موضوع خطبة الجمعة القادمة للشيخ ماهر خضير إدارة الوقت مفتاح النجاح في الدنيا والآخرة

لغة القرآن والحفاظ على الهوية موضوع خطبة الجمعة للشيخ ماهر خضير

الشيخ ماهر خضير من علماء وزارة الأوقاف والأزهر الشريف


موضوع خطبة الجمعة القادمة للشيخ ماهر خضير، أيها الأحبة الكرام، هل فكرتم يومًا ما هو أغلى ما نملكه؟ هل هو المال؟ هل هو المنصب؟ هل هي الصحة؟ قد يقول قائل: كل هذا مهم. نعم، هي مهمة، ولكن هناك شيء أثمن من كل ذلك، شيء إذا ذهب لا يعود أبدًا، شيء إن ضاع منا خسرنا معه كل شيء. إنه الوقت، أيها الأكارم، إنه عمرنا الذي نعيشه! فماذا نفعل بهذا الكنز الثمين؟ وكيف نستثمره قبل فوات الأوان؟


الوقت هو العمر، والعمر هو مجموعة أنفاس، فكل نفس يمر بنا هو جزء من عمرنا ينقضي. قال الحسن البصري رحمه الله: “يا ابن آدم، إنما أنت أيام، كلما ذهب يوم ذهب بعضك.”
يقول الشاعر أحمد شوقي:
دقات قلب المرء قائلةً له: :::إن الحياةَ دقائقٌ وثواني
فارفع لنفسك بعد موتك ذِكرها :::الذِكرُ للإنسان عُمرٌ ثاني!


أهمية الوقت في الإسلام:
لقد أولى الإسلام أهمية قصوى للوقت، وحث على استغلاله فيما يعود بالنفع على الفرد والمجتمع في الدنيا والآخرة.
من القرآن الكريم:
• قال تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر: 1-3]. هذه السورة القصيرة تحذير للإنسان من الخسارة التي تتربص به إذا لم يستغل وقته فيما ينفعه.
• وقال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [المؤمنون: 99-100]. هذه الآية تصور لنا حسرة المحتضر على ما فاته من الأوقات التي لم يستغلها في الطاعات.


من السنة النبوية:
• عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “نِعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصِّحةُ والفراغُ” (رواه البخاري). وهذا الحديث الشريف يبين لنا أن كثيرًا من الناس يفرطون في هاتين النعمتين العظيمتين، وهما أساس استغلال الوقت.
• وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لن تزولَ قدما عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسألَ عن أربعٍ: عن عُمرِه فيما أفناه؟ وعن شبابِه فيما أبلاه؟ وعن مالِه من أين اكتسبه وفيما أنفقه؟ وعن علمِه ماذا عمل به؟” (رواه الترمذي). وهذا الحديث يوضح أن الوقت من أول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة، وهذا يدل على عظم شأنه.


قصص وأمثلة من السلف الصالح:
لقد أدرك سلفنا الصالح قيمة الوقت، فكانوا أحرص الناس على استغلاله.
• الإمام الشافعي رحمه الله: كان الإمام الشافعي رحمه الله يقول: “إذا رأيت رجلًا من أصحاب الحديث يضيع شيئًا من وقته، فاعلم أنه لا خير فيه”. لقد كان الشافعي مضرب المثل في الجد والاجتهاد واستغلال كل لحظة في طلب العلم وتعليمه.
• عروة بن الزبير رحمه الله: كان عروة بن الزبير رضي الله عنه يقول لابنه: “يا بني، ألا نتعلم في هذه الساعة؟” وكان لا يرى وقتًا يمر إلا ويحرص على أن يتعلم فيه شيئًا جديدًا.
• ابن القيم رحمه الله: يقول ابن القيم: “إضاعة الوقت أشد من الموت، لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها.”


الشعر والحكمة:
ولقد تغنى الشعراء والحكماء بقيمة الوقت وأهميته:
• يقول الشاعر محمد حسن ظافر الهلالي:
الوقتُ أغلى من الياقوتِ والذهبِ ::: ونحن نَخسرهُ فـي اللهـوِ واللعبِ
وسـوف نُسأل عنه عـند خالقِـنا ::: يوم الحسابِ بذاك الموقـفِ النّشبِ
كيفية إدارة الوقت: أيها الأحبة، إن إدارة الوقت ليست ترفًا، بل هي ضرورة لتحقيق النجاح في الدنيا والآخرة. فكيف لنا أن ندير أوقاتنا بفاعلية؟

  1. المحاسبة اليومية: حاسب نفسك كل يوم على ما أنجزت وما ضيعت، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا”.
  2. تحديد الأولويات: رتب أعمالك وفقًا لأهميتها، فابدأ بالأهم ثم المهم، واترك ما لا فائدة منه.
    بعض الناس يقول: هل الأفضل أن أستغل وقتي في الصلاة أو في قراءة القرآن أو حفظ العلم، أو في الدعوة، أو مساعدة أخ مسلم. ماذا أفعل؟ أحياناً يضطرب الإنسان في تحديد الشيء الذي يملأ به وقته، فنقول: اسمع هذا الكلام للإمام ابن القيم رحمه الله يقول: فأفضل العبادات في وقت الجهاد الجهاد، وإن آل ذلك إلى ترك الأوراد من صلاة الليل وصيام النهار، والأفضل في وقت حضور الضيف مثلاً القيام بحقه أي: إذا جاء أحدهم ضيف، تجده يقول: والله إنًّ قراءة القرآن أنفع لي، فالحرف بعشر حسنات، وهذا الضيف دعه يذهب إلى الفندق أو المطعم وهذا أحسن له وأحسن لي، نقول: لا (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) .
  3. الابتعاد عن مضيعات الوقت: تجنب كل ما يضيع وقتك سدى، كالإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والثرثرة الزائدة، وكثرة اللهو واللعب. ما هي الأشياء التي تستهلك الأوقات؟
    وقد ذكر ايضا ابن القيم رحمه الله أشياء الإسراف فيها مضيعة للوقت، وهي: النوم والأكل والكلام، إذا زادت عن حدها صارت مضيعة للوقت.
    النوم مثلاً نعمة من نعم الله لولا النوم لعشنا في شقاء، لأن الإنسان مطلوب منه أن يعطي جسده حقه (وإن لجسدك عليك حقاً) ولكن، أيها الأفاضل، كل نعمة يجب أن تستغل بحكمة واعتدال. فليس معنى أن النوم نعمة وضرورة، أن نتمادى فيه ونفرط في ساعات الراحة، حتى يصبح النوم ليس للجسد حقًا، بل للوقت سارقًا، وللواجبات مُعطِّلًا.
    كم من أناس يغرقون في نوم طويل، يتجاوز الحد الطبيعي، فينتهي بهم الأمر إلى:
    • ضياع الصلوات: خاصة صلاة الفجر التي هي مفتاح اليوم وبركته.
    • إهمال الواجبات: سواء كانت واجبات العمل، أو الدراسة، أو رعاية الأهل والبيت.
    • فوات فرص الخير: فقد يفوت على الإنسان فرصة لقراءة قرآن، أو ذكر لله، أو صلة رحم، أو كسب رزق حلال.
    • الشعور بالخمول والكسل: فكثرة النوم قد تأتي بنتائج عكسية، بدلًا من النشاط والحيوية، يشعر الإنسان بالثقل والوهن.
    أيها الكرام، أود أن أتوقف معكم عند ظاهرة منتشرة بيننا، ظاهرة قد تستنزف ساعات من أعمارنا دون أن نشعر، ألا وهي الإفراط في استخدام الهاتف للمكالمات الطويلة.
    الهاتف: نعمة قد تتحول إلى نقمة:
    لا شك أن الهاتف نعمة عظيمة في عصرنا هذا. لقد قرب المسافات، وسهل التواصل، وجعل العالم قرية صغيرة. ولكن، وكما يقال: “لكل نعمة زكاة”، ولكل خير شر إن لم يُحسن استغلاله. فهل فكرنا يومًا أن هذا الجهاز الصغير الذي بين أيدينا، قد يتحول من وسيلة تواصل إلى سارق كبير لأعمارنا؟
    أيها الكرام، كم من ساعات طويلة نقضيها في مكالمات هاتفية لا طائل من ورائها؟ كم من وقت ثمين يضيع في أحاديث قد لا تثمر سوى “القيل والقال”؟
    خصوصية النساء: تحديات ومسؤوليات
    ولعل هذا الأمر يبرز بشكل أكبر عند بعض أخواتنا الفاضلات. فالمرأة، بطبيعتها، تميل إلى التواصل الاجتماعي والتعبير عن مشاعرها. وفي ظل ظروف قد تحد من خروجها أو رؤيتها لصديقاتها وقريباتها، يصبح الهاتف هو المتنفس الوحيد، والسلوة التي تعوضهن عن التواصل المباشر.
    ولكن هنا تكمن المشكلة، فالحاجة للتواصل قد تتحول إلى إفراط، والإفراط إلى إدمان، والإدمان إلى ضياع للوقت، وإهمال للمسؤوليات.
    كم من وقت طويل تقضيه المرأة في مكالمة هاتفية، بينما أطفالها بحاجة إلى رعايتها؟
    كم من ساعات تضيع، وواجبات منزلية تتأخر، أو قراءة للقرآن تُهجر، أو ذكر لله يُنسى؟
    والأخطر من ذلك، أيها الأفاضل، أن هذه المكالمات قد تكون أحيانًا سببًا في المشاكل الزوجية. فالزوج قد يشعر بالإهمال، أو أن خصوصية بيته قد تُنقل للغير، مما يزرع بذور الشقاق والخلاف.
    أيها الإخوة والأخوات، لننظر إلى هواتفنا لا كأداة لإضاعة الوقت، بل كأداة لبناء وتعمير. لنجعلها وسيلة لزيادة الأجر، لا لزيادة الوزر.

خاتمة:
أيها المسلمون، إن الوقت يمضي سريعًا، ولا ينتظر أحدًا، فالسعيد من استغله فيما يرضي الله، والشقي من أضاعه في غير طائل. فلنحرص على أوقاتنا، ولنجعلها شاهدة لنا لا علينا يوم نلقى الله.
نسأل الله تعالى أن يبارك لنا في أوقاتنا، وأن يعيننا على استغلالها فيما يرضيه، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
وصلى الله على نبينا محمد

تحميل خطبة الجمعة القادمة مكتوبة للشيخ ماهر خضير بي دي اف 👇👇

عدد المشاهدات : 37

No comment

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *