خطبة الجمعة القادمة مكتوبة للدكتور خالد بدير بعنوان: ” يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ “

خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير

الدكتور خالد بدير من علماء وزارة الأوقاف


خطبة الجمعة القادمة مكتوبة للدكتور خالد بدير 24 ربيع الأول 1446هـ -27 سبتمبر 2024م بعنوان: ” يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ “

✍ ️عناصرُ الخطبةِ
=========

✍ ️أولًا: منزلةُ العلمِ والحثُّ عليهِ في الإسلامِ.

✍ ️ثانيًا: أثرُ العلمِ في نهضةِ الأممِ وتقدمِهَا.

✍ ️ثالثًا: آثارُ ظاهرةِ الغشِّ في التعليمِ على الفردِ والمجتمعِ.

خطبة الجمعة القادمة مكتوبة للدكتور خالد بدير

الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:

✍ ️أولًا: منزلةُ العلمِ والحثُّ عليهِ في الإسلامِ.
لقد اهتمَّ الإسلامُ بقيمةِ العلمِ أيَّما اهتمامٍ، ولقد بلغتْ عنايةُ اللهِ – عزَّ وجلَّ – بنَا لرفعِ الجهلِ عنَّا أنْ كانَ أولُ ما نزلَ مِن الوحيِ على نبيِّنَا أعظمَ كلمةٍ هبطَ بهَا جبريلُ هي قولُهُ تعالَى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}(العلق:1)، وأمرُ اللهِ عزّ وجلّ بالقراءةِ والعلمِ في أولِ آيةٍ نزلتْ مِن القرآنِ دليلٌ واضحٌ على أهميةِ العلمِ في تكوينِ عقلِ الإنسانِ وفي رفعهِ إلى المكانةِ الساميةِ، فلا يستويِ عندَ اللهِ الذي يعلمُ والذي لا يعلمُ، قالَ تعالَى:

{هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} (الزمر: 9) ، ويرفعُ اللهُ الذي يطلبُ العلمَ والذي يعملُ بهِ على غيرِهِ درجاتٍ، قالَ تعالَى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (المجادلة: 11)، أي يرفعُ الذينَ أوتُوا العلمَ مِن المؤمنينَ بفضلِ علمِهِم وسابقتِهِم درجاتٍ أي على مَن سواهُم في الجنةِ.

يقولُ الإمامُ القرطبيُّ رحمَهُ اللهُ تعالى: “أيْ في الثوابِ في الآخرةِ وفي الكرامةِ في الدنيا، فيرفعُ المؤمنَ على مِن ليس بمؤمنٍ والعالمَ على مَن ليس بعالمٍ”، وقال ابنُ مسعودٍ: مدحَ اللهُ العلماءَ في هذه الآيةِ، والمعنى: أنّهُ يرفعُ اللهُ الذين أوتُوا العلمَ على الذينَ آمنوا ولم يؤتُوا العلمَ (درجاتٍ) أي درجاتٍ في دينِهِم إذا فعلُوا ما أُمرُوا بهِ.”أ.هـ

خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير

ولشرفِ العلمِ أباحَ اللهُ لنَا أكلَ الصيدِ الذي صادَهُ الكلبُ المُعَلَّمُ، وإذا صادَهُ كلبٌ غيرُ مُعلَّمٍ لا يُؤكلُ. قالَ تعالَى: {يَسْأَلونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [المائدة:4]

هذا في عالمِ الكلابِ، رفعَهُ اللهُ درجةً عن أقرانِهِ بالعلمِ، فمَا بالُكَ بمَن تعلَّمَ الكتابَ والسنةَ؟! لذلكَ قَالَ ﷺ:” إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ “. ( أحمد والبيهقي وابن ماجة بسند حسن)، وقد لعنَ الرسولُ ﷺ الدنيَا بمَن فيهَا إلّا مَن انتسبَ لشرفِ العلمِ فقالَ:” الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا، إِلاَّ ذِكْرَ اللهِ، وَمَا وَالاَهُ، أَوْ عَالِمًا، أَوْ مُتَعَلِّمًا.” ” (الطبراني وابن ماجة والترمذي وحسنه)، وكمَا قِيلَ: كُن عالمًا أو متعلمًا ولا تكنْ الثالثَ فتهلكَ.

موضوع خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف

فهنيئًا لكَ أيُّهَا العالمُ والمتعلمُ، فما هو أفضلُ مِن أنْ يستغفرَ لكَ الحوتُ في البحرِ والدوابُ وحتى النملُ تستغفرُ لطالبِ العلمِ؟! فعَن أبي الدَّرداءِ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: “مَن سَلَكَ طَرِيْقَاَ يَبْتَغِي فِيْهِ عِلْمَاً سَهَّلَ اللهُ لهُ طَرِيْقَاً إلى الجَنَّة؛ وإنَّ المَلائِكَةَ لَتَضَعُ أجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ العِلْمِ رِضَاً بِما يَصْنَعُ؛ وَإنَّ العَالِمَ لَيَسْتَغفِرُ لهُ مَن في السَّمواتِ ومَن في الأرضِ حَتَّى الحِيْتَانُ في المَاءِ؛ وفَضْلُ العَالِمِ عَلى العَابِدِ كَفَضلِ القَمَرِ على سَائِرِ الكَوَاكِبِ؛ وإنَّ العُلَماءِ وَرَثَةُ الأنبِيْاءِ؛ وإنَّ الأنبِيْاءَ لمْ يُوَرَثُوا دِيْناراً ولا دِرْهَمَاً وَإنَّما وَرَّثُوا العِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أخَذَ بِحَظٍ وَافِرٍ”.( أبو داود والترمذي وابن حبان بسند حسن).

ومع أنَّ الإسلامَ حرّمَ الحسدَ إلَّا أنَّ الشارعَ أباحَهُ في مجالِ العلمِ، فعَنْ ابنِ مَسْعودِ رضيَ اللهُ عنهُ قال: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: “لا حَسَدَ إلَّا في اثنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا فسَلَّطَهُ عَلى هَلَكتِهِ في الحَقَّ ورَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الحِكْمَةَ فَهُوَ يَقضِي بِها وَيُعَلِمُّهَا”. (متفق عليه).

إنَّ اللهَ لم يقصرْ الأجرَ على العلماءِ في حياتِهِم، بل امتدَّ الأجرُ بعدَ موتِهِم وإلى قيامِ الساعةِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ ” إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ” (الترمذي وقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ). ويحضرنِي قولُ الإمامِ الشافعِيِّ رحمَهُ اللهُ:

قد ماتَ قومٌ وما ماتتْ مكارمُهُم……………وعاشَ قومٌ وهُم في الناسِ أمواتُ

ولأهميةِ العلمِ والبحثِ العلمِي نجدُ أنَّهُ ﷺ جعلَ فداءَ كلِّ أسيرٍ مِن أسرَى بدرٍ مِمَّن يحسنونَ فنَّ القراءةِ والكتابةِ، أنْ يُعلِّمَ عشرةً مِن أبناءِ الصحابةِ، ولم يقتصرْ اهتمامُ النبيِّ عليهِ السلامُ بالحثِّ على تعليمِ العربيةِ فحسب، بل أمرَ بتعلمِ اللغاتِ الأخرَى، وكمَا قِيل:( مَن تعلمَ لغةَ قومٍ أمنَ مكرَهُم ) .


وجملةُ القولِ: فإنَّ ما تقدّمَ هو قليلٌ مِن كثيرٍ مِمّا وردَ عن النبيِّ ﷺ في شأنِ عنايتِهِ بالمسألةِ العلميةِ، تعلمًا وتعليمًا، أقوالًا وأعمالًا، مما يبرزُ اهتمامَهُ الفائقَ بولايةِ العلمِ والتعليمِ والبحثِ العلمِي.

خطبة الجمعة القادمة مكتوبة لوزارة الأوقاف منبر الدعاة

✍ ️ثانيًا: أثرُ العلمِ في نهضةِ الأممِ وتقدمِهَا

إنَّ العلمَ أساسُ نهضةِ الأمةِ وقيامِ الحضاراتِ؛ فبالعلمِ تُبنَى الأمجادُ، وتَسُودُ الشعوبُ، وتُبنَى الممالكُ، وما أجملَ قولَ سيدِنَا عليٍّ بنِ أبي طالبٍ رضي اللهُ عنهُ:

ما الفخــــرُ إلّا لأهلِ العلمِ إنّهمُ ……………..على الهدَى لِمَن استهدَى أدلاءُ
وقدرُ كلِّ امرئٍ ما كانَ يحسنُهُ ………………والجاهـلونَ لأهلِ العـلمِ أعداءُ
فـفـُزْ بعلمٍ تعشْ حيـًّا بهِ أبــدًا……………. الناسُ موتَى وأهلُ العلمِ أحياءُ
وما فشَا الجهلُ في أمةٍ مِن الأممِ إلّا قوّضَ أركانَهَا، وصدَّعَ بنيانَهَا، وأوقعَهَا في الرذائلِ والمتاهاتِ المهلكةِ.

وكما قِيلَ:       العلمُ يبنِي بيوتًا لا عمادَ لهَـا …………… والجهلُ يهدمُ بيوتَ العزِّ والكـرمِ

وكم هو شديدُ الوقعِ على النفوسِ أنْ يُرَى في الناسِ مَن شابَ رأسُهُ، ورقَّ عظمُهُ، وهو يتعبدُ اللهَ على غيرِ بصيرةٍ! وقد يُصلِّى بعضُ الناسِ أربعينَ سنةً، أو عشرينَ سنةً، أو أقلَّ أو أكثرَ وهو لم يصلِّ في الحقيقةِ؛ لأنَّ صلاتَهُ ناقصةُ الأركانِ، أو مختلةُ الشروطِ والواجباتِ، ومع ذلك لا يحاولُ تعلمَ أحكامِهَا، بينمَا يُرَى حريصًا على دنياه، ويكفِي هذا دليلًا على أنَّ اللهَ سبحانَهُ وتعالى لم يردْ بهٍ خيرًا، ولو تعلّمَ العلومَ الدنيويةَ، وتبحّرَ فيهَا، وقد وصفَ اللهُ تعالى أصحابَهَا بقولِهِ تعالَى: { يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ }؛ [الروم: 7]، وقال جلَّ شأنُهُ: { بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ }؛ [النمل: 66].

يقولُ الإمامُ ابنُ كثيرٍ رحمَهُ اللهُ: “فهؤلاءِ ليس لهم علمٌ إلَّا بالدنيا وأكسابِهَا وشؤونِهَا وما فيها، فهم حذاقٌ أذكياءٌ في تحصيلِهَا، ووجوهِ مكاسبِهَا، وهُم غافلونَ عن أمورِ الدينِ، وما ينفعُهُم في الدارِ الآخرةِ، كأنَّ أحدَهُم مغفلٌ لا ذهنَ لهُ، ولا فكرةَ”.أ.ه . ويقولُ الحسنُ البصريُّ: “واللهِ ليبلُغنَّ أحدُهُم بدنياهُ أنّهُ يقلبُ الدرهمَ على ظفرِهِ، فيخبرُكَ بوزنِهِ، وما يحسنُ أنْ يُصلِّي”؛ فكيفَ تنهضُ الأمةُ – في جميعِ مجالاتِهَا – بأمثالِ هؤلاءِ ؟!!

إنَّ مِن أهمِّ عوملِ النهوضِ بالأمةِ في المجالِ العلمِي أنْ نهتمَّ بالمعلمِ والمربِي وأنْ نشكرَ جهودَهُ، ونؤدِّيَ إليهِ بعضًا مِن حقِّهِ، وأنْ نعرفَ لهُ قدرَهُ واحترامَهُ وفضلَهُ.

إنَّ المُعلِّم والطَّبِيبَ كِلَيهِما ………………….لا يَنْصَحانِ إِذا هُما لَمْ يُكْرَما
فاصْبِرْ لِدائِكَ إِنْ أَهَنْتَ طَبِيبَهُ ……………….وَاصْبِرْ لِجَهْلِكَ إِنْ جَفَوْتَ مُعَلِّمًا

إنَّ نهضةَ الأمةِ منوطٌ بتربيةِ أجيالٍ على علمٍ وتحملِ المسئوليةِ، وما اختلتْ موازينُ الأمةِ، وفسدَ أبناؤُهَا إلّا حينمَا ضاعَ الأبناءُ بينَ أبٍ مفرطٍ لا يعلمُ عن حالِ أبنائِهِ، ولا في أيِّ مرحلةٍ يدرسونَ، ولا مع مَن يذهبونَ ويجالسونَ، ولا عن مستواهُم التحصيلِي في الدراسةِ – وبينَ مدرسٍ خانَ الأمانةَ، وتهاونَ في واجبِهِ، ولم يدركْ مسؤوليتَهُ، فدورُ الأسرةِ عظيمٌ في غرسِ هذه القيمِ في نفوسِ أبنائِهَا فهُم مسئولونَ عنهُم يومَ القيامةِ.

✍ ️ثالثًا: آثارُ ظاهرةِ الغشِّ في التعليمِ على الفردِ والمجتمعِ.

إنَّ ظاهرةَ الغشِّ في التعليمِ لهَا أثرُهَا السيءُ على تقدمِ الأممِ؛ فالغشُّ بلاءٌ ابتُلِيَ بهِ طلابُ العلمِ صغارًا وكبارًا، فهو ليس على مستوَى المراحلِ الابتدائيةِ فحسب، بل تجاوزَهَا إلى الثانويةِ والجامعةِ والدراساتِ العُليا، فكم مِن طالبٍ قدّمَ بحثًا ليس لهُ فيهِ إلَّا أنَّ اسمَهُ على غلافِهِ!! وكم مِن طالبٍ قدَّمَ مشروعًا ولا يعرفُ عمَّا فيهِ شيئًا!! وكم مِن طالبٍ حصلَ على مجموعٍ عالٍ في الشهادةِ الثانويةِ عن طريقِ الغشِّ وهو لا يحسنُ القراءةَ والكتابةَ!!

هذه الظاهرةُ التي أنتجَهَا الفصامُ النكدُ الذي يعيشُهُ كثيرٌ منَّا في مجالاتٍ شتّى، نعمْ لمَّا عاشَ كثيرٌ مِن طلابِنَا فصامًا نكدًا بينَ العلمِ والعملِ، ترى كثيرًا منهم يحاولُ أنْ يغشَّ في الامتحاناتِ، وهو قد قرأَ حديثَ الرسولِ ﷺ الذي تبرأَ فيهِ مِن الغشّاشِ قائلًا: “مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي”(مسلم)، بل رُبَّما يقرأهُ على ورقةِ الأسئلةِ، ولكن ذلك لا يحركُ فيهِ ساكنًا؛ لأنّهُ قد استقرَّ في ذهنِهِ أنّهُ لا علاقةَ بينَ العلمِ الذي يتعلمُهُ وبينَ العملِ الذي يجبُ أنْ يأتِيَ بهِ بعدَ هذا العلمِ.

لذلك حرَّمَ الإسلامُ كلَّ صورِ الغشِّ، وتبرأَ الرسولُ ﷺ مِن كلِّ الغشاشين.
إنَّ للغشِّ أسبابًا كثيرةً تعملُ على إنتاجِ هذا الخلقِ المشينِ منها:
ضعفُ الإيمانِ: فإنَّ القلوبَ إذا مُلئَتْ بالإيمانِ باللهِ لا يمكنُ أنْ تقدمَ على الغشِّ وهي تعلمُ أنَّ ذلك يسخطُ اللهَ، لا يمكنُ للقلوبِ التي امتلأتْ بحبِّ اللهِ أنْ تقدمَ على عملٍ وهي تعلمُ أنَّهُ يغضبُ اللهَ.

ومنها: ضعفُ التربيةِ: خاصةً مِن قبلِ الوالدينِ أو غيرِهِمَا مِن المدرسينَ أو المرشدين، فلا نرَى أبًا يجلسُ مع ابنِهِ لينصحَهُ ويذكرَهُ بحرمةِ الغشِّ، ويبينَ لهُ أثارَهُ وعواقبَهُ.

ومنها: تزيينُ الشيطانِ: فالشيطانُ يزينُ لكثيرٍ مِن الطلابِ أنَّ الأسئلةَ سوفَ تكونُ صعبةً، ولا سبيلَ إلى حلِّهَا والنجاحِ في الامتحاناتِ إلَّا بالغشِّ، فيصرفُ الأوقاتَ الطويلةَ في اختراعِ الحيلِ والطرقِ للغشِّ، ما لو بذلَ عشرَ هذا الوقتِ في المذاكرةِ بتركيزٍ لكانَ مِن الناجحينَ الأوائلِ!!
إنَّ الغشَّ لهُ أثرُهُ السيئُ على المجتمعِ، فهو سببٌ لتأخرِ الأمةِ، وعدمِ تقدمِهَا ورقيِّهَا، وذلك لأنَّ الأممَ لا تتقدمُ إلَّا بالعلمِ وبالشبابِ المتعلِّمِ، فإذا كان شبابُهَا لا يحصلُ على الشهاداتِ العلميةِ إلَّا بالغشِّ.

فقُلْ لِي بربِّكَ: ماذا سوف ينتجُ لنَا هؤلاءِ الطلبةُ الغشاشون ؟! ما هو الهمُّ الذي يحملُهُ الواحدُ منهُم ؟! ما هو الدورُ الذي سيقومُ بهِ في بناءِ الأمةِ ؟! لا شيء ، بل غايةُ همِّهِ وظيفةٌ بتلكَ الشهادةِ المزورةِ، لا همَّ لهُ في تقديمِ شيءٍ ينفعُ الأمةَ، أو حتى يفكرَ في ذلك؛ وهكذا تبقَى الأمةُ لا تتقدمُ بسببِ أولئكَ الغششةِ بينهَا، ونظرةُ تأملٍ للواقعِ: نرَى ذلكَ واضحًا جليًّا، فعددُ الطلابِ المتخرجينَ في كلِّ عامٍ بالآلافِ ولكن قُلْ بربِّكَ مَن منهُم يخترعُ لنَا؟! أو يكتشفُ؟! أو يقدّمُ مشروعًا نافعًا للأمةِ؟! قِلّةٌ قليلةٌ لا تكادُ تُذكَرُ!!

إنَّ هذا الغاشَّ غدًا سيتولَّى منصبًا، أو يكونُ معلمًا وبالتالِي سوفَ يمارسُ غشَّهُ للأمةِ، بل ربَّمَا علَّمَ طلابَهُ الغشَّ، بل إنَّ الوظيفةَ التي يحصلُ عليهَا بهذهِ الشهادةِ المزورةِ، أو التي حصلَ عليهَا بالغشِّ سوف يكونُ راتبُهَا حرامًا؛ لأنَّهُ بُنِيَ على حرامٍ، وأيَّما جسدٌ نبتَ مِن حرامٍ فالنارُ أولَى بهِ.
إنَّ الذي يغشُّ قد ارتكبَ عدةَ مخالفاتٍ –إضافةً إلى جريمةِ الغشِّ – منها السرقةُ، والخداعُ، والكذبُ، وأعظمُهَا الاستهانةُ باللهِ، و تركُ الإخلاصِ، وتركُ التوكلِ على اللهِ …إلخ

فعلينا جميعًا أنْ نتعاونَ في مقاومةِ هذه الظاهرةِ، كلٌّ بحسبِ استطاعتِهِ وجهدِهِ، فالأبُّ في بيتِهِ ينصحُ أبنائَهُ ويرشدُهُم ويحذرُهُم بينَ الحينِ والآخرِ، والمعلمُ والمرشدُ في المدرسةِ والجامعةِ كلٌّ يقومُ بالوعظِ والإرشادِ، وكذلك الداعيةٌ في خطبِهِ ودروسِهِ، والإعلامُ بوسائلِهِ المختلفةِ.
وهكذا كان العلمُ سبيلًا وطريقًا لتقدمِ الأممِ ورقيِّهَا وازدهارِهَا في كلِّ زمانٍ ومكانٍ.

نسألُ اللهَ أنْ يرزقَنَا علمًا نافعًا، وقلبًا خاشعًا، وبدنًا على البلاءٍ صابرًا ؛؛؛؛؛؛
   الدعاء،،،،،،،                             وأقم الصلاة،،،،،                         

عدد المشاهدات : 119

No comment

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *