بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فضيلة الأستاذ محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف
فضيلة الأستاذ نظير عياد مفتي الجمهورية
سماحة السيد عبد الهادي القصبي شيخ مشايخ الطرق الصوفية
سماحة السيد السيد محمود الشريف نقيب السادة الأشراف
معالي الوزير المحافظ الدكتور إبراهيم صابر محافظ القاهرة
معالي الوزير الدكتور مؤمن حسن بري .. وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف جيبوتي
رئيس اللجنة الدينية نواب وشيوخ
رئيس المجلس الأعلي للإعلام
فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام
معالي الوزير محمد المصطفى الياقوتي وزير الأوقاف الأسبق في السودان الشقيق
معالي المستشار عبد الراضي صديق .. رئيس هيئة النيابة الإدارية
السيدة الجليلة هناء حسين محمد رفعت حفيدة قيثارة السماء الشيخ محمد رفعت الذي تحمل النسخة الحالية من المسابقة العالمية اسمه الكريم
ضيوف مصر الكرام من أصحاب المعالي والفضيلة والسعادة من الوزراء والعلماء والسفراء
الحضور الكريم
فبرعاية كريمة من فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية حفظه الله، في هذا اليوم الكريم السبت السادس من جمادى الآخرة سنة 1446هـ الموافق السابع من ديسمبر سنة 2024م، وعلى ثرى أرض مصر الطاهر، وفي رحاب مركز مصر الثقافي الإسلامي: (مسجد مصر)، وعلى بعد خطوات من (دار القرآن) أعجب دار للقرآن الكريم في العالم أجمع تنطق المسابقة العالمية الحادية والثلاثون للقرآن الكريم وبتنفيذ وزارة الأوقاف المصرية من خلال جهود مضنية على مدى شهور من الإعداد والتحضير والتمهيد وتوجيه الدعوات واستقبال الضيوف واجتذاب المواهب من مختلف أنحاء العالم وإذكاء روح التنافس على حفظ القرآن الكريم وتدبره وفهمه وتلاوته وتجويده.
وبحضور كثيف من بضع وخمسين دولة، ومحكمين موقرين من مشاهير أهل القرآن في العالم من الجزائر وتونس وتشاد وفلسطين والأردن وبنجلاديش وسلطنة عمان، بجوار أشقائهم من السادة المحكمين المصريين المهرة بالقرآن الكريم وعلومه وفنون أدائه.
وإنه ليسعدني ويشرفني بداية أن أنقل لحضراتكم جميعا تحيات معالي الدكتور المهندس مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء الذي شرفني بالإنابة عن سيادته في افتتاح هذه المسابقة العالمية للقرآن الكريم وفي أن أنقل لحضراتكم ترحيبه الحار، وخالص دعمه وتمنياته لمؤتمرنا هذا بكل التوفيق
فمرحبا وأهلا بكم ضيوفا كراما على أرض الكنانة مصر، وقائدها الحكيم السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، وشعبها الكريم، وجيشها الباسل، وأرضها الطاهرة، ونيلها المبارك، وأزهرها الشريف.
واسمحوا لي أن أوجز كلمتي في نقاط:
أولا: ارتبطت مصر بالقرآن الكريم قبل خلق الخلق، فإن الله تعالى أزلا وقبل خلق الكون وفي قرآن العظيم وكلامه القديم شرف مصر بأن ذكرها في كلامه الشريف خمس مرات تصريحا باسمها، وفوق الأربعين مرة تلميحا وإشارة، فضلا عن أن سورا كاملة من القرآن الكريم جرت أحداثها كلها على أرض مصر وإن لم يصرح القرآن باسمها أو يشر إليه، فسورة يوسف كل أحداثها على أرض مصر، وسورة طه كل أحداثها على أرض مصر، وغالب أحداث سورة الأعراف وسورة القصص وسورة الشعراء وسورة النمل على أرض مصر، وهذا من أعجب ما يمكن، إذ لم يعتن القرآن ببقعة أخرى على وجه الأرض بعد مكة المكرمة كما اعتنى بمصر، بل إن القرآن الكريم ما وصف بالأمان سوى ثلاث بقاع محددة وهي مكة المكرمة إذ قال في اليت الحرام: (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ)، ومصر إذ قال فيها: (وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ )، وجنات النعيم إذ قال فيها: (إِنَّ ٱلۡمُتَّقِينَ فِي جَنَّٰتٖ وَعُيُونٍ (45) ٱدۡخُلُوهَا بِسَلَٰمٍ ءَامِنِينَ) ونحن في مصر نفتخر إلى يوم القيامة بهذا الشرف العظيم ونحمد الله على ذلك ونرحب بكم ضيوفا كراما على أرض هذا البلد الكريم.
ثانيا: نهضت مصر بخدمة القرآن الكريم حبا وإيمانا وتلاوة وتجويدا وأداء وحفظا وتفسيرا وعملا وتطبيقا وزخرفة ونقشا، حتى شاع بين أهل العلم قولهم: إن القرآن الكريم نزل في مكة، وقرئ في مصر، فلا تحصى صور خدمة مصر للقرآن الكريم وعلومه وفنون أدائه والتباري في محبته وخدمته، ووفقها الله لاجتذاب أهل القرآن عبر التاريخ، فالإمام أبو سعيد عثمان بن سعيد المشتهر بلقب ورش تلميذ الإمام نافع دفين أرض مصر، والإمام أبو محمد القاسم بن فِيْرُّه – بكسر الفاء وسكون التَّحتية وتشديد الراء المضمومة- الشاطبيِّ انتهت إليه رياسة الإقراء بمصر ومات ودفن بها، وشيخ الإسلام زكريا مدار أسانيد القراء، والإمام المتولي خاتمة المحققين في هذه العلوم، ومحمد خلف الحسيني، وعلي محمد الضباع، وعامر السيد عثمان، ورزق خليل حبة، وعبد الحكيم عبد اللطيف، وعشرات مئات سواهم ثم سطعت شموس دولة التلاوة، محمد رفعت، والشيخ مصطفى إسماعيل، والشيخ محمود خليل الحصري، والشيخ عبد الباسط عبد الصمد، والشيخ محمد صديق المنشاوي، والشيخ محمود علي البنا، والشيوخ علي محمود، وعبد الفتاح الشعشاعي، وكامل يوسف البهتيمي، وأبو العينين شعيشع، ومنصور شامي الدمنهوري، وعبد العظيم زاهر، ومحمد فريد السنديوني، ومحمد محمود الطبلاوي، ومحمود أحمد عبد الحكم، وراغب مصطفى غلوش، ومحمد الشحات أنور فألف الأستاذ محمود السعدني كتابه: ألحان السماء، وألف الأستاذ أسامة عبد الرحمن: (مشاهير قراء القرآن في مصر)، وألف عبد الحميد دشو كتاب: (معجم كبار القراء في مصر)، وألف أبو طالب محمود كتابه: (القرآن بصوت مصر: معجم القرآء المصريين).
وبجوار أساطين القراء وعباقرة التلاوة، برز العمالقة من المنشدين والمبتهلين، كالشيخ علي محمود، والشيح طه الفشني، والشيخ نصر الدين طوبار، والشيخ سيد النقشبندي، ومحمد الطوخي وغالبهم جمعوا بين تلاوة القرآن الكريم وروائع الإنشاد والمديح والابتهال بحب الله ورسوله.
شموس ساطعة في سماء التلاوة، في حسن الموهبة، وبديع الصوت، وجميل الأداء المبهر السماوي الروحاني المبهر.
إنها المدرسة المصرية الأصيلة والعريقة في فنون تلاوة القرآن الكريم، التي صدحت بالقرآن، فملأت أذن الدنيا جمالا وذوقا وفرحا وطربا وأنسا بالله وبرسوله.
ثالثا: المدرسة المصرية في التلاوة والإنشاد تاريخ عريق، وحاضر مشرف، ومستقبل مشرق وواعد، وها نحن اليوم نرى صورة من صور تألق المدرسة المصرية في خدمة القرآن الكريم، التي تتمثل في أمرين: قبل أيام أعلنا في وزارة الأوقاف عن مشروع جاد يسير في مسارين:
الأول: برنامج عودة الكتاتيب، والتي بدأت بقرية كفر الشيخ شحاتة في مركز تلا بمحافظة المنوفية شمال مصر، حيث تم افتتاح كتاب كبير وحافل هناك، مع مخبز للخبز وخدمة لأهالي القرية الكريمة، ودعوت جميع القرى والمدن في مصر إلى تبني هذه المبادرة والانخراط فيها ومحاكاتها، لأن الكتاتيب ليست مجرد أماكن لتحفيظ القرآن الكريم، بل هي صروح تعليمية وتربوية تزرع القيم النبيلة وتحفظ الهوية وتبني الإنسان المصري على الأخلاق الرفيعة، والفهم العميق لمعاني الدين، والانتماء الصادق للوطن، وإحياء اللغة العربية السليمة في نفوس الأجيال الجديدة، باعتبارها لغة القرآن الكريم مما يحمي الأجيال القادمة من الإرهاب والإلحاد معا.
والثاني: سلسلة من المسابقات، تأتي على رأسها مسابقة اليوم: المسابقة العالمية الحادية والثلاثون للقرآن الكريم، والتي تحظى باهتمام الدولة المصرية ورعاية فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث تستقبل مصر ضيوفها من مختلف دول العالم، وتتيح لهم جو المنافسة والتباري بإبراز مواهبهم في حفظ القرآن الكريم وفهمه وخدمته، مما نوجه به رسالة للاثنين مليار مسلم على وجه الأرض ثم للثمانية مليار إنسان على وجه الأرض: إن مصر قبلة علوم الإسلام، ورافعة راية العروبة، ومأوى علوم الشريعة، وبلد الأزهر الشريف، وما قامت بلد في الدنيا بخدمة الإسلام والقرآن كما قامت مصر، والتاريخ لا ينكر، والواقع لا يجحد، فمسابقة اليوم رسالة تقدير واحترام لكل أهل القرآن ولكل حافظ له ومتعلق به على وجه الأرض
من هنا تفجرت ينابيع القرآن عبر التاريخ ولن تنضب، من هنا سطعت أنواره ولن تخبو، من هنا تدفقت علوم الشريعة وستظل، من هنا صدحت الأصوات العبقرية والحناجر الذهبية وستظل تصدح وتولد وتشرق.
رابعا: رمزية المكان، إنه مركز مصر الثقافي الإسلامي، ومسجد مصر الكبير، ودار القرآن الفريدة التي لا مثيل، في هذا الصرح العالمي تنطلق مسابقة اليوم، وتنطلق في القريب عشرات ومئات من الفعاليات التي تملأ الدنيا نورا، وتحقق رسالة مركز مصر الثقافي، وتنير الدنيا بعلوم الأزهر الشريف ومناهجه الرصينة المنيرة، سنقتبس من القرآن قبس الحكمة الذي به نكتشف المواهب، وبه سنولد الأجيال الجديدة من عباقرة التلاوة والإنشاد، وسندرب الأئمة، وسنصنع العلماء، وسنحافظ على وطننا ونحميه وننميه، وسنمد يدنا إلى الأوطان والبلدان الشقيقة بالخير والدعم والكرم والعطاء والنور، وسننطلق إلى العالم بالقيم الرفيعة، والأخلاق القويمة، وسنبني الجسور بيننا وبين الثقافات والحضارات والفلسفات المختلفة، وسنعين العالم على حماية البيئة، وحفظ الطفولة، وتحقيق الاستدامة، وتعظيم الاستفادة من الذكاء الاصطناعي، وصناعة الحضارة، سنواجه تحدياتنا وأزماتنا، ونضخ الأمل في النفوس، ونزيح عنها كل ركام الحيرة والحزن والتشكك، سنعبر ببلادنا إلى بر الأمان، ونشارك البشرية في همومها، ونسعى إلى الله ونسير إليه على بصيرة، ونحمل مواريث النبوة.
إنها مصر إذا قررت أن تعمل وأن تنطلق، فمرحبا بكم في مصر، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
No comment