خطبة الجمعة القادمة مكتوبة للشيخ ثروت سويف بتاريخ 4أكتوبر 2024م الموافق 1من ربيع الثاني 1446ه تحت عنوان “وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ” للشيخ ثروت سويف
اقرأ في هذه الخطبة
أولا : وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ( من أنواع النصر )
ثانياً: نصر اكتوبر المبين ( فضل مصر وجندها )
ثالثاً: (وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) من أسباب النصر
رابعاً: الطريق إلى النصر
خطبة الجمعة القادمة مكتوبة للشيخ ثروت سويف
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، أَعَزَّ جُنْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأحْزَابَ وَحْدَهُ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَفَعَ رَايَةَ الدِّينِ، وَوَعَدَ مَنْ نَصَرَهُ بِالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ، فَقَالَ: ﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد: 7]
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ إِلَهُ الْأَوَّلِينَ والآخِرِينَ القائل في كتابه {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47].
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إمَامُ الْمُتَّقِينَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الْغُرِّ الْمَيَامِينِ .
أَمَّا بَعْدُ:
فَيَا عِبَادَ اللَّهِ ، لَا يَزَالُ الْمَكْرُ بالْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ مُنْذُ أَنْ قَالَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ) لكن رسول الله أخبرنا أن هذه الأمة منصورة وان خذلها من خذلها لأن النصر من السماء
فعن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تَزالُ طائِفَةٌ مِن أُمَّتي ظاهِرِينَ علَى الحَقِّ، لا يَضُرُّهُمْ مَن خَذَلَهُمْ، حتَّى يَأْتِيَ أمْرُ اللهِ وفي رواية: وهُمْ كَذلكَ)) صحيح مسلم
وروي الحاكم عن أُبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بشِّرْ هذهِ الأُمَّةَ بالتَّيسيرِ ، والسَّناءِ والرِّفعةِ بالدِّينِ ، والتَّمكينِ في البلادِ ، والنَّصرِ ، فمَن عمِلَ منهُم بعملِ الآخرةِ للدُّنيا ، فليسَ لهُ في الآخرةِ مِن نصيبٍ )) الحاكم في المستدرك
أولا : وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ
عباد الله: وعد الله -عز وجل- المؤمنين بالنصر فقال عز وجل: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم: 47] قال ابن كثير: قوله ( وكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ) هو حق أوجبه على نفسه الكريمة، تكرما وتفضلا، كقوله: ( كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ )
خطبة الجمعة القادمة مكتوبة للشيخ ثروت سويف بعنوان “وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ
ثم ذكر الحديث عن أبى الدرداء قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «مَن ردَّ عن عِرضِ أخيه ردَّ اللهُ عن وجهِه النَّارَ يومَ القيامةِ : ثم تلا صلّى الله عليه وسلم هذه الآية» رواه أحمد . تفسير بن كثير
فإذا حقق المؤمنون الإيمانَ والعمل الصالح في أي زمان ومكان، فتمسكوا بالقرآن والسنة، وأطاعوا الله ورسوله، فإنه يرحمهم، وينصرهم الله على أعدائهم
خطبة الجمعة القادمة مكتوبة
وقال ابن القيم رحمه الله: “النصر والتأييد الكامل إنما هو لأهل الإيمان الكامل، فمن نقص إيمانه نقص نصيبه من النصر والتأييد، ولهذا إذا أُصيب العبد بمصيبة في نفسه أو ماله، أو بإدالة عدوه عليه، فإنما هي بذنوبه؛ إما بترك واجب، أو فعل محرم، وهو من نقص إيمانه… والله سبحانه قد بيَّن في كتابه أنه ناصر المؤمنين في الدنيا والآخرة، وهذا كثير في القرآن، وقد بيَّن سبحانه فيه أن ما أصاب العبد من مصيبة، أو إدالة عدو، أو كسر، وغير ذلك فبذنوبه”؛ [إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (2/ 182، 183)].
فما تعريف النصر ؟
النصر هو هزيمة الخصم في كل مجال وذلك في الدنيا ويوم القيامة يرد المؤمنين الي جنة ربهم فيفوزون وينهزم الكافرين فيصرون الي النار فيها يثتغيثون اقرأ إن شئت قول الله تعالى ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ﴾ (غافر:51).
أنواع النصر ……..
من أنواع النصر الذي وعد الله به المؤمنين: نصر العزة، والتمكين في الأرض، وجعل الدولة للإسلام، والجولة للإسلام وقد أشار الله عَزَّ وَجَلَّ إلى هذا المعنى في قوله تعالى عن ذي القرنين: (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا) [الكهف: 84]
كما نصر الله -عز وجل- نبيه محمداً -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم-، فما فارق النبي -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- الدنيا حتى أقرّ الله -عز وجل- عينه بالنصر المبين، والعز والتمكين، بل جعل الله -عز وجل- النصر ودخول الناس في دين الله أفواجاً علامة قرب أجل النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فقال تعالى: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ) [النصر: 1 – 3]
حتي أشد المحن كن واثقا من النصر بموعود الله ورسوله روي الإمام البخاري عَنْ أَبِي عَبْدِاللهِ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ متَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ في ظلِّ الْكَعْبَةِ، فَقُلْنَا: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلَا تَدْعُو لَنَا؟ فَقَالَ: «قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهَا، ثُمَّ يُؤْتَى بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَينِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ، مَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللهِ لَيُتِمَّنَّ اللهُ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ» رواه البخاري.
خطبة الجمعة القادمة مكتوبة للشيخ ثروت سويف بعنوان “وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ
وفي رواية: «وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً وَقَدْ لَقِينَا مِنَ المُشْرِكِينَ شدَّةً»
فارق النبي -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- الدنيا وقد حكم الإسلام جزيرة العرب، ثم فتح تلامذته من بعده البلاد شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، حتى استنار أكثر المعروف من الأرض بدعوة الإسلام، وسالت دماء الصحابة في الأقطار والأمصار، يرفعون راية الإسلام وينشرون دين الله عز وجل
حتى وقف عقبة بن عامر على شاطئ الأطلنطي وقال: “والله يا بحر لو أعلم أن وراءك أرض تفتح في سبيل الله لخضتك بفرسي هذا” وما كان يعلم أن وراءه الأمريكتان.
وهذا الخليفة المسلم هارون الرشيد نظر إلى السحابة في السماء وقال لها: “أمطري حيث تشائين فسوف يأتيني خراجك”
ومن أنواع النصر كذلك -عباد الله-: أن يهلك الله -عز وجل- الكافرين والمكذبين، وينجي رسله وعباده المؤمنين. قال -عز وجل- حاكياً عن نوح -عليه السلام-: (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ * وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ) [القمر: 10 – 15].
وكما نصر الله -عز وجل-هوداً وصالحاً ولوطاً وشعيباً -عليهم الصلاة والسلام-، أهلك الله -عز وجل- الكافرين والمكذبين، وأنجى رسله وعباده المؤمنين.
وما نصر بيته في مكة وحماه من كيد النصراني الم-جرم أبرهة الحبشي
أَرَادَ أَبْرَهَةُ الأَشْرَمُ أَنْ يَهْدِمَ الْكَعْبَةَ لِيَحُجَّ النَّاسُ إِلَى كَنِيسَةٍ لَهُ بَنَاهَا، وَلَمَّا وَصَلَ أَبْرَهَةُ إِلَى مَشَارِفِ مَكَّةَ بِجَيْشِهِ وفِيلِهِ، وَمَعَهُمْ أَبِي رِغَالٍ يَدُلُّهُ عَلَى الطَّرِيقِ، فأَغَارَ جَيْشُهُ عَلَى إِبِلِ أَهْلِ مَكَّةَ فَأَصَابُوا إِبِلًا لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ قُرَيْشٍ، فَجَاءَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إِلَى أَبْرَهَةَ، فَلَمَّا رَآهُ أَبْرَهَةُ عَظَّمَهُ وَأَكْرَمَهُ، وَنَزَلَ أَبْرَهَةُ إِلَى الْبِسَاطِ فَجَلَسَ عَلَيْهِ مَعَهُ .
فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: “أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنَّكَ قَدْ أَصَبْتَ لِي إِبِلاً فَارْدُدْهَا عَلَيَّ”، فَقَالَ لَهُ أَبْرَهَةُ: “لَقَدْ أَعْجَبْتَنِي حِينَ رَأَيْتُكَ وَلَقَدْ زَهِدْتُ فِيكَ حِينَ تَكَلَّمْتَ” قَالَ: وَلِمَ؟ قَالَ: “أَتُكَلِّمُنِي فِي إِبِلٍ لَكَ، وَتَتْرُكُ بَيْتًا هُوَ دِينُكَ وَدِيِنُ آبَائِكَ جِئْتُ لِأَهْدِمَهُ لَا تُكَلِّمُنِي فِيهِ؟” فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: “أَنَا رَبُّ هَذِهِ الْإِبِلِ، وَلِلْبَيْتِ رَبٌّ سَيَمْنَعُهُ وَيَحْمِيهِ” فَرَدَّ عَلَيْهِ إِبِلَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إِلَى قَوْمِهِ فَأَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ وَأَنْ يَتَفَرَّقُوا فِي الشِّعَابِ وَرُؤُوسِ الْجِبَالِ، وَتَوَجَّهَ أَبْرَهَةُ وَجَيْشُهُ وَفِيلُهُ نَحْوَ مَكَّةَ وَتَهَيَّئُوا لِلدُّخُولِ،
وَقَرَّبَ فِيْلَهُ وَحَمَلَ عَلَيْهِ فَلَمَّا حرَّكُوهُ وَقَفَ ثُمَّ بَرَكَ إِلَى الْأَرْضِ، فَضَرَبُوهُ عَلَى رَأْسِهِ فَأَبَى، فَإِذَا وَجَّهُوهُ إِلَى الْيَمَنِ هَرْوَلَ، حَتَّى لَحِقَ الْفِيلُ بِجَبَلٍ! ثُمَّ كَانَتْ آيَاتُ اللهِ وَقُدْرَتُهُ، ﴿ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ، تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ، فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ﴾ [الفيل: 3 – 5] حَتَّى أَهْلَكَتْهُمْ وَجَعَلَهُمُ اللهُ عِبْرَةً لِلْمُعْتَبِرِينَ.
اللهُ أكْبَرُ جَاءَ أَبْرَهَةُ لِيَهْدِمَ الْكَعْبَةَ فَهَدَمَ اللهُ كَيَانَهُ، وَزَلْزَلَ أَرْكَانَهُ وَأَعْوَانَهُ، فَأَمْطَرَهُمْ بِالْحِجَارَةِ، وَصَبَّ عَلَيْهِمُ الْوَيْلَ وَالْخَسَارَةَ، فَسُبْحَانَ مَنْ نَقْضَ مَا أَبْرَمُوهُ، وَأَبْطَلَ مَا دَبَّرُوهُ، جَاءَتْهُمْ حِجَارَةٌ مِنْ طِينٍ، تَسْحَقُ الطَّاغِينَ، وَتُمَزِّقُ الْمَارِقِينَ، وَمَا رَمَتِ الطُّيُورُ يَوْمَ رَمَتْ، وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى، وَلِبَيْتِهِ حَمَى، وَلِلْمُعْتَدِينَ الْمَوْتُ وَالْعَمَى ﴿ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إلَّا الْكُفُورَ ﴾ [سبأ: 17]. لَقَدْ كَانَ لِهَؤُلاَءِ الضُلَّالِ فِي أَسْلاَفِهِمْ عَبْرَةٌ وآيَةٌ، لكِنَّهُمْ أَشْقِيَاءُ لاَ يَتَّعِظُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ .
{فأَيْنَ الْمَفَرُّ؟ وَالْإلَهُ الطَّالِبْ ♤ والْفَاجِرُ الْمَغْلُوبُ غَيْرُ الْغَالِبْ} . أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ ﴾ [العنكبوت: 67]
النوع الثالث من النصر:
هو نصر العقيدة والإيمان، وهو أن يثبت المؤمنون على إيمانهم، وأن يضحوا بأبدانهم حماية لأديانهم، وأن يؤثروا أن تخرج أرواحهم ولا يخرج الإيمان من قلوبهم، فهذا نصر للعقيدة ونصر للإيمان
– لقد قص علينا القرآن الكريم قصة أصحاب الأخدود، الذين ما انتقم الظالمين منهم إلا أنهم يقولون لا اله الا الله وقد ورد ذكرها في سورة البروج، وهي مفصلة فيما رواه مسلم في صحيحه، وهذا نص الحديث: عَنْ صُهَيْبٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كَانَ مَلِكٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ، فَلَمّا كَبِرَ، قَالَ لِلْمَلِكِ: إِنّي قَدْ كَبِرْتُ، فَابْعَثْ إِلَيّ غُلاَمًا أُعَلّمْهُ السّحْرَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ غُلاَمًا يُعَلّمُهُ، فَكَانَ فِي طَرِيقِهِ إِذَا سَلَكَ رَاهِبٌ، فَقَعَدَ إِلَيْهِ، وَسَمِعَ كَلاَمَه، فَأَعْجَبَهُ
فَكَانَ إِذَا أَتَىَ السّاحِرَ، مَرّ بِالرّاهِبِ، وَقَعَدَ إِلَيْهِ، فَإِذَا أَتَىَ السّاحِرَ ضَرَبَهُ، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَىَ الرّاهِبِ، فَقَالَ: إِذَا خَشِيتَ السّاحِرَ، فَقُلْ: حَبَسَنِي أَهْلِي، وَإِذَا خَشِيتَ أَهْلَكَ، فَقُلْ: حَبَسَنِي السّاحِرُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ؛ إِذْ أَتَىَ عَلَىَ دَابّةٍ عَظِيمَةٍ، قَدْ حَبَسَتِ النّاسَ، فَقَالَ: الْيَوْمَ أَعْلَمُ آلسّاحِرُ أَفْضَلُ أَمِ الرّاهِبُ أَفْضَلُ؟ فَأَخَذَ حَجَرًا، فَقَالَ: اللّهُمّ إِنْ كَانَ أَمْرُ الرّاهِبِ أَحَبّ إِلَيْكَ مِنْ أَمْرِ السّاحِرِ، فَاقْتُلْ هَذِهِ الدّابّةَ، حَتّىَ يَمْضِيَ النّاسُ، فَرَمَاهَا، فَقَتَلَهَا، وَمَضَىَ النّاسُ، فَأَتَىَ الرّاهِبَ، فَأَخْبَرَهُ
فَقَالَ لَهُ الرّاهِبُ: أَيْ بُنَيّ أَنْتَ الْيَوْمَ أَفْضَلُ مِنّي، قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرَىَ، وَإِنّكَ سَتُبْتَلَىَ، فَإِنِ ابْتُلِيتَ، فَلاَ تَدُلّ عَلَيّ، وَكَانَ الْغُلاَمُ يُبْرِئُ الأَكْمَهَ، وَالأَبْرَصَ، وَيُدَاوِي النّاسَ مِنْ سَائِرِ الأَدْوَاءِ، فَسَمِعَ جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ كَانَ قَدْ عَمِيَ، فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ، فَقَالَ: مَا هَا هُنَا لَكَ أَجْمَعُ، إِنْ أَنْتَ شَفَيْتَنِي، فَقَالَ: إِنّي لاَ أَشْفِي أَحَدًا، إِنّمَا يَشْفِي اللّهُ، فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللّهِ، دَعَوْتُ اللّهَ، فَشَفَاكَ، فَآمَنَ بِاللّهِ، فَشَفَاهُ اللّهُ، فَأَتَىَ الْمَلِكَ، فَجَلَسَ إِلَيْهِ كَمَا كَانَ يَجْلِسُ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَنْ رَدّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ؟ قَالَ: رَبّي، قَالَ: وَلَكَ رَبّ غَيْرِي؟ قَالَ: رَبّي وَرَبّكَ اللّهُ، فَأَخَذَهُ، فَلَمْ يَزَلْ يُعَذّبُهُ؛ حَتّىَ دَلّ عَلَىَ الْغُلاَمِ، فَجِيءَ بِالْغُلاَمِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: أَيْ بُنَيّ قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ مَا تُبْرِئُ الأَكْمَهَ، وَالأَبْرَصَ، وَتَفْعَلُ، وَتَفْعَلُ، فَقَالَ: إِنّي لاَ أَشْفِي أَحَدًا، إِنّمَا يَشْفِي اللّهُ، فَأَخَذَهُ، فَلَمْ يَزَلْ يُعَذّبُهُ؛ حَتّىَ دَلّ عَلَى الرّاهِبِ، فَجِيءَ بِالرّاهِبِ
فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأَبَىَ، فَدَعَا بِالْمِئْشَارِ، فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ، فَشَقّهُ؛ حَتّىَ وَقَعَ شِقّاهُ، ثُمّ جِيءَ بِجَلِيسِ الْمَلِكِ، فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأَبَى، فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ، فَشَقّهُ بِهِ؛ حَتّىَ وَقَعَ شِقّاهُ، ثُمّ جِيءَ بِالْغُلاَمِ، فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينكَ، فَأَبَىَ، فَدَفَعَهُ إِلَىَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ إِلَىَ جَبَلِ كَذَا وَكَذَا، فَاصْعَدُوا بِهِ الْجَبَلَ، فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذِرْوَتَهُ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ، وَإِلاّ فَاطْرَحُوهُ، فَذَهَبُوا بِهِ، فَصَعِدُوا بِهِ الْجَبَلَ، فَقَالَ: اللّهُمّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ، فَرَجَفَ بِهِمُ الْجَبَلُ، فَسَقَطُوا، وَجَاءَ يَمْشِي إِلَىَ الْمَلِكِ
فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللّهُ، فَدَفَعَهُ إِلَىَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ، فَاحْمِلُوهُ فِي قُرْقُورة، فَتَوَسّطُوا بِهِ الْبَحْرَ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ، وَإِلاّ فَاقْذِفُوهُ، فَذَهَبُوا بِهِ، فَقَالَ: اللّهُمّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ، فَانْكَفَأَتْ بِهِمُ السّفِينَةُ، فَغَرِقُوا، وَجَاءَ يَمْشِي إِلَىَ الْمَلِكِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللّهُ، فَقَالَ لِلْمَلِكِ: إِنّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي؛ حَتّىَ تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ، قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: تَجْمَعُ النّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَتَصْلُبُنِي عَلَىَ جِذْعٍ، ثُمّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي، ثُمّ ضَعِ السّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ
ثُمّ قُلْ: بِاسْمِ اللّهِ، رَبّ الْغُلاَمِ، ثُمّ ارْمِنِي، فَإِنّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ، قَتَلْتَنِي، فَجَمَعَ النّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَصَلَبَهُ عَلَىَ جِذْعٍ، ثُمّ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، ثُمّ وَضَعَ السّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ، ثُمّ قَالَ: بِاسْمِ اللّهِ، رَبّ الْغُلاَمِ، ثُمّ رَمَاهُ، فَوَقَعَ السّهْمُ فِي صُدْغِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي صُدْغِهِ فِي مَوْضِعِ السّهْمِ، فَمَاتَ، فقال النّاسُ: آمَنّا بِرَبّ الْغُلاَمِ، آمَنّا بِرَبّ الْغُلاَمِ، آمَنّا بِرَبّ الْغُلاَمِ، فَأُتِيَ الْمَلِكُ، فَقِيلَ لَهُ: أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ؟ قَدْ -وَاللّهِ- نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ، قَدْ آمَنَ النّاسُ، فَأَمَرَ بِالأُخْدُودِ فِي أَفْوَاهِ السّكَكِ، فَخُدّتْ، وَأَضْرَمَ النّيرَانَ، وَقَالَ: مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ، فَأَحْمُوهُ فِيهَا، أَوْ قِيلَ لَهُ: اقْتَحِمْ، فَفَعَلُوا؛ حَتّىَ جَاءَتِ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِيّ لَهَا، فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيهَا، فَقَالَ لَهَا الْغُلاَمُ: يَا أُمّهِ، اصْبِرِي، فَإِنّكِ عَلَىَ الْحَقّ.
وهذا يذكرنا بما يحدث الآن في غزة ولبنان والعراق وسوريا .
نوع رابع من أنواع انتصار المؤمنين:
وهو أن يحمي الله -عز وجل- عباده المؤمنين من كيد الكافرين، كما قال تعالى: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) [النساء: 141] وكما قال عز وجل لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَالنَّاسِ) [المائدة: 67].
وجاء في السيرة المباركة كيف عصمه الله -عز وجل- من الرجل الذي رفع عليه السيف وقال: من يعصمك مني؟ فقال: “الله” فارتجف الرجل وسقط السيف من يده, وقصة الشاة المسمومة التي أنطقها الله -عز وجل- وأخبرت النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنها مسمومة, وقصة إجلاء بني النضير, ونزول جبريل وميكائيل يوم أحد يدافعان عن شخص النبي .
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر، إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر”. وقال -صلى الله عليه وسلم-: “إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها”.
ثانياً : جيشٌ مصر العظيم ينتصر على الصهاينة في عام ثلاثة وسبعين
لما طغا أحفاد القردة والخنازير وتآمر المتآمر علي الدول العربيه في عام 1967م وهزمت الجيوش العربية كان الصبر ثم النصر المبين في العام ثلاث وسبعين وكما وعد ربنا وكان حقا علينا نصر المؤمنين علا الصوت بالتكبير فكان نصر اكتوبر المبين
في يوم السادس من اكتوبر العاشر من رمضان عبر جيشنا قناة السويس وحطم خط برليف الحصين وهزم غرور بني صهيون وكان يوما من أيام الله الخالدة في ذاكرة الأمة وصفحة ناصعة من صفحات الجهاد والكفاح وما جاء هذا النصر الا بالوحدة الوطنية
والتدريب الجيد والإعداد الجيد وقوة ايمان الرجال وعزيمة الأبطال
والاستعانة بأبناء الوطن المخلصين مع إحكام الخطة علميا جيداً مع وعي القيادة والتفكير السليم فكان نصر من الله تعالى وفتح مبين ودخل أرض الفيروز واستعادة هيبة مصر وأرضها
ونحن في ذكرى حرب يوم السادس من اكتوبر المجيده أسأل الله ان يرفع قدر مصر وان يجعلها سخاءا رخاءا وان يجعل رزقها رغدا ياتيها من كل مكان وان يوحد كلمتنا ويرفع رايتنا وان يرحم شهداءنا وأن ينصر جيشنا العظيم
يا أمتي وجب الكفاح فدعي التشدق والصياح
لغة الكلام تعطلت إلا التكلم بالرماح
إنا نتوق لألسن بكمٍ على أيدٍ فصاح
لا بد من صنع الرجال ومثله صنع السلاح
لا يصنع الأبطال إلا في مساجدنا الفساح
لا يستوي في منطق الـ إيمان سكرانٌ وصاح
من همه التقوى وآ خر همه كأسٌ وراح
شعبٌ بغير عقيدة ورقٌ تذريه الرياح
من خان حي على الفلاح يخون حي على الكفاح
عباد الله: إن المُقَاتِلُ المِصْرِيُّ مِنْ فَجْرِ التَّارِيخِ, عَقِيدَتُهُ؛ النَّصْرُ أَوْ الشَّهَادَةُ, لَا يَعْرِفُ سِوَى هَذَا.
يُقَتَّلُونَ, فِي سَبِيلِ اللهِ يَمْضُونَ, تُزْهَقُ أَرْوَاحُهُم, تُكْلَمُ قُلُوبُ أُمَّهَاتِهِم، يَتَيَتَّمُ أَطْفَالُهُم, تَتَرَمَّلُ نِسَاءُهُم, يَبْكِيهِم كُلُّ جَارٍ وَحَبِيبٍ، وَهُم يَتَسَاقَطُونَ, لَا يُبَالُونَ, عَقِيدَتُهُم النَّصْرُ أَوْ الشَّهَادَةُ, لِمَاذَا يُقْتَلُون؟!
هُم يُقَاتِلُونَ مِنْ أَجْلِ القَضِيَّةِ, مِنْ أَجْلِ وَأْدِ المُؤَامَرَةِ.
لَا بَأْسَ, إِنَّ المَجْدَ لَا يُصْنَع إِلَّا بِالتَّضْحِيَّاتِ الغَالِيَةِ, بِالدِّمَاءِ النَّازِفَةِ, بِالأَرْوَاحِ الزَّاهِقَةِ, إِنَّ القِيَمَ وَالمُثُلَ لَا يُؤَسَسُ لَهَا وَلَا تُعْلَى, إِلَّا بِالتَّضْحِيَّاتِ العَظِيمَةِ, إِنَّ المَجْدَ العَظِيمَ لَا يُصْنَعْ إِلَّا بِتَضْحِيَةٍ عَظِيمَةٍ.
فنسال الله النصر علي الاعداء وان تحيا مصر وتظل رايتها مرفوعة بسواعد أبناءها وبسالة رجالها
واللهُ المُسْتَعَانُ, وَعَلَيهِ التُّكْلَان, وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيم.
عباد الله: «هَذِهِ هِيَ مِصْرُ الغَالِيَةُ صَخْرَةُ العرب والإِسْلَامِ وفَضْلُ مِصْرَ في القُرْآنِ وَالسُّنَّةِ »
هَذِهِ مِصْرُ، وهِيَ أَرْضٌ عربيه وإِسْلَامِيَّةٌ والحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ؛ فَلَنْ يُدَافَعَ عَنْهَا الا أبناءها وجيشها وشرطتها ولأجل ترابها وحياتها ولأَجْلِ دِينِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، ولِيَظَلَّ الأَذَانُ فِيهَا مَرْفُوعًا، ولِتَظَلَّ الجُمَعُ والجَمَاعَات والأعيَادُ، ولِتَظَلَّ شَعَائِرُ الإسْلَامِ فِيهَا قَائِمَةً رَغْمَ أَنْفِ الحاقدين
إِنَّهَا مِصْرُ الَّتِي لم يُفَرِّطُ فِيهَا أَبْنَاؤهَا مِمَّنْ يَنْتَمُونَ إِلَى هذا البلد العظيم إنها كنانة الله في أرضه
وَقَدْ تَضِيقُ أَخْلَاقُ الرَّجُلِ فَيَظُنُّ أَنَّ وَطَنَهُ قَد ضَاقَ بِهِ، وَالحَقُّ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ القَدِيمُ:
وَرَبُّكَ مَا ضَاقَت بِلَادٌ بِأَهْلِهَا *** وَلَكِنْ أَخْلَاقَ الرِّجَالِ تَضِيقُ
من فَضْلُ مِصْرَ فِي القُرْآنِ الكريم :
ذَكَرَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- حِكَايَةً عَن قَوْلِ يُوسُفَ: ﴿ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِين﴾ [يوسف: 99].
قَالَ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ﴾ [يوسف: 21].
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ﴾ [يوسف: 30].
والمَدِينةُ: مَنْف، والعَزِيزُ: رئيسُ وزراءِ مِصْر حِينَئِذٍ.
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا﴾ [القصص: 15].
وهي مَنْفٌ مدينةُ فِرْعَوْنَ.
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى﴾ [القصص: 20]. هي مَنْفٌ أَيْضًا.
وَقَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عن فِرْعَوْن وافْتِخَارِهِ بِمِصْرَ: ﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي﴾ [الزخرف: 51].
وَقَالَ تَعَالَى حِينَ وَصَفَ مِصْرَ وَمَا كانَ فيه آلُ فِرْعَوْنَ مِن النِّعْمَةِ والمُلْكِ بِمَا لَمْ يَصِف به مَشْرِقًا وَلَا مَغْرِبًا، وَلَا سَهْلًا وَلَا جَبَلًا، وَلَا بَرًّا وَلَا بَحْرًا: ﴿كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ *وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِين﴾ [الدخان: 25-27].
والمَقَامُ الكَرِيمُ: مِصْرُ، فَقَدْ كَرَّمَهَا اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَوَصَفَهَا بِالكَرَمِ في كِتَابِهِ العَزِيزِ.
فَهَلْ يُعْلَمُ أَنَّ بَلَدًا مِنْ البُلْدَانِ فِي جَمِيعِ أَقْطَارِ الأَرْضِ أَثْنَى عَلَيْهِ الكِتَابُ العَزِيزُ بِمِثْلِ هَذَا الثَّنَاءِ، أَوْ وَصَفَهُ بِمِثْلِ هَذَا الوَصْفِ، أَو شَهِدَ له بِالكَرَمِ غَيْرَ مِصْرَ؟
بعض من فَضْلُ مِصْرَ فِي السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ:
روَي مُسْلِمٍ عَن رسولِ اللهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي مِصْرُ فَاسْتَوْصُوا بِقِبْطِهَا خَيْرًا، فَإِنَّ لَكُم مِنْهُم صِهْرًا وَذِمَّةً». وَرَوَى أَبُو ذَرٍّ عَن النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «سَتَفْتَحُونَ أَرْضًا يُذْكَرُ فِيهَا القِيرَاطُ فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا، فَإِنَّ لَهُم ذِمَّةً وَرَحِمًا». أَخْرَجَهُ الطبرانيُّ والحَاكِمُ عن كَعْبِ ابْنِ مَالِك يَرْفَعُهُ: «إِذَا فُتِحَت مِصْرُ فَاسْتَوْصُوا بِالقِبْطِ خَيْرًا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً
ثالثاً: (وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)
أسباب النصر والتمكين
أيها الإخوة انتصر الإسلام لما وجد الرجال الذين يقومون به ويضحون من أجله، والله -عز وجل- يقول: (وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) [الصافات: 173]، فإذا كنا جنداً لله -عز وجل- فلا بد أن ينصرنا الله -عز وجل-.
تعالوا بنا نلخص بعض تلك الأسباب
1 – تحقيق الإيمان والإسلام الكامل
قال الله سبحانه: ﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْـمُؤْمِنِينَ ﴾ [الروم: 47]، وقال الله تعالى: ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51]، وقال عز وجل: ﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْـمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 141]
وَقَدْ سَجَّلَ التَّارِيخُ لَنَا صُوَرًا لِلنَّصْرِ يَكَادُ الْعَقْلُ يَعْجَزُ عَنْ إِدْرَاكِهَا؛ فَجَيْشٌ قِوَامُهُ ثَلاَثَةُ آلاَفٍ يَقِفُ أَمَامَ مِئَتَيْ أَلْفٍ فِي مُؤْتَةَ، وَمَا الْقَادِسِيَّةُ عَنَّا بِبَعِيدٍ؛ إلاَّ أَنَّ أَشَدَّ الْمَلاَحِمِ سَوَادًا هِيَ عِنْدَمَا يَتَعَرَّضُ الْفَجَرَةُ الْكَفَرَةُ لِمُقَدَّسَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَيُثِيرُوا مَشَاعِرَ عَوَّامِهَا فَضْلًا عَنْ أَبْطَالِهَا وَعُلَمَائِهَا وَأُولِي الْفَضْلِ فِيهَا؛ لَكِنَّهُمْ دَائِمًا مَا يَرْجِعُونَ بِالْخُسْرَانِ وَالْخَيْبَةِ، وَلَنَا فِي التَّارِيخِ عِبْرَةٌ .
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَلَا عُدْوَانَ إلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ
عِبَادَ اللَّهِ، إِنَّ قِصَّةَ غَزْوِ الإِسْلاَمِ وَأَهْلِهِ وَمُقَدَّسَاتِهِمْ دَرْسٌ عَقَدِيٌّ، وَسُنَّةٌ رَبَّانِيَّةٌ، وَقُدْرَةٌ إلَهِيَّةٌ، تَأَمَّلُوا عَظِيمَ قُدْرَةِ اللَّهِ وَشَدِيدَ بَأْسِهِ وَأَخْذِهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَجِبُ أَنْ يَقُومَ فِي قُلُوبِنَا، فَنَعْلَمَ أَنَّ رَبَّنَا سُبْحَانَه يُمْهِلُ وَلَا يُهْمِلُ، وَأَنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ، وَأَنَّ الْكُفَّارَ وَالطُّغَاةَ مَهْمَا أُوتُوا مِنْ قُوَّةٍ وَسِلاَحٍ أَنْ لَوْ شَاءَ اللهُ لأَفْنَاهُمْ، وَإِنَّ رَبَّكَ لَعَلِيمٌ حَكِيمٌ .
عِبَادَ اللَّهِ لا يزال الاعداء يتربصون بنا وبديننا ولن يرضوا عنا حتي حتى نتبعهم ولن يحدث هذا بإذن الله فعلينا نستعد حتى ننصر من الله
رابعاً: الطريق إلى النصر …….
وطريق النصر على الأعداء هو الإقبال على العلم النافع، والتفقه في الدين، وتقوي الله وإيثار مراضي الله على مساخطه
قال قتادةُ: “من يتَقِ الله يكُن معه، ومن يكُن الله معه فمعه الفئةُ التي لا تُغلَب، والحارِسُ الذي لا ينام، والهادِي الذي لا يضِلّ”.
والعناية بما أوجب الله، وترك ما حرم الله، والتوبة إلى الله من سالف الذنوب، ومما وقع من التقصير التوبة الصادقة والتعاون الكامل بين الدولة والشعب على ما يجب من طاعة الله ورسوله، والكف عن محارم الله عز وجل
قال عُمرُ – رضي الله عنه -: “إنما سبقتُم الناسَ بنُصرة هذا الدين”.
عباد الله : كشف لِكُلِّ ذِي لُبٍّ حَسَدَ المستعمرين من اليهود والنَّصَارَى وَحِقْدَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَرْضِهِمْ عُمُومًا! فهل تستفيق ونخرج من هذا الغثاء
عن ثوبان، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها». فقال قائل: ومِن قلة نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن». فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: «حب الدنيا، وكراهية الموت». أخرجه أبو داود في سننه
اعلموا أن ما نراه من الاعداء الآن فهو زائل بمجرد رجوعنا الي ديننا وعزتنا وقوتنا حتما لابد من لقاء العدو لكن في وقت يشاءه الله
عباد الله: أتت الأحاديث الصحيحة كذلك بأن المسلمين سوف يقاتلون اليهود ولا شك أن دولتهم ستزول قبل هذه الحرب ثم يأتون مع الدجال عندها يتكلم الحجر والشجر
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد، فإنه من شجر اليهود.
ونسأل الله تعالى أن يعلي راية الإسلام وينصر الأمة على عدوه وعدوها.
وقوله: “يا مسلم” يدل على أن المسلمين في هذا الوقت يعملون بدين الله، لا ينتسبون إلى الإسلام ظلماً وزوراً.
نسأل الله أن يستعملنا في طاعته وأن يجنبنا معصيته، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل ..
اللهم انصر الإسلام واعز المسلمين وانصر المستضعفين في كل مكان ووقت وحين
هذا وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة؛ نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].
جمع وترتيب \ ثروت سويف
امام وخطيب ومدرس بالأوقاف المصرية
No comment