خطبة الجمعة القادمة بتاريخ ١١ اكتوبر ٢٠٢٤م الموافق ٨ ربيع الثاني ١٤٤٦ه تحت عنوان : ( رَحِمَ اللَّهُ رجلًا سَمْحًا ) للشيخ ماهر خضير
خطبة الجمعة القادمة للشيخ ماهر خضير
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة بعنوان
رحم الله رجلا سمحا
أما بعد: أيها المؤمنون، فإن من أجمل الصفات التي حثنا ديننا الحنيف على التمسك بها، هي سمة السماحة والكرم. فالسماح هو العطاء بصدر رحب، والتسامح مع الآخرين، واللين في القول والفعل.
قال الله -تعالى-: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}
وورد في الحديث الشريف: “رحم الله رجلاً سمحاً إذا اشترى وإذا باع وإذا اقتضى”، حديث عظيم في دلالته، وعميق في معانيه، يدعونا إلى التمسك بأخلاق الإسلام السمحة، وخاصة في المعاملات المالية.
من هو الرجل السمح؟
الرجل السمح هو ذلك الإنسان الذي يتميز بالكرم والسخاء، والعطاء، واللين في معاملاته، والبعد عن الغش والخديعة. هو الذي ييسر على الناس أمورهم، ولا يضيق عليهم، بل يوسع عليهم. هو الذي يبتغي وجه الله في معاملاته، ولا يجعل المال هدفه الأول والأخير.
أهمية السماحة في الإسلام:
• تطهير النفوس: السماحة تطهر النفس من الأنانية والبخل، وتزرع فيها المحبة والتآخي.
ومن فضائل السماحة أنها تورث محبة الله، ولازم ذلك محبة الناس، فيكون المتصف بالسماحة محبوبا مقبولا عند الله وعند خلقه، كما في المصنف لابن أبي شيبة عن زيد بن أسلم قال: قال النبي (ﷺ): “أحب الله عبدا سمحا إذا باع، سمحا إذا اشترى، سمحا إذا قضى، سمحا إذا اقتضى”
• زيادة البركة: إن السماحة تزيد في الرزق والبركة، كما قال تعالى: “وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا”.
• كسب المحبة والاحترام: إن الرجل السمح يحظى بحب واحترام الناس، ويكون قدوة حسنة لهم.
• القرب من الله: إن السماحة تقرب العبد من ربه، وتجعله من أهل الخير.
قال تعالى (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)
وقال -(ﷺ)-: «اللَّهُمَّ! مَنْ وَلِي مِنْ أَمْرِ أمَّتِي شَيْئـًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَاشْقُقْ عَلَيْهِ. وَمَنْ وَلِي مِنْ أَمْرِ أمَّتِي شَيْئـًا فَرَفَقَ بِهِمْ، فَارْفُقْ بِهِ». [رواه مسلم (1828)، من حديث عائشة].
وقال-(ﷺ)-: «ألا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّار أو بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النارُ؟ عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ لَيِّنٍ سَهْلٍ». رواه الترمذي
أوجه السماحة في المعاملات:
• السماحة في البيع والشراء: أن يكون البائع صادقًا في وصف السلعة، وأن يكون المشتري عادلاً في الثمن.
• السماحة في الديون: أن يكون الدائن سمحًا في تحصيل حقه، وأن يكون المدين ملتزماً بسداد دينه.
قال – (ﷺ)-:« كَانَ رَجُلٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَكَانَ يَقُولُ لِفَتَاهُ: إِذَا أَتَيْتَ مُعْسِرًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ؛ لَعَلَّ اللَّهَ يَتَجَاوَزُ عَنَّا. قال: فَلَقِي اللَّهَ فَتَجَاوَزَ عَنْه». [رواه البخاري، ومسلم، من حديث أبي هريرة]. وقال أيضـًا: «حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ شَيء، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ يُخَالِطُ النَّاسَ، وَكَانَ مُوسِرًا، فَكَانَ يَأْمُرُ غِلْمَانَهُ أَنْ يَتَجَاوَزُوا عَنِ الْمُعْسِرِ، فقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ، تَجَاوَزُوا عَنْهُ». رواه مسلم
• السماحة في المعاملات اليومية: أن يكون المسلم سمحًا في جميع معاملاته، سواء كانت مع أهله أو جيرانه أو زملائه.
يخبرنا النبي (ﷺ) أن رجلاً اشترى من رجل أرضا فوجد المشتري بها ذهبا ولشدة ورعه رد هذا الذهب إلى البائع؛ لأنه اشترى الأرض ولم يشتر الذهب الذي أودع فيه، فأبى البائع أيضا أن يأخذه؛ لشدة تحريه وورعه، ولأنه باع الأرض بما فيها، فاختصما وقالا للقاضي: ابعث من يقبضه وتضعه حيث رأيت، فامتنع، فسألهما هل عندهما أولاد؟ فأخبر أحدهما أن عنده غلام، وأخبر الآخر أن عنده جارية، فاقترح عليهما أن يزوج الشاب البنت وينفق عليهما من هذا الذهب وأن يتصدقا منه.
كيف نكون أصحاب سمة؟
• التقرب إلى الله: إن التقرب إلى الله بالصلاة والذكر والدعاء يجعل القلب عامراً بالإيمان، وهذا الإيمان ينعكس على سلوك الإنسان.
• التأسي بالنبي (ﷺ): كان النبي (ﷺ)أسخى الناس، وأكرمهم، وكان يعطي حتى يبكي من حوله.
• تجنب البخل: البخل صفة مذمومة، وهي من صفات المنافقين.
• التعود على العطاء: العطاء يولد العطاء، فكلما أعطينا زاد الله لنا.
ختامًا:
أيها المؤمنون، السماحة هي زينة المؤمن، وهي مفتاح القلوب، وهي طريق إلى الجنة. فلتكن سماحتكم شعاركم في حياتكم، وليكن الله في عونكم.
اللهم اجعلنا من السمحين، واجعلنا من أهل الجنة، اللهم آمين.
دعاء:
اللهم ارزقنا من فضلك وسعتك، واجعلنا من عبادك الصالحين، اللهم ارزقنا القلوب السليمة والألسنة الطاهرة والأعمال الصالحة، اللهم آمين.
أعدها الشيخ
ماهر السيد خضير
امام وخطيب ومدرس بأوقاف المنوفية
No comment