موضوع خطبة الجمعة القادمة مكتوبة للشيخ ماهر خضير بعنوان “الحياء كله خير”

لغة القرآن والحفاظ على الهوية موضوع خطبة الجمعة للشيخ ماهر خضير

الشيخ ماهر خضير من علماء وزارة الأوقاف والأزهر الشريف


موضوع خطبة الجمعة القادمة مكتوبة للشيخ ماهر خضير بعنوان “الحياء كله خير”، بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة بعنوان
الحياء كله خير
أعدها الشيخ / ماهر السيد خضير

لتحميل خطبة الجمعة word

لتحميل خطبة pdf


أما بعد، أيها المؤمنون، فكم هو جميل أن نلتقي اليوم لنُذكّر أنفسنا بأحد أجمل الصفات التي زين الله بها عباده الصالحين، ألا وهو الحياء. لقد قال رسول الله ﷺ : “الحياء كله خير”. فما أعظم هذا الحديث وما أبلغ معناه! إنه يختصر لنا فضيلة الحياء، ويدعونا إلى التمسك بها والعمل بها.


ما هو الحياء؟
الحياء هو شعور داخلي يمنع صاحبه من ارتكاب القبيح، ويحثه على فعل الخير، وهو خجل المؤمن مما يخالف أمر الله ورسوله ﷺ . وعن أبي القاسم الجنيد رحمه الله، قال: الحياء: رؤية الآلاء – أي النعم – ورؤية التقصير، فيتولد بينهما حالة تسمى حياء. والله أعلم.
أهمية الحياء في الإسلام:


• الحياء جزء من الإيمان: كما جاء في الحديث الشريف: “الإيمان بضع وسبعون شعبة، وأدناها إزالة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان”. والانسان الذي ينعدم الحياء عنده لا خير فيه لذا قال سلمان الفارسي رضى الله عنه: «إنَّ الله تعالى إذا أراد بعبدٍ شرًّا أو هلكةً، نزع منه الحياء، فلم تلقه إلا مقيتًا مُمقَّتًا» (حلية الأولياء).


وقال الفضيل بن عياض رَحمه الله: خَمـس من عَــلامـَات الشـقـوة: القسْوة فِي القلب، وَجـمُــود العَيـن، وَقـلـة الحيَـاء، وَالرغبـة في الدنيـا، وَطُول الأمَـل.
• الحياء زينة المؤمن: فالحياء يزين المؤمن ويجعله محبوبًا عند الناس.
تأمل معي في قصة سيدنا موسى عليه السلام في أرض مدين ” فجاءته إحداهما تمشي على استحياء ” لقد كانت راعية غنم لكن الحياء منحها الخلود ونقش اسمها في ذاكرة الوجود
وهذه السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها قالت لأسماء بنت عميس: «إني أستقبح ما يصنع بالنساء، يطرح على المرأة الثوب فيصفها» تقصد إذا ماتت ووضعت بين الناس -رضي الله عنها- قالت أسماء: يا ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألا أريك شيئًا رأيته بالحبشة؟ فدعت بجرائد رطبة فحنتها، ثم طرحت عليها ثوبًا، فقالت فاطمة: «ما أحسن هذا وأجمله، إذا مت فغسليني أنت وعلي، ولا يدخل عليَّ أحد».


قال عليّ رضي الله عنه: من كساه الحياء ثوبه، لم ير الناس عيبه، وعن وهب بن منبه قال: الإيمان عريان ولباسه التقوى وزينته الحياء وماله العفة.
• الحياء يمنع من المعاصي: فالحياء يردع الإنسان عن ارتكاب المعاصي والذنوب. والحياء يكف صاحبه عن ارتكاب القبائح ودناءة الأخلاق، ويحثه على مكارم الأخلاق ومعاليها.
قال بعض السلف: رأيت المعاصي نذالة فتركتها مروءة، فاستحالت ديانة.
• الحياء سبب للحب: فالله يحب الحياء، وقد قال تعالى: “وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرِ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَّى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ”


أمثلة على الحياء في حياة الرسول ﷺ والصحابة والتابعين:
أخي الكريم أوصي نفسي وإياك بلزوم الحياء فلقد كان ﷺ أشد حياءً من العذراء في خدرها “..حديث مهجورٌ عند كثير من الرجال، كأن الحياء خُلقٌ متعلق بالمرأة وحدها! ويقول سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما، في تفسير قوله تعالى: ” أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم “: (الرفث، الجماعُ، ولكن الله كريم يَكني) ولكنَّ الله كريمٌ يكني! ولكنَّ الله كريمٌ يَكني! فلا تنس هذا الأصل والاعتصام بنوره ولو كثرت أدخنة الألفاظ العارية والأخلاق المتآكلة!
وكان رسول الله ﷺ أشد الناس حياءً، وكان يستحيي من الله تعالى في السر والعلن. وقد روى الصحابة عنه ﷺ أنه كان إذا رأى شيئًا يكرهه عرفناه في وجهه.
وعن عروة بن الزبير، عن أبيه أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه خطب الناس فقال: يا معشر المسلمين استحيوا من الله – عزَّ وجلَّ – فوالذي نفسي بيده، إني لأظل حين أذهب إلى الغائط في الفضاء متقنعًا بثوبي استحياء من ربي – عزَّ وجلَّ. [الزهد للإمام أحمد /371].
خطب الصديق في المسلمين فقال: (أيها الناس،استحيوا من الله؟ فوالله ما خرجت لحاجة منذ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد الغائط، إلا وأنا مُقنِّع راسي حياءً من الله عز وجل) (مكارم الأخلاق).


وقال رضى الله عنه: (من قلَّ حياؤه قلَّ ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه) وقال: (من استحيا استخفى، ومن استخفى اتقى، ومن اتقى وقى).
حياء عثمان رضى الله عنه:
وذكر الحسن البصري عثمان رضى الله عنه وحياءه، فقال: (إن كان ليكون في البيت، والباب عليه مغلق، فما يضع عنه الثوب ليفيض عليه الماء، يمنعه الحياء أن يقيم صلبه).
قال أبو مسلم الخولاني: (من نعم الله عليَّ: أنني منذ ثلاثين سنة ما فعلت شيأً يُسْتحيا منه، إلا قربي من أهلي).
وعن محمد بن سيرين، أنه رحمه الله قال (ما غَشَيْتُ امرأة قط؛ لا في يقظة ولا في نوم غير أم عبدا لله، وإني لأرى المرأة في المنام، فأعلم أنها لا تحل لي، فأصرف بصري).
قال بعضهم: (ليت عقلي في اليقظة، كعقل ابن سيرين في المنام).

  • أنواع الحياء:
  • الحياء من الله: الخوف من معصيته والرجاء في ثوابه.
    عن علقمة بن مرثد قال: انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين، منهم الأسود بن زيد. وكان يجتهد في العبادة، ويصوم حتى يصفر ويخضر. فلما احتضر بكى. فقيل له ما هذا الجزع؟ فقال: لا أجزع؟ ومن أحق بذلك مني؟ والله لو أتيت بالمغفرة من الله عز وجل لأهمني الحياء منه بما قد صنعت، إن الرجل ليكون بينه وبين الرجل الذنب الصغير فيعفو عنه ولا يزال مستحيا منه. قال: لقد حج الأسود ثمانين حجة.
  • الحياء من النفس: التجنب عن القبيح والمحافظة على الكرامة.
    قال ابن القيم رحمه الله: أكمل ما يكون من الحياء: حياء المرء من نفسه، فهو حياء النفوس الشريفة العزيزة الرفيعة: من رضاها لنفسها بالنقص، وقناعتها بالدُّون، فيجد نفسه مُسْتَحييًا من نفسه حتى كأن له نفسين يستحي بإحداهما من الأخرى، فإن العبد إذا استحيى من نفسه فهو بأن يستحي من غيره أجدر.
  • الحياء من الناس: مراعاة مشاعر الآخرين واحترام حقوقهم.
    قال رجل: عشقت امرأة من الحي.. فكنت أتبعها إذا خرجت.. فكثر تتبعي لها.. فشعرت بتتبعي لها.. وفي ذات مرة بينما كنت أمشي وراءها.. إذ وقفت والتفتت إلى فقالت: ألك حاجة؟.. قلت: نعم ! قالت: وما هي؟ قلت: مودتك.. فقالت: دع ذلك ليوم التغابن، قال: فأبكتني – والله – فما عدت إلى ذلك..
    ختامًا:
    كيف تتعلم الحياء وتحسن المراقبة؟
    قال سهل بن عبد الله التستري: كنت و أنا ابن ثلاث سنين أقوم بالليل فانظر إلى صلاة خالي محمد بن سوار فقال لي يوما إلا تذكر الله الذي خلقك؟ فقلت: كيف اذكره؟ فقال: قل بقلبك عند تقلبك بثيابك ثلاث مرات من غير أن تحرك لسانك: الله معي… الله ناظري…الله شاهدي
    فقلت ذلك ليالي ثم أعلمته به فقال: قل ذلك كل ليلة إحدى عشر مرة فقلته فوقع في قلبي حلاوة فلما كان بعد سنة قال لي خالي: احفظ ما علمت و دم عليه إلى إن تدخل القبر فانه ينفعك في الدنيا و الآخرة فلم أزل على ذلك سنين ثم قال لي خالي يوما: يا سهل، من كان الله معه و ناظرت إليه و شاهده…ايعصيه؟! إياك و المعصية
    أيها المؤمنون، الحياء هو نور يضيء القلوب، وهو زينة تزين الأحوال، وهو حصن يحمي من الوقوع في المعاصي. فلنحافظ على هذا الخلق الكريم، ونغرسه في نفوس أبنائنا وأحفادنا، ليكونوا قدوة حسنة لأمتهم. اللهم اجعلنا من الذين يستحيون منك، ومن الذين يخشون عقابك، ومن الذين يتقونك في السر والعلن. آمين يا رب العالمين.
    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    أعدها الشيخ
    ماهر السيد خضير
    امام وخطيب ومدرس بأوقاف المنوفية
عدد المشاهدات : 108

No comment

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *