إدمان السوشيال ميديا خطبة الجمعة مكتوبة للدكتور محمد جاد قحيف



الحمد لله حذرّ عباده من الفتن، وأرشدهم إلى طريق العبادة والنعم، أحمده -سبحانه- وأشكره على جزيل نعمائه وسابغ عطائه ،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العليّ الأعلى، خلقَ فسوَّى، وقدَّر فهدَى، أحمدُه – سبحانه – وأشكرُه، وأتوبُ إليه وأستغفِرُه، له الحمدُ كلُّه، وبيدِه الخيرُ كلُّه، وإليه يُرجعُ الأمرُ كلُّه، يخلُقُ ما يشاءُ ويختار، وأشهدُ أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه،، وخليلُه وخيرتُه من خلقِه، بلَّغ الرسالةَ، وأدَّى الأمانةَ، ونصَحَ الأمةَ، وتركنا على المحجَّة البيضاءِ ليلُها كنهارِها، لا يَزيغُ عنها إلا هالِك، فصلواتُ ربي وسلامُه عليه، وعلى آل بيتِه الطيبين الطاهِرين، وعلى أزواجِه أمهاتِ المُؤمنين، وعلى أصحابِه ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

قراءة المزيد: إدمان السوشيال ميديا خطبة الجمعة مكتوبة للدكتور محمد جاد قحيف

وبعد: فإن وسائل التواصل الاجتماعي الحديث ومواقع الإنترنت المختلفة جمعت المشرق والمغرب والعرب والعجم يعد واقِعا عجيبا ، لو قُصَّ على آبائِنا وأجدادِنا لعَدُّوه ضَربًا من ضُروبِ الخيال، أو أحاديث سَمَر الليل، أو التصوُّرات التي لا وجودَ لها إلا في الأذهان، ولا حقيقةَ لها في الأعيَان
كيف لا يعُدُّونَها كذلك لو علِمُوا أنَّ أحدَنا يجلِسُ مُتَّكِئًا على أريكتِه في مجلسِه، أو مُستلقِيًا على سريرِه في غُرفتِه تصِلُ إليه الأخبارُ العالمية والمحلية ، ويتحدَّثُ مع العشرات أو المِئات أو الآلاف أو الملايين، تتوالَى إليه الأخبارُ حثيثةً بتحريكِ إبهامِه، أو ضغط سبَّابتِه وحسب قبل أن يقومَ من مقامِه؟
ولقد أصبحَت الكلمةُ تخرجُ من فَمِ صاحبِها والحرفُ يخُطُّه بَنانُه، فيبلُغُ الآفاق وهو مُتَّكِئٌ لم يجلِس بعدُ، فلا يحتاجُ في معرفةِ ذلكم كلِّه إلى الخروجِ من بيتِه، ولا التَّطوَافِ بأندِيةِ الناس ودُورِهم ومجالسِ الرواياتِ والأخبار لديهم.
كيف لا يعجَبُون لذلك، وقد كان الغائِبُ عنهم مفقُودًا حتى يرجِع، وأخبارُ الأُمم حولَهم بين وقوعِها وبين سماعِهم بها مراحِلُ من الزمَن؟!..
♦♦♦
العنصر الأول♦♦♦..
التحذير من إدمان مواقع التواصل..
مواقع التواصل الاجتماعي لم تعد مجرد مواقع للتواصل، بل غدت إدمانا للاطفال والشباب والكبار يعجز المرء عن التخلص منه، فهو ينام معها ويصحو، ويختلي بها حتى في بيت الخلاء، وفي مجالس الأفراح، وفي مجالس العزاء.
أصبحت ” السوشل ميديا ” من أشد أمراض العصر خطورة، في ذاتها وفي استخدامها، إلا من رحم الله، وقليل ما هم..
لك أن تتخيل مدى الحرص في الآونة الأخيرة على (الشواحن) المتنقلة، حتى لا ينقطع الإرسال، ويصعب الاتصال، لا بالوالدين أو الأبناء، ولا بالأحبة والأصدقاء، ولكن يخشى أن يتأخر في الاطلاع على الواتس، أو أن تفوته تغريدة، أو مقطع يسبقه إليه أحد السباقين في تدوير المقاطع، ما يخل منها بالأخلاق، وما يضحك السن، وما يثير الفتنة، وما يثير العجب، وما ليس له تصنيف فهو مجرد مقطع، تعظم مصيبتك وأنت تتلقاه عشرات المرات من كل صديق وصاحب، وفي كل مجموعة !..
هل يمكن لنا أن نسأل أطباء النفس، وعلماء الاجتماع عمّا نشعر به ونعيشه، أهو أمر طبيعي، أم هو حقا إدمان يورد صاحبه إلى ما لا يحمد عقباه ؟!.
إن لمواقع التواصل نفعا وإن لها لحاجة، بل وأحيانا ضرورة، هذا مما لا يمكن أن ينكر، لكن المعيب في هذا هو الغلو في استعمالها، وقد أهلك من كان قبلنا الغلو، كما أخبر صلى الله عليه وآله بذلك فيما صح عنه، وكان تحذيره عليه الصلاة والسلام من الغلو في مناسبة قد لا نعيرها اهتماما، كان ذلك بعد أن التقطت لها حصى الجمرات
وهناك غلو مقابل لهذا الغلو وهو إهمال هذه المواقع تماما، والتفاخر أحيانا بأنه لا يستعملها ولا يراها، وليس لها نفع ألبتة! وكل من الطرفين غلو، أحدهما في الاستعمال والآخر في عدمه!
وسيتضح لك أن هذا الغلو مهلك لو تابعت بعض المقاطع التي تحذر من إدمان النظر في الجوال، والتي قد يورد مدمنها المهالك، ويكفيك أن تعلم أن كثيرا من أسباب الحوادث المرورية في هذا العصر الحديث هو استعمال الجوال أثناء القيادة..
والذي يستعمل جواله ليرسل أو يكتب محادثة أو يقرأ تغريدة، أو يتأمل مقطعا يوتوبيا، أثناء القيادة، فلا شك أنه مدمن مواقع التواصل.
ومهما كان الأمر مهما فإنه ليس أهم من حياة الإنسان وصحته وعافيته وسلامته، وحفظه لماله، وقد تستغرب إذا قلت لك وحفظه لوقته، فهو يظن أنه يحافظ على وقته الثمين حين يستعجل النظر في رسالة، بينما هو في الواقع قد يتأخر ساعات عن مراده، وربما فقد جزءا من صحته أو كل حياته!
وكل واحد من المصابين في تلك الحوادث لو سألته لما زاد في جوابه على أنه لم يكن يتوقع النتيجة، ولم يكن يحسب أنها ستقع له، فقد كان موقنا بحرفيته، وقدرته على الانتباه للطريق وللجوال في آن، حتى كان ما كان!..
و النتيجة من هذا أخي الحبيب أن سوء الاستخدام يقضي على منفعة المستخدَم مهما كان نافعا.
حتى الدواء الذي يفترض أن يقضي على المرض، فإن سوء استخدامه قد يزيد المرض أو يؤدي إلى مرض أشد منه وأخطر ..
ويظهر أن إدمان ” السوشل ميديا ” من أشد أمراض العصر خطورة، في ذاتها وفي استخدامها، إلا من رحم الله، وقليل ما هم ، هذا، والله من وراء القصد..
♦♦♦
العنصر الثاني ♦♦♦..
سوء استخدام مواقع التواصل يؤدي إلى ما لا يحمد عقباه..
إن المتأمل في واقعنا والناظر في حال شبابنا يجد أن كثيراً منهم -وللأسف الشديد- لم يستغل هذه التقنيات في الطاعة والخير، وإنما قاموا باستغلالها في الشر، وجلب المنكر، والهدم، والدردشات التافهة التي لاتسمن ولا تغني من جوع..
بل نرى كثيراً منهم قد استحوذت هذه الوسائل على معظم وقته، فهو يصبح ويمسي مع حاسوبه أو جواله على الفيس بوك، أو التويتر، أو الواتساب ، أو التيك توك أو غيرها من برامج التواصل الاجتماعي ؛ حتى أننا نرى بعضهم حتى وهو يسير في الشارع، وفي أثناء مشيه في الطريق أو في السيارة، حاملاً لجهازه يدردش مع هذا، ويتواصل مع تلك، ويضحك على هذه، ويقلد على تلك..
ومظاهر الكذب وتزييف الحقائق فيها كثير ،فهذا ولد يخيل للآخرين أنه أنثى، وتلك بنت تضع صورة ولد، وكل منهما يحب أن يلفت الآخرين إلى صفحته أو إلى موقعه بأي شيء، بغض النظر عن كونه جائزاً أو غير جائز، ولهذا فلا مانع لديهم من وضع الصور الهابطة، وإنزال الروابط الهدامة، وإخراج الأفلام الإباحية والصور الملفتة، طالما أنها ستجذب الآخرين نحوهم ونحو منشوراتهم، دون مبالاة بقول الله: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) [الإسراء : 36]..
وكم من قصص ومآسي وعلاقات وصداقات وهمية أو حقيقية كانت بدايتها ونقطة انطلاقتها تعارف عبر الفيس بوك، أو التويتر، أو الواتساب، أو غيرها، وكثير من هذه العلاقات تتحول في النهاية إلى تعاسة وجحيم وشقاء، خاصة إذا حان موعد الجد وأتى وقت الصدق؛ فالثقة تكون منزوعة في الغالب بين الطرفين، وكل طرف لا يثق ثقة تامة في الشخص الآخر، ويتوقع منه الخيانة في أي لحظة، بل ربما يكون شاكاً في كثير من المعلومات حول الشخص نفسه، ومكذباً لأكثر الحديث الذي جرى بينهما وغير مصدق به..وهذا هو الأصل خاصة من طرف الشباب، بعكس البنات فإن كثيراً منهن عاطفيات، تصدق وتثق وتطمئن، ثم تتفاجأ في النهاية بأن هذا الشخص ما هو إلا ذئب بشري وكلب عقور هدفه فقط تمضية الوقت، وقضاء نزوته وشهوته مع تلك الفتاة، والتمتع بحديثها، وصورها، وصوتها..
لذلك تتفاجأ عندما تتيقن أنه قد خطب غيرها، أو تركها وأقام علاقة جديدة مع أخرى، أو قام بتهديدها وفضحها ونشر صورها، وبث المعلومات الخاصة التي أعطته إياها. وفي النهاية أسف وحزن، وانهيار وفضيحة مدوية، وحرق للسمعة، وربما يصل الأمر إلى القلق النفسي، والحيرة والاضطراب في كيفية إخماد الموضوع وكتم الفضيحة، وربما يصل الأمر إلى الاكتئاب والانتحار، والفضيحة والسجن..
ومن القصص الواقعية أن إحدى الفتيات كانت تتواصل مع شاب مجهول، وبدأت تتعرف عليه وتثق فيه، وهو يعطيها من كلامه المعسول ووعوده الكاذبة، وعندما طلب منها الحرام أبت ورفضت إلا عبر الطريقة الشرعية بالزواج بها. تعذر الوغد لها بأنه لا يملك تكاليف الزواج، وليس عنده المصاريف اللازمة لزواجه بها، فوعدته المسكينة من شدة ثقتها وفرط تعلقها، إن لم نقل سذاجتها وحماقتها، أعطته مبلغاً مالياً هائلاً على أن يجهز نفسه به، ثم يأتي إلى بيت أهلها ليتقدم لها ، استلم الغادر المبلغ،ثم طلب منها شرطا أن ترسل له صورها ومفاتنها ، فقامت المسكينة فأرسلت له صورة لها وهي بحجابها ، فتشنج الكلب وغضب عليها، وتحت ضغطه وتهديداته بقطع العلاقة معها أرسلت له صورة شبه عارية ،
وتتفاجأ الضحية بعدها بإرساله لرابط لصفحة على الفيس بوك باسمها الصريح، وفيه صورتها العادية، وكتب على الصفحة تهديد مباشر لها بأنها إن لم تفعل له وتفعل فإنه سيقوم بنشر الصورة الثانية لها، وسيعمل للصورة إشارة لتصل إلى جميع أهلها وأقربائها ثم أقام معها علاقات محرمة …
وبعدها تتفاجأ الفتاة المسكينة بإغلاقه لكل قنوات الاتصال التي كان يتواصل معها عبرها، أغلق جواله، ولم يرد على رسائلها من صفحاته الالكترونية، وقطع كل شيء. ذهبت إلى مكانه الذي يسكن فيه، فإذا بها تعلم من جيرانه أنه غادر المكان وأخذ معه كل أغراضه، وكأنه قرر أن لا يعود، فعرفت المسكينة أنها ضحية من ضحايا برامج التواصل ..
هذه هي النهايات المرة والعواقب الوخيمة لهذه الاستخدامات الطائشة لهذه البرامج وسوء استخدامها. وصدق الله -تبارك وتعالى- إذ يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [النور : 21]. ويقول-جل وعلا-: (وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة 168: 169]..
إننا مأمورون أن لا نتبع خطوات الشيطان اللعين ، ونفرَ من الفتن ونحاربَها ونُنابذَ أهلها؛ لأن الفتن شرٌ مَنْ استشرفها تشرفته وأهلكته، ومَنْ تابعها ضل وأضل. قال عليه الصلاة والسلام-: “يُوشِكُ أنْ يَكونَ خَيْرَ مَالِ المُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بهَا شَعَفَ الجِبَالِ ومَوَاقِعَ القَطْرِ، يَفِرُّ بدِينِهِ مِنَ الفِتَنِ..
وعن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا”..
وعن سيدنا حذيفة رضي الله عنه: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: “تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا، فأي قلب أشربها، نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها، نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربادا كالكوز، مجخيا لا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا، إلا ما أشرب من هواه”..
كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُحذِّرُ أُمَّتَه مِنَ الفِتنِ، وخاصَّةً ما يكونُ منها في آخِرِ الزَّمانِ.وفي هذا الحَديثِ يُبيِّنُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ للصَّحابةِ الكرامِ رَضيَ اللهُ عنهم أنَّه يَقرُبُ أنْ تَتغيَّرَ وتَتبدَّلَ الأحوالُ، وتَدخُلَ الفِتَنُ وتَعُمَّ الناسَ والبِلادَ، فإذا كان الحالُ كذلك، فإنَّ خيرَ مالٍ يتَّخِذُه المسلِمُ حيَنئذٍ هو الغَنَمُ، وخُصَّت بذلك؛ لِمَا فيها مِن السَّكينةِ والبَرَكةِ؛ لأنَّ المُعتزِلَ عنِ النَّاسِ بالغَنمِ يَأكُلُ مِن لُحومِها ونِتاجِها، ويَشرَبُ مِن ألْبانِها، ويَستمتِعُ بأصوافِها…
والمرادُ بالفِتَنِ التي في الحديثِ: هي الَّتي يَختلِطُ فيها الحقُّ بالباطلِ، ولا يَقدِرُ المرءُ على تَمييزِهما، أمَّا الَّتي يَتمايَزُ فيها الحقُّ عن الباطلِ فإنَّ المرْءَ مُطالَبٌ بالانحيازِ إلى الحقِّ ومُدافعةِ الباطلِ..(الدرر السنية)..
♦♦♦
العنصر الثالث♦♦♦..
منافع ومضار مواقع التواصل ..
وسائل التواصل الاجتماعي نعمة من الله سهلت الناس مهمات كثيرة ، فقد أصبح العالم بما فيه من قارات، ودول، ومدن، كالقرية الصغيرةِ بسبب وجود شبكات الإنترنت، وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي بين الناس..وقد حظيت بانتشار كبير على الصعيد المحلي والعالمي، وأصبح أغلب البشر من مختلف الجنسيات واللغات كباراً وصغاراً، ذكوراً وإناثاً يستخدمونها، ويتواصلون عن طريقها بيسرٍ وسهولةٍ، وبدون حواجز جغرافية، أو حدود دولية، مع تنوع برامجها ووسائلها، وسهولة استخدامها، وقلة تكلفتها ..
ومن إيجابيات استخدام تلك الشبكات والمواقع ما يلي:
١- أنها تسمح للمستخدمين لها بالتواصل مع الأصدقاء عبر المدونات، والكتابات، والمحادثات الصوتية والفيديو، وتبادل الصور والمقاطع الصوتية والمرئية، ونقل الأخبار والأحداث المهمّة التي تحدث في جميع أرجاء العالم
٢- أنه يمكن استخدامها للتواصل مع جميع فئات المجتمع، كالأقارب والأصدقاء والطلاب والمدرسين، وغيرهم ومعرفة الأخبار والمناسبات كالافراح وحالات الوفاة..
٣- أنها أصبحت من ضروريات الحياة اليومية، فأغلب الشباب والفتيات في وقتنا الحالي أصبح ميّالاً لاستخدامها أكثر من نشاطهم العملي على أرض الواقع..
٤- تعتبر من أقصر الطرق للتعامل مع الدوائر الحكومية؛ من حيث سهولةُ وصولِ المستخدمين لخدماتها، وقضاءِ حوائجهم، ومعاملاتهم بيسر وسهولة ودون أدنى مشقة، مما ترتب عليه توفير الكثير من الوقت والجهد والمال.
٥- أنها تعتبر من أهم وسائل الدعاية والإعلان والتواصل بين الشركات التي تروّج منتجاتها وبين المشترين الذين يبحثون عن مبتغاهم؛ من خلال هذه المواقع بدون أدنى مشقة عوضاً عن النزول للأسواق ومعاناة البحث المضني.
٦- أنها تعتبر مركزاً مهمّاً لعرض الوظائف المختلفة، للتيسير على الباحثين عن العمل، أو وظائفَ معينة..
٧- أنّها تعمل على توفير روابط المواقع المهمة للجامعات والمعاهد والكليات للشباب الباحث عن منحٍ دراسيّة، أو طلب الدراسة بها.
٧-إمكانية الدعوة إلى دين الله تعالى ونشره بين العالمين.. كما أنها تساهم في نشر العديد من الأحداث المهمة، كالمؤتمرات، والندوات، والمحاضرات، والأنشطة الإنسانيّة والخدمية.
٨- أنها تساهم بشكل كبير في نشر الوعي الصحي بين الناس، عن طريق النشرات، والرسائل، والكتب، والكتابات المختلفة التي تبين للناس خطورة بعض الأمراض وكيفية التعامل معها والوقاية منها. أضرار مواقع التواصل الاجتماعي ..
إن وسائلَ التواصُلِ على ما فيها من خيرٍ ونفعٍ للأمَّةِ في مجالاتٍ شتَّى، إلا أن فيها شرًّا كثيرًا، وضررًا ضارِبًا بأوتادِه على عقولٍ خلِيَّةٍ لا سِياجَ لها ولا حِمَى، حتى أنها سميت باسم آخر “وسائل التقاطع الاجتماعي” ، إنكم لترَون القومَ في المجلسِ الواحِدِ كتِف أحدِهم بحِذاءِ كتِفِ جارِه، وقد تقارَبَت أجسادُهم لكن قلوبَهم وأبصارَهم شتَّى، كلٌّ يُناجِي ويُحادِي عبرَ تلكُم الوسائِل..
وإذا كان النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – قد كرِهَ لأمَّته قِيلَ وقالَ، فماذا عسانَا أن نرَى في وسائلِ التواصُلِ بين ظهرانِينَا من كثرَة القِيلِ والقالِ، وسَفسافِ الكلام، والهَمز واللَّمز، والسُّخرية والشَّماتَة إلا مَن رحِمَ ربي..
ومن صور مضار مواقع الانترنت والتواصل الاجتماعي..
١-تسهيل الوقوع في الحرام
ومن العواقب السيئة لوسائل التواصل: أنها سهلت على كثير من الشباب والفتيات الوقوع في الشر، وارتكاب المحرمات الظاهرة، كرؤية الحرام، وسماع الحرام، وفعل المحرمات الكبيرة التي تجلب غضب الله، وتوقع العبد في أليم عذابه وشديد عقابه، ومن ذلك مشاهدة الأفلام الإباحية، ورؤية الصور الجنسية، والتعلق المقيت بصور الشباب والفتيات ، والمخنثين والمخنثات..
٢-نشر الأكاذيب والشائعات..
لقد أضحت الوسائل الحديثة أبواقاً لنشر الأكاذيب، وبث الأراجيف، وتبادل الاشاعات الكاذبة، والأخبار المزيفة، سواء في المجال السياسي، أو في الجانب الاجتماعي، أو في غيرهما من الجوانب، مما زاد من الوهن والهزيمة النفسية لدى الكثيرين.
إن الكلام حول العواقب السيئة لبرامج التواصل سيطول، وما مضى فيه كفاية لمن كان له قلب، وفيه ذرة من غيرة، وحرص على دينه وسمعته وعرضه..
٣- التعلق بها، وإدمانُ التعامل معها، والجلوسُ أمامها ساعات طويلة تؤثر سلباً على حياة من يتعامل معها من الناحية العلمية، والعملية، بل وتسبب الكثير من الأمراض النفسية، والعقدية، والبدنية.
٣- العزلة عن المجتمع: فأغلب من يتعامل مع هذه البرامج والمواقع ينعزلون وينقطعون عن التواصل مع من حولهم، فيجلسون في غرفهم، أو أماكن بعيدة عن الناس، مما يؤثر تأثيراً بليغاً على حالة الشخص وعدم توازنه.
٤- مضيعة الوقت، وهدرُه دون أدنى حسيب، ودون فائدة تُرجى، بل إن ذلك يتسبب في تضييعه لكثير من الواجبات والنوافل، بسبب انشغاله بها، وانكبابه عليها، وهذا من أكبر الخسارة للعبد.
٥- نشرُ الأفكار الهدامة والمنحرفة بين فئات الشباب المختلفة، عن طريق النشرات، والمقاطع الصوتية والمرئية الحماسية التي تدعوا إلى تقليدهم، والسيرِ خلفهم، والاستجابةِ لأفكارهم الضالة، وما وقع في زماننا هذا من نشرٍ للفكر الضال ووقوعِ اعتداءات على الحرمات والأنفس إلا بسبب التأثر بتلك الأفكار الخطيرة، التي تهدم ولا تبني، وتفسد ولا تصلح، بل من ورائها شر عظيم يراد بهذا البلد ودينه وأهله وقيادته.
٦- نشرُ الإلحاد و الفساد الاعتقادي والانحلال الأخلاقي بين المسلمين: عن طريق مواقع مخصوصة، وضعها أعداءُ الدين لنشر شبهاتهم وضلالاتهم، ونشرِ العقائد الهدامة والمخالفة لشريعة الإسلام، ونشر المواقع الإباحية التي تنشر الصور والمقاطع وتروج للزنا واللواط ونشرِ الفاحشة بين المسلمين..
٧- قضاءُ الأطفال لساعاتٍ طويلة بشكل منفرد مع تلك التقنيات يؤثر سلبًا على مهاراتهم الاجتماعية، والأخلاقية؛ حيث ظهرت على الكثير منهم بوادرُ العنف، والتقليد، ومحاكاةِ أخلاق الآخرين..
٨- انصرافُ أحدِ الزوجين أو كليهما إلى استعمال تلك الوسائل، مما يسبب التقصير في حقوق الآخر، ويضيع على الأسرة في كثير من الأحيان أوقاتًا يحتاجها الأولاد في تربيتهم، وتقوية العلاقات الأسرية بينهم..
♦♦♦
العنصر الرابع♦♦♦..
ثمت آداب وضوابط وأصول وقواعد مستوحاة من الشريعة الإسلامية الغراء يلزم مراعاتها خلال استخدام هذه الوسائل والشبكات التي أصبحتْ الشّغل الشاغل للناس في العصر الحاضر، ليتمّ استثمارها في مجالات الخير والصلاح وتماسك الأسرة والأمة والحفاظ على أمنها واستقرارها، ومن هذه الآداب:
١- مراعاة أمانة الكلمة وتحري الصدق ..
فالكلمة في الإسلام ينبغي للكاتب استحضار مراقبة الله تعالى عند النشر، والتغريد، لأن الكتابة مسؤولية وأمانة، يقولُ الرسول صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لا يُلْقِي لَهَا بَالا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لا يُلْقِي لَهَا بَالا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّم» صحيح البخاري: 6478
ويقول الشاعر:
وللصمتُ خيرٌ من كلامٍ بمأثمٍ
فكنْ صامتًا تسلمْ وإِن قلتَ فاعدل ..


كما يجب تحرّي الصّدق في الكتابة والدّقة في نقل المعلومة، لأن المعلومةَ عبر هذه الوسائل تصلُ إلى الناس بسرعة البرقِ، قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من دعا إلى هدًى، كان له من الأجرِ مثلُ أجورِ من تبِعه،لا يُنقِصُ ذلك من أجورِهم شيئًا. ومن دعا إلى ضلالةٍ، كانَ عليهِ من الإثمِ مثلُ آثامِ من تبِعه، لا يُنقِصُ ذلك من آثامِهم شيئا» صحيح مسلم: 2674


٢- التأكد من الأحكام الشرعية وصحّة الأحاديثِ قبل نَشْرها بالرجوع إلى أهل العلم أو المواقع الموثوقة والمتخصّصة ، ومواقع لبيان درجة الحديث كالدرر السّنية الحديثية، وملتقى أهل الحديث وغيرها من المواقع المعتمدة؛فشبكات التواصل الاجتماعي أصبحت منبعاً للفتن والمِحنِ ، علينا أن نتنبه ونحذر ونُحاذر فالدين وأحكامه يُؤخذان من العلماء الربانيين ، من علماء الأمة وبقية السلف، وليس من سفهاء النت وشبكات التواصل الاجتماعي التي صارت مرتعاً للفتن؛ حتى أصبح الحليمُ حيرانَ، وظهر الجاهل عالما، والسفيه عاقلا ، وزَهدَ بعضُ الناس في عقيدته ومنهج سلفه ، وظل دينه فتات على كل ساقط يقتات.


وخرج المفسدون مصلحين والفجار أتقياء والعصاة أنقياء ، ودُعي إلى الرذيلة وحُوربت الفضيلة ، وخُببتْ المرأةُ على زوجها، وأُبعد الرجالُ عن زوجاتهم ، وفسدت المجالسُ والبيوت إلا من رحم الله وإلى الله المشتكى..


٣- الاجتناب عن المبالغات وتضخيم الأحداث، حيث إن بعض الناس من عادتهم تضخيمُ الشيء وتكبير الحدث البسيط من دون تأكيد من جهة مسؤولة، وذلك حرصا على السبق الإعلامي كما يقولون، وقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك في قوله: «كفى بالمرءِ كذبًا أنْ يحدِّثَ بكلِّ ما سمِعَ» صحيح الجامع:4482 ..
٤- تجنب الوقوع في الرياء والسُمعة والتفاخر وتمجيد النّفس خلال استخدام هذه الوسائل، وعدم الاغترار والتباهي بالتعليقات المادحة، والثناء المبالغ فيه، والمدح الكاذب، أو كثرة المتابعين فكلّهم سيكونون شهداء لك أو عليك.
وانتشار بدعة التصوير أثناء أداء العبادات، كالحج والعمرة ومساعدة المحتاجين..


٦- مراعاة الستر على المسلمين، والاجتناب عن نشر خصوصياتهم، لحديث: «مَن سترَ مُسلِمًا سترَهُ اللَّهُ في الدُّنيا والآخِرةِ» صحيح ابن ماجة: 2078 ..


٧- اغتنام الأجر والثواب عند الله تعالى بتوظيف هذه الوسائل في نشر الخير والتعاون على البر والتقوى وتبليغ الناس الأحاديث الصحيحة ودعوتهم إلى التأسي بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم الذي يقول: «بلِّغوا عنِّي ولو آيةً» صحيح البخاري: 3461..
٨- غض البصر، وهذه ظاهرة مقيتة وشهيرة في ذلك العالم الوهمي، ومن يتابع إحصائيات مواقع البحث الالكتروني سيجد أن أكثر الكلمات التي يتم البحث عنها من قبل العرب هي كلمات جنسية وعبارات إباحية، الهدف من البحث عنها مشاهدة الرذائل والتمتع بالحرام المحض الذي يعمي البصر والبصيرة. (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ …) [النور 30: 31]..


٩- عدم الكتابة باسماء مستعارة أو مبهمة، أو انتحال شخصية وهمية مفترضة بعيدة عن الواقع، فمهما تستّر الإنسان عن أعين البشر، فإن هناك ربا يراه.


١٠- التوبة إلى الله تعالى، والتراجع عن نشر الخطأ على نفس المجموعات والوسائل التي تم نشر المشاركة عليها.. وإخلاص النية لله تعالى في كل ما تنشره على صفحاتك لأن النية أساس قبول العمل..


وختاماً: واجباتنا نحو أولادنا في عصر وسائل التواصل الحديثة..
إن علينا أن نربي أبناءنا على الحياء من الله ومراقبته، وننمى فيهم الوازع الديني، ونقوم بتوعيتهم بالمخاطر المترتبة على سوء الاستخدام لهذه التقنيات المعاصرة، حتى لا ينزلقوا في المزالق والمخاطر لهذه الوسائل. وأن نقوم بصرف طاقاتهم، وتوجيه جهودهم في تسخير هذه التقنية للدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والنصيحة ، فإن لها ثمارًا يانعة، وأجرًا باقياً -بإذن الله-.


كما يجب علينا التثبت من الأخبار والأحكام قبل الإرسال، وكم من خبر تداوله الناس، فأمسى شائعة لا حقيقة لها، وكم من ذِكر أو دعاء أو قصة موضوعة لا أصل لها، أو بدعة منكرة! ولربما تداولت الأيدي هذه الرسالة، وانتشرت في الآفاق، فتحمل المرء جزءًا من تبعاتها؛ بسبب تسرعه واندفاعه. (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النور : 19]..


فإياكم -ياعباد- الله ومنح الثقة بشكل مطلق خاصة للأطفال والشباب و الفتيات الذين يستخدمون هذه الوسائل والبرامج بشكل سلبي، بل لا بد من وضع حدود وضوابط لهم..
كما يجب استثمار هذه هذه الوسائل في طاعة الله، ونشر الخير، والتواصل مع إخواننا المسلمين، ودعوة غير المسلمين إلى دين الله فهي نعمة من الله منّ بها علينا في هذا العصر، وسيسألنا الله على كل نعمه أنعم بها علينا، ومنها هذه النعمة، نعمة التواصل الاجتماعي، فلنعد للسؤال جواباً، وللجواب صواباً (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [النحل : 18]..
اللهم اجعلنا ممن اغتنم وسائل التقنية في الخير ونشره، وجنبنا شرورها وأضرارها يارب العالمين..


العبد الفقير إلى عفو محمد جاد قحيف شوني طنطا دكتوراه في أصول الدين والدعوة الإسلامية جامعة الأزهر الشريف..

عدد المشاهدات : 29

No comment

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *