موضوع خطبة الجمعة مكتوبة للشيخ محمود البرام بعنوان صناعة العقول وآثرها في بناء الإنسان
الحمدلله وحده والصلاة والسلام علي من لانبي بعده وعلي آله وصحبه وسلم وبعد.. عباد الله لقد دعانا الإسلام إلي إعمال العقل والتفكر والتدبر في آيات الله وفي كل مايعرض لنا.
و الإسلام لا يفرض على القوة العاقلة في الإنسان حالة من الجمود والتعطيل، بل على العكس من ذلك، إنه يدعو إلى إعمال العقل حيث ينبغي له أن يعمل، ومجاله واسع في هذا الوجود المشهود في خلق السماوات والأرض
وللعقل في الإسلام منزلة كبيرة ودرجة رفيعة، يتبوأ فيها ويتفيأ ظلالها، فليس ثمة عقيدة تحترم العقل الإنساني وتعتمد عليه في ترسيخها كالعقيدة الإسلامية، وليس ثمة كتاب خاطب العقل وغالَى بقيمته وكرامته ككتاب الإسلام، ونظرة إلى آيات القرآن الكريم تلقى عبارات ﴿ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ ﴿ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ ﴿ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ ﴾ [ تتكرر عشـرات المرات، مؤكدة المنهج القرآني الفريد في الاقتناع العقلي للإيمان، كل هذا يؤكد ما للعقل من منزلة كبرى في الإسلام ولكن لأبد لنا وأن نعرف ماهو العقل وكيف.
- والعقلُ لغةً: أصل مادّته من الحبس والمنع والإمساك، وسمّي كذلك لأنه يحجز صاحبه ويمنعه عن الوقوع في الهَلكة .. وينهى صاحبه عن فعل ما لا يُحمد .
- أما اصطلاحاً: فالعقل عقلان: الأول غريزي طبعي، هو أبو العلم ومربّيه ومثمره، وعقلٌ كسبيٌّ مستفاد، وهو ولد العلم وثمرته ونتيجته.
- ولهذا تعدّدت تصاريف العقل في القرآن، فمرّةً ينادي النّاس إلى إعمال ما جُبلت عليه فِطرهم وعقولهم، ومرّةً ينادي أهل العلم إلى استخدام العقل الكسبيِّ الذي يصقله العلمُ والمنطق.
- العقل في القرآن :
- إن القارئ للقرآن الكريم، ليُلاحظ تصاريف لفظ العقل في كثيرٍ من الآيات، نحو ” يعقلون ” و ” تعقلون ” و ” ما يعقلها إلا العالمون ” و ” الألباب ” وغيرها
- فجاءت آياتٌ بيّناتٌ تبرز دول العقل في فهم الكلام، منها: {إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون} وقوله تعالى: {أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريقٌ منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون}
- وآياتٌ أخرى تبرز أنه يُسهم في فهم آيات الكون؛ ومنه قوله عز وجل: {وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون}
- ونصوصٌ أخرى من الوحي تبرز أن له وظيفة اختيار النافع وترك الضّار، منها قوله: {وما الحياة الدنيا إلا لعبٌ ولهو وللدّار الآخرة خيرٌ للذين يتّقون أفلا تعقلون}، وغيرها من الآيات البيّنات التي تبرزه وتستفزّه، وتنادي باستخدامه، وتُبْرِز وظائفه.
عباد الله
إن الناظر إلي قيمة العقل في القرآن الكريم يجد أن الله تعالي لما خَلَقَ اللَّهُ الإِنسَانَ أَوّلَ مَا خَلَقَهُ لَا يَعلَمُ شَيئًا، ثُمَّ أَعطَاهُ السَّمعَ وَالبَصَرَ وَالعَقلَ لِيَستَدِلَّ بِهَا عَلَى رَبِّهِ، فَيُؤمِنَ بِهِ، وَيَعبُدَهُ، وَيَشكُرَهُ عَلَى نِعمَتِهِ، قَالَ تَعَالَى: وَاللَّهُ أَخرَجَكُمْ مِن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمعَ وَالأَبصَارَ وَالأَفئِدَةَ لَعَلَّكُم تَشكُرُونَ*)وَلِذَلِكَ كَانَت عُبُودِيَّةُ التَّفَكُّرِ فِي آيَاتِ اللَّهِ وَمَخلُوقَاتِهِ مِن أَعظَمِ العُبُودِيّاتِ، لِمَا تُثمِرُهُ مِن صَلَاحِ القَلبِ، وَزِيَادَةِ إِيمَانِهِ، وَتَثبِيتِ يَقِينِهِ، قَالَ تَعَالَى فِي وَصفِ حَالِ أَصحَابِ العُقُولِ السَّلِيمَةِ: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَاختِلَافِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلبَابِ * الَّذِينَ يَذكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
وَلِأَجلِ ذَلِكَ عَاتَبَ اللَّهُ الكُفَّارَ كَثِيرًا فِي كِتَابِهِ عَلَى عَدَمِ استِعمَالِهِمْ عُقُولَهُم فِيمَا يَنفَعُهُمْ، مِن التَّفَكُّرِ فِي كِتَابِ اللَّهِ، قَالَ تَعَالَى: لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكرُكُمْ أَفَلَا تَعقِلُونَ، وَالتَّفَكُّرِ فِي حَالِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قَالَ سُبحَانَهُ: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ، وَكَثِيرًا مَا يُعَاتِبُهُم اللَّهُ بِقَولِهِ: أَفَلَا تَعقِلُونَ.
ولهذا لابد وان نعرف أن للعقل مكانة كبيرة في الإسلام فهو طوق النجاة لمن أراد أن ينجوا فعلينا أن نفكر وان نتدبر في آيات الله لعنا نصل إلي النجاة
والله أعلي أعلم
الحمدلله وكفي وصلاة وسلاما وصلاة علي عباده اللذين أصطفي وبعد
عبادالله
معاشر المسلمين: وإن الدلائل على عناية الإسلام بالعقل كثيرة؛ فمن ذلك:
أنه اعتبر العقل إحدى الضرورات الخمس الكبرى التي ينبغي المحافظة عليها، وحرَّم كل ما يضر بالعقل ويغيِّبه؛ كالخمور والمسكرات والمفتِّرات، وشرع العقوبات الرادعة لمن يتعاطى ذلك؛ حفاظاً على هذه النعمة العظيمة.
ومنها: أن الإسلام دعا العقل إلى اتباع البرهان، وأمر بنبذ الجهل والهوى والكبر والتعصب والتقليد الأعمى والجدل بالباطل والخرافات والأوهام والسحر والشعوذة والدجل؛ لأن هذه الآفات كلها تعطل العقل عن وظيفته؛ فيتمسك صاحبه بالخطأ ولو ظهر عواره، ويُعرض عن الصواب ولو استبانت أنواره، قال -تعالى-: (إِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ).
العاقل من تدبر بعقله وتفهم وابتعد بعقله عن التعصب الأعمي والتشدد وان يتدبر في آيات الله وأن يعلم علم اليقين أن الإسلام دعانا إلي إعمال العقل وإقامة الحجة ونهانا عن التطرف والتعصب بل وربما التخريب دون الرجوع إلي العقل والتفهم والتدبر
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
هذا ونسأل الله أنويرزق مصر السلم والسلام والأمن والا٠مان والله أعلي وأعلم الشيخ/ محمود البرام
No comment