا دون عقل وفهم وعلم ،إن حدث فلن تعلوا قيمته ورتبته عن الحيوانات ،فبناء الإنسان جسدا شئ معجز في صورته المعجزة المشاهدة ،ولكن الأشد منها إعجازا بناؤه عقلا وفكرا وعلما ،وهذا ما قاله شوقي :
أَعَلِمتَ أَشرَفَ أَو أَجَلَّ مِنَ الَّذي               يَبني وَيُنشِئُ  أَنفُساً وَعُقولا
سُبحانَكَ    اللَهُمَّ  خَيرَ    مُعَلِّمٍ               عَلَّمتَ  بِالقَلَمِ القُرونَ الأولى
أَخرَجتَ هَذا العَقلَ مِن ظُلُماتِهِ               وَهَدَيتَهُ النورَ المُبينَ  سَبيلا
فالعقل هو اللينة التي بها يكتمل بناءُ الإنسان جسديا وفكريا وروحيا واجتماعيا وثقافيا واقتصاديا وبه تكتمل للإنسان منافعُ الدنيا والآخرة.


مكانة العقل في القرآن الكريم 

لقد تحدث القرآن الكريم عن العقل حديثا مستفيضا في عشرات الآيات فهو وسيلة التمييز عند الإنسان ،ومحط تكريم الرحمن قال تعالى﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾الإسراء  70.


وبين القرآن الكريم أنه لابد من استخدام العقل في التأمّل والتفكّر والتدبّر والنظر في السموات والأرض وما فيهما من مكنونات مخلوقات الله ، قال تعالى:﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ يونس. 101
وأن تعطيل العقل وعدم إعماله هو رجوع بالذات البشرية إلى البهيمية قال تعالى ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ﴾ الأنفال. 22.


وأكثر من ذلك فقد جعل القرآن من يعطل حركة العقل أقل شأنا وأدنى مرتبة من البهائم قال تعالى ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾الأعراف. 179.
والطامة الكبرى أن تعطيل العقل يؤدي بصاحبه إلى دخول النار وهذا ما صرح به أهل جهنم حين دخلوا وعاينوا ما فيها من العذاب قال تعالى:﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ الملك. 10.

وقال تعالى:﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ﴾ يونس : 100 ولمكانة العقل في الإسلام فقد حرم  القرآن الكريمُ كل ما من شأنه أن يضرّ به، ولذلك حرِّمت المسكرات والمخدرات، قال تعالى: ﴿إنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾المائدة٩٠
وقال رسولنا الأكرم  صلى الله عليه وسلم: ﴿كل مسكرٍ خمر، وكل خمرٍ حرام﴾ وحرصا على العقل وتزكيته ذم القرآنُ الكريمُ أقواما قلدوا غيرهم وجنبوا عقولهم فأوردهم ذلك الهلاك المبين ،
لأنهم عطلوا عقولهم وحواسهم من السمع والبصر والإدراك،قال تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ. وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ البقرة 170-171.


وهذا مشهد خطير من مشاهد يوم القيامة يسوقه القرآن الكريم لأناس لغوا عقولهم واتبعوا شياطينهم فكانت النار مصيرهم قال تعالى: ﴿  وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾إبراهيم .٢٢

  • تقديم الرسول لأولي العقول

إذا تفصحنا سنة نبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم وجدناه يؤكد على البناء العقلي للمسلم فبه يستقيم دينُه ويقينُه فكان صلى الله عليه وسلم لا يدع فرصة إلا ويبين لأصحابه الكرام مكانة العقل والعقلاء فعن أبي مسعود الأنصاري، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة، ويقول: ﴿استووا ولا تختلفوا، فتختلف قلوبكم، ليلني منكم أولو الأحلام والنُّهى، ثمّ الذين يلونهم﴾. وأولو الأحلام والنهى همم العقلاء، وهذا مدح للعقل وأهله، قال الإمام النووي: أولو الأحلام هم العقلاء.


وفي قصة ماعز أول ما سأل النبي صلى الله عليه سأل عن عقله لأنه أساس البناء وبدونه لا تقوم للمرء قائمة
﴿فعن عبد الله بن بريدة عن أبيه أنّ ماعز بن مالك الأسلمي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إنّي قد ظلمت نفسي وزنيت وإني أريد أن تطهّرني، فردّه، فلما كان من الغداة أتاه فقال يا رسول الله إني قد زنيت فردّه الثانية، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومه،: أتعلمون بعقله بأساً تنكرون منه شيئاً ؟ فقالوا: ما نعلمه إلا وفيّ العقل، من صالحينا، فيما نر فأتاه الثالثة، فأرسل إليهم أيضاً فسأل عنه، فأخبروه: أنه لا بأس به ولا بعقله، فلمّا كان الرابعة حفر له حفرة ثمّ أمر به فرجم﴾ .
فالرسول صلى الله عليه وسلم أرسل إلى قوم ماعز يسألهم عن عقله: أبه بأسٌ أم لا ؟ لأنّ غير العاقل ليس مكلفاً، فلمّا أخبروه بأنه وفيّ العقل، ولا بأس به ولا بعقله، أمر برجمه. وهذا فيه ما فيه من الإشادة بالعقل وأنه مناط التكليف، وأنّ النبي صلى الله عليه وسلم سأل عن عقل ماعز عدة مرات: أبه بأس أو لوثة ؟ ولو أجابوه بالإثبات وأنّ بعقله شئ من ذلك لما أقام عليه الحد.


ودائما كان النبي صلى الله عليه وسلم ينتهز الفرص العملية لإعمال عقول الصحابة وربطها بالواقع .


  من ذلك ما رواه عمرُ بنُ الخطاب  قَالَ:﴿ قَدِمَ رسُولُ اللَّهِ ﷺ بِسَبْيٍ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْي تَسْعَى، إِذْ وَجَدَتْ صَبِيًّا في السَّبْي أَخَذَتْهُ فَأَلْزَقَتْهُ بِبَطْنِها، فَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ رسُولُ اللَّه ﷺ: أَتُرَوْنَ هَذِهِ المَرْأَةَ طارِحَةً وَلَدَهَا في النَّارِ؟ قُلْنَا: لا وَاللَّهِ، فَقَالَ: للَّهُ أَرْحَمُ بِعِبادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا﴾ متفقٌ عليه.


ومن ذلك تنبيه العقول والقلوبَ إلى شدة عذاب جهنم ليتجنبها المسلم ما قرره الرسول صلى الله عليه وسلم على مسامع صحابته حين سمعوا وجبةً شديدة أي صوتا مزعجا ﴿فعن أبي هريرة قال كنا مع رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، إذْ سَمِعَ وَجْبَةً، فَقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: تَدْرُونَ ما هذا؟ قالَ: قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قالَ: هذا حَجَرٌ رُمِيَ به في النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا، فَهو يَهْوِي في النَّارِ الآنَ، حتَّى انْتَهَى إلى قَعْرِهَا. وفي رواية: هذا وَقَعَ في أَسْفَلِهَا، فَسَمِعْتُمْ وَجْبَتَهَا﴾ رواه مسلم .
العقل ينطق وإن خاب اللسان كان واصل بن عطاء ألثغ في الراء  فأراد الحُساد إحراجه أمام الوالي ووفد من العلماء , طلبو منه أن يلقي خطبة  لم يُحضر لها مسبقا , فارتجل خطبته الشهيرة التي خلت من حرف الراء , فمثلا بدل أن يقول ”  بسم الله الرحمن الرحيم ” قال : ”  الحمد لله القديم بلا غاية، والباقي بلا نهاية، الذي علا في دنوه، ودنا في علوه…”.


و كان يوما قائما بين القوم يكلمهم، فدفع إليه أحدهم ورقة فيها رسالة، وطلب منه أن يقرأها على القوم. فنظر واصل إلى الورقة المكتوب فيها : “أمر أمير الأمراء، وزير الوزراء ,  بحفر بئر في  الصحراء، يشرب منه الشارد و الوارد . فنظر واصل فيها  ثم  نطق  : حكم حكيم الحكماء , على نديم النُدماء , بشق جُبٍ في البيداء , ليُسقى منه الغادي و البادي
فأثبت بسرعة بديهته أنّ العقل ينطق وإن خاب اللسان
من أمثلة صناعة العقل في القرآن  إن القرآن الكريم   يرسي القواعد العقلية الصحيحة التي تساهم في بناء العقل وصناعته وتبني شخصية الإنسان بناءً محكما ومن ذلك قاعدة التجربة والمشاهدة حتى مع اليقين الكامل .


فهذا سيدنا ابراهيم مع إيمانه ويقينه الكامل في ربه تعالى يقول ﴿.… رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي …﴾ ومنها عدم الأخذ بالظاهر وتقصي حقائق الأشياء وعدم الحكم على الأشياء إلا بعد اليقين الكامل .


فهذا سيدنا داوود يدخل عليه ملكان في هيئة خصمين يختصمان إليه قال أحدهما ﴿إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ﴾ فحكم داوود له بمجرد السماع دون التقصي ومعرفة الحقيقة ﴿قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ…﴾ ثم علم داوودُ أن ذلك امتحان وابتلاءٌ من الله تعالى﴿…وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ﴾ وظن هنا بمعنى علم ومنها التسليم ظاهرا بقول الخصم حتى يصل الخصمُ لإبطال دعواه بنفسه وهذا ما حدث بين سيدنا ابراهيم وقومه حين لا موه على اتخاذ إلهٍ غير آلهتهم ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ﴾ ثم قال ذلك عن القمر فوصل البطلان ثم عن الشمس فوصل للبطلان أيضا حتى أوصلهم للحقيقة المطلقة بقواعدهم العقليةقال تعالى﴿فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ﴾.وسلموا له عن الأوثان﴿ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنطِقُونَ﴾ .


والقاعدة العظمى هي قاعدة ﴿كن﴾ ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ تعطل جميع القواعد السابقة وغيرهافالسكين القاعدة العقلية أنه يقطع ويذبح ومعها عدم ذبح سيدنا اسماعيل والقاعدة العقلية للنارالإحراق ومعها عدم إحراق سيدنا ابراهيم﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾.
والقاعدة العقلية للماء الإغراق ومعها تجمد حتى صار كالجبل العظيم الشامخ ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ﴾.


وفي الختام فإن صناعة العقل هي التي تشكل كيان الفرد والمجتمع والأمة كلها ،وليس هناك دينٌ عمل على الصناعة العقلية للمسلم مثل الدين الإسلامي فالمرئ في الإسلام يوزن بإيمانه وإيمانهُ يوزنُ بعقله،والأمة التي تراعي في أبنائها جانبَ الجسد وتهمل جانبَ العقل والروح فلا مكان لها بين الأمم المتقدمة علميا واقتصاديا واجتماعيا وأخلاقيا،ومن المعلوم أن هذا التقدم لن يحدث إلا بصناعة العقول والعناية بها وما أكثر ما جاء في القرآن الكريم﴿ أفلا تعقلون﴾   وحصر القرآنُ المستفيدين من هدي القرآن في أصحاب العقول المتدبرين بعقولهم ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ 

والحمد لله رب العالمين
    خادم الدعوةعثمان عبدالحميد الباز

عدد المشاهدات : 164

No comment

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *