موضوع خطبة الجمعة الأخيرة من شهر نوفمبر

موضوع خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف pdf


موضوع خطبة الجمعة الأخيرة من شهر نوفمبر، يؤدي أئمة وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة الأخيرة من شهر نوفمبر بعنوان : “الحياء خير كله”، وقالت وزارة الأوقاف إن الهدف من هذه الخطبة هو توعية جمهور المسجد إلى أهمية التحلي بخلق الحياء وأنه باب التقوى ومفتاح حب الناس .

وأضافت الوزارة أن هذا الموضوع يحقق المحور الثالث من محاور وزارة الأوقاف وهو بناء الإنسان، جدير بالذكر أن هذه الجمعة بتاريخ 30 نوفمبر 2024م ، الموافق السابع والعشرين من جمادى الأول لعام 1446هـ.

موضوع خطبة الجمعة عن الحياء كلة خير

معنى خُلُق الحياء ومفهومه.

2- فضائل خُلُق الحياء.

3- مجالات خُلُق الحياء.

4- مظاهر ذهاب خُلُق الحياء.

5- نماذج من الحياء.

الهدف من الخطبة:

التذكير بفضائل هذا الخُلُق العظيم، الذي هو مِفتاح لكل خير، وبيان فضائله، ومجالاته، ومظاهر ذهاب هذا الخُلُق وقلته، مع بيان نماذج وصور مضيئة لمن تخلَّقوا بهذا الخُلُق للاقتداء بهم.

مقدمة ومدخل للموضوع: موضوع خطبة الأخيرة من شهر نوفمبر

• أيها المسلمون عباد الله، فإن خُلُقَ الحياء هو ميراث الأنبياء، وهو من صفات الملائكة الأصفياء، يبعث على فعل كل مليح، وترك كل قبيح، وهو من صفات ذوي الأخلاق الحميدة، وهو رأسُ مكارم الأخلاق، وزينة الإيمان، وشعار الإسلام.

فهيا بنا نعيش هذه اللحظات مع هذا الخُلُقِ العظيم من خلال هذه الوقفات:

1- معنى خُلُق الحياء ومفهومه.

2- فضائل خُلُق الحياء.

3- مجالات خُلُق الحياء.

4- مظاهر ذهاب خُلُق الحياء.

5- نماذج من الحياء.

الوقفة الأولى: معنى خُلُق الحياء ومفهومه:

• الحَيَاء لغةً: الحشمة، وهو ضد الوقاحة.

•‏ ومعنى الحَيَاء اصطلاحًا- كما قال الجرجانيُّ رحمه الله-: “هو انقباض النَّفْس مِن شيءٍ وتركه؛ حذرًا عن اللَّوم فيه”، وقال ابن حجر رحمه الله: “الحَياء خُلُق يبعث صاحبه على اجتناب القبيح، ويمنع مِن التَّقصير في حقِّ ذي الحقِّ”.

الوقفة الثانية: فضائل خُلُق الحياء:

1- فإن الحياء هو خُلُق الإسلام؛ فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا، وَخُلُقُ الإِسْلامِ الْحَيَاءُ))؛ [رواه ابن ماجه، وحسَّنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب].

2- والحياء صفةٌ من صفات الله تعالى التي تليق بجلاله؛ عَنْ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ))؛ [رواه الترمذي والبيهقي، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع]، قال ابن القيم رحمه الله: “وأمَّا حياء الربِّ تعالى من عبده، فذاك نوعٌ آخر، لا تُدرِكه الأفهام، ولا تُكيِّفه العقول، فإنَّه حياء كرم وبرٍّ وجود وجلال”.

3- والحياء شريعة جميع الأنبياء، فهو مما توارثوه عليهم السَّلام؛ ففي صحيح البخاري عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ البدري رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ))، والمعنى: أنَّ الرَّادع عن القبيح إنَّما هو الحياء، وبغياب الحياء تُدمَّر الأخلاق، وترتكب الفواحش والموبقات، فمَن لم يستحِ فإنَّه يصنع ما شاء.

4- والحياء من الأخلاق التي كانت تُعرَف في الجاهلية؛ ففي صحيح البخاري في قصة أبي سفيان رضي الله عنه، وعندما كان على الإشراك مع هرقل: عندما سأله أسئلة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلما انتهى الكلام بينهما قال أبو سفيان مقولته الشهيرة: “فَوَاللَّهِ لَوْلَا الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ”.

5- والحياء خُلُق الأنبياء، والملائكة الأصفياء:

فقد اتصف به موسى عليه السلام؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلًا حَيِيًّا سِتِّيرًا، لا يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ؛ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ))؛ [رواه البخاري].

‏وقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم المَثَل الأعلى في الحياء؛ ففي الصحيحين عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: “كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا، فَإِذَا رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ”.

‏واتَّصَف به الملائكة الكِرام؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في عثمان رضي الله عنه: ((أَلا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلاَئِكَةُ؟))؛ [رواه مسلم].

6- والحياء شُعبة من شعب الإيمان؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ)).

وفي الصحيحين عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قال: “مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَجُلٍ، وَهُوَ يُعَاتِبُ أَخَاهُ فِي الحَيَاءِ، يَقُولُ: إِنَّكَ لَتَسْتَحْيِي، حَتَّى كَأَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ أَضَرَّ بِكَ”، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((دَعْهُ؛ فَإِنَّ الحَيَاءَ مِنَ الإِيمَانِ)).

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إنَّ الحياء والإيمان قرنا جميعًا فإذا رُفِعَ أحدهما رُفِعَ الآخر))؛ [رواه الألباني في تخريج مشكاة المصابيح، وقال: صحيح على شرط الشَّيخين].

7- والحياء مِفتاح لكلِّ خير؛ ففي الصحيحين عن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((الحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ))، وفي رواية: ((الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ)).

8- والحياء أبهى زينةً يتزيَّن بها المؤمن؛ عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((ما كان الفحش في شيء إلا شانه، وما كان الحياء في شيء إلا زانه))؛ [صحَّحه الألباني في صحيح التَّرغيب].

9- والحياء خُلُق يحبُّه الله تعالى؛ عن أشج عبد القيس رضي الله عنه قال: قال لي النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إِنَّ فِيكَ لَخُلُقَينِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ)) قُلتُ: وَمَا هُمَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((الحِلمُ وَالحَيَاءُ))؛ [صحَّحه الألباني في صحيح الأدب المفرد].

وَعَن يَعلَى بنِ أُمَيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم رَأَى رَجُلًا يَغتَسِلُ بِالبَرَازِ بِلَا إِزَارٍ، فَصَعِدَ المِنبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثنَى عَلَيهِ؛ ثُمَّ قَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ، يُحِبُّ الحَيَاءَ وَالسَّترَ، فَإِذَا اغتَسَلَ أَحَدُكُم فَليَستَتِر)).

10- والحياء يقود إلى الجنَّة؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الحياءُ من الإيمان، والإيمانُ في الجنَّة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النَّار))؛ [رواه التِّرمذي، وابن ماجه، وصحَّحه الألباني].

الوقفة الثالثة: مع مجالات خُلُق الحياء:

أولًا: الحياء من الله تعالى؛ فقد روى الإمام أحمد وأصحاب السُّنن عن بَهْز بن حَكيم، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنَ النَّاسِ))، وروى الطبراني عن سعيدِ بنِ يَزيدَ الأزديِّ رضي الله عنه، أنَّه قال للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: أوْصني، قال: ((أُوصيك أن تستحْييَ من الله عزَّ وجلَّ كما تستحيي منَ الرَّجل الصَّالح من قومِك)).

والحياء من الله عزَّ وجلَّ، يكون بمقابلة نِعَمِه بالشُّكْر، وأوامره بالامتِثال، ونواهيه بالاجتناب؛ فقد قال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((استَحيُوا مِنَ اللهِ حقَّ الحياءِ))، قال: قُلنا يا نبيَّ اللهِ، إنَّا لنَستَحيي والحمدُ للهِ، قال: ((ليسَ ذلكَ، ولكن الاستِحياءُ مِنَ اللهِ حقَّ الحياءِ؛ أن تحفَظَ الرأسَ وما وَعَى، وتحفَظَ البطنَ وما حوَى، ولتذكُر الموتَ والبِلَى، ومَن أرادَ الآخرةَ ترَكَ زينةَ الدُّنيا، فمَن فعل ذلكَ فقد استَحيا مِنَ اللهِ حقَّ الحياءِ))؛ [رواه الترمذي وصحَّحَه الألباني].

ثانيًا: الحياء من النَّاس:

فإن الحياء من النَّاس دليلٌ على مروءة الإنسان؛ فالمؤمن يستحي أن يُؤذِي الآخرين سواء بلسانه أو بيده، فلا يقول القبيح ولا يتلفَّظ بالسُّوء، ولا يطعن أو يغتاب أو ينمُّ على الآخرين، وكذلك يستحي من أن تنكشف عوراته فيطَّلِع عليها النَّاس.

والحياء من النَّاس يكون بِحِفْظ ماء الوجْه لهم، ولا يتمُّ ذلك إلَّا بكفِّ الأذى عنهم، وترْك ما يُغضِبهم أو يزعجهم وَتَرْكِ الْمُجَاهَرَةِ بِالْقَبِيحِ؛ قال أحدُ الحكماء: “مَن كساه الحياءُ ثوبَه، لم يرَ الناسُ عيبَه”، وقال بعض البلغاء: “حياة الوجه بحَيائه، كما أنَّ حياةَ الغَرْس بمائه”.

ثالثًا: حياء العبد من نفسه:

فيستحي من أن تُشوَّه سُمعتُه؛ فهذا النبيُّ صلى الله عليه وسلم، لَمَّا خرج ليلًا؛ لِيوصِلَ إحدى زوجاته إلى دارها، فمرَّ به رجلان فأسرعَا، فناداهما قائلًا: ((عَلَى رِسْلِكُمَا، إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ))، فَقَالَا: سُبْحَانَ اللَّهِ! يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنَ الإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا)).

‏ويستحي من ارتكاب الفواحش والكبائر؛ فهذا يوسف عليه السلام لمَّا دعته امرأة العزيز وغلَّقت الأبواب، وقالت: ﴿ هَيْتَ لَكَ ﴾ [يوسف: 23]، أجابها: ﴿ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾ [يوسف: 23].

قال أحد السلف: “من عمل في السِّرِّ عملًا يستحيي منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدر”.

ويستحي من أن ينقضي العُمر في المعاصي؛ ففي صحيح البخاري قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((أَعْذَرَ اللَّهُإلى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً)).

نسأل الله العظيم أن يُحسِّن أخلاقنا، وأن يرزقنا خُلُقَ الحياء.

الخطبة الثانية

مع الوقفة الرابعة وقبل الأخيرة: مظاهر وصور ذهاب الحياء:

1- فمن صور ذهاب الحياء: المجاهرة بالذُّنوب والمعاصي وعدم الخوف من الله تعالى:

فلما غاب الحياء من الله عند كثير من النَّاس، تجرؤوا على محارم الله؛ ففي الصحيحين عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((كُلُّ أُمَّتِى مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ الْمَجَاهرةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ، فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ، عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ)).

2- ومن صور ذهاب الحياء: إفشاء أسرار الزوجية؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((هَلْ مِنْكُمُ الرَّجُلُ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ فَأَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ، وَأَلْقَى عَلَيْهِ سِتْرَهُ، وَاسْتَتَرَ بِسِتْرِ اللَّهِ، ثُمَّ يَجْلِسُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا، فَعَلْتُ كَذَا؟)) فَسَكَتُوا، فَأَقْبَلَ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ: ((هَلْ مِنْكُنَّ مَنْ تُحَدِّثُ؟)) فَسَكَتْنَ، فقالت امرأةٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُمْ لَيَتَحَدَّثُونَ، وَإِنَّهُنَّ لَيَتَحَدَّثْنَه، فَقَالَ: ((هَلْ تَدْرُونَ مَا مَثَلُ ذَلِكَ؟))، فَقَالَ: ((إِنَّمَا ذَلِكَ مَثَلُ شَيْطَانَةٍ لَقِيَتْ شَيْطَانًا فِي السِّكَّةِ، فَقَضَى مِنْهَا حَاجَتَهُ، وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ))؛ [رواه أبو داود، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع].

3- ومن صور ذهاب الحياء: الفُحْشُ في الكلام؛ ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((أَيْ عَائِشَةُ، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ تَرَكَهُ أَوْ وَدَعَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ)).

4- ومن صور ذهاب الحياء: كشف العورات أمام الناس.

فمن صورها: ما يلبسه بعض شباب المسلمين من السراويل القصيرة إلىأنصاف الفخذين، والملابس الضيقة؛ عن بَهْزِ بن حَكيم، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟ قَالَ: ((احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ))، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا كَانَ القَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ؟ قَالَ: ((إِنْ اسْتَطَعْتَ أَلَّا يَرَاهَا أَحَدٌ فَلَا تُرِيَنَّهَا))، قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا؟ قَالَ: ((فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنَ النَّاسِ))؛ [رواه الترمذي].

ومن صورها: التبوُّل والتغوُّط في الطُّرُقات أمام أعين النَّاس بلا حياء؛ عَن يَعلَى بنِ أُمَيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم رَأَى رَجُلًا يَغتَسِلُ بِالبَرَازِ بِلَا إِزَارٍ، فَصَعِدَ المِنبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثنَى عَلَيهِ؛ ثُمَّ قَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ، يُحِبُّ الحَيَاءَ وَالسَّترَ، فَإِذَا اغتَسَلَ أَحَدُكُم فَليَستَتِر)).

وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ)) قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((الَّذِي يَتَخَلَّى في طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ في ظِلِّهِمْ)).

5- ومن صور ذهاب الحياء: تشبُّه النساء بالرجال، وتشبُّه الرجال بالنساء:

وهذا فعل مستقبح تأباه الفطرة السليمة والذوق والحياء، وقد حرَّمه الشرع ونهى عنه.

ومن صورها: لبس الملابس الضيقة اللاصقة، أو الملابس المُخرَّقة والمفتَّحة من الأعلى والأسفل حتى وصلت إلى حدود العورات المغلظة.

6- ومن صور ذهاب الحياء: تَبَرُّج النِّساء وخروجهنَّ كاسيات عاريات.

عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((يكون في آخر أمَّتي رجالٌ يركبون على سروج كأشباه الرِّحال، ينزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات، على رؤوسهنَّ كأسْنِمة البُخْت العِجاف، ألعنوهن فإنَّهنَّ ملعوناتٌ، لو كان وراءكم أمَّة من الأمم خدمتهنَّ نساؤكم كما خدمكم نساء الأمم قبلكم))؛ [حسَّنه الألباني في صحيح التَّرغيب].

7- ومنها: كثرة خروج المرأة من البيت؛ عن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((إِنَّ المَرْأَةَ عَوْرَةٌ، فَإِذَا خَرَجَتِ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ، وَأَقْرَبُ مَا تَكُونُ مِنْ وَجْهِ رَبِّهَا، وَهِيَ فِي قَعْرِ بَيْتِهَا))؛ [رواه ابن خزيمة، وصحَّحه الألباني].

وقَولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: ((فَإِذَا خَرَجَتِ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ))؛ أَيْ: زَيَّنَهَا فِي نَظَرِ الرِّجَالِ، وَقِيلَ: أَي: نَظَرَ إِلَيْهَا، لِيُغْوِيَهَا وَيُغْوِيَ بِهَا.

8- ومنها: خروج المرأة مُتَعَطِّرَةً؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: ((أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ، فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا، فَهِيَ زَانِيَةٌ))؛ [صحيح الترغيب والترهيب].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ لامْرَأَةٍ تَطَيَّبَتْ لِـهَذَا المَسْجِدِ، حَتَّى تَرْجِعَ فَتَغْتَسِلَ غُسْلَهَا مِنَ الجَنَابَةِ))؛ أَي: كَغُسْلِهَا مِنَ الجَنَابَةِ؛ [صحيح سنن أبي داود، الألباني].

هَذَا حُكمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم فِيمَن خَرَجَت إلى المَسجِدِ مُتَعَطِّرَةً، فَمَا ظنُّك بِمَن تَخرُجُ إلى عُرسٍ وَنَحوِهِ مُتَعَطِّرَةً؟!

9- ومنها: عقوق الوالدين:

وذلك بأن يسبَّ أبويه، أو يسخر منهما، أو يؤذيَهما، وأن يقابل إحسانهما بالإساءة إليهم، والله تعالى يقول: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 23، 24].

وفي صحيح البخاري عَنْ عبدالله بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ: ((الكَبَائِرُ: الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَاليَمِينُ الغَمُوسُ)).

10- ومنها: عدم إجلال ذي الشَّيبة الكبير؛ وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ: إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ))؛ [رواه أبو داود، وحسَّنه الألباني في صحيح الجامع].

الوقفة الخامسة والأخيرة: مع نماذج من الحياء:

1- فقد خلَّد القرآن الكريم ذكر امرأة من أهل هذا الخلق؛ كما قال الله تعالى عنها: ﴿ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [القصص: 25].

فهذه الآية تدل على حياء تلك المرأة من وجهين:

الأول: جاءت إليه تمشي على استحياء بلا تبذل، ولا تبجح، ولا إغواء.

الثاني: كلماتها التي خاطبت بها موسى عليه السلام؛ إذ أبانت مرادها بعبارة قصيرة واضحة في مدلولها، من غير أن تسترسل في الحديث والحوار معه.

2- ومن النماذج أيضًا: حياء الصدِّيقة بنت الصدِّيق عائشة رضي الله عنهما؛ روى الإمام أحمد والحاكم عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: “كُنْتُ أَدْخُلُ بَيْتِي الَّذِي دُفِنَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَبِي، فَأَضَعُ ثَوْبِي، فَأَقُولُ: إِنَّمَا هُوَ زَوْجِي وَأَبِي، فَلَمَّا دُفِنَ عُمَرُ مَعَهُمْ فَوَاللَّهِ مَا دَخَلْتُ إِلَّا وَأَنَا مَشْدُودَةٌ عَلَيَّ ثِيَابِي حَيَاءً مِنْ عُمَرَ”.

3- لِما لا وقد تربَّت في بيت العفاف، والطُّهر، والحياء؛ فهذا أبو بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه يخطبُ النَّاس يومًا، فقال: “يا معشر المسلمين، استحيوا مِن الله، فو الذي نفسي بيده، إنِّي لأَظَلُّ حين أذهب الغائط في الفضاء متقنِّعًا بثوبي استحياءً مِن ربِّي عزَّ وجلَّ”.

4- وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً، فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَهُ؟ فَقَالَ: ((يغسل ذكَرَه)).

5- وهذا نموذج رائع للحياء؛ ففي الصحيحين عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: “أَلا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: هذِهِ المَرْأَةُ السَّوْدَاءُ، أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ، وَإِنِّي أَتكَشَّفُ، فَادْعُ الله لِي، قَالَ: ((إِنْ شِئْتِ، صَبَرْتِ وَلَكِ الجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ الله أَنْ يُعَافِيكِ)). فَقَالَتْ: أَصْبِرُ، فَقَالَتْ: إِنِّي أَتكَشَّفُ: فَادْعُ الله أَلَّا أَتكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا”.

6- وهذا نموذج آخر للحياء؛ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مَنْ جرَّ ثوبه خيلاء، لم ينظر الله إليه يوم القيامة))، فقالت أُمُّ سلمة رضي الله عنها: “فكيف يصنعن النِّساء بذيولهنَّ؟” قال: ((يرخين شبرًا))، فقالت: “إذًا تنكشف أقدامهنَّ”، قال: ((يُرخينه ذراعًا، لا يزدن عليه))؛ [رواه التِّرمذي، وابن ماجه، وصحَّحه الألباني].

عدد المشاهدات : 13

No comment

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *