موضوع خطبة الجمعة القادمة مكتوبة للشيخ ثروت سويف بعنوان “وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا”

خطبة عن لغة القرآن والحفاظ على الهوية

الشيخ ثروت سويف من علماء وزارة الأوقاف


موضوع خطبة الجمعة القادمة مكتوبة للشيخ ثروت سويف بتاريخ ٢٥ اكتوبر ٢٠٢٤م الموافق ٢٢ ربيع الثاني ١٤٤٦ه‍ تحت عنوان { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا } الكلمة الطيبة

اقرأ في هذه الخطبة
أولا – وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا
ثانياً : ( وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ ) الكلام مسطور ومحفوظ
ثالثاً – الكلمة الخبيثة تهدم البيوت
رابعاً – الكلمة أمانة فأمسك عليك لسانك
الخطبة الأولى
الحمد لله الرحيم الرحمن الذي علم القران وخلق الانسان فعلمه البيان وبلغنا المرام وزادنا من فضله فتبارك اسم ربك ذو الجلال والاكرام بيديه العطاء والفلاح

وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً بها للقلب انفساح وانشراح،  سبحانه هو الكريم الفتاح، أهل الكرم والسماح، المجزل لمن عامله بالأرباح، سبحانه فالق الإصباح وخالق الأرواح، أحمده سبحانه على نعمٍ تتجدد بالغدو والرواح، وأشكره على ما صرف من المكروه وأزاح، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله الذي أرسل بالهدى والصلاح، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ما بدا نجم ولاح

أما بعد:
فلقد دعانا الله تعالى إلى الطيب من الكلام والحسن من القول فقال : ” وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24). سورة الحـج.
أولا : وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا
لقد أمرنا ربنا تبارك وتعالى بحسن القول في غير موضع من كتابه فقال سبحانه: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83]
و”الحُسن” هو الاسم العام الجامع لجميع معاني الحسن.

قال العلاّمةُ القرطبيُّ -رحمه الله-: “ينبغي للإنسان أن يكونَ قولُه للناس ليّنًا، ووجهُه منبسطًا مع البَرِّ والفاجرِ، من غير مُدَاهَنةٍ؛ لأنّ الله -تعالى- قال لموسى وهارون: (فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) [طه:44]، يعني: لفرعون، فالقائلُ ليس بأفضلَ من موسى وهارون، والفاجرُ ليس بأخبثَ من فرعون، وقد أمرَهما ربُّهما باللين معه”
فثبت أن جميع آداب الدين والدنيا داخلةً تحت قوله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا }

فالحسن من القول : أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ، وحلم ، وعفو ، وصفح ، وقولوا للناس حسنا كما قال الله ، وهو كل خلق حسن رضيه الله .
فصاحب الكلمة الطيبة محبوب ولهذا قال الإمام علي رضي الله عنه: “من لانت كلمته، وجبت محبته”

فاتقوا الله عباد الله وراقبوا أقوالكم وأعمالكم ولا تدعوا للشيطان عليكم سبيلاً: قال جل وعلا: ” وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا} (53) . سورة الإسراء.
فالكلم الحسن الطيب هو الذي يصعد إلى الله تعالى قال عز من قائل : ” مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ } (10) . سورة فاطر .

فالقول الحسن والكلمة الطيبة وقاية من النار كما أخبر بذلك النبي المختار-صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما عن عدي بن حاتم رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( اتَّقوا النَّار ولو بشِقِّ تمرةٍ فإنْ لم تجِدوا فبكلمةٍ طيِّبةٍ )
جاء في كتاب فتح المغيث للسخاوي -رحمه الله- ما نصه: “روينا عن المزني قال: سمعني الشافعي يوما وأنا أقول: فلان كذاب، فقال: يا إبراهيم، اُكس ألفاظك أحسنها! لا تقل: فلان كذاب، ولكن قل: حديثه ليس بشيء”

عباد الله : إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – هو الـمَـثَلُ الأعلى لأُمَتِهِ – وقد أوتى جوامع الكلام وكان حسن المنطق طيب الكلام لا يقول الا حقا ووحيا وقد عَلّمَنَا،  أدَب التخاطبِ وعِفّةَ اللسانِ، كيف لا وهو القائل «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ؛ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» رواه البخاري ومسلم. وقال عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ” لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا بِاللَّعَّانِ وَلَا الْفَاحِشِ وَلَا الْبَذِيءِ ” رواه الترمذي

وخير كلمة طيبة وأحسن قول حسن كلمة التوحيد كما قال النبي-صلى الله عليه وسلم-: ((خَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )) .
فما من أحد أحسن قولًا ممن دعا إلي توحيد الله وعبادته كما قال سبحانه: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } [فصلت: 33]

قال السعدي: “هذا استفهام بمعنى النفي المتقرر أي: لا أحد أحسن قولا. أي: كلامًا وطريقة، وحالة {مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} بتعليم الجاهلين، ووعظ الغافلين والمعرضين، ومجادلة المبطلين، بالأمر بعبادة الله، بجميع أنواعها، والحث عليها”.

يقول وهب بن منبه: “ثلاث من كُنّ فيه أصاب البر: سخاوة النفس، والصبر على الأذى، وطيب الكلام”
أيها الإخوة : إن الكلام الليّن يغسل الضغائن المستكنّة في النفوس، ويحول العدو اللدود إلى حميم ودود
ادفع بالتي هي أحسن
قال الله تعالى في كتابه العزيز: “وَلَا تَسْتَوِے اِ۬لْحَسَنَةُ وَلَا اَ۬لسَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالتِے هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا اَ۬لذِے بَيْنَكَ وَبَيْنَهُۥ عَدَٰوَة كَأَنَّهُۥ وَلِيٌّ حَمِيم ” سورة فصلت.

أيها الاخوة: جراحات السنان لها التئام …. ولا يلتئم ما جرح اللسان
مرّ يهودي يجر وراءه كلباً بإبراهيم بن أدهم فأراد أن يستفزه فقال له: يا إبراهيم أَلِحَْيتك أطهر من ذَنَب هذا الكلب أم ذنبه أطهر منها؟ فرد عليه إبراهيم بهدوء المؤمن وأدبه وقوة حجته: إن كانت لِحْيتي في الجنة فهي أطهر من ذَنَب كلبك، وإن كانت في النار لذنب كلبك أطهر منها.. فما كان من اليهودي إلا أن قال: دينٌ يأمر بهذه الأخلاق حريّ بي أن أتّبعه، ونطق الشهادتين!!! عباد الله : مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَليقل لِفَاعِلِهِ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ “.

ومن عاد مريضًا فليدع له وليقل: “لاَ بَأْسَ، طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ”.
وإن أصابه كرب أو ابتلي ببلية فليحمد الله وليقل: “لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَرَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ”.
عباد الله : إن القول الحسن والكلام الطيب شعار لقائلهما ودليل على طيب نفسه، فقد تستطيع بقولك الحسن أن تحول العدو بإذن الله إلي صديق وتقلب الضغائن التي في القلوب إلي محبة ومودة.
وكم من مُشكلات حُلَّت، وكم من صِلات قَويَت، وكم من خُصُومات زالت بكلمة طيبة.

ثانياً: الكلام مسطور ومحفوظ ( وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ )
ابن آدم إن معك ملكان كاتبان يكتبان كل لفظة تلفظها حتي الصفير يقول أكتب صفير وعلي الله التفسير .

يقول الله عز وجل: ( إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) ق

أيها المسلمون: في هذه الآية تذكير للمؤمنين برقابة الله عز وجل التي لا تتركه لحظة من اللحظات، ولا تغفل عنه في حال من الأحوال، حتى فيما يصدر عنه من أقوال، وما يخرج من فمه من كلمات؛ كل قول محسوب له أو عليه، وكل كلمة مرصودة في سجل أعماله.

وذكر عن الإمام أحمد أنه كان يئن في مرضه ، فبلغه عن طاوس أنه قال : يكتب الملك كل شيء حتى الأنين . فلم يئن أحمد حتى مات رحمه الله
ويوم القيامة ينكشف الحساب ويكون الجزاء قال تعالي ( وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) الكهف .

أي : من خير أوشر وقال الحسن البصري وتلا هذه الآية : ( عن اليمين وعن الشمال قعيد ) : يابن آدم ، بسطت لك صحيفة ، ووكل بك ملكان كريمان أحدهما عن يمينك ، والآخر عن شمالك ، فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك ، وأما الذي عن يسارك فيحفظ سيئاتك فاعمل ما شئت ، أقلل أو أكثر حتى إذا مت طويت صحيفتك ، وجعلت في عنقك معك في قبرك ، حتى تخرج يوم القيامة ، فعند ذلك يقول : ( وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) [ الإسراء ]
ثم يقول : عدل – والله – فيك من جعلك حسيب نفسك .

وبِتركِ الفضول تكمُل العقول، والخَرسُ خيرٌ من التفوُّه بالباطل، والبكمُ خيرٌ منَ النّطقِ بالكذِب والزّور، وشرّ الناس مائِلٌ بمقاله مميلٌ بلسانِه مُبطِل بكلامِه، وشرّ الكلام ما خالَفَ كتابَ الله وسنّةَ رسوله -صلى الله عليه وسلم- ممّا تنبو عن قبولِه الطِّباع، وتتجافى عن استِماعه الأسماع.
جاء في كتاب السير أن زبيدة لامت زوجها الرشيد عل حبّه المأمون دون الأمين، فقال لها: الآن أريك عذري، فدعا الرشيد ولده الأمين -وكانت عنده أعواد مساويك- فقال له: ما هذه يا محمد؟ فقال: مساويك! ثم دعا المأمون، وقال له: ما هذه يا عبد الله؟ قال: ضدّ محاسنك يا أمير المؤمنين! فقالت زبيدة: الآن بان لي عذرك. وذلك أنها عرفت أن ما كان عليه المأمون من الذوق الرفيع، وحسن التلفظ، وجمال العبارة، جعل له المنزلة الرفيعة عند الرشيد.

فينبغي على المرء أن يحفظ لسانه وأن ينتقي كلامه وألا يتكلم إلا بالخير، فربَّ كلمة لا ترضي الله تُوبِقُ على المرء دنياه وآخرته
أيّها المسلمون: عثراتُ القولِ طريقُ الندَم، والمنطِق الفاسِد الذي لا نِظام له ولا خِطام عنوانُ الحرمان ودليل الخذلان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ-رضي الله عنه عن النبيّ ﷺ قَالَ: إنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ تَعَالى مَا يُلقِي لهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّه بهَا دَرَجاتٍ، وَإنَّ الْعبْدَ لَيَتَكلَّمُ بالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ تَعالى لا يُلْقي لهَا بَالًا يهِوي بهَا في جَهَنَّم ) رواه البخاري.

واعلموا أن اللسان هو ترجمان القلب، وقد كلفنا الله عز وجل أن نحافظ على استقامة قلوبنا واستقامة القلب مرتبطة باستقامة اللسان
قال الإمام يحيى بن معاذٍ التَّابعيُّ: “القلوب كالقدور تغلي بما فيها، وألسنتها مصارفها، فانظر إلى الرجل حين يتكلَّم، فإنَّ لسانه يغترف لك مما في قلبه”.

وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا يَسْتَقيمُ إِيمانُ عبدٍ حتَّى يَستَقيمَ قلبُه، ولا يَسْتَقيمُ قلبُه حتَّى يَستَقيمَ لسانُه، ولا يدخُلُ الجنَّةَ رجُلٌ لا يَأْمَنُ جارُه بَوائِقَه )) .

اخي المؤمن احذر لسانك فإن اعضاءك تجذر وكل صباح تحدثه أن يكون طيب المنطق روى الترمذي وعن أَبي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه عن النَّبيّ ﷺ قَالَ: إِذَا أَصْبح ابْنُ آدَمَ، فَإنَّ الأعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسانَ، تَقُولُ: اتِّقِ اللَّه فينَا، فَإنَّما نحنُ بِكَ؛ فَإنِ اسْتَقَمْتَ اسَتقَمْنا، وإنِ اعْوججت اعْوَججْنَا رواه الترمذي. .

أيها الأخوة في الله :

إن كثيراً من الأمراض التي تصيب العلاقات الاجتماعية من غيبة، ونميمة، وسب، وشتم، وقذف، وخصام، وكذب، وزور وغيرها … فللسان فيها أكبر النصيب، وإذا سمح الإنسان للسانه أن يلغو في هذه الأعراض وغيرها كان عرضة للنهاية التعيسة والإفلاس في الآخرة، وشتان بين إفلاس الدنيا وإفلاس الآخرة.
قال بعضُ السلف: “لا تجدُ شيئًا من البرِّ يتبعُه البرُّ كلُّه غيرَ اللسان؛ فإنَّكَ تجدُ الرجلَ يصومُ النهارَ ويُفطرُ على الحرامِ، ويقومُ الليلَ ويشهدُ الزورَ بالنهار، ولكنَّكَ لا تجدُه لا يتكلَّمَ إلاَّ بحقٍّ فيُخالفُ ذلك عملُه أبدًا”
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((أتَدرونَ ما المُفلِسُ ؟ إنَّ المُفلسَ من أُمَّتي مَن يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ ، وزكاةٍ ، ويأتي وقد شتَم هذا ، وقذَفَ هذا ، وأكلَ مالَ هذا ، وسفكَ دمَ هذا ، وضربَ هذا ، فيُعْطَى هذا من حَسناتِه ، وهذا من حسناتِه ، فإن فَنِيَتْ حَسناتُه قبلَ أن يُقضَى ما عليهِ ، أُخِذَ من خطاياهم ، فطُرِحَتْ عليهِ ، ثمَّ طُرِحَ في النَّارِ ))

وروى الترمذي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قلت يا نبيَّ اللهِ، إِنَّا لمؤاخَذونَ بما نتَكلَّمُ بِه؟ قال: ثَكلتكَ أمُّكَ يا معاذُ، وَهل يَكبُّ النَّاسَ في النَّارِعلَى وجوهِهِم، أوعلَى مناخرِهم، إلَّا حصائدُ ألسنتِهم )) أي جزاء ما تكلموا به من الحرام .

وبالمقابل أيها الأخوة فإن ضبط المؤمن للسانه ومحافظته عليه وسيلة لضمان الجنة بإذن الله، وهذا وعد رسول الله .

عِبَادَ اللهِ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِِيحِهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ».

ما بين لحييه (يعني لسانه) وما بين رجليه (يعني فرجه) أضمن له الجنة )) أخرجه البخاري .

جاءَ أعرابيٌّ إلى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: دُلَّني على عَملٍ يُدخلُني الجَنَّةَ، قَالَ: “أَطْعِمِ الجَائعَ، وَاسْقِ الظَمآنَ، وأمُر بالمعروفِ، وَانْهَ عن المنكرِ، فَإِنْ لَ‍مْ تُطِقْ فَكُفَّ لِسَانَكَ إلاَّ مِنْ خَيْرٍ” رواه ابنُ أبي الدنيا بإسنادٍ جيّدٍ.

والشريعة الإسلامية أخبرتنا أن اللسان نعمة من أجل وأعظم نعم الله علينا، فبه النطق والبيان، وبه التسبيح والتهليل، وتنزيه الله تعالى عن النقائص، وذكره، واللسان كما أنه سبب في دخول النار، كذلك هو سبب في دخول الجنة، ففي سنن الترمذي: (عَنْ عَلِىٍّ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا تُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا ». فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « لِمَنْ أَطَابَ الْكَلاَمَ وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ وَأَدَامَ الصِّيَامَ وَصَلَّى لِلَّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ »،
أيها المسلمون :

لقد كان خوف السلف من آفات اللسان عظيماً. فهذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: (وما من شيء أحوج إلى طول سجن من لسان ). وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول: أنصف أذنيك من فيك، فإنما جعلت أذنان وفم واحد لتسمع أكثر مما تكلم به .

وقال عمر رضي الله عنه: من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه، ومن كثرت ذنوبه كانت النار أولى به.

وكان ابن عباس رضي الله عنهما يأخذ بلسانه ويقول: ويحك قل خيرا تغنم، واسكت عن سوء تسلم، وإلا فاعلم أنك ستندم .

فاتقوا الله عباد الله واضبطوا ألسنتكم، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تتلفظوا، فما كان خيراً فتكلموا به، وما كان سوءاً فدعوه، واحذروا من آفات اللسان فإنها لا تزال بالمرء حتى تهلكه .

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم /يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) [الأحزاب].

ثالثاً : الكلمة الحبيثة تهدم الأسرة
لقد أخبر ربنا تبارك وتعالى في كتابه عن الأساس الذي تبنى عليه البيوت فقال: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }[الروم: 21] فيحتاج كلًا من الزوجين لاختيار أفضل الألفاظ وأحسنها للتخاطب في ما بينهم وإبداء مشاعر الحب والمودة والرحمة، وإنَّ في هدي نبينا-صلى الله عليه وسلم- خيرَ مثال على ذلك وأفضلَ دليل، فَعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((إِنِّي لَأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى)) قَالَتْ: فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: ” أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، فَإِنَّكِ تَقُولِينَ: لاَ وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى، قُلْتِ: لاَ وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ ” قَالَتْ: قُلْتُ: أَجَلْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ .

هكذا كان النبي-صلى الله عليه وسلم- يعامل أهله فلنقتدي به فإن لنا فيه أسوة، كما قال سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } [الأحزاب: 21].

موقف أبا مسلم
عباد الله إن الإسلامُ دينُ العَدْلِ والرَّحمَةِ، وقد قام على أُسُسٍ مَتِينَةٍ من شأنِها تَقْوِيَةُ الرَّوَابِط والعلاقاتِ بين أفرَادِ المجتمَعِ المسلِمِ؛ بما يُحقِّق التَّآخِي والتَّآلُف، ويَحفظُ المجتمَعَ مِن عوامِلِ التَّفَكُّكِ والانشِقاقِ.
روي الإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ليسَ منَّا من خبَّبَ امرأةً علَى زوجِها أو عبدًا علَى سيِّدِه} رواه أبو داود وأحمد.

وفي هذا الحديثِ تَتجَلَّى تعالِيمُ الإسلامِ العالِيةُ حيثُ يُحذِّر النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مَن يُوقِعَ العَداوةَ بين النَّاسِ في العلاقاتِ الاجتِمَاعيَّةِ فيقول: (ليس مِنَّا مَن خبَّبَ امرأةً على زَوْجِها)، أي: ليس على طَريقتِنا وسُنَّتِنا وأحكامِ شَرْعِنا، و”خبَّب امرأةً”، أي: أفْسَدَها وخَدَعَها بحيثُ يُزَيِّنُ لها عَداوةَ الزَّوْجِ بذِكْرِ مَساوِئِه أو يَذْكُرُ محاسَن رجُلٍ أجنَبِيٍّ عنها فتُقارِنُه بزَوْجِها، أو يُحسِّن إليها الطَّلاقَ؛ ليتَزَوَّجَها أو يُزَوِّجَها لغَيْرِه.

وفي الحديثِ: التَّحذِيرُ مِن إيقَاعِ العَدَاوةِ بين النَّاسِ، وأنَّه من الظُّلْمِ البيِّنِ.


قصة أبو مسلم ذكر العلامة ابن كثير رضي الله عنه قال
كان أبو مسلم الخولاني إذا دخل منزله سلّم، فإذا بلغ وسط الدار كبّر، وكبرت امرأته، فإذا بلغ البيت كبر، وكبرت امرأته، فيدخل فتنزع رداءه، وحذاءه، وتأتيه بطعام فيأكل.

فجاء ذات ليلة فكبر، فلم تجبه، ثم أتى باب البيت فسلم وكبر، فلم تجبه، وإذا بالبيت ليس فيه سراج، وإذا هي جالسة بيدها عود تنكث به في الأرض.

فقال لها: مالك؟ قالت: الناس بخير وأنت أبو مسلم، تعني لا شيء لك، لو أنك أتيت معاوية فيأمر لنا بخادم ويعطيك شيئا تعيش به.
فقال: اللهم من أفسد علي أهلي فأعم بصره، وكانت أتتها امرأة وقالت: أنت امرأة أبي مسلم، فلو كان زوجك كلم معاوية ليخدمكم ويعطيكم.
قال: فبينما هذه المرأة في منزلها والسراج يزهر إذ أنكرت بصرها، فقالت: سراجكم طفئ؟

قالوا: لا، قالت: إنا لله ذهب بصري، فأقبلت كما هي إلى أبي مسلم فلم تزل تناشده الله وتطلب منه، قال: فدعا الله فرد عليها بصرها، ورجعت امرأته إلى حالتها التي كانت عليها “.

وفي رواية: ” إن امرأة خبثت عليه امرأته، فدعا عليها فذهب بصرها فأتته فقالت: يا أبا مسلم إني قد كنت فعلت وفعلت وإني لا أعود لمثلها فقال: اللهم إن كانت صادقة فاردد عليها بصرها، قال: فأبصرت
إياك وخطر الكلمة فإن النظام الفتان يوقع بين الأحبة ولا يدخل الجنة نمام.

رُوِيَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ , أَنَّهُ قَالَ: بَاعَ رَجُلٌ غُلَامًا، فَقَالَ لِلْمُشْتَرِي لَيْسَ فِيهِ عَيْبٌ إِلَّا أَنَّهُ نَمَّامٌ، فَاسْتَخَفَّهُ الْمُشْتَرِي فَاشْتَرَاهُ عَلَى ذَلِكَ الْعَيْبِ.
فَمَكَثَ الْغُلَامُ عِنْدَهُ أَيَّامًا ثُمَّ قَالَ لِزَوْجَةِ مَوْلَاهُ: إِنَّ زَوْجَكِ لَا يُحِبُّكِ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَتَسَرَّى عَلَيْكِ، أَفَتُرِيدِينَ أَنْ يَعْطِفَ عَلَيْكِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ.
قَالَ لَهَا: خُذِي الْمُوسَى وَاحْلِقِي شَعَرَاتٍ مِنْ بَاطِنِ لِحْيَتِهِ إِذَا نَامَ.
ثُمَّ جَاءَ إِلَى الزَّوْجِ وَقَالَ: إِنَّ امْرَأَتَكَ تَخَادَنَتْ يَعْنِي اتَّخَذَتْ خَلِيلًا.
وَهِيَ قَاتِلَتُكَ.

أَتُرِيدُ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَكَ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَتَنَاوَمْ لَهَا.

فَتَنَاوَمَ الرَّجُلُ، فَجَاءَتِ امْرَأَتُهُ بِمُوسَى لِتَحْلِقَ الشَّعَرَاتِ فَظَنَّ الزَّوْجُ أَنَّهَا تُرِيدُ قَتْلَهُ، فَأَخَذَ مِنْهَا الْمُوسَى فَقَتَلَهَا فَجَاءَ أَوْلِيَاؤُهَا فَقَتَلُوه.
فَجَاءَ أَوْلِيَاءُ الرَّجُلِ وَوَقَعَ الْقِتَالُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ . كتاب تنبيه الغافلين وأحياء علوم الدين وقد قيل: فمُ العاقِل ملجَم، إذا همَّ بالكلام أحجَم، وفَم الجاهِلِ مطلَق، كلّ ما شاء أطلَق والعاقِلُ -عباد الله- من لزِم الصمت إلا عن حقٍّ يوضِحه، أو باطلٍ يَدحضه، أو خيرٍ ينشُرُه، أو علمٍ يذكره، أو فضلٍ يشكره فاحفــظ لســانك أيهــا الإنســـان .. .. لا يلــدغــنك إنه ثعبـــان
كم في المقابر من صريع لسانه .. .. كانت تهاب لقاءه الأقران
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد

فإن الكلمةُ الطيّبةُ -عباد الله- تغسلُ الضغائنَ المستكنةَ في الجوارح، وتجمعُ الأفئدةَ، وتجلبُ المودّةَ، ولكم في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أُسوةٌ حسنةٌ؛ فقد قال: “لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوفِ شَيئًا، وَلَو أنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلِقٍ” رواه مسلم. قال عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه-: “البرُّ شيءٌ هيّنٌ؛ وجهٌ طَليقٌ، وكلامٌ ليّنٌ”.

رابعاً : الكلمة أمانة فأمسك عليك لسانك .

جاء عقبة بن عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عنها..
ففي المسند وغيره.. عن عقبة ابن عامر قال: قلت:[ يا رسول الله، ما النجاة؟. قال: “أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك].(رواه أحمد وغيره).

عباد الله: من الأمانة أن يلتزم المسلم بالكلمة الجادة، والطيبة والموعظة الحسنة فيعرف قدر الكلمة وأهميتها؛ فالكلمة قد تُدخل صاحبها الجنة وتجعله من أهل التقوى, قال تعالى: ” أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء . تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ . وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ . (24 – 26) سورة إبراهيم.

قال ابن قيم الجوزية رحمه الله: «شبَّه الله تعالى الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة؛ لأن الكلمة الطيبة تُثمر العمل الصالح، والشجرة الطيبة تثمر الثمر النافع» كما أخبر بذلك النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، أنه رُبَّ كلمةٍ طيبةٍ أبعدت قائلها من النار، مصداق ذلك حديث أبي هريرة: يقول ﷺ: الكلمة الطّيبة صدقة ) فالتَّسبيحة صدقة، والتَّحميدة صدقة، والتَّهليلة صدقة، وكل كلمةٍ طيبةٍ صدقة
عباد الله: الكلمة الطيبة قد تهدي إنسانًا، الكلمة الطيبة قد تُغيِّر مجتمعًا. والكلمة الطيبة قد يُنقذ الله بها قلوبًا أو يعمر بها نفوسًا، بل قد يحيي بها الله أقوامًا من السبات.

وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ بِالْحَدِيثِ ، ثُمَّ الْتَفَتَ ، فَهِىَ أَمَانَةٌ. أخرجه أحمد “وأبو داود والتِّرْمِذِيّ

قال الشاعر :
يَمُوتُ الْفَتَى مِنْ عَثْرَةٍ مِنْ لِسَانِهِ * * * وَلَيْسَ يَمُوتُ الْمَرْءُ مِنْ عَثْرَةِ الرِّجْلِ
فَعَثْرَتُهُ مِنْ فِيهِ تَرْمِي بِرَأْسِهِ * * * وَعَثْرَتُهُ بِالرِّجْلِ تَبْرَى عَلَى مَهْلِ
وقال آخر :
وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداهُ
فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه
ولقد أحسن من قال:

لسان الفتى حتف الفتى حين يجهلُ     وكلّ امرئ ما بين فكَّيه مَقتَلُ
وكم فاتحٍ أبواب شرٍّ لنفسه       إذا لم يكن قفلٌ على فِيهِ مُقفَلُ
إذا ما لسان المرء أكثر هَذْرَهُ       فذاك لسانٌ بالبلاءِ مُوَكَّلُ
إذا شئت أن تحيا سعيداً مُسَلَّماً      فدبّر وميّز ما تقولُ وتَفعَلُ
فحفظ الأمانة وحسن أدائها دليل على صدق إيمان العبد , وخيانة الأمانة دليل على نفاق العبد , عَنْ مَسْرُوقٍ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ:أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ ، كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ ، حَتَّى يَدَعَهَا : إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ. أخرجه “أحمد و”البُخَاري

وقَالَ أَحْمد بن الخصيب للمُنتصِر: يَا أميرَ الْمُؤمنِينَ: أحسنْ إِلَى النَّاس يُحبُّوكَ، وأفْشِ فيهْم العدْل يحمدوك، وَلَا تُطْلِق لغيرْك عَلَيْهِم لِساناً وَلَا بدا فيَذمُّوك

اللهم طهر قلوبنا من النفاق وعملنا من الرياء والسنتنا من الكذب و عيوننا من الخيانة فإنك تعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور ….

عباد الله: ويعظ عبد الله بن عمر ابنه فيقول له: بني أن البر شئ هين .. وجه طليق وكلام لين وخير منه كلام ربنا تبارك وتعالى الذي يقول : { وَعِبَادُ الرَّ‌حْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْ‌ضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} الفرقان:63 .

وقال -صلى الله عليه وسلم-: “عَلىَ كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقةٌ”، قالوا: فإن لم يجد؟ قال: “فَيَعْمَلُ بِيَدِهِ، فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّق”، قالوا: فإن لم يستطعْ أو لم يفعل؟ قال: “فَيُعِينُ ذَا الحَاجَةِ المَلْهُوف”، قالوا: فإن لم يفعل؟ قال: “فَلْيَأمُرْ باِلمَعْروفِ”، قالوا: فإن لم يفعل؟ قال: “فَليُمْسِكْ عَن الشَرِّ؛ فَإِنَّهُ لَهُ صَدَقَةٌ” رواه البخاري.

فلنرطِّب ألسنتنا بالكلمة الطيبة التي تزيل الجفاء، وتذهب البغضاء والشحناء، وتدخل إلى النفوس السرور والهناء والمحبة والمودّة والوئام.
عباد الله
لتكن كلماتنا مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر، نبني حياتنا بوحيٍ من هداها، نتنسّم عبير شذاها مستجيبين لنداء رب العالمين ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ﴾ [البقرة: 83].

اللهم اجعل في قلوبنا نوراً وفي ألسنتنا نوراً وفي أسماعنا نوراً وفي أبصارنا نوراً برحمتك يا أرحم الراحمين .

ألا وصلُّوا وسلِّموا

عدد المشاهدات : 500

No comment

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *